بغداد/ تميم الحسن
في تحوّل لافت هو الثاني من نوعه خلال أشهر، أبدت فصائل مسلّحة مرونة إزاء مطالب أميركية، بعد أن تراجعت سابقاً عن تمرير قانون «الحشد الشعبي».
وخلال الأيام الماضية، صدرت عن عدد من الفصائل خطابات متقاربة في لهجتها، تتحدّث عن «حصر السلاح بيد الدولة»، بالتزامن مع رسائل أميركية مشدّدة لم تستبعد، بحسب مصادر سياسية، الردّ العسكري في حال تجاهل هذه الشروط.
ويُنظر إلى هذا التحوّل على أنه محاولة لاحتواء مأزق متنامٍ يواجه «الإطار التنسيقي»، الساعي إلى الحفاظ على تماسك ما يُعرف بـ»الكتلة الأكبر» داخل البرلمان، والتي تضم في صفوفها قوى مسلّحة.
غير أن هذا التراجع لا يبدو كاملاً. فالفصائل الأربع الأكبر (لاحقاً أصبحت ثلاثاً بعد تغيير موقف إحداها) وبعضها جزء من التحالف الشيعي الحاكم، ما تزال ترفض عملياً تفكيك ترسانتها العسكرية، وهو ما ينذر بوضع الحكومة المقبلة أمام اختبار مبكر وصعب.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت أربع جهات شيعية تمتلك أجنحة مسلّحة، عبر بيانات منفصلة، تأييدها لمبدأ «حصر السلاح»، من دون توضيح آليات التنفيذ أو الجدول الزمني، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات حول جدية هذه المواقف.
وتُقدَّر حصة الفصائل المسلحة بنحو ثلث مقاعد البرلمان الجديد، فيما تشارك ستُّ جماعات منها في تشكيل «الكتلة الأكبر»، مع وجود نوايا لضم قوى إضافية لتعزيز الثقل النيابي.
وأمام القوى الشيعية أقل من شهرين لتسمية رئيس الوزراء الجديد، وسط رسائل أميركية واضحة تشترط أن يكون المرشح بعيداً عن الفصائل المسلحة.
«خطاب تكتيكي»
يرى محللون أن تراجع مواقف الفصائل لا يمكن فصله عن تصاعد الضغوط الأميركية. إذ يقول أحمد الياسري، رئيس المركز العربي–الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، إن ما يجري يمثل «نوعاً من التماهي مع الخطاب الأميركي»، أكثر من كونه تحوّلاً بنيوياً في مواقف هذه الجماعات.
ويضيف الياسري في حديث لـ«المدى» أن «هذه القوى، كلما حققت مكاسب سياسية واقتصادية وحصلت على مواقع داخل البرلمان، لجأت إلى تبنّي خطاب احتوائي أو منسجم مع المطالب الأميركية»، معتبراً أن لغة «حصر السلاح» تأتي في هذا السياق.
وكانت واشنطن قد أعلنت في أكثر من مناسبة أن إشراك فصائل مسلّحة في الحكومة المقبلة سيُظهر خللاً في الشراكة بين البلدين. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية فؤاد حسين إن الولايات المتحدة «ترفض مشاركة الفصائل في الحكومة».
ويضم «الإطار التنسيقي» عدداً من الجماعات التي تمتلك أجنحة مسلحة، أبرزها «منظمة بدر»، و«عصائب أهل الحق»، و«كتائب سيد الشهداء»، و«الجهاد والبناء»، و«جند الإمام». غير أن الياسري، المقيم في أستراليا، يعتقد أن الخطاب الحالي لهذه القوى «تكتيكي بالدرجة الأولى»، ويهدف إلى تجنب الصدام مع «موجة أميركية قادمة قد لا تستبعد خيارات عسكرية».
وعلى الرغم من ذلك، لا تُخفي الفصائل طموحها السياسي. فبحسب مصادر مطلعة، تسعى هذه الجماعات إلى تقديم مرشح لرئاسة الوزراء أو، على الأقل، ضمان مشاركة مباشرة في الحكومة المقبلة، بعد أن حصدت أكثر من 80 مقعداً في البرلمان الجديد.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، أدلى كل من قيس الخزعلي، زعيم «عصائب أهل الحق»، وشبل الزيدي، زعيم «كتائب الإمام علي»، وحيدر الغراوي، زعيم «أنصار الله الأوفياء»، بخطابات متقاربة دعت جميعها إلى «حصر السلاح بيد الدولة».
