بعبارة أخرى: على مَنْ يقع اللوم؟!

علي رياح 2018/12/17 06:47:04 م

بعبارة أخرى: على مَنْ يقع اللوم؟!

 علي رياح

لا يمكن لوم المدرب إذا تحلّى بالصدق والموضوعية والواقعية، وتخلّى عن المجاملة والمخاتلة وصارح الإدارة بكل التفاصيل، محدّداً طلباته في إطار محدّد لا يخلو ربما من الطلبات التي ترى الإدارة إنها عويصة وترقى إلى مستوى الأمنيات المستحيلة.. فالأصل أن يعمل المدرب في ظروف مناسبة تماماً مع الإنجاز الذي يتطلع هو والنادي إلى تحقيقه!
في عام 1991 جلس إداريو نادي بلاكبيرن روفرز الذي كان يلعب في دوري الدرجة الأولى الإنكليزي، مع نجم ليفربول ومدربه الأسبق كيني دالغليش وقالوا له من دون أي تردّد أنهم يخطّطون لاقتحام أسوار البريمرليغ، وإنهم يريدون حظوة لفريقهم تتناسب مع تلك الحظوة التي تحيط بمانشستر يونايتد وارسنال وليفربول.. بل إن الإداريين ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك.. لقد كاشفوا النجم الاسكتلندي بأنهم يريدون مدرباً وفريقاً يحرزان دوري انكلترا الممتاز، وإنهم مستعدون للاستماع بآذان صاغية لطلبات المدرب ما دام يقتسم معهم مهمة انجاز هذا (المشروع) التاريخي الذي لم يحققه بلاكبيرن في تاريخه إلا مرتين!
يومها لم تثر ثائرة المدرب دالغليش، ولم يهزأ بطموحات الإدارة والتي تتخطى في الظاهر كل المنطق وتتطاول حتى تبلغ حدود المستحيل.. بل قال لهم إن كل شيء ممكن في الكرة وفي انكلترا بالذات، إذا توفرت شروط موضوعية عدة .. أولها أن يتواصل عقده هو كمدرب على مدى ثلاثة مواسم كحد أدنى، وأن يخصّص النادي مبلغاً كبيراً (في حسابات ذلك الوقت) وهو 43 مليون جنيه لاستقدام لاعبين وضعهم المدرب في رأسه وعلى رأس أولوياته، وأن تدع الإدارة المدرب وشأنه في الجوانب الفنية، وألا تتدخل إلا لمساعدته، وفي الجوانب الإدارية فحسب.. وأن تراعي ذلك مهما كانت صروف الدهر، ومهما تقلـّبت الأحوال بالفريق!
وقبلت الإدارة أن تقدم هذه الضمانات كلها، بل وعملت بدأب على تنفيذها.. ومرَّ موسم، فإذا ببلاكبيرن يتأهل إلى مصاف البريمرليغ.. ومرَّ الموسمان الثاني والثالث والفريق يوجه الضربات العنيفة إلى أعتى فرق انكلترا.. الشياطين والمطارق والترسانة والقلعة والبلوز وهي مسميات (عربية) للفرق الكبرى.. فجاء موسم جني الثمار بعد ثلاثة مواسم من الإعداد والتحضير ثم الهمّة والعمل، وإذا بالفريق يعتلي القمة ويستعيد بذلك مجداً فقده لأكثر من ثمانين سنة!
يقبع ألف مغزى ومغزى خلف هذه القصة القصيرة سرداً، الطويلة عمقاً وزمناً.. فالإدارة عرفت يومها ما كان ممكناً وما كان مستحيلاً، وفرّقت بين الاتجاهين.. فلم تترك أفكار دالغليش تخرج من عقالها، كما إنها أدركت بالخبرة والدنو من واقع الفريق أن الزمن في صالح بلاكبيرن، وأن الصبر مطلوب إذا كانت التفاصيل تسير في اتجاه مسيطر عليه.. ولهذا ساعدت المدرب، ولم تسخر منه حين كان يحلم بنجاح استثنائي يتأسّس على مآسي الفرق الكبيرة الأخرى التي كانت تعيش في علياء شأنها، ولم تقل الإدارة للمدرب إنه يغالي في سقف طموحاته لأن جلوس الأندية الكبيرة الأخرى على القمة حق مكتسب، ومنحة لا ترد!
وإننا لنتساءل حقاً: كم من أنديتنا لديه مثل هذا الرهان على الزمن، وكم من مدربينا يملك القدرة على أن يحدّد ما يريد، ليفي ـ بعد ذلك ـ بالعهد والوعد؟!.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top