نماذج من الأطروحات الجامعية الفرنسية عن السينما التجريبية (2)

نماذج من الأطروحات الجامعية الفرنسية عن السينما التجريبية (2)

ترجمة : صلاح سرميني

اللون الأسود بمثابة اختراع للسينما: مادةٌ، شكلٌ، منظومة
على التضادّ من الضوء، ومع ذلك، لا ينفصل اللون الأسود عن السينما، ما هو اللون الأسود في السينما؟ شكلٌ من أشكال الظلّ، أو العتمة في الصورة، وهو موجود أيضاً على هذا النحو، لون أسود بدون تجسيد، ومع حقيقته المادية المُتفردة.
هذا اللون الأسود هو قبل كلّ شيءٍ حالة تقنية، ولكنه يلعب دوراً حاسماً في إنتاج الأوهام البصرية، وخلق الخيال، كما أنه موجود طوال سياقات صُنع الصورة السينمائية.
يلعب اللون الأسود مع الضوء، يشترط الرؤية، واللارؤية، وبهذا المعنى، يكتشف السينما، ويقترح طريقة أخرى لفهم السينما، وبالتالي، طريقة عملها، تعالج هذه الدراسة أولاً الجانب المادي للصورة الناتجة عن شريط السيليلويد: التعتيم الكيميائي، والأفكار التي يقترحها كسياق تشكيل، وتحللّ الصورة، ومن ثمّ تستدعي، من خلال اللون الأسود الشكلي، وأداة بلاغية، وميكانيكية، التأثيرات الناتجة عنه، عندما يتدخل كشكلٍ في الصورة، وللصورة، وبين الصور، وأخيراً، كمنظومةٍ غزت الشاشة، وفضاء العرض، سوف يكشف اللون الأسود عن دوره في منظومة العرض المرئي: بناء ممرّ إلى الوهم، والكشف.
كلّ فصلٍ من فصول الدراسة يتوسّع في مسيرة، هي بالأن ذاته، تاريخية، وتقنية، وجمالية، وسوف نلاحظ بشكلٍ خاصّ في المحاولات الفنية، والتجريبية، بأن الاهتمام باللون الأسود يسمح بالكشف عن خصائص الوسيط السينمائي، أو حتى إعادة اكتشاف السينما، تبدو هذه الدراسة عن اللون الأسود بمثابة بحثٍ عن طبيعة السينما، تحاول صناعة الأفلام محوها، حيث أن اللون الأسود يجعلنا نرى، ونرى بشكلٍ مختلف.
الباحث لي ـ شين كو، تمّت مناقشة الأطروحة في عام 2018

الضوضاء، والسينما: من طارئ الضوضاء إلى تنظيمها
إذا كانت الضجة، أو الضوضاء غير قابلة للتعرّف عليها كمجالٍ صوتي، ذلك، وقبل كلّ شيء، لأن المُفردة نفسها تُحيل إلى مجمعٍ من المعنى، وهي بالأحرى تُميّز علاقة سياقية ترتبط عادة بمفهومٍ سلبيّ.
في تسمية كهذه، يجب على المرء قراءة ردّ فعلٍ أكثر بكثير من مجرد وصف، أو تسمية.
في بداية هذا القرن، وجد "إدغار فاريز"، و"لويجي روسولو" في "الكائنات الصوتية" المُسمّاة ضوضاء/ضجة جوهر أبعادٍ موسيقية جديدة، وهما بذلك، ساهما في تغيير فكرة الاصغاء الموسيقي، وفي الوقت نفسه، استبعدا الضوضاء/الضجة من المفردات الموسيقية لصالح الطفيليّ .
في السينما، يدعونا النموذج التوهمّي للعرض السينمائي إلى اعتبار الضوضاء/الضجة حالاتٍ طارئة ظاهرياً، بينما معالجاتها موسيقية بشكلٍ واضح.
منظرو الصوت في السينما (ميشيل شيون، لوران جولييه)، وبعض الممارسين (سيرغي آيزنشتاين، دزيغا فيرتوف، ميشال فانو) استكشفوا، وحددوا في هذين السياقين اللذين تمّ وضعهما في حالة تعارض ضدّ بعضهما البعض تحت اسم السينما "السردية الكلاسيكية"، والسينما "التجريبية".
إذاً، بالإمكان دراسة تاريخ الصوت السينمائي إذا أخذنا في الحسبان، بالآن ذاته، الجوانب الفنية، والخيارات الجمالية التي تحددها (وبالعكس).
الباحث تيري ميّيه، تمّت مناقشة الأطروحة في عام 1995.

حول فيلم "الاحتقار": مشكلتان سينمائيتان متعلقتان بالاكتشاف المجازي، والحلول السينمائية
بتفضيل الأعمال نفسها، وفهم كيفية التحكم بها، وتداخلها، يُشكل "الاحتقار" لجان- لوك غودار الفيلم المرجعيّ، ونموذج لمُنظري السينما، والتشكيل الفيلمي، والتداخل النصيّ، إن المشكلتين المُشار إليهما في عنوان الأطروحة هما من وجهة نظر شكلية، وجمالية، الأولى ما يشغل طبيعة الوسيط هو الاستخدام المجازي لانقطاع التتابع، ويتعلق الثاني باختراع الصورة في مهامها، وقدراتها من قبل السينمائي، ومن ﺛﻢ توصيف ثلاث حقائق أسلوبية، وﺗﻮﺿﻴﺤﻬﺎ : يظهر الاﺧﺘﺮاع على اﻟﺼﻮرة كشكل، وﻤﺸﻜﻠﺔ، بدءاً من فيلم "الاحتقار"، يتمّ دراسة أرجنتو، كاميرون، بريفير، رينوار، ماكلارين، كوكتو، كوبر، وتُكرس الخلاصة لتعميق الاكتشافات الشكلية في أعمال غودار خلال تطوره الإشكالي.
الباحثة نيكول برُنيه، تمّت مناقشة الأطروحة في عام 1989.