وتزامن هذا الخطاب مع قرب إحياء الفصائل الذكرى السنوية السادسة لحادثة «مطار بغداد»، التي اغتالت فيها الولايات المتحدة مطلع 2020، أبو مهدي المهندس، نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، والجنرال الإيراني قاسم سليماني، كما تزامن مع مواقف مماثلة لعمار الحكيم، زعيم تحالف «قوى الدولة»، الذي يضم في صفوفه فصيلاً مسلحاً هو «الجهاد والبناء»، والذي فاز بعدد من المقاعد البرلمانية.
وبحسب تسريبات سياسية، تجري تفاهمات لإشراك الزيدي والغراوي — الذي كان فصيله مدرجاً سابقاً على لائحة العقوبات الأميركية — ضمن «الكتلة الأكبر» التي أعلنها «الإطار التنسيقي» الشهر الماضي. وتشير هذه التسريبات إلى أن إعلان هذه القوى عدم امتلاكها السلاح جاء كشرط غير معلن للانسجام مع المتطلبات الأميركية، وضمان موقعها داخل التحالف الحاكم.
شراكة أمنية
من جانب آخر، يرى الياسري أن ما يجري لا ينفصل عن طبيعة الشراكة القائمة بين بغداد وواشنطن، ولا سيما في ضوء العمليات العسكرية والأمنية الأخيرة في سوريا، والتي وضعت الفصائل المسلحة تحت ضغط مباشر. ويقول إن «العملية المشتركة بين الأميركيين والعراقيين والسوريين تمثل رسالة واضحة وقوية للفصائل، مفادها أن المسار الأمني للحكومة العراقية في المرحلة المقبلة يجب أن يكون متعاوناً مع الولايات المتحدة».
ويضيف أن «ما يحدث هو نوع من فهم الأزمة من قبل الجماعات المسلحة، ومحاولة لتجاوزها من دون خسارة المكاسب السياسية والاقتصادية التي راكمتها خلال السنوات الماضية»، في إشارة إلى التحول المفاجئ في خطاب هذه القوى.
وكانت قوة استخبارية عراقية قد أعلنت، بالتنسيق مع قوات الأمن السورية والتحالف الدولي، تنفيذ إنزال جوي شمال شرقي سوريا أسفر عن اعتقال هدفين وصفتهما بـ«المهمين»، والمطلوبين للقضاء العراقي، بحسب بيان صادر عن خلية الإعلام الأمني. واعتُبرت العملية، في أوساط سياسية، دليلاً إضافياً على مستوى التنسيق الأمني بين بغداد وواشنطن.
ويأتي هذا التحول في مواقف الفصائل بعد سنوات من الخطاب المتشدد بشأن السلاح، حيث سبق أن وصفته بعض هذه الجماعات بأنه «سلاح الإمام المهدي» الذي «لا يُسلَّم إلا للإمام الغائب». كما أن الفصائل نفسها كانت قد تراجعت، خلال الصيف الماضي، عن تمرير قانون «الحشد الشعبي» تحت ضغط أميركي مباشر.
وفي مناسبات سابقة، رفضت هذه الجماعات أيضاً دعوات مرجعية النجف إلى حصر السلاح بيد الدولة. ولتفادي الإحراج، لجأت إلى تأويل خطاب المرجعية، معتبرة أن المقصود هو «سلاح العشائر» أو حتى «سلاح الأميركيين»، كما ذهب إلى ذلك أحد المقربين من الفصائل.
رسائل ضغط
من جهته، يؤكد غازي فيصل، الدبلوماسي السابق، أن تصريحات علنية لمسؤولين أميركيين تشدد على تفكيك التنظيمات المسلحة الخارجة عن إطار القيادة العامة للقوات المسلحة، ومنع مشاركتها في الحكومة المقبلة.
ويقول فيصل إن واشنطن «لا تسمح بإشراك الفصائل في الحكومة القادمة، كما ترفض تكليف رئيس وزراء مقرب من الجماعات المسلحة أو خاضع لتأثيرها»، مشيراً إلى أن المواجهة مع هذه الفصائل لم تعد تقتصر على الجانب الدبلوماسي، بل تمتد إلى أدوات اقتصادية وأمنية وعسكرية.
ويرى أن ما يصدر عن بعض الفصائل من مواقف تتحدث عن «حصر السلاح» يمثل «استجابة منطقية للضغط»، لكنه لا يعني بالضرورة تحولاً شاملاً. فالفصائل الستُّ التي أشار إليها وزير الخارجية فؤاد حسين في إحدى تصريحاته باعتبارها مرفوضة أميركياً، إضافة إلى أربع جماعات صنفتها واشنطن أخيراً كـ«تنظيمات إرهابية أو إرهابيين عالميين»، لا تزال — وفق فيصل — «تصر على عدم تسليم سلاحها والاستمرار في النهج نفسه المنسجم مع الاستراتيجية الإيرانية داخل العراق».
