رد على مقال.. المتتالية - التوليفة- المجموعة- الزووم

رد على مقال.. المتتالية - التوليفة- المجموعة- الزووم

د. نادية هناوي

الابتداع والاجتهاد حق مشاع لكل مبدع يريد أن يصف إبداعه بأنه موسوعة أو مدونة أو مجموعة شعرية أو قصصية أو ديوان أو نص أو نصوص أو قصيدة أو قصائد أو قصة قصيرة جدا أو رواية أو متتالية..الخ.
وهذا ما لا يؤاخذ المبدع عليه، لكن الناقد سيؤاخذ إذا ما سلك طريقاً غير نقدي، حائداًعن درب النظرية الأدبية في تعامله مع الإبداع. ومعلوم أن النقد أيا كان أدبيا أم ثقافياً لا يكون ما لم يستقر على أثاف ثلاث هي: المصطلح / النظرية/ المنهج التي بتواجدها تتحقق لنقده العلمية والموضوعية والقصدية التي تحول دون أن ينحرف به موضوع الى آخر أو يقفز به ناطا هنا وهناك.
وإن فقدت إحدى هذه الاثافي فسينزلق النقد الى أساليب خاوية خالية من القيمة المتوخاة منه، ولنخصص حديثنا في فقدان أثفية بعينها وهي أثفية النظرية الأدبية التي هي ليست ألعابا اكروباتيكية يتبارى فيها اللاعبون على المصطلحات والأجناس والمناهج.
وصحيح أن غياب النظرية يجعل النقد فضفاضاَ غير مجدٍ علمياً لان الاهداف التي نريدها من النقد لن تتحقق وهي إفادة المبدع والمتلقي ومن ثم العملية الابداعية.
وفقدان هذه الشروط يعني الحيرة التي تظل رفيقة الاديب، ومثالنا على ذلك الدكتور يحيى الرخاوي الذي استبدت به الحيرة هل يسمى مجموعته القصصية( هيا نلعب يا جدي سوياً مثل أمس) رواية مستعرضة أم متتالية أم يسميها زووم أو مسلسل تاريخي؟
ولذلك كتب متردداً( هذه المجموعة هي ما استطعت انقاذه من كتابات كنت أحسبها في عداد ما يسمى القصة القصيرة نشرت بعضها وترددت في نشر الباقي .. وقد حاولت أن أصنفها مسلسلاً تاريخياً فلم أجد التاريخ مثبتاً في كثير منها علماً أن تاريخ النشر غير تاريخ الكتابة بداهة.. ثم إنني لاحظت انها يمكن ان تتجمع في جزأين) وما أن سماها متتالية حتى اعتذر للقارئ مضيفاً أن أعماله أعمال ناقصة وليست كاملة.
واذا استثنينا إدوار الخراط لا بسبب حساسيته الجديدة وابتداعه الرواية الكونية بل لانه مبدع عرف مجربا على مستوى السرد والنقد والترجمة وهو الذي ترجم عن الامريكان قصصاً باسم ( حواريات البحر) 1979 وله دراستان نقديتان تحت مسمى ( مائيات صغيرة) 1986و1989 وكان حميد المطبعي في توصيفه لمجلة الكلمة قد وصفها بانها( حلقات أدبية ).
لكن الذي لم يُنتبه اليه أن بعضا من التوصيف بالتتالي والتوالي كشف عن قصور المبدع في فهم كيفية التوالي سردياً فقصص الرخاوي السابقة مثلا ليست من التوالي في شيء، بينما اتقن الخراط الاشتغال على التوالي في مجموعته( أمواج الليالي) وهو ما كانت قبله فرجينيا وولف قد اتقنته.
فهل بعد عدم ادراك الفرق بين أن يكون التوالي اشتغالا وبين أن يكون ابتداعا أن نتساءل: لماذا نعد المتوالية جنساً أدبياً؟ بل ان مفارقة المتن ادهى من مفارقة العنوان كونها لم تضع الاصبع على الجرح واكتفت بنكئه بكلالة ترى طرف الموضوع لا مركزه.
اما تقليبات الموضوع على الشكلانية الروسية فخيبت الامال في الاعانة على اجابة السؤال بما تشتهيه نفس السائل. أولا لأن المدرسة الشكلية ومنذ حلقة الابوجاز opajaz ومعها الحركة الكوبية التي رفع أصحابها شعار ( لا اؤمن بالأشياء وانما اؤمن فحسب بالعلاقات التي تقوم فيها ) جعلت الاهتمام بالنظرية الأدبية يتصاعد خارج إطار الجو الاكاديمي الصارم للنظرية الماركسية في الأدب وثانياً ان شلوفسكي shlovskij نفسه تحرر من التصور التقليدي للعلاقة بين الشكل والموضوع ومعه بروب وابنخاوم وتيتانوف وبريك الذي قال بالوحدة العضوية للغة وأن التنظيم الصوتي للنثر لا يقل أهمية عن التنغيم الصوتي للشعر مما طور النظرية الادبية على يد البنيويين ومن بعدهم لتصل الى مرحلة الانفتاح والتداخل الاجناسي.
وشلوفسكي هو الذي اعترف في مقدمة كتابه( نظرية النثر 1925) بتأثير الظروف الاجتماعية على الأدب والقصور عن رصد علاقات الادب المتشابكة بالظواهر الثقافية والاجتماعية المختلفة، قائلا:" لقد شغلت في دراساتي النظرية بالقوانين الداخلية للادب واذا كان لي ان استخدم عبارة ماخوذة من المجال الصناعي فانني كنت مثل من لا يشغل بوضع القطن ومنتجاته في الاسواق العالمية والسياسة الاحتكارية المتبعة فيه وانما يركز اهتمامه على مشاكل الغزل والنسيج من الوجهة الفنية" حتى جاء كتابه( المصنع الثالث 1926) محاولا التوفيق بين نظرية الادب من جانب والبحث الاجتماعي والنفسي من جانب اخر وهذا يدلل على معاناة شلوفسكي الروحية والمنهجية.
وبالطبع لا علاقة لشلوفسكي بالاجابة عن السؤال ولا بالاستعراض المجهبذ بما ترجم وما لم يترجم وما ينبغي أن يترجم، لكن السؤال سيطرح سؤالا اخر عن سبب اغفال التساؤل منذ 2016 وتحديدا لحظة تسجيل التوالي عنوانا لرسالة ماجستير في جامعة واسط.
ولا ينعدم في مقالاتي بهذا الصدد جعل المتوالية تضرب كشحا عن تسميات حاول بعضهم الصاقه بها من قبيل حلقة القصة القصيرة ودورة القصة القصيرة وضد التوالي والقصة القصيرة ككتاب مفتوح..الخ مع تأكيد اللاجدوى في الخلط بين ما هو تقانة واشتغال مخصوص بالسرد وبين ما هو تجنيس مؤطر بالنظرية.
لكن الجديد الذي طلع به علينا هذا التساؤل انه كشف حجم اهتمامنا بالنظرية الادبية ومقدار ما نضعه في اذهاننا من معلومات حول أصل السرد والحكي وهل نقف به عند الحكايات الروسية العجيبة وقبلها القصص الدخيلة غير العربية أو نوغل في القدم أكثر لنصل الى الاساطير والخرافات ؟!!.
وكان البنيويون الأنثربولوجيون قد أكدوا منذ منتصف القرن الماضي أمرين: أما أن تكون الحكاية مجرد تكرار ممل لبعض العناصر والاحداث لا تشف عن فن ولا موهبة، وأما أن تتضمن الحكاية بنية رئيسة تشترك فيها مع غيرها كمجموعة من الاحتمالات المركبة بعلاقات توزيعية وأخرى تكاملية. وسنقف عند هذا الامر الاخير لنجد أن التوليف القصصي هو بمثابة دورة قصصية بخمسة مواقف :
توازن ـ عملية التغييرـ انعدام التوازن ـ عملية إعادة التوازن ـ التوازن الجديد
وقد تنقطع هذه الدورة في احدى هذه النقاط، وحينئذ تعد غير مكتملة لكن الهيكل الاساس يظل نصاً او ضمناً هو هو كنوع يصف حالة ما او نوع يصف عملية الانتقال من حالة الى اخرى الاول ثابت متكرر فهو وصف والثاني متحرك لا يحدث إلا مرة واحدة فهو فعل. والاوصاف القصصية غير الافعال القصصية فالاوصاف اجزاء تصف حالات التوازن وعدمه والافعال تتناول الانتقال من حالة الى أخرى ينظر: تودوروف ، نحو القصة.
وبناء على ذلك يتحدد للسياق القصصي أن يكون مسلسلا مثل الجمل المتناسقة او متداخلا مثل الجمل الاعتراضية والتفسيرية. وتودوروف عد في (مدخل الى العجائبي) الحكاية من القص الادنى فـ" كل قص هو حركة بين توازنين متشابهين ولكن غير متوحدين ومثاله قصة غراميات قمر الزمان من ألف ليلة وليلة فهناك توازن بدئي وتوازن نهائي ويتدخل الحادث الماورائي ليحطم اللاتوازن الأوسط ولينتج التفتيش الطويل عن التوازن الثاني يظهر الماورائي في متوالية الحلقات التي تصف العبور من حالة إلى أخرى.
ولا غرو أن تجعل حماسة العارف بالنظرية الفارق كبيراً بين ظاهرة قصصية وتجنيس قصصي، بينما يراها غير العارف فرية، سامحاً لافق توقعه أن يعد البضع واللفيف مئات.
إن تكنيكية الاشتغال على المتوالية والمتتالية والتوليفة والمسلسلة والسلسلة هي واحدة وهو ما أكدته دراسات الامريكان عن الحلقة والدورة والكتاب المفتوح، اما رغبات ناشر يريد لبضاعته ان تشترى، فذلك لا شأن للنظرية الأدبية به. فإذا كتب على الاغلفة ( متوالية / متتالية /) فلن يغير ذلك شيئاً. ومثلما أن كتابة مجموعة قصص أو مجموعة قصصية لاتنفي أجناسية ( القصة القصيرة ) كذلك لا نعد المفارقة وتيار الوعي والمونتاج وغيرها من التقانات أجناساً.
أما ما يُفهم في ضوء نظرية التداخل الاجناسي من أحقية القاص في أن يدمج جنسين أو اكثر، فعندها لن يحير الله عبده بجنس ثالث يجمع القصة والرواية والمسرحية والمقال كون دعوى التجنيس ستسقط أصلاً وفصلاً.
ولمن لا يقر بنظرية التداخل أن يأخذ بغيرها ومنها النظرية الباختينية حيث الأشكال تتعدد داخل جنس الرواية من قبيل (ضمذرية) inti- atorniques خاضعة للتعدد اللساني والتعدد الصوتي ضمن نسق أدبي منتظم وهنا يكمن التفرد الخاص للجنس الروائي. (ينظر: كتاب استيطيقا الروية ونظرياتها) والرواية بحسب تودوروف ترقيش اجتماعي منظم فنياً للكلام، بينما هي عند فينوغرادوف شكل توفيقي مهجن.
اذن لا جديد إلا مع النظرية الادبية وما كان لناقدة مثل سيزا قاسم أن تكون متحمسة للتنظير لولا إدراكها لهذه الحقيقة، وليست اللامبالاة بالصول والجول والاستهانة والاستخفاف والشطح والنطح سوى تبارٍ في ميدان هو بعيد كل البعد عن النقد واثافيه ( النظرية / المصطلح / المنهج) وعندها على اللامبالي أن يراجع نفسه ليرى في أي خانة يضع لامبالاته وعلى أي شاكلة ينبغي توصيف أهوائه.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top