الموت الجماعي للثروة السمكية.. مؤشر آخر لمخاطر التدهور البيئي

آراء وأفكار 2018/11/13 09:23:25 م

الموت الجماعي للثروة  السمكية.. مؤشر آخر لمخاطر التدهور  البيئي

د . جيهان بابان

فوجئت المؤسسات الحكومية و الصحية و العلمية و القطاع الاقتصادي المعتمد على الثروة السمكية بنفوق حاد لملايين من الاسماك في عدة محافظات عراقية، خاصة وإنها سبقت موسم التسويق الداخلي والخارجي للأسماك بأيام مؤدية الى خسائر اقتصادية و مالية جسيمة تعد بالمليارات من الدنانير لمربي الأسماك والحلقات الاقتصادية المرتبطة، التي تهدد بالإفلاس و البطالة ، بل وتشكل أيضاً تهديداً للأمن الاقتصادي والوطني والغذائي لأن الأسماك من أهم مصادر الغذاء للمواطن العراقي وبسبب حالة الاكتفاء الذاتي عراقياً من الناتج السمكي و اعتدال أسعارها يضعها في متناول أغلبية المواطنين وعنصراً هاماً في تحقيق الأمن الغذائي، و هذا يعني إن تداعيات هذه الكارثة امتدت لتشمل الاقتصاد و البيئة و الصحة. وقد أعطت مشاكل محافظة البصرة البيئية من تلوث المياه و امتداد اللسان الملحي في شط العرب و إصابة ما يزيد عن مئة ألف مواطن بصري بحالات معوية حادة بعداً جديداً هاماً حول واقع البيئة في العراق ومدى هشاشتها.
كان اجتماع مجلس وزراء الامن الوطني برئاسة رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي وما اتخذه من قرارات رصينة خطوة هامة تنسجم مع خطورة هذا الحدث كما شرحت البيانات الصادرة من الحكومة العراقية الاتحادية كوزارة الصحة والبيئة والزراعة والموارد المائية والحكومات المحلية الإجراءات المتبعة من أخذ عينات من المياه والأسماك والأعلاف و تحليلها في مختبرات وطنية وفي الخارج والاستفادة من الخبرات العالمية ووضع سياقات وإجراءات هامة كتنظيف الأنهار من الأسماك النافقة منعا لتحللها وطمرها أو حرقها، وإرسال فرق لرصد مدى مطابقة الأحواض السمكية للتشريعات الصحية والبيئية النافذة من قبل مربي الأسماك كحجم الاحواض و عدد الأسماك فيها ومواقعها والتعامل مع المتجاوزين قانونياً وأيضا تقدير خسائر مالكي الاحواض المجازة وحساب التعويضات المحتملة وأيضا تشكيل فرق لمنع وصول الأسماك النافقة الى الأسواق وبيعها للمواطنين بأسعار بخسة وإجراءات أخرى تناولتها بيانات وزارة الصحة و البيئة و الزراعة . وتبقى الخطوة التي لا تقل أهمية هي تحديد السبب الرئيس والأسباب المساعدة التي أدت الى هذه الكارثة البيئية و الاقتصادية .
ومن الجدير بالذكر إن ظاهرة نفوق الأسماك الجماعي معروفة وفي سواحل الخليج العربي كما حدث في الكويت في أيلول ٢٠٠٠ وسلطنة عمان في السواحل الشمالية، والذي يعنى أن الوصول الى معالجات حقيقية ووقائية يتطلب الاعتماد على الحقائق العلمية والمعرفية والابتعاد عن التسييس و الشعارات , لأن مسببات الموت الجماعي للأسماك متعددة مرتبطة بتغيير نوعية المياه نتيجة التلوث البيئي و الكيمياوي بشكل خاص ولأسباب بشرية مرتبطة بقلة الوعي أو ممارسات غير قانونية عبر تحويل نهر الفرات و العديد من الأنهار الى مكبات للنفايات البشرية والصحية و الكيمياوية خاصة تسرب مياه البزل التي تحوى كميات كبيرة من بقايا الأسمدة ومبيدات الحشرات لمقاومة الآفات الزراعية و المستخدمة بشكل عشوائي تزيد من كمية النيتروجين في المياه العذبة وتودي الى استفحال الطحالب و اغلبها مجهرية وتتغذى على الأوكسجين وتودي الى قلة المذاب في المياه مما يودي الى اختناق الأسماك و انسداد خياشيمها نتيجة كثافة تواجد الطحالب المجهرية, كما وتفرز أنواع معينة من الطحالب سموماً تؤدي الى موت الأسماك.
