الحمايات وشرطي المرور

آراء وأفكار 2018/11/13 09:25:19 م

الحمايات وشرطي المرور

زهير الجزائري

بين الحمايات وشرطي المرور تناقض وصدام دائم في بلد تتحكم به المليشيات وفقدت دولته هيبتها في عيون مواطنيها. شرطي المرور هو الحلقة الأضعف بين أفراد القوات المسلحة.. وحيد وسط شارع مشحون بالعنف، شبه أعزل في مدينة متخمة بالأسلحة، راجل بين سيل متقاطع من سيارات مسرعة . مع ذلك عليه أن يمثل الدولة في الشارع و يمثل العدالة والقانون وسط الفوضى . إنه التجسيد الرمزي لقوة دولة لا قوة لها.
مقابل ذلك تتركز مهمة الحماية على نقطة واحدة، هي حماية المسؤول من خطر الآخرين. والآخرون هم كل من هو خارج هذه الحلقة الضيقة التي تضم المسؤول وفريق حمايته.
في ذلك الماضي الذي لا يمضي، لا يتم اختيار الحمايات حسب كفاءتهم القتالية داخل وحداتهم العسكرية، ولا من العناصر الحزبية المخلصة.. ففي دولة لا يأمن فيها المسؤول أجهزة دولته ولا رفاق حزبه اعتمد مبدأ القرابة، حيث تحل علاقة الدم محل علاقة المواطنة وعلاقة العقيدة.
تقاليد الحماية، كما هي معظم تقاليد ذلك العهد انتقلت للعهد الجديد، فالحلقة الأضيق من الحماية التي تعرف أسرار تحرك الموكب وتحيط بجسد المسؤول هي من الأقارب الخلّص، وهذا يجعلها أكثر انغلاقا على نفسها وعلى المسؤول القريب. بل منغلقة حتى عن الحماية الأوسع من أجهزة الدولة البوليسية والعسكرية . وعادة تجلب عناصر هذه الحماية من القرية التي ينتمي إليها المسؤول، حيث الولاء أعمى لا تعرقله شكوك العقل، والمدينة الكبيرة تبدو لأبناء هذه القرية فخاً كبيراً وغامضاً، ولن يعود المواطن المجهول في هذه المدينة مواطناً له حقوقه وحماياته القانونية والمدنية، إنما هو عدو محتمل مادام خارج هذه الحلقة..إليه تتجه فوهات البنادق والعيون المرتابة، حين يمر الموكب في الشارع ، وكل حركة يقوم بها مشروع اغتيال.
وفي بلد تحكمه المليشيات يتبادل المسؤول وحمايته القوة والتأثير. من هذه القوة العمياء يستمد المسؤول قوته السياسية ويفرضها على الآخرين. ففي حوارات السياسيين المتعارضة تتهجس الحمايات خارج القاعة مسار الحوار الحاد فتتواجه مع بعضها بالأسلحة أو بالأيدي أو التهديد، وأحيانا حتى تحت قبة البرلمان الذي لا قبة له. والغلبة عادة للأكثر رثاثة واستهتاراً.
ورغم إن الحمايات تستمد سلطتها من المسؤول الذي تحميه، لكنها بالممارسة تكتسب سلطة منفصلة، سلطتها هي كمليشيات خارجة عن قوانين الدّولة ، وهذه السلطة المنفصلة تعطيها الإمكانية للتسلط على جهاز الدولة البيروقراطي لابتزازه وإنجاز معاملات خارِج الأطر القانونية لمصالحها الخاصة، وبعيداً عن دراية المسؤول.
يزداد الاستقطاب بين المواطن والحماية بتناسب طردي مع علاقة المسؤول بالمواطن، وتزداد عدوانية الحمايات مع تكاثر الأعداء. زمنياً ترتفع هذه العدوانية مع ارتفاع حالة الطوارئ وازدياد بوليسية الدولة. و حين لا تكون هناك حالة طوارئ حقيقية، تصطنع الحمايات حالة طوارئ ليخترق الموكب الأسود القانون وحقوق المواطن. تمنح الحمايات لنفسها العصمة والحصانة من أية محاسبة قانونية، ولِذَلِك تصبح العدوانية طليقة، بل ومتأصلة، ويصير السلوك العدواني تجاه الآخرين، ومنهم شرطي المرور،مطلوباً لذاته وبذاته لفرض سلطة خوف على الشارع، فيتحول الخائف مُخِيفاً.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top