خبراء الفقه الإسلامي والصوت المعطل (1-4)

آراء وأفكار 2019/04/15 12:00:00 ص

خبراء الفقه الإسلامي والصوت المعطل (1-4)

هادي عزيز علي

مطروح الآن أمام مجلس النواب مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا المشروط تشريعه بموجب أحكام المادة ( 93 \ سادسا ) من الدستور . وموضوع كهذا من الاهمية والخطورة لعلاقته بسدنة العدالة ومؤسستهم في أعلى مراتبها . إذ أن من يرشح لعضويتها يجب أن يحوز صفة الأفضل لما انجبته الامة من العقول القانونية ، أي أن يتمتع بعقلية فيلسوف وأحساس شاعر كما قال الرئيس الاسبق للمحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية ، وهذه الصفات تمكنه من تسنم عضويتها او رئاستها . اذ ان هؤلاء السدنة هم من توكل اليهم مهام الرقابة على دستورية القوانين وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية وكذلك الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات ، كما لهم صلاحية المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب وسواها من الصلاحيات الاخرى ، وأختصار انهم حراس الحريات والحقوق التي نص عليها الدستور ، لذا يجب ان يكون المرشح لعضوية المحكمة قادرا على تولي تلك المهام ومتماهيا مع حجمها .
حرص مشروع القانون ومن يقف خلفه على أن يكون تشكيل المحكمة الاتحادية العليا انعكاسا للواقع السياسي وتدعياته ومحاصصته ، فللشيعة حصتهم يدحرجها الوقف الشيعي ومن يقف خلفه من الاحزاب ذات الخطاب السياسي الديني . وللسنة حصتهم وبذات الآلية المرسومة للشيعة . ولا يفوت واضع المشروع من المرور على الكرد ، ولكن في هذه المرة محشورين مع السنة في حصتهم . وعلى وفق هذا التصور ثبتت الرؤى في تشكيل المحكمة وحسبما اوردها المشروع في نص المادة (2) منه .
اذ ان تشكيل المحكمة على وفق نص المادة اعلاه هو :
- (اولا - تتكون المحكمة من رئيس ونائب للرئيس واحد عشرعضوا على النحو الآتي :
أ - رئيس المحكمة ويكون من القضاة .
ب – نائب الرئيس ويكون من القضاة .
ج – خمسة أعضاء من القضاة
. د – اربعة اعضاء من خبراء الفقه الاسلامي
. هـ - عضوان من فقهاء القانون . اي ان خبراء الفقه الاسلامي يشكلون اكثر من ثلث أعضاء المحكمة .
آلية ترشيح خبراء الفقه الاسلامي : رسمت المادة (3 \ ثانيا \ ب) من المشروع آلية ترشيح خبراء الفقه الاسلامي . حيث يرشح ديوان الوقف الشيعي (3) ثلاثة مرشحين من الخبراء المذكورين ، وبنفس العدد والوصف يرشح الوقف السنّي وبالتنسيق مع وزارة الاوقاف في اقليم كردستان ، فيكون مجموع المرشحين ( ستة ) يتم اختيار اربعة منهم لعضوية المحكمة وحسب آلية الاختيار المذكورة في المشروع .
آلية التصويت على الاحكام والقرارات في المحكمة : رسمت المادة (12) من المشروع آلية تصويت خبراء الفقه الاسلامي اذ نص البند ثانياً من المادة المذكورة على : (يشترط في الاحكام والقرارات الخاصة بدستورية القوانين والانظمة النافذة من حيث عدم معارضتها لثوابت احكام الاسلام - كما ورد في المادة الثانية من الدستور – موافقة ثلاثة ارباع المحكمة من خبراء الفقه الاسلامي . وثلاثة أرباع خبراء الفقه الاسلامي يعني ثلاثة اعضاء فقط يستطيعون تعطيل حكم المحكمة الاتحادية بقضاتها وفقهاء القانون في هذا الجانب ، أي أن أقل من ثلث أعضاء المحكمة الاتحادية قادر على تعطيل عمل المحكمة ويقيدها ويحول دون سن تشريعات تتعلق بالحريات والحقوق كحق التعبير وحرية العقيدة وحق التظاهر السلمي وحرية تشكيل منظمات المجتمع المدني والحماية من العنف الاسري , لمجرد الادعاء بانها تخالف أحكام ثوابت الاسلام - على الرغم من التنصيص عليها ضمن احكام الدستور - ، لأن مشروع القانون منحهم صلاحية التعطيل هذه .
هذه الصلاحية المطلقة التي منحها المشروع لخبراء الفقه الاسلامي تخالف تماماً ما استقرت عليه التشريعات المتعلقة بالنظام القضائي العراقي ومنذ تأسيس الدولة العراقية الى يومنا هذا ، إذ أن الاحكام القضائية إما ان تصدر بالاتفاق أو بالاكثرية . وموضوع الاتفاق أو الاكثرية لم يقتصر على النظام القضائي العراقي حسب بل هو معتمد لدى المحاكم الدولية كمحكمة العدل الدولية في لاهاي المنشأة بموجب ميثاق الامم المتحدة . والمحكمة الجنائية الدولية ( نظام روما ) ومحكمة رواندا والمحكمة الدولية بعد زوال يوغسلافيا وسواها من المحاكم الاخرى . أما على صعيد الدول المعتمدة لآلية الاتفاق والاكثرية - وعلى سبيل المثال - فهي محكمة التمييز الفرنسية والمحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية ومحكمة النقض المصرية ومحكمة التعقيب التونسية ومحكمة التمييز الاردنية وسواها من المحاكم الاخرى . ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير الى ان المحكمة الاتحادية العليا الحالية تعتمد مبدأ الاتفاق والاكثرية في اصدار أحكامها والقرارات .
فضلاً عما تقدم فأن المادة (17) من المشروع نصت على تطبيق احكام قانون المرافعات المدنية رقم ( 83 ) لسنة 1969 وقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 او اية قوانين تحل محلها فيما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون . إذ من المعلوم ان المادة 158 من قانون المرافعات المدنية الذي يعتمده المشروع أوجبت أن تصدر الاحكام بالاتفاق او اكثرية الاراء ، وفي هذا الصدد يقول الراحل ضياء شيت في خطاب الرئيس الاسبق لمحكمة التمييز عند شرحه لقانون المرافعات المدنية : ( بعد ان تنتهي هيئة المحكمة من المداولة يجمع رئيس المحكمة اراء الاعضاء مبتدئا من آراء أعضاء ثم رأيه بحيث يدلي أياً منهم برأيه بحرية تامة . فأن حدث خلاف بينهم يناقشون الخلاف لان الحقيقة هي بنت البحث الهاديء . فان اتفقت الاراء فيصدر الحكم بالااتفاق ، وان توفرت الأكثرية على رأي فيصدر الحكم برأيها ويدون العضو المخالف رأيه ) . ومعلوم بالطبع إن المحاكم والهيئات القضائية تشكل ( وترا) أي ثلاثة أو خمسة أو سبعة وهكذا ، لضمان الأكثرية عند اختلاف الاراء .
والامر ذاته بالنسبة الى قانون اصول المحاكمات الجزائية اذ نصت المادة 224 \ ب على : ( ان تصدر الاحكام والقرارات باتفاق الآراء أو أكثريتها وعلى العضو المخالف أن يشرح رأيه تحريراً .
أمام هذا الواقع القضائي الدولي والاقليمي والوطني نجد مشروع القانون يغرد خارج سرب الاجماع هذا ، والتغريد خارج السرب هذا محسوب ومقدّر وموثوق عليه العزم من قبل هؤلاء الخبراء ومن خلفهم المؤسسة الدينية السياسية .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top