ومن العوامل الأخرى هو التغيرات الحادة في درجة حرارة المياه أو شحتها التي تزيد من نسب تركيز الملوثات الكيمياوية خاصة الزراعية و الصناعية أو نتيجة الانسكابات النفطية أو الصيد الجائر باستخدام السموم و المتفجرات والتي تضعف من مناعة الأسماك و قدرتها على التكيّف و بالتالي موتها نتيجة تزايد معدلات الإصابة بأمراض الأسماك المعدية بسبب البكتيريا أو الفطريات .
وقد شاعت آراء أن هناك تسميما مقصوداً كتخريب متعمد بسبب سرعة نفوق هذا العدد الهائل من الأسماك و امتدادها لعدة محافظات وهي و جهة نظر بحاجة الى تدقيق، لأن العراق مازال يواجه خطراً ارهابياً اعتمد و يعتمد أساليب جديدة بعد اندحاره عسكرياً من قبل القوات العسكرية البطلة كالاغتيالات و التفجيرات و أيضاً التخريب الاقتصادي والبيئي كاستهداف مثلاً الأعمدة الكهربائية و تفجيرها وحرق آبار نفطية ولذا يصبح تدمير الثروة السمكية وتهديد الأمن الغذائي هدفاً محتملاً لها خاصة وإن هناك تقاريراً تشير الى أن داعش بنت قدرات تطوير مختبرات بيولوجية و كيمياوية اثناء فترة تمددها في أراضي العراق المحتلة و الذي يحتاج الى سياقات امنية خاصة تعتمد على تفعيل الجهد الاستخباري لمتابعة ذلك .
إن جمعية البيئة و الصحة العراقية في المملكة المتحدة تدعم كافة الإجراءات و الخطوات اللازمة للتصدي لهذا الخطر البيئي الجديد وتدعم الخطوات التي تتبعها وزارة الصحة البيئة والزراعة والجهات الاخرى ذات العلاقة مع أهمية تفعيل التنسيق و على أساس أولويات وسياقات تعتمد على النتائج العلمية و المختبرية والابتعاد عن تبادل اللوم والاتهامات والابتعاد عن ظاهرة تسييس كوارث من هذا النوع.
كما انها على استعداد لتنظيم مؤتمر علمي لدراسة و تقييم هذه الظاهرة يضم خبرات عراقية ودولية وبالتنسيق مع الجهات العراقية وخاصة وزارة الصحة و البيئة ووزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية.
وقد تناول المؤتمر العلمي الخامس لجمعية البيئة و الصحة العراقية في المملكة المتحدة الذي عقد في لندن في يوم الاحد 11 تشرين الثاني 2018 حول "التصحر في العراق بين شح المياه و التغيير المناخي "بعض جوانب هذه الكارثة الاقتصادية و البيئية.
أما الجانب الأهم فهي الخطط الاستباقية التي تمنع حدوث هذه الكارثة مجدداً من متابعة ورصد لكمية ونوعية المياه من حيث الجودة ومسح دوري للمتغيرات في تركيبة المياه الكيمياوية والبيولوجية والعضوية عبر استخدام آليات الرصد المبكر الحديثة لمراقبة أية ازدياد طحلبي يؤدي الى تغير لون المياه مع رسم خطط طوارئ للتصدي لها .
ومن المهم أيضا للحفاظ على هذا المرفق الاقتصادي الحيوي تعزيز منظومات الرقابة على مشاريع تربية الأسماك و تطبيق قانون البيئة لعام ٢٠٠٩ على مزارع الأسماك و ضمان تطبيقها السياقات الصحية المقرة واتخاذ إجراءات صارمة لمنع ظاهرة تحول الأنهار الى مكب للنفايات ومياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية و مياه البزل. و أخيراً و ليس آخراً البدء بحملة توعية جماهيرية تؤشر الدور البشري في تدهور البيئة والصحة في العراق وخاصة على صعيد المياه، فالكارثة البيئية في البصرة مؤشرا على هشاشة الوضع البيئي والتحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الجديدة وهذا التطور الخطير الاخر في دمار الثروة الوطنية السمكية دليلا اخر .
إن المنهاج الحكومي و البرنامج الوزاري العراقي يجب أن يعطي أهمية للتصدي لمتطلبات حماية البيئة و تحسينها في العراق و التقليل من تبعاتها على الصحة العامة.
* أستاذة و خبيرة بيئية
رئيسة جمعية البيئة و الصحة العراقية في المملكة المتحدة

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top