قناطر: بين البصرة و(يلوا) ذات الزلازل

طالب عبد العزيز 2018/11/17 07:22:44 م

قناطر: بين البصرة و(يلوا) ذات الزلازل

 طالب عبد العزيز

في بحر شهر، لأ أكثر غادر المدينة ثلاثة من مثقفي البصرة: شاعر وناقد مسرحي وفنان تشكيلي، اثنان أتخذا من اسطنبول(يلوا) مقاماً ومستقراً، فيما حمل الأخير أسرته الى القاهرة، وبذلك تكون ثلاثة مقاعد في مقهى الأدباء قد خلت من أجمل جلاسها وتكون الثقافة قد فقدت ثلاثة من أبهى اسمائها، ويبدو أن الأمر لن يتوقف عند هؤلاء، إنما، هناك من الأدباء وغيرهم من بات يحدث نفسه بأحتمالات الهجرة، فالمدينة ما عادت تصلح للوجود الإنساني، لا لأنها باتت طاردة لمثقفيها،إنما لم تعد تصلح للحياة، بمعناها الإنساني.
بالامس، كنت في عيادة أحد الأدباء المرضى، يسكن منطقة شعبية جداً، جعل المطر من شوارعها جيفة، ومن أزقتها مأوى لكل ما هو غير آدمي، تنبعث روائح المجاري من بواطن المنازل، وبصورة أدق، ليس فيها أبسط مقومات السكن، لا أعرف كيف اهتديت الى منزله، كانت واحدة من فجائع ذاك اليوم، إذ من غير المعقول أن يسلك أديب، شاعر، فنان، أو أي أنسان له أدنى علاقة بمعاني الجمال، القصيدة أو اللوحة أو القطعة الموسيقية طريقاً كالذي سلكته الى هناك، هذه ضواحي تطرد ساكنيها، تقول لهم: اخرجوا، ارفعوا يافطاتكم واشتموا الحكومة باللغة التي تريدون، ولا حرج عليكم.
واحدة من ألعن أفعال الحكومة هو قيامها بتوزيع أراضٍ سكنية على مواطنيها، في مساحات، لم تصلها الخدمات البلدية، وهذا ما نجده في 75 % من الضواحي والمناطق السكنية في العراق بعامة، إذ أنها تتفضل عليهم وتمنحهم سندات التمليك وتكتفي بذلك، فهو الذي يبني بما يتمكن عليه، ثم تتركه في حيرة من أمره، يعاني الأمرين في الصرف الصحي والكهرباء والماء والطرق والأسواق والنقل، عن أي حياة نتحدث؟ هذا واقع حال المدن العراقية اليوم، ليس في البصرة حسب، إنما في العراق كله.
هذه حكومات أقل ما يقال عنها أنها ظالمة، تستفز مواطنيها في أبسط مرافق حياتهم، ثم إذا خرجوا عليها واجهتهم بالنار، في بلاد يتحدث اقتصاديوها بأرقام فلكية ساعة يجري الحديث عن الموازنات، لكنهم لا يملكون سكناً انسانياً، وليس في مدنهم شارعا نظيفاً، كنت سألت صديقي: ترى كيف يصل الطلاب الى مدارسهم؟ وكيف تتمكن المرأة الحامل من الذهاب الى المستشفى؟ وكيف يصل الموظف الى دائرته؟ مع يقيني باستحالة الأجوبة على أسئلة مثل هذه. بل السؤال الأكثر قيمة من ذلك، هو لماذا يذهب هؤلاء ماشين على اقدامهم الى كربلاء؟ ألم تكن حياتهم عبارة عن كربلاءات مضاعفة؟ لي صديق آخر استقر وأسرته في مدينة (يلوا) بتركيا، مع يقينه بانها داخل حزام الزلازل التي تحدث في تركيا.
يعاني سكان الكرمة والهارثة وشط العرب والحيانية والقبلة وخمسة ميل وعشرات الأحياء والضواحي في البصرة مما يعاني منه صديقي المريض الذي زرته البارحة، ولو أن الحكومة فتحت الحدود وخيرت السكان بين البقاء في البصرة أو الذهاب الى (يلوا) ذات الزلازل، لخلت البصرة من قاطنيها.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top