التسجيل السينوغرافي، المناهج التخطيطية في السينما التجريبية
وُلدت السينما من البحوث المُرتكزة على :
1) الإدراك، أو التصوّر كعملية ديناميكية.
2) إدراك، وتصور الحركة (جوزيف بلاتوه).
3) تسجيل تخطيطيّ، أو فوتوغرافي للحركة (إتيين جول ماري).
إذاً، تتحدد ثلاثة أقطاب من التأثيرات السينمائية: تكنولوجية، تسجيلات، إدراك.
يعتمد الإعداد السينمائي القياسي على مبادئ التجسيد الفوتوغرافي، بينما تكتشف السينما التجريبية سياقاتٍ تسجيلٍ جديدة للأشكال، وبرمجة الحركات لإنتاج تأثيراتٍ قوية، وتُدعى هذه البحوث سينغرافيا، وتتأتى من الرسامين، والفنانين السينمائيين، ويقدم هذا البحث عدداً من التجريب الجمالي، والتكنولوجي، والإدراكي/التصوري، أجريت وُفق عدة فترات، وموضوعات، وبالاعتماد على ثوابت الابتكارات المستمرة في أجهزة الصور المتحركة، وتطوير أشكال جديدة من الحركات التجريبية:
1) ما قبل السينما (بلاتوه، ماري).
2) فترة فاصلة (إميل كول).
3) السينما التجريبية، أو ما بعد السينما:
- تجسيد الحركة في الرسم (المستقبليون).
- السينما التجريدية (روتمان، إيغلينغ، ريختر، دوشا).
ـ الصورة الناتجة عن طريق الإقحام البسيط للكائن بين شريط الفيلم الحساس، ومصدر الضوء
cine-ray- ogrammes (مان ري).
ـ أفلام بدون كاميرا، وتسجيل مباشر (لين لي، هاري سميث، نورمان ماكلارين، براكاج، دومنيك فورنييه ويلوبي).
ـ الأفلام الحبيبيّة (شاريتز، بيلا جولوز، كلودين أيزكمان، دومنيك فورنييه ويلوبي).
ـ أدوات توليف: شاشة دبابيس، وبندولات مركبة (ألكساندر ألكساييف) .
- التجزئة صورةً صورة (روبرت برير).
الباحث دومنيك فورنييه ويلوبي، تمّت مناقشة الأطروحة في عام 1987.

سينما الرقص: تاريخ، وخصائص جمالية لنوع هجين.
"سينما ـ رقص"، هو شكلُ فنيّ هجين، يتداخل بشكلٍ وثيق مع الخصائص التقنية، والجمالية للرقص، والسينما، وهو ليس نوعاً جديداً : بطريقةٍ ما، توجد الـ "سينما ـ رقص" منذ البدايات الأولى للسينما، ولكن، تمّ التنظير لها للمرة الأولى في منتصف الأربعينيّات عن طريق "مايا ديرين" التي أنجزت في عام 1945 (A Study in Choreography for Camera) فيلماً/بياناً تنظيريّاً، يُظهر بشكل حاسم اعترافاً، وتطويراً لهذه الفئة من الأفلام الأكثر عبوراً للتخصصات، ومع ذلك، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وبالتحديد منذ عام 2010، تضاعفت المهرجانات المتخصصة، وبدأ هذا النوع يحظى بإضاءاتٍ نظرية.
وهكذا تساهم هذه الأطروحة في هذا المجال الجديد من الأبحاث المُسمّاة "دراسات شاشة الرقص" من خلال تقديم أول لمحة تاريخية عن "سينما ـ رقص"، ودراسة بعض خصائصها الشكلية، والدرامية، والكثير منها لم تُدرس بعد.
تهتمّ الدراسة خصوصاً باستكشاف الـ "سينما ـ رقص" من الزاوية الضمنية لحسيتها المُفرطة، وجسديتها المُبتكرة التي تشكلها .
تبدأ من تتبّع التاريخ الأوسع، والذي تتسجل فيه "سينما ـ رقص"، أيّ الرقص في السينما بشكلٍ عام، و"فيلم الرقص" على وجه الخصوص، بعد ذلك، يقترح الباحث خطةً أكثر تحديدًا لتاريخ هذا النوع، ومن ثمّ يسلط الضوء على ثمار التهجين الفني الذي يُعرّف "سينما ـ رقص" بتحليل بعض خصائصها الشكلية، والدرامية، كما يُحلل بصورةٍ خاصة استخدام اللقطة الكبيرة في هذه الأفلام، وإعادة (مادية) الأجساد التي تنطلق منها من خلال المعالجة المفرطة بالحسية، والشفافية للصور، والأصوات، فضلاً عن الجسدية الغريبة التي تخلقها، والآثار النقدية التي تحتويها، أخيراً، يركز الباحث على الجانب الجوهري لـ "سينما ـ رقص": الأماكن التي تُستثمرها، والعلاقات المعقدة بين الجسد، والفضاءات التي تستجوبها، وهكذا، ترسم هذه الأطروحة صورة تاريخية، وجمالية لفنٍ هجين، من نوع جسديّ، وحسّيّ بشكل بارز، كما تتوقف عند بعض الأعمال التجريبية التي تستكشف قدرة هذا التقاطع الفني لتسليط الضوء على ماديّة الأجساد بالإضافة إلى حساسية الأفلام، وفن الرقص.
الباحثة صوفي جنفييّف والون، تمّت مناقشة الأطروحة في عام 2016.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top