المفهوم الخاطئ للتحرير الأدبي للروايات في العراق

المفهوم الخاطئ للتحرير الأدبي للروايات في العراق

زينب المشاط

حين كتب الناقد السينمائي علاء المفرجي مقاله الاسبوعي " كلاكيت" والذي كان يحمل عنوان "عبقري بين سيرة محرر وسيرة روائي " مُتحدثاً خلاله عن فيلم (عبقري) للمخرج البريطاني مايكل جرانداج، الذي يعد أبرز الأفلام التي تناولت سير الأدباء وهو الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج البريطاني مايكل جرانداج، القادم من المسرح، مقتبساًعن كتاب للكاتب سكوت بيرج يحمل عنوان «ماكس بيركنز: المحرر الأدبي العبقري»..

يتناول الفيلم عبقرية سيرة ماكس بيركنز أحد أبرز الناشرين الأميركيين العالميين وهو محرر أدبي عمل لصالح دار نشر أبناء تشارلز سكريبنر الشهيرة في نيويورك بفترة العشرينيات، حيث نشر لأشهر الكتاب الأميركيين أمثال إرنست هيمنغواي، وسكوت فيتزجيرالد وتوماس وولف، الفكرة تخرج عن حدود الفيلم، وتسكن ضمن حدود أفكاري الخاصة كمحرر في المجال الصحفي، حدثني المفرجي إن بيركنز لم يكُن ناشراً فحسب، بل كان مُحرراً لروايات هؤلاء الكُتّاب كما أن له سيرة في تغيير العديد من أحداث روايات همنغواي، واختزالها، وأسلوب كتابتها.... ولست أدري ما إذا كانت هذه السيرة وما يُذكر فيها من تحرير لروايات الكُتاب هي مُلفقة أم واقعية...
بعد عِدّة اشهر من نشر هذا المقال في عمود " كلاكيت" تحدثت إلى أحد الاصدقاء وهو ناقد ومحرر أدبي، وأخبرني إنه يحرر رواية لأحد الكُتّاب ذاكراً إنه غير بعض أحداث الرواية، كما أعاد صياغة العديد من الجمل الادبية، والنصوص، وأعاد كتابة بعض الصفحات في الواقع استفزني هذا الامر وتساءلت " هل يجوز للمحرر الأدبي أن يتدخل في أحداث سير الرواية وأسلوب كتابتها؟ وإن كان ذلك بموافقة الروائي نفسه، فهل يُعود الفخر هنا في كتابة الرواية إلى الروائي؟ ألا يجب أن يُشير الروائي إلى دور المحرر في كتابة بعض الصفحات وتحرير جانب كبير من جمل الرواية، والتدخل في أسلوب صياغة الكتابة، وتغيير بعض أحداث الرواية؟ أم ستُنسب الرواية إلى الروائي ويُخدع القارئ بذلك؟...
تساؤلات كثيرة، لم أسمح لنفسي ككاتبة صحفية أن أُجيب عليها، خاصة إنني لازلت في بداية مشواري الصحفي، وأخشى أن أُعطي تشخيصاً مخطوءاً للحالة، لذا فضلّت أن أطرح تساؤلاتي على المختصين بهذا المجال، وبدأت بالناقد والمحرر الأدبي د. أحمد حسين الظفيري، الذي كانت له محاولات في تحرير بعض النصوص الادبية، والكتب الادبية والدراسات، والروايات أيضاً ، وهو يجد بحسب ما ذكر إن " عمل التحرير يستدعي أن يكون المحرر عارفًا ومتذوقًا، وله دراية برغبة القراء، لذلك عمله يتمحور في تنظيم النص بأي جنس كان سواء باقتراح جمل جديدة أو بتعديل لغة النص."
الظفيري يجد إن من الطبيعي أن تُحرر الروايات، وهنا لا يعني تصحيحها إملائياً وقواعدياً ولغوياً، ولكن التدخل في مضمون النص أحياناً واضافة افكار جديدة للكاتب ، ويقول الظفيري "لا أعتقد أن التحرير خداع للقارئ لأن من الطبيعي أن يعرض النص على متخصص من أجل إظهاره بصورة أفضل تليق بمستوى الدار أو الصحيفة، فالمحرر هو الناقد الأول ولذلك تعتمد دور النشر والصحف العالمية محررين متخصصين لكل نص يظهر للمتلقين. " مؤكداً عن وجهة نظره الخاصة "أرى إن من الضروري أن تعرض كل النصوص على محررين سواء من قبل دور النشر أو من قبل الكاتب نفسه لأن من البديهي أن يخطئ الكاتب في الكتابة سواء في اللغة والتعبير أو في الفكرة ، وقد يسهو أو ينسى وهذه مهمة القارئ الثاني وهو المحرر الذي يقيم النص ويقومه ويرشحه للنشر."