ويشار إلى أن جماعات بارزة، من بينها «كتائب حزب الله»، و«حركة النجباء»، و«كتائب سيد الشهداء» بزعامة أبو آلاء الولائي، القيادي في «الإطار»، والذي فاز بمقاعد في البرلمان، لم تصدر حتى الآن أي تعليق ينسجم مع خطاب نزع السلاح.
وكانت هذه الجماعات قد أطلقت، في مراحل سابقة، خطابات شديدة اللهجة ترفض نزع السلاح، وحذرت من أي تواصل مع المبعوث الأميركي السابق دونالد ترامب إلى بغداد، مارك سافايا، الذي وجّه مراراً تحذيرات من وجود هذه الفصائل. وفي المقابل، كانت جماعة «أنصار الله الأوفياء» الاستثناء الوحيد الذي خرج عن موقف ما يُعرف بـ«المقاومة العراقية»، التي تضم أربعة فصائل رئيسية.
ويشدد فيصل، وهو يرأس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية على أنه «لا يمكن القبول بإسناد أي منصب حكومي لهذه الجماعات، ولا يمكن التعامل معها إلا بهدف تفكيكها ونزع سلاحها»، محذراً من أن أي نشاط عسكري يهدد المصالح الغربية في العراق أو كردستان أو المنطقة «سيقابل برد حاسم».
ويستشهد في هذا السياق بالغارات الأميركية الأخيرة التي استهدفت نحو 70 موقعاً لتنظيم «داعش» في سوريا، عقب مقتل وإصابة ثلاثة جنود أميركيين في تفجير تدمر، معتبراً أن هذه العملية «تؤكد أن واشنطن لن تتهاون في المواجهة المسلحة مع التنظيمات التي تصنفها إرهابية».
ويخلص فيصل إلى أن القبول بنزع السلاح والتحول إلى تنظيمات مدنية سياسية «يمثل خطوة إيجابية لتعزيز دور القوات العراقية، وإنهاء ازدواجية القرار الأمني، وتفكيك ما يُعرف بالدولة العميقة أو الدولة فوق الدولة»، معتبراً أن هذه الفصائل «تُستخدم كأدوات بيد إيران داخل العراق».
بغداد / سيزر جارو
لم يعد الشتات الأيزيدي مجرد نتيجة جانبية لمأساة عام 2014، بل تحوّل مع مرور السنوات إلى أحد أهم الفاعلين في المشهد الأيزيدي العام، إنسانياً وسياسياً. جاليات واسعة موزعة بين ألمانيا والسويد وهولندا وكندا وأستراليا، لم تكتفِ بإدارة الذاكرة الجماعية للإبادة، بل سعت إلى تحويل الغربة إلى أداة دعم وضغط، في محاولة لترميم ما تكسّر داخل العراق، وفتح مسارات جديدة للتمثيل السياسي.
منذ الأيام الأولى للنزوح، لعب الشتات دوراً محورياً في دعم العائلات الأيزيدية التي وجدت نفسها محاصرة في مخيمات دهوك ومحيطها. تحويلات مالية، حملات تبرع، تأسيس منظمات مجتمع مدني، وتمويل برامج تعليم ودعم نفسي، كلها شكّلت شبكة أمان جزئية في ظل تراجع دور الدولة والمنظمات الدولية.
يقول خدر شمو، ناشط مدني مقيم في ألمانيا، في حديثه لـ(المدى): «الشتات لم ينشأ كخيار، بل كضرورة قاسية. ومع ذلك حاولنا أن نحوّل هذا الاضطرار إلى قوة. دعمنا المخيمات، وساعدنا في تعليم الأطفال، واشتغلنا على ملف الناجيات، لكننا أدركنا لاحقاً أن العمل الإنساني وحده لا يكفي». ويضيف: «من دون تمثيل سياسي حقيقي، ستبقى كل هذه الجهود مؤقتة».
داخل المخيمات، ما زال عشرات الآلاف من الأيزيديين يعيشون واقعاً هشاً، بين بطالة، انعدام أفق، وتآكل الأمل بالعودة. هنا لعب الشتات دوراً مهماً في تمويل مدارس مؤقتة، ودورات مهنية للشباب، وبرامج علاج نفسي، خصوصاً للنساء الناجيات من السبي. إلا أن هذه المبادرات، على أهميتها، لم تنجح في كسر الحلقة المغلقة للنزوح.
توضح نادية خليل، باحثة اجتماعية من سنجار، لـ(المدى): «الدعم القادم من الشتات كان حاسماً في منع الانهيار الكامل داخل المخيمات، لكنه بقي إسعافياً. المشكلة الحقيقية هي أن المخيم تحوّل إلى مكان إقامة طويلة، والجيل الجديد يكبر بعيداً عن سنجار». وتشير إلى أن استمرار هذا الوضع يهدد النسيج الاجتماعي والهوية الأيزيدية على المدى البعيد.
أما ملف العودة إلى سنجار، فيبقى العقدة الأشد تعقيداً. دمار واسع، بطء في الإعمار، تعدد القوى المسلحة، وتداخل الصلاحيات بين بغداد وأربيل، كلها عوامل جعلت العودة محفوفة بالمخاطر. في هذا السياق، حاولت الجاليات الأيزيدية في الخارج أن تلعب دوراً مضاعفاً: دعم مشاريع إعادة إعمار محدودة من جهة، والضغط السياسي والإعلامي من جهة أخرى.
هذا الضغط بلغ ذروته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث برز دور الشتات الأيزيدي بشكل واضح في دعم تحالف القضية الأيزيدية، الذي استطاع تحقيق فوز انتخابي اعتبره كثيرون تحولاً نوعياً في تاريخ التمثيل السياسي للأيزيديين.
يقول حسن علي، عضو المؤسسة الأيزيدية في هولندا، لـ(المدى): «للمرة الأولى شعرنا أن هناك فرصة حقيقية للخروج من إطار مقعد الكوتا الرمزي. الجاليات في الخارج لعبت دوراً أساسياً في دعم تحالف القضية الأيزيدية، عبر الحملات الإعلامية، وتنظيم الخطاب، وتشجيع المشاركة الانتخابية داخل المخيمات وسنجار». ويضيف أن الكثير من العائلات في الداخل تأثرت بنداءات أقاربها في الخارج، «الذين رأوا في هذا التحالف صوتاً مستقلاً يمكن أن ينقل مطالبهم إلى بغداد».
دعم الشتات لم يقتصر على الجانب المعنوي، بل شمل أيضاً توفير موارد تنظيمية، وإدارة حملات تواصل رقمي، وربط التحالف بشبكات تضامن دولية، ما ساعده على الظهور ككيان سياسي يعبر عن «قضية» لا عن مصالح فردية. هذا الحراك أسهم في رفع نسبة التصويت بين الأيزيديين، خصوصاً في المخيمات، حيث طغى الإحساس بأن المشاركة هذه المرة قد تُحدث فرقاً.
مع ذلك، لا يخلو المشهد من توتر مكتوم بين الداخل والشتات. بعض النازحين يرون أن أبناء المهجر يعيشون استقراراً بعيداً عن معاناتهم اليومية، فيما يشعر كثير من أبناء الخارج أن قرارات مصيرية تُتخذ من دون إشراكهم، رغم دورهم المالي والسياسي. هذا التباين يضع تحدياً إضافياً أمام أي مشروع سياسي أيزيدي جامع.
ترجمة: حامد أحمد
في مسعى إلى زيادة ومضاعفة إنتاج محطات الطاقة في العراق والمحافظة على استمرارية عمليات التنمية وإمدادات الطاقة الكهربائية في البلد، بدأت شركة شنغهاي إلكتريك (Shanghai Electric) الصينية بتنفيذ مشروع توسعة وترقية محطات الطاقة في أربع محافظات في العراق: النجف، كربلاء، بابل، والقادسية، ستؤدي إلى زيادة إنتاج توليد الطاقة فيها بنسبة 50% وتخفيف النقص المزمن في إمدادات الكهرباء بإضافة قدرة إجمالية قدرها 625 ميغاواط، مما يولد 5 مليارات كيلوواط بالساعة إضافية سنويًّا.
وبالتعاقد مع الجانب العراقي، تقوم الشركة الصينية المقاول للمشروع بترقية محطات توليد الطاقة في أربع محافظات عراقية من خلال تحويل وحدات الدورة البسيطة في منطقة حوض نهر الفرات إلى أنظمة الدورة المركبة. حيث ستضيف التوسعة قدرة إجمالية قدرها 625 ميغاواط، وتهدف إلى زيادة كفاءة المحطات بشكل تقريبي بنسبة 50%، مما يولد 5 مليارات كيلوواط–ساعة إضافية سنويًّا دون زيادة استهلاك الوقود. ومن المتوقع أن تسهم هذه المبادرة بشكل كبير في التخفيف من نقص الكهرباء المستمر في البلاد.
وقال متحدث باسم شركة شنغهاي إلكتريك: "الحاجة الملحة لأمن الطاقة والتنمية في العراق واضحة. نحن فخورون بأن تقنيتنا الفعالة للدورة المركبة تُعتبر أداة أساسية لتحديث هذه البنية التحتية الحيوية. هذا المشروع يمثل التزامنا بدعم أمن الطاقة والتنمية الخضراء في دول مبادرة الحزام والطريق من خلال الابتكار التكنولوجي".
وأشار التقرير الذي نُشر على موقع شنغهاي إلكتريك إلى أن العراق، وبكونه منتجًا رئيسيًّا للنفط في الشرق الأوسط، فإنه يواجه نقصًا حادًّا في الطاقة منذ أكثر من ثلاثة عقود؛ حيث تعتمد معظم محطاته على الغاز الطبيعي، إلا أن تطوير الغاز المحلي متأخر وبطيء، مما يجعله يعتمد بشكل كبير على الواردات. وأصبح هذا العجز في الطاقة تحديًا دائمًا لمعيشة الناس وعقبة أمام إعادة الإعمار والنمو الاقتصادي الوطني.
بدأت أعمال مشروع التوسعة المتعاقد عليها مع Shanghai Electric على طول نهر الفرات في أوائل هذا العام، ويشمل محافظات النجف، كربلاء، بابل، والقادسية، مع تركيز جميع التحديثات على تكنولوجيا الدورة المركبة المتقدمة. وقد وصلت المعدات الأساسية الآن إلى الموقع، ويتقدم البناء من خلال التعاون بين الفرق الصينية والعراقية. ومنذ انطلاق المشروع، حظي باهتمام كبير من الحكومة والجمهور العراقي.
من جانبه، أكد وزير الكهرباء العراقي، زياد علي فاضل، على الأهمية الاستراتيجية للمشروع بقوله: "هذه المبادرة ذات أهمية كبيرة لتحسين إمدادات الكهرباء في العراق وتحسين البنية التحتية للطاقة الكهربائية. وعند التشغيل، ستقلل بفاعلية من اعتماد العراق على الغاز الطبيعي المستورد وتخفض تكاليف الوقود لتوليد الطاقة".
في محطة الطاقة بالنجف، تستفيد الترقية من الغازات العادمة عالية الحرارة من التوربينات الغازية الحالية كمصدر للحرارة. تُوجه الغازات عبر مولدات البخار لاسترجاع الحرارة لإنتاج بخار عالي الضغط، الذي يحرك بعد ذلك توربينًا بخاريًا جديدًا لتوليد كهرباء إضافية. تزيد هذه العملية بالدورة المركبة من الإنتاج والكفاءة دون استهلاك وقود إضافي، وتقلل من التلوث الحراري للوحدات الأصلية.
قال نسيم إياد، مدير المشروع العراقي في موقع النجف: "تساعدنا المعدات الصينية وتقنية الطاقة على إعادة استخدام الغازات العادمة عالية الحرارة، مما يزيد من قدرة التوليد ويقلل من التلوث الحراري. يضع هذا المشروع معيارًا لترقيات محطات الطاقة في العراق ويعكس تطلعات السكان للحصول على كهرباء أكثر موثوقية وظروف معيشية أفضل".
في موقع كربلاء، تم تسليم المعدات الأساسية مثل مولدات البخار لاسترجاع الحرارة والمكثفات المبردة بالهواء المباشر. وتمثل هذه المرحلة من المشروع واحدة من أولى توسعات الدورة المركبة في العراق التي تستخدم بشكل كامل المعدات والمعايير الصينية، حيث تم تصميم وتصنيع الأنظمة الأساسية في الصين. ومن المتوقع أن يدعم ذلك الانتشار الخارجي للمعدات الصينية ويعزز الاعتراف بالمعايير الصينية في العراق.
عند الانتهاء، من المتوقع أن يحسن المشروع مستويات المعيشة المحلية، ويدعم إعادة الإعمار بعد الحرب، ويؤسس أساسًا قويًا للطاقة لتعافي الصناعة والنمو الاقتصادي في العراق.
وضمن المشاريع الأخرى لتطوير قطاع الطاقة الكهربائية في العراق، يقترب مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي من الدخول لحيز التشغيل، بوصفه أحد أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى استقرار المنظومة الكهربائية الوطنية، وذلك وفق ما كشفه المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، لموقع "نيو آراب" الإخباري.
وقال موسى إن نسبة إنجاز مشروع الربط الكهربائي الخليجي مع العراق بلغت 95%، والعمل مستمر لإكمال ما تبقى من المشروع بهدف دخوله حيز التنفيذ في النصف الأول من عام 2026.
ووفق موسى فإن العراق على تواصل دائم مع دول الخليج من أجل الإسراع في إطلاق هذا المشروع الحيوي، مشيرًا إلى اجتماع عُقد مؤخرًا في البحرين بين وفد وزارة الكهرباء العراقية وممثلين عن دول الخليج، جرى خلاله بحث آليات تشغيل الربط، وسبل تصدير الطاقة الكهربائية إلى العراق، مع استعراض التحضيرات التشغيلية، ومراجعة عقود التشغيل المزمع توقيعها، إلى جانب تقديم عروض مرئية تناولت طبيعة الشبكات الكهربائية لدى الطرفين، والأطر الأولية لعقود شراء الطاقة.
ويواجه العراق أزمة طاقة مزمنة منذ ما يزيد على 20 عامًا، وتعمل وزارة الكهرباء على عدد من المشاريع لحل الأزمة، من بينها مشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، عبر التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة. وبلغ إنتاج العراق من الكهرباء العام الماضي 24 ألف ميغاواط، بينما يبلغ حاليًا 25 ألف ميغاواط، ويصل العجز إلى نحو 14 ألف ميغاواط تقريبًا، مما يضطر الحكومة العراقية إلى التقنين عبر قطع التيار الكهربائي لساعات معينة. ويستورد العراق حاليًا ما بين 33% إلى 40% من احتياجاته من الكهرباء والغاز من إيران، لكنه لا يزال يعاني من انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، خاصة في أشهر الصيف.
عن شنغهاي إلكتريك و نيو آراب
بغداد/ عبدالله علي العارضي
رغم تشديد الرقابة المصرفية، وتكثيف البيانات الحكومية التي تتحدث عن ضبط حركة الدولار وملاحقة شبكات تهريب العملة، فإن طرقاً أكثر تعقيداً ما تزال تجد سبيلاً للالتفاف على القيود. أحدث هذه الطرق لا تمر عبر المنافذ أو السوق الموازية مباشرة، بل تتخفّى خلف واجهة يصعب الاعتراض عليها، وهي الحالات الإنسانية والمرضية.
وباسم إنقاذ المرضى، وتحت ضغط التعاطف مع الحالات الحرجة، تنشط مبادرات وجمع تبرعات تدّعي العمل الإنساني، لتتحول في بعض المسارات إلى قناة غير مباشرة لنقل العملة الصعبة إلى خارج البلاد، وتحديداً إلى إيران، في وقت يؤكد فيه مختصون وجود مؤسسات طبية عراقية قادرة على تقديم العلاج ذاته بكلفة أقل ونتائج مماثلة.
يؤكد منتظر العصامي، وهو مراقب للملف الصحي، أن العراق لم يعد يفتقر إلى مراكز متخصصة بزراعة الكلى، ويقول لـ«المدى»: «توجد مستشفيات لزراعة الكلى في العراق، خاصة في بغداد وكربلاء. أبرزها مستشفى الكرامة التعليمي، الذي أُجريت فيه عشرات العمليات، ومستشفى الكفيل التخصصي الذي يستخدم تقنيات متطورة، إضافة إلى مستشفى الإمام زين العابدين في النجف، حيث أُجريت أكثر من 150 عملية ناجحة، إلى جانب مركز في مستشفى الشرق الأوسط ببغداد، ومركز جديد في النجف يُجري عمليات أسبوعية. هذه المراكز تقدّم العلاج مجاناً أو بتكاليف أقل بكثير من الخارج، لكن لا أعلم لماذا يصرّ البعض على الذهاب إلى إيران أو دول أخرى، رغم أن الكلفة أعلى ونسبة النجاح هي نفسها داخل العراق».
هذا الإصرار، وفق مختصين، لا يكون دائماً قراراً حراً من المريض، بل نتيجة ضغط نفسي، أو جهل بالتفاصيل، أو ثقة مطلقة بحملات إنسانية لا يملك المواطن أدوات مساءلتها. من جانبه، يعبّر حسن فاضل، وهو مواطن تابع عدداً من هذه الحملات، عن تساؤلاته قائلاً لـ«المدى»: «لا أعلم لماذا الإصرار من قبل بعض أرباب الحملات الإنسانية على السفر إلى إيران وأخذ العملة الصعبة معهم، مع العلم أن المستشفيات في العراق أعلى جودة وأقل كلفة بكثير مما هو موجود في الخارج. هذا الملف غامض ويحتاج إلى تدقيق كبير، وتوعية المواطنين بأهمية تقوية الاقتصاد المحلي بدلاً من استنزافه». الخبير الاقتصادي جليل اللامي يضع المسألة في إطارها القانوني والاقتصادي، محذراً من خطورة ما يجري، ويقول لـ«المدى»: «أي تحويل للعلاج في الخارج يجب أن يتم حصراً عبر القنوات البنكية، وبعد تقديم تقرير طبي وفاتورة إلى حساب المستشفى. أي جمع تبرعات نقدية وتحويلها خارج القنوات الرسمية يُعد تهريباً ومخالفة صريحة، وسيُتابع قضائياً استناداً إلى لوائح البنك المركزي».
ويضيف اللامي: «تعليمات بنك العراق واضحة جداً. التحويلات الشخصية المصرّح بها، ومنها العلاج في الخارج، يجب أن تكون من حساب المريض أو أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية إلى حساب المستشفى مباشرة، مع تطبيق إجراءات اعرف عميلك ومكافحة غسل الأموال من قبل البنوك. أما جمع الأموال نقداً ثم بيعها بالدولار في السوق الموازية أو تهريبها مادياً عبر مسافرين أو شبكات صيرفة وهمية، فهو تحايل وجريمة مالية».
ويحذّر من التأثيرات الأوسع لهذه الظاهرة قائلاً: «استمرار تهريب الدولار بهذه الطرق يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي، وتعميق السوق الموازية، والضغط على سعر صرف الدينار، وإضعاف السياسة النقدية، فضلاً عن مخاطر دولية وعقوبات محتملة، وتشجيع الفساد واستغلال القضايا الإنسانية الحقيقية».
في قراءة أمنية سياسية أوسع، يرى المحلل محمد زانجين أن المشكلة أعمق من مجرد ثغرات إجرائية، ويقول لـ«المدى»: «ملف تهريب العملة، مهما كانت الأوضاع ومهما كانت الدولة مستقرة أو غير مستقرة، سيستمر، لكنه يتأثر بوجود قيود أمنية أو بحالة انفلات تترك الباب مفتوحاً أمام العصابات للدخول والخروج دون أي تدخل». ويضيف: «اليوم في العراق هذا الملف لم يُغلق أبداً. هناك كثافة واضحة في تهريب العملة، ومافيات داخل الأحزاب وداخل الحكومة تشرف على هذا الموضوع، لذلك الحكومة مكبّلة ولا تستطيع حتى إصدار قرارات محدودة للحد منه».
وحول استغلال التبرعات، يوضح زانجين: «التبرع ثقافة راسخة لدى المجتمع العراقي، لكن هناك استغلالاً واضحاً لطيبة الناس في تجارة الأعضاء وتهريب العملة وحتى القتل المنظم بحجة التبرعات. هذه الملفات تُدار ضمن شبكات تبييض أموال واتفاقات سياسية. نعم، هناك مستشفيات كثيرة وكبيرة في العراق، ولكن عندما تكون هناك إغراءات للمريض بأنه سيتلقى أفضل علاج وبسعر أحسن وأقل من داخل العراق، سواء في إيران أو في أي دولة أخرى، فإن المواطن سيلجأ إلى هذا الحل، وهذه المسألة قد تسهّل العملية التي تؤدي في النهاية إلى جمع هذه الأموال وتحويلها إلى الدولار أو إلى أي عملة أخرى، وتهريبها إلى خارج العراق، سواء إلى إيران أو إلى غيرها».
بغداد/ المدى
أطلق البنك المركزي العراقي منذ عام 2015 مبادرات لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وذلك في إطار سعيه لتنشيط النشاط الاقتصادي ودعم القطاع الخاص، استناداً إلى نموذج تمويلي يعتمد على ضخ القروض عبر المصارف العراقية بشروط ميسّرة للغاية؛ بهدف تشجيع إقامة وتوسيع المشاريع الاقتصادية المختلفة في البلاد.
ويقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي، إنه منذ إطلاق أولى هذه المبادرات، شهد حجم التمويل الممنوح نمواً كبيراً، إذ ارتفع من نحو 7.5 مليار دينار عراقي في عام 2015 ليصل إلى أكثر من 13.5 تريليون دينار عراقي حتى عام 2025. ووفقاً للبيانات المعلنة من البنك المركزي العراقي وهيئة الإحصاء، باتت هذه المبادرات تمثل ما يقارب 7% من إجمالي موجودات البنك المركزي بنهاية عام 2024، إضافة إلى ما نسبته 6.4% من إجمالي الناتج المحلي العراقي لعام 2024.
ورغم هذا الحجم الكبير من التمويل، وبحسب العبيدي، فإن دراسة المؤشرات الاقتصادية التي يُفترض أن تتأثر مباشرة بهذه المبادرات تثير تساؤلات جدية؛ إذ لم يُسجَّل تحسّن ملموس في الناتج المحلي غير النفطي، كما استمرت معدلات البطالة في الارتفاع خلال السنوات العشر الماضية، دون أن تعكس البيانات الرسمية أثراً إيجابياً واضحاً لهذا الدعم التمويلي. كذلك، لم يظهر تأثير ملموس على الإيرادات غير النفطية، ولا سيما الإيرادات الضريبية والكمركية، على الرغم من أن أحد الأهداف الأساسية للمبادرة كان تنشيط المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يسهم في توسيع قاعدة الإنتاج غير النفطي، وتقليل البطالة، وتعزيز موارد الدولة غير النفطية.
وعند النظر إلى حجم التمويل من زاوية مختلفة، وفقاً للعبيدي، نجد أن تمويلاً يعادل نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي الكلي، وإذا ما قيس بحجم الناتج المحلي غير النفطي للقطاع الخاص الذي لا يمثل سوى 30–35% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن نسبة التمويل إلى هذا الناتج تصل إلى قرابة 21%. وهي نسبة كان يُفترض، نظرياً وعملياً، أن تُحدث أثراً جوهرياً في بنية القطاع الخاص ودوره الإنتاجي؛ إلا أن غياب هذا الأثر يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول أسباب عدم انعكاس هذا التمويل الكبير على مؤشرات الاقتصاد الكلي في العراق.
ويؤكد العبيدي أن تجاوز التحديات الاقتصادية في المرحلة المقبلة يتطلب إعادة تصميم المبادرات التمويلية على أسس أكثر دقة ووضوحاً، من خلال توجيه التمويل نحو قطاعات محددة ذات قدرة إنتاجية وتصديرية، مثل القطاع الصناعي، والسياحي، والخدمي، بما يضمن خلق مؤشرات اقتصادية حقيقية، تشمل خفض معدلات البطالة، وزيادة الناتج المحلي غير النفطي، وتقليص عجز الميزان التجاري غير النفطي.
وفي هذا السياق، تبرز ضرورة قيام الجهات المختصة بمراجعة شاملة لنتائج هذه المبادرات، عبر تحليل البيانات المتعلقة بالمشاريع الممولة، وتحديد مسارات إنفاق ما يزيد على 7% من موجودات البنك المركزي، وقياس الأهداف التي تحققت فعلياً، إلى جانب تقييم نسب التعثر وكفاءة التوظيف المالي.
فمثل هذا التقييم يُعد خطوة أساسية لإصلاح المبادرة، وضمان تحوّلها من مجرد ضخ سيولة إلى أداة فاعلة للتنمية الاقتصادية المستدامة، بحسب العبيدي.
ترجمة عدنان علي
أشاد رئيس الوزراء ناريندرا مودي، يوم الخميس، بالجالية الهندية في سلطنة عُمان، واصفًا إياها بأنها «مثال حيّ على التعايش والتعاون»، وذلك خلال كلمته أمام أفراد الجالية والطلاب في مسقط. واستهلّ مودي كلمته وسط هتافات «بهارات ماتا كي جاي» و»فاندي ماتارام» و»مودي، مودي»، ما يعكس قوة الرابطة العاطفية بين الجالية الهندية في الخارج ووطنها الأم. وقال: «الجالية الهندية في الخارج مثال حيّ على التعايش والتعاون». وفي معرض حديثه عن الروابط بين الهند وشعبها في الخارج، قال رئيس الوزراء: «التنوع في الهند أساس متين لثقافتنا»، موضحًا كيف يُشكّل التعدد الثقافي في الهند هويتها العالمية.
وربط رئيس الوزراء هذا المنظور الثقافي بالحضور العالمي للهنود، مضيفًا: «لهذا السبب، أينما ذهبنا نحن الهنود، وأينما أقمنا، نحترم التنوع». وفي إشارة إلى اعتراف عالمي حديث، قال رئيس الوزراء: «مؤخرًا، حظي التراث الثقافي الغني للهند بتكريم عظيم آخر. فقد أدرجت اليونسكو عيد ديوالي في قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية». وأوضح أن هذا الاعتراف يعكس الأهمية العالمية للتقاليد الهندية. وأضاف: «الآن، لن يضيء مصباح ديوالي (ديا) منازلنا فحسب، بل العالم أجمع. وهذا مصدر فخر للهنود في جميع أنحاء العالم».
«إن هذا التقدير العالمي لعيد ديوالي هو تقدير لنورنا الذي ينشر الأمل والوئام ورسالة الإنسانية.» كما تحدث رئيس الوزراء مودي عن الاحتفال بالعلاقات الهندية العمانية، قائلاً: «نحتفل هنا أيضاً بيوم الصداقة الهندية العمانية (ميتري بارف)». وأوضح أهمية هذا اليوم قائلاً: «يرمز حرف الميم إلى التراث البحري، والألف إلى الطموحات، والياء إلى الابتكