السيادة الوطنية العراقية بين مطرقة ترامب وسندان المعارضة العراقية

آراء وأفكار 2019/02/11 07:27:05 م

 السيادة الوطنية العراقية بين مطرقة ترامب وسندان المعارضة العراقية

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

جدير بالتأكيد أن تصريحات الرئيس الاميركي دونالد ترامب حول إختيار قاعدة الأسد في محافظة الانبار مركزاً عسكريا واستخباريا حيويا لمراقبة التحركات العسكرية الايرانية بضمنها تلك التي تتعلق بالبرنامج النووي الايراني ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة في إثارة الجدل حول مسألة الحفاظ على السيادة الوطنية العراقية. زيارة ترامب للقوات الاميركية في القاعدة ذاتها في اعياد الميلاد (26ديسمبر 2018) هي الأخرى أثارت حينها نقداً شديد اللهجة من قبل بعض الساسة والبرلمانيين ولكن واقع الحال حينها لم ينتج عنه أي موقف جدي ملموس يتصدى لها حتى ولو بابسط الاجراءات القانونية أو البروتوكولية التي تقتضي مجرد عقد جلسة برلمانية لمناقشة الأمر. الموقف الأخير للرئيس ترامب أثار استياءً وجدلاً يتراوح مابين من يسميه معتدل ودبلوماسي كالذي صرح به رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح قائلا :" أن الرئيس الامريكي لم يطلب إذنا من بغداد لإبقاء قواته في العراق". مضيفاً أن تواجد القوات الامريكية هو ضمن سياقات قانونية وبأتفاق بين البلدين وأي عمل خارج الاتفاقية غير مقبول. بمعنى أن الرئيس العراقي أبدى معارضته "الدبلوماسية" من إتخاذ العراق موطئ قدم للولايات المتحدة لضرب ايران وقد ينسحب الأمر أيضاً بالضرورة إلى توثيق موقف عراقي تاريخي قديم يؤكد أنه بحكم علاقات حسن الجوار لايجوز لأية دولة أن تمارس وصاية على السياسة الخارجية العراقية . وموقف أخر أكثر شدة عبرت عنه بعض قيادات الاحزاب الاسلامية وغيرها من قوى سياسية وطنية من مختلف شرائح المجتمع . القوى مثار الحديث معروفة أصلا بمواقفها المتشددة من استمرار بقاء القوات الامريكية في العراق خاصة عقب الانتصار على داعش ، قوى لها تمثيل حكومي وبرلماني مهم في الدولة العراقية (خاصة من كتلتي سائرون – الاصلاح والبناء-الاعمار) . من جهته عبر النائب الاول لرئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي عن موقف وطني واضح أشار فيه إلى أن تصريحات ترامب تمثل : "تجاوز صارخ وسافر للسيادة والإرادة الوطنية وأنتهاك فاضح للدستور العراقي الذي يقر بعدم إعتبار العراق منطلقا للاعتداء على أية دولة ، معتبرا ما صرح به (ترامب) تجاوز للعرف القانوني والدستوري للدولة العراقية خاصة بعد زيارته للقاعدة الامريكية في 26 كانون الاول 2018". ضمن هذا السياق من منظور مقابل يمكننا القول أن تصريحات مسؤولي الدولة العراقية في أعلى مراكز القرار في السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة) لم تعتبر زيارة ترامب للقاعدة العسكرية "الاسد" خارجة عن الاصول الدبلوماسية كونها تمت عقب اخذ إذن رسمي عراقي وبالتالي لاتمثل خرقاً دستورياً او قانونياً. لعل تبرير ذلك الموقف "رسميا" يأتي كنتيجة لأحترام دور الولايات المتحدة الامريكية قائدة لقوى التحالف المناهض لداعش خاصة وأن الحرب ضد "بقيا داعش" مستمرة ولكنها ستنتهي في الاسبوع القادم (حسبما اشار الرئيس الاميركي مؤخراً) وبالتالي ستفقد داعش كل ال 100 بالمائة من الاراضي التي احتلتها منذ 2013 و2014. لكن مايميز تصريحات ترامب الاخيرة إنها بلغت ذروة التحدي للسيادة العراقية - وفقا لإركان سلطات الدولة العراقية - ما استوجب إتخاذ العراق مواقف اكثر شدة خاصة وأن إمكانية تصاعد المواجهة بين واشنطن وطهران قد تصل لحدود الذروة في إطار مواجهة عسكرية محتملة مباشرة أوغير مباشرة ، ما قد يدخل الساحة العراقية في آتون صراع امريكي- ايراني "جيوسياسي" مع كل ما يجر اليه من تداعيات خطيرة على الأمن والامان والسلم المجتمعي الذي هو ركيزة اساسية لبناء عراق متقدم تتجه بوصلته إن واصلت جهود الاصلاح تقدمها نحو تحقيق التنمية الاقتصادية – الاجتماعية – الانسانية . المتفق عليه عموماً أن الوجود العسكري – الأمني الاميركي هو لإغراض التدريب وتأهيل بعض قطعات الجيش العراقي لمحاربة قوى الارهاب المتمثلة أساساً بداعش وبالتالي فإن مراقبة إيران من مواقع داخل العراق مسألة تبدو بعيدة جدا عن التكليف الرسمي المتفق عليه مع الحكومة العراقية وفق الاتفاقية الامنية المتبادلة بين الطرفين وما يعرف بإتفاقية الاطار العام "الاستراتيجي". جدير بالذكر ، أن إدارة ترامب قد تعمل أيضا بإتجاه نقل القوات الامريكية المنسحبة من الاراضي السورية إلى العراق وعددها يصل إلى قرابة 2000 شخص أو أكثر. السؤال هل يمكن معرفة ما إذا كان بإمكان العراق أن يمارس سيادته الوطنية بصورة صحيحة وحازمة ولكن ماذا نعني بمفهوم السيادة؟ وفقا لقاموس بلاك للقانون Black Dictionary السيادة هي السلطة العليا – المطلقة سياسيا التي لايمكن تقييدها. هي سلطة وطنية "لاتتجزأ" ولاتحددها بالتالي قانونا أية حدود عند التطبيق ومن وظائفها ايضا الإطلاق الحر لصناعة وتنفيذ التشريعات او القوانين واستحصال الضرائب والمنح المالية وغيرها من إجراءات قانونية تخص إدارة شؤون الدولة التي يفترض كونها "مستقلة وطنيا". أكثر من ذلك ، الدولة ذات السيادة تستطيع إعمال إرادتها وتفعيلها ومن ثم تقرير مصيرها سواءا أكان الظرف سلم أم حرب. على ذات المنوال ، تستطيع الدولة ذات السيادة ان تبرم معاهدات للتحالف أوتعقد إتفاقات للتجارة مع الدول الاجنبية او تنتمي لمعاهدات دولية مختلفة التخصصات او الاهتمامات . من هنا أهمية الاحتفاظ بالسيادة الوطنية العراقية بمفهومها الشامل عبر الزمان والمكان ولابد من سبر أغوارها بما يكفل بناء عراق مستقل يستطيع أن يدرء اية تهديدات أمنية على ارضه أو اي محاولات للتدخل العسكري – الامني من قبل دول الجواراو من قبل قوى كبرى تخطط استراتيجيات دولية عبر البحار او من داخل المنطقة . المرحلة القادمة ستشهد تصاعد المطالبات الشعبية بضرورة خروج الولايات المتحدة من العراق مسألة بدورها تحتاج لجهد دبلوماسي - قانوني وسياسي ينقل رغبة الحكومة العراقية إلى صانع القرار في واشنطن من خلال مفاوضات جدية . المشكلة الحقيقة التي ستجابه العراق تكمن ليس في البعد الدبلوماسي والقانوني فقط بل في إمكانيته أن يلعب دورا جيوسياسي فاعلا يستطيع من خلاله أن يخلق حالة لتوازن جيوستراتيجي مع كل الدول الجارة ايران وتركيا والمملكة العربية السعودية ، الكويت والمملكة الاردنية الهاشمية من منطلق "سيادة عراقية وطنية حقيقية" . كلما أمكن للعراق تعزيز قوته العسكرية – الامنية – الاقتصادية مقرونة بتماسكه المجتمعي "نسبيا" كلما أمكن للعراق ان يؤكد سيادته الوطنية . من منظورأخر مكمل مهم جدا هو ضرورة أن يعاد هيكلة النظام السياسي للعراق بصورة تعكس طبيعة النظام الفدرالي بأكمله وفقا للسياقات الادارية – السكانية وليس وفقا للمنظور الطائفي ، العرقي ، القبلي والجهوي. إن تشكل سيادة عراقية وطنية حقيقية لابد له من دعم واضح يتم من قبل السلطات الثلاث (التشريعية ـ التنفيذية والقضائية) على رأسها السلطة التنفيذية التي عليها مسؤولية حماية البلاد والعباد من كل المخاطر الداخلية والخارجية. من منظور عراق سيادي وطني يحفل به ويحترمه كل مواطن عراقي يفترض أن تكون اولوية الدفاع عن الوطن والشعب من خلال كل الاجهزة الامنية الرسمية "المحترفة مهنيا". في تقديري ان فقدان إمكانية الدولة نشر نفوذها على كل شبر من ارض الدولة سيعني وجود فراغ او "غيبة جيوسياسية" تملئها جهات مهما كانت أهميتها المعنوية وتقبلها مجتمعيا أو أيدولوجيا أو دينيا لاترقى بأي حال من الاحوال لدور القوى الامنية الرسمية المحترفة مهنيا من جيش وشرطة إتحادية وأجهزة لمحاربة الارهاب. جدير بالذكر أن أحترام سيادة الدولة الوطنية العراقية ياتي من الشرعية السياسية والمشروعية القانونية التي تغذيها مساحة الثقة المتبادلة بين الشعب والنظام السياسي. أنطلاقا مما ذكر ، لابد من تنمية العقلية – الذهنية التي تعتبر الحفاظ على السيادة الوطنية ليست فقط مسألة حماية التكامل الاقليمي – الجغرافي بل ايصال صورة مقبولة جماهيرية عن العلاقة التي تعتمد الثقة الوثيقة المتبادلة بين الشعب وصناع القرار في السلطات الثلاث مضيفا اليها السلطة الرابعة الاعلامية التي لها مهمة حيوية في الاسهام بزيادة الوعي العام وبإصلاح الاوضاع السائدة من خلال نقل ماحدث أو يحدث من وقائع سلبية أم إيجابية إلى قمة الهرم السياسي الممثل في صناع القرار من إجل إتخاذ الاجراءات الاستراتيجية المتطلبة التي تنهض بالبلاد والعباد قدما في معارج التقدم الانساني. فقط من خلال إجراءات واقعية تحمل أبداعا في التخطيط والتنفيذ يأخذ مصلحة البلاد والعباد بالاعتبار ستستمر السيادة الوطنية بعيداعن مطرقة ترامب وسندان المعارضة المتشددة أو غير المتيقن من مواقفها أو نتائج أعمالها. أخيراً يبدو أن إدارة ترامب تتعرض حاليا لنقد من جهات مهمة في وزارة الدفاع الامريكية تقول بإن "قاعدة الاسد" مهما كانت أهميتها لن ترق لدور استخباري واسع جيوسياسيا خاصة مع وجود قواعد أخرى في قطر (العديد) وفي البحرين (الاسطول الخامس الامريكي). إضافة إلى أن أنسحاب امريكا المتوقع من سوريا سيفقدها مركزا مهما او حيويا لمراقبة النشاطات الايرانية العسكرية ولكنه سيفسح بالمقابل المجال لاسرائيل للقيام بالمزيد من الهجمات العسكرية على المواقع الايرانية العسكرية في سوريا.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top