أراء النُقاد تختلف عن رأي الظفيري، وكذلك أراء بعض الكُتاب والروائيين، يذكر الناقد فاضل ثامر خلال حديثه عن الموضوع "إن من المعلوم لدينا في العراق مفهوم المحرر الادبي، هو عدم إعطاء حرية للمحرر أن يغير أي شيء جوهري ضمن محتويات أو أسلوب الكاتب، هو فقط من حقه أن يصوب بعض الاخطاء أو الالتباسات التي تحدث في النص، ولكن إذا خولّه الكاتب أن يصوب أو يغير ضمن النص وفي محتوى النص وأسلوب صياغته فهذا يُعدّ اتفاق أخر، ورغم ذلك سيبقى بالنسبة لي هذا الامر خطأ، ومن الصعب أن يتدخل المحرر في نص الكاتب أو الروائي."
ويضيف ثامر قائلاً " إن النص الادبي معروف على أنه ملكية خاصة للمؤلف، لهذا فلا يجوز التدخل به في أي حال من الأحوال من قبل المحرر الادبي، ويجب أن نعلم إن مفهوم المحرر الادبي في كل العالم هو عملية تنسيق للمادة الادبية وموضوعة الرواية، مع تجنب التضاربات التي قد تحدث ضمن حدود النص، ولكن دون التدخل بالنص، كتغيير بعض منه، أو الإضافة الى إحداثه أو التغيير في أسلوبه."
ويتحدث ثامر عن حالة وجود نوع من الاتفاق بين المحرر والروائي، أو ما تعرف بحالة الترجمات فيقول "اذا كان الامر بموافقة المؤلف، فهذا بحث اخر، وخاصة على مستوى الترجمة، ففي بعض دور النشر يكون هناك مترجم رئيسي ومعه مجموعة مترجمين، يقوم كل من هؤلاء المترجمين بترجمة فصل واحد من الكتاب، وبعدها يقوم المترجم الرئيس بتدقيق هذه الترجمات، وإعادة صياغتها باسلوبه، ويتم نشرها باسمه هو، أما المترجمين الفرعيين الذين يتقاضون أجوراً على ما ترجموه دون ذكر اسماءهم على النص، وقد يعتقد البعض إن حقوقهم منهوبة أو غير معترف بها، ولكنهم يتقاضون أجوراً على ذلك بموافقتهم. أما بالنسبة لي فأنا من المصممين على احترام جهد المبدع لذلك اعتقد انه لا يجوز التدخل في النص بهذا الشكل ."
تحرير المادة الأدبية أمر مشروع لكن دون التغيير بالاسلوب ومضمون النص، ثم الادعاء إنها لغة الكاتب واسلوبه وفكرته، بهذا الشأن يقول الكاتب والقاص محمد علوان جبر " إن الكاتب سواء كان معروف او مستجد إذا اقدم على هكذا فعل فهو شيء خاطئ، يبدو إننا في العراق لدينا إلتباس في مفهوم المحرر الادبي للرواية."
مُضيفاً " إن في حال عرض الرواية على مصحح لغوي أو ناقد لإعطاء اراء فيها أو ملاحظات، ولكن أن يتدخل أحد باسلوب ومجريات الرواية اعتقد إن هذا الأمر استهانة بالقارئ، وكيف للروائي أن يرضى بأحد أن يعبث بمنجزه."
ويذكر جبر " أنا لا اعتقد إن همنغواي اخضع رواياته لمحرر ادبي أضاف اليها او أعاد كتابتها باسلوب خاص، وما اعرفه إن المحررين الادبيين في أوروبا لا يمكن ان يغيروا مجرى نص أو أسلوب الرواية، اعتقد أن الأمر ينفع في الصحافة، والكتب التي تختص بالدراسات ذلك لأنها تعتمد على كم المعلومات اما في الرواية فهذا أمر مستحيل لأن حتى طريقة صياغة الجملة، وأسلوب الكتابة هي تعدّ من التقنيات الفنية والابداعية للكاتب، ولأوجز الحديث بهذا الأمر أجد إن من يعتمد على هكذا عمل اعدّه من أنصاف المثقفين والموهوبين."

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top