قانون الإرث.. تونس 2018 بغداد 1959

آراء وأفكار 2018/12/12 06:10:41 م

قانون الإرث.. تونس 2018 بغداد 1959

رشيد الخيون

أصدرت مؤخراً تونس قانون الإرث، وكانت بغداد أصدرته قبل ستين عاماً ضمن الأحوال الشخصية (188 لسنة 1959)، المادة الثالثة عشرة من القانون، والقاضية بالمساواة في الإرث بين الذكور والإناث، وكان العذر أنه تيمناً بقانون الأراضي الأميرية، الذي سُن قبل القانون بفترة طويلة.
تجاوز العراق آنذاك العديد من البلدان في موقفه من المرأة، فأول وزيرة بالمنطقة كانت عراقية، ومعركة «السفور والحجاب» حصلت في العشرينيات، على صفحات الجرائد. فلم تواجه الدولة العراقية آنذاك اعتراضاً على توزير امرأة، لكن الاعتراض حصل ضد المساواة في الإرث، وما يخص منع تعدد الزوجات، وتحديد السن القانوني للزواج، والأخير اعترضت عليه المرجعية الشيعية.
ما يخص مادة الإرث اعترضت القوى السياسية الدينية، وفي مقدمتهم «الإخوان»، وفقهاء الشيعة، على اعتبار أن المساواة خروج على النص الواضح، وقيل «لا اجتهاد في مورد النص». فقد اجتمعت على رئيس الوزراء آنذاك القوى الدينية والعشائرية، الكردية والعربية، بسبب قانون الإصلاح الزراعي، وإلغاء قانون العشائر، غير أن تحريك الجمهور تم عن طريق ما قصده الفقهاء مِن المساس بالدّين، وعلى وجه الخصوص المادة الثَّالثة عشرة من القانون المذكور، والتي حُذفت بعد تغيير الحكم، ومجيء حزب البعث والقوميين إلى السلطة(1963)، وبعد (2003)، جاء الدستور العراقي على إلغاء القانون كلية، أي عدم وجود قانون للأحوال الشخصية، فكل مذهب وديانة مسؤولة عن الأحوال الشخصية لمنتسبيها.
بعد ستين عاماً أصدرت الحكومة التونسية قانوناً لمساواة الذكور والإناث، في الإرث والزواج، وظهر الرئيس التونسي قائلاً صراحة إن الدستور التونسي دستور علماني، مرجعيته ليست دينية، ولم يظهر موقفاً واضحاً للقوى الدينية التونسية، ماعدا احتجاجات من رجال في الزيتونة وحزب «النهضة»، فالحزب الأخير قد وافق على الدستور، ولا يريد أن يفقد ثقل النساء بتونس، ولهذا صدر القانون بأغلبية برلمانية. غير أن الاعتراض جاء من الأزهر، والذي لا تُدين له تونس بتبعية مذهبية، لأنه مؤسسة دينية لها ثقلها وحضورها في العالم الإسلامي.
والسؤال: كيف أن العراق الذي سبق تونس بستين عاماً، وفي هذه المادة بالذات، ولم تخضع حكومته حينها للقوى الدينية آنذاك، مع قوتها، يأتي على إلغاء تلك المادة، ثم القانون بمواده كافة؟! فالقانون استمر بالتعديل حتى سقوط الدولة برمتها (2003)، وفي كل تعديل تقرض منه مادة لصالح المرأة، وتضاف إليه مادة جديدة تتنافى مع المساواة والحقوق، بما يخص الزواج والطَّلاق.
فهل العراق تأخر وتونس تقدمت؟ وأين العِلة، هل في السلطة أم في المواطن؟! بطبيعة الحال لم تكن تونس متأخرة آنذاك، ولا هي أكثر تقدماً الآن، بغض النظر عن صدور أو عدم صدور قانون المساواة، وكان لها أن تصدر القانون (1959) أسوة مع منع تعدد الزوجات، لكنها لم ترد آنذاك فتح الخلاف مع فقهاء الزيتونة، مكتفية بسن مادة تقضي بأن البنت تحجب العصبة، بمعنى مَن له بنت واحدة أو بنات لا يتقاسم الأعمام معها أو معهنَّ الإرث.
غير أن للمدنية أو العلمانية ثقلها بتونس، فبعد التغيير (2011) لم تهدأ تظاهرات النساء من أجل الاحتفاظ بما جاء في مجلة الأحوال الشخصية، وبوجود حكومة متقدمة، ومجلس تشريعي متقدم، أُزيد على ما جاء في تلك المجلة بقوانين لصالح النساء، ومعلوم أن الصدام مع القوى الدينية أدى إلى اغتيال أعلام في الحراك المدني، ولقوة ذلك التيار اضطرت القوى السياسية الدينية المصالحة مع الزَّمن.
أما نكوص الزَّمن العراقي، فبعد سنوات من الحروب والحصار والغزو، تراجع المجتمع كثيراً عمَّا كان عليه (1959)، فتمكنت منه القوى الدينية بسهولة، فكان جاهزاً لتنفيذ أجنداتها بلا اعتراض مؤثر. فحينذاك لو تظاهرت القوى الدينية لظهر مقابلها ما يزيد عليها بمئات الآلاف، ممَن هم مع قانون الأحوال الشخصية، فالحكومة آنذاك معتمدة على هذه الأغلبية الشعبية. غير أن إلغاء هذا القانون، وفي زمن الديمقراطية، لم يتظاهر ضد هذا الإجراء إلا المئات من النساء، وبالمقابل أخرجت الأحزاب الدينية المئات من نسائها مؤيدات لهذا الإلغاء، نصرة للشريعة.
فلم تعد المدنية بالعراق كسابقتها، كي تتمكن من الاحتفاظ بالقانون الذي صدر قبل ستين عاماً، ولم تعد هناك حكومة وبرلمان متقدمين، وإلا فالعهد الملكي نفسه بدأ بكتابة القانون، لكنه كان محتاطاً من رجال الدين والعشائر، وأن الأحزاب آنذاك التي أيدت الثورة وسن القانون لا تقف معها، فهي لم تذكر حسنة لذلك النظام، مع أنه كثير الحسنات.
في ما يخص الأحوال الشخصية من حقّ التونسيين التحدث عن الحاضر، بينما العراقيون، وفي كل النواحي، يلهجون بالماضي. يتمثلون بـ: «وقائلةٍ أما لك مِن جديدٍ/أقول لها القديم هو الجديد». إنها بغداد (1959) وتونس (2018) .

عن الاتحاد الاماراتية

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top