دوريس ليسينغ  تكتب عن يوميات زوجة تولستوي

دوريس ليسينغ تكتب عن يوميات زوجة تولستوي

ترجمة: أحمد فاضل

إن أحداً لايستطيع أن يقول رأيه في زوجته إلا إذا احكموا إغلاق باب قبره " تولستوي "
في واحدة من أعقد العلاقات الزوجية والأسرية التي طغت على حياة اشهر كُتاب روسيا بلا منازع ، هي تلك العلاقة المتوترة بين ليو تولستوي وزوجته صوفيا .
ولأننا حينما نتناول هذه الإشكالية كنوع نادر الحدوث بين عبقري الأدب الروسي والعالمي وزوجته التي أحبته بجنون لكنها سرعان ما جعلت من هذا الحب وسيلة قوية لمماته ، فإننا نرد على ذلك القول الذي بات لسيقاً مع أولئك الرجال الأفذاذ الذين تركوا بصماتهم وآثارهم بيننا فقيل عنهم " إن وراء كل عظيم إمرأة " ، وبشيء من الجدية نحاول أن نقترب من هذه المرأة التي وقفت وراء عظيم كتولستوي ونقرأ في يومياتها الصادرة حديثاً والمترجمة عن الروسية من قبل الكاتبة الإنكليزية كاثي بورتر، فبعد ست سنوات من الزواج بدأت صوفيا وبالتحديد عام 1868 تكتب في مفكراتها عن نوع تلك العلاقة والمشاجرات التي كانت تحدث بإستمرار مع تولستوي ، تقول صوفيا في أول صفحات تلك اليوميات : ( يعتريني الضحك لقراءة مذكراتي .. فهناك الكثير من التناقضات كما لو كنت الأتعس بين النساء.. لكن الذي يجعلني أكثر سعادة هو عندما أكون في غرفتي وأصلي من أجل سنوات عديدة أخرى من السعادة عشتها بالرغم من هذا الشجار ألذي أكتبه هنا).
هذه المجموعة من المفكرات التي سطرت عليها صوفيا إجتراحاتها هي ليست فقط لأفكارها ، ولكن أيضاً لأحداث عامة شهدتها مع تولستوي وغطت فيها جميع كتبه الحرب والسلام ، آناكارنينا والعديد من الكتب ألأخرى ، في الوقت نفسه نراها في عملها الشاق - كما تعبر عن ذلك - فهي الأم المعنية بكل شؤون منزلها بالرغم من وجود الخادمات ، وجميع أنواع المساعدة التي تقدمها لزوجها أثناء عمله .
لكنها تقول : ( لماذا أنا غير سعيدة ؟ أنا أعرف كل أسباب معاناتي الروحية : أولاً يحزنني أن ...أطفالي ليسوا سعداء كما كنت أرغب . ومن ثم أنا في الواقع وحيدة للغاية .زوجي ليس صديقي ، إنه كان لي حبيب عاطفي في بعض الأحيان ، خاصة وأنه في هذه السن ، ولكن طول حياتي شعرت بالوحدة معه ، إنه لايذهب للتنزه معي ، إنه يفضل التفكير بالعزلة أكثر من كتاباته ، إنه لم يتخذ أي مصلحة في أولادي لأنه يرى أن هذا عمل صعب وممل).
صوفيا كانت تتوق لواقع جديد تُنمي فيه فكرها وفنها للتواصل مع الناس ومساعدة زوجها ، وهذه اليوميات هي في الأصل فكرة تولستوي فعندما تزوجها طرح عليها إنشاء اثنين من اليوميات واحدة لملاحظاتها على ما تقرأ والثانية خاصة بها ، والذي كان يقلقها أكثر ومرت عليه كثيراً في يومياتها هو بحثها عن وسيلة تمنع فيها حملها أنها لاتستطيع أن ترعى الثلاثة عشر طفلاً الذين خلفّهم تولستوي ، ولهذا راحت تكتب عن هذه الإشكالية التي شغلتها قبل ظهور حبوب منع الحمل بما يقرب من قرن من الزمن ، وتناولت أيضاً روايات زوجها خاصة الحرب والسلم وآنا كارنينا اللتان نالتا الإعجاب في كل أنحاء العالم ، قالت في الحرب والسلم : ( تولستوي كان يكتب بألم عن معاناة الآباء والأمهات في الحرب وفقدان الأبناء وما عانته قرية " أوستريلتر" طوال عام كامل و " برودينو " وحريق موسكو .. لقد تناولت وبإسهاب الحياة السياسية القاتمة والحبوالكراهية ) .
أما عن آنا كارنينا فكتبت تقول : ( هذه المرة ينحو تولستوي بتاريخ روسيا منحاً آخر يختلف جذرياً عما قدمه في الحرب والسلم ، فهو هنا يقدم تأريخاً للحياة الإجتماعية ولا سيما حياة النخبة منهم خاصة النبلاء ، تقف في وسطهم آنا كارنينا في صراع بين القلب والعقل.. بين الحب والواجب وما بين ألقديم والجديد .. في آنا كارنينا قدم زوجي عصارة جهده وفيها ألكثير من نفسه ، آرائه ، ومثله وتجاربه الشخصية ألتي غالبا ما جسدها البطل ليفين وبعضها الكسيس كارنين ، فيها يكشف علل وتناقضات المجتمع الروسي وهو يعيش أدق مراحله التأريخية ، إنها نغمة إنسانية لامثيل لها ، وفيها يبشر بالمحبة ويتغاضى عمن أساء إليه ويرفض أن يكون أول من يرمي الآنية بحجر ، بيد أنه بقي في مسألة ألزواج مقيدا بحدود الشريعة والقانون .
عندما كانت صوفيا تتنقل في قراءة أعمال زوجها لم يكن يخامرها ألشك بأنه كان يعود في وصف المرأة الحقيقية إلى طرق مختلفة فكان يقول عنها بأنها مثل الحمائم ، نقي وبريء، ويقول في مواضع كثيرة إنه إلتقى المرأة ألحقيقية ، غير أنه بحر من التناقضات ، فعلى الرغم من أنه بشر ألناس بعدم وجود فارق بينهم ونزل مع عماله في مزرعته المترامية ألأطراف ، يعمل معهم غير أنه كانت لديه أحكام مجحفة أحياناً منها إصراره على أن تتبنى زوجته رضاعة الأطفال ألفقراء ، بينما هي كانت لها حُلمات متشققة وكان من المؤلم إليها أن يطلب زوجها هذا الأمر كما روته في يومياتها ، لم تعرف كيف تتعامل معه بسبب صعوبة فهمه فهو يشعرك أنه ديني وأعماله كلها مكرسة للخير بينما هو في حقيقة ألأمر يريد شيئاً واحداً فقط الهيمنة ، وعلى الرغم من أنه نجح في أمور كثيرة إلا أنه في الواقع كان متعصباً ويصر على آرائه وكان يقول دائما أنه على حق ، وأمر خدمه أن يناموا على أسرة بينما هو إفترش الأرض ونام على ذلك القرميد البارد .
صوفيا في يومياتها نقلت أسرارا دقيقة من حياتها تقول في إحدى صفحاتها :( تولستوي لم يكن جيدا وهو يخطو نحو الثمانين من عمره ، فقد كان يهددني باستمرار بتركي وترك الأسرة مما حدا بي يوما أن أقفزإلى إحدى البحيرات لأتخلص مما أنا به لكنه أنقذوني وقد صرخت بهم : أريد أن أغادر العذاب لأنني لم أعد أتحمل هذه الحياة الرهيبة ولا أستطيع أن أرى أي أمل) .
في النهاية فر تولستوي من منزله بإتجاه منزل صغير بالقرب من إحدى خطوط السكك الحديدية ووجدوه قد فارق الحياة ، وعاشت صوفيا بعده سنوات طويلة أرملة وكانت تذهب لزيارة قبره حيث تطلب الصفح منه لإخفاقاتها معه .
هذه المفكرات تشهد على وجود حياة رائعة لإمرأة إستثنائية كانت متزوجة من أحد أكثر الرجال إستثنائية في ذلك الوقت ومع كل المشاعر التي حملتها نحوه إلا إنها كشفت الصعوبات عن مأزق المرأة في الماضي وكيف وجدت نفسها في هذه الدفاتر الصغيرة لأن الكلمات التي سطرتها كانت تشعرها بالراحة وتخفف من آلامها ، وهي بالتالي سجل حافل بكفاحها ومصدر إلهام لاجيال الحاضر والمستقبل .
* صحيفة التايمز

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top