قناطر: رسالة إلى امرأة على الأطلسي

طالب عبد العزيز 2018/11/27 06:36:23 م

قناطر: رسالة إلى امرأة على الأطلسي

 طالب عبد العزيز

ولأنني، بلا مُحدّثين منذ أن حملتك الطائرة الى هناك، حيث تقيمين، على الاطلسي البعيد، فقد شاقني أنْ أكتب اليك، من هنا، من جزيرة النأي والضجر، التي خلفتني الشمس وحيداً فيها، وما كانت جزيرة من قبل، هي أرض نخل وماء وعصافير وظلال، جاء ذكرها في قراطيس ابي بكرة والجاحظ والسجستاني وباش أعيان، قالوا هذه أرض نخل. هل أذكرك بالليلة التي أمضيناها معاً، قبل أن يمتلأ النهر بالموج وتعصف الريح بأطرافه البعيدات، وكيف أني أزحت عريشة الكرم كيلا تمسسك أشواكها بسوء، ساعة أخذت عنك معطفك الى أصل سعفة، أعلقه عليه. أتذكرين، ذلك الفلاح، الذي رمى بابتسامته كاملة اليك، كان شعرُك مبللاً بعينه، وكانت أفاويق الأرض تبحث عن بلابل صوتك، أخذتُني الى عذق الرطب، أسأله سكُراً لشفتيك، هل ذهبتِ الى السريروالشمس لما تغرب بعد، هل تسلقت نخلة فاصطبغت حقيبتك بجذعها؟ أيما، والله، لقد حدث ذلك كله.
ليست البصرة مكاناً نلتقي عنده، إنما مرقاة أصعد منها اليك، أحصي على صعيدها الرطب مباهجي بلقائك، كنت، دخلت بغداد من باب بالكاظمية، لا يبدأ بالحمام في ساحاتها ولا ينتهي بمؤجري المِلاءات السود والادعية. وهل كانت الكويت إلا فندقاً، أضاء الخدم إيوانه الطويل، الذي حملتُك منه الى صالة الطعام، هناك، حيث يهمس المشككون بلون شعرك، وتهتف المصابيح بآلائك واسمائك. وما لي لا أذكّرك بفندق رماداحدّا، الذي بصنعاء، ليلة حسبتُ مفتاحَ غرفتي مفتاح غرفتك، وأنَّ الطريق اليك أقصر من شريط حمالة صدرك الى صدرك، ومالي لا أذهب لعّمان معك، قادما اليها من بغداد، التي تئن خسراناً وضياعات، ما لي لا أقف في باب فندقها الكبير محتضناً خصرك ومقبلاً ما بين عينيك، ما لي لا أذكر دمشق التي قدمتِ لها من أوديسا، مالي لا أذهب معك الى طهران، فيتعتعنا قطارُها الصاعد من عبادان، حيث اقتدنا الجبل مخفوراً الى هناك، هلاً تذكرتي معي لون الحصان الذي أمسك بعنانه السائس في اكيليوس، على البحر، هلاّ أحصينا معاً الهواء البارد الذي حال بيننا والبحر، أما وقد اتسعت الجغرافيا معنا، دعيني أحصي الشموس والعواصف والامطار التي اجتاحت جسدينا، وكيف أنني دافعت عنك بالقبل لا غير.
أكثر من عام مضى وأنت هناك، بوسادة مفردة صغيرة وبحمّام ضيق، لا حذاء يزاحم حذاءك في الباب، ولا أحد يأخذ عنك قميصك الى المشجب ، ذراعك فارغة، ولا أحد غيرُك يُسمعُ سائقَ التكسي نداءَك: أنْ توقف. عارٌ على يدي كلّ حقيبة تحميلنها، بليدٌ ومطعون بشرفه كلُّ ثور معلق في صورة على الحائط عند رأسك، كل مدفأة لا تمنحك شمسها بلا ضمير، وليس بينها وبين النهر ودٌّ كل شجرة تضن عليك بظلالها، أبغضُ الريح الي، تلك التي تعبث بشعرك وتستكين عند تنورتك، ليتها لم تنم ليلها النجوم التي لا تسترق الضوء من جسدك، كل النوافذ التي على الشارع تعرفك، لأنك وحدك من يعطر ستائرها، عشب كثير يرافقك الى خياط ثيابك ومثله أحمر وأزرق وأخضر الى الحديقة، وما من أريكة في الأرض إلا تمنتك أنيسة نهاراتها. تتطلع الاشرعة الى نداء قوارب روحك، وباعة أسرار الامكنة يأتمنونك على البلاغات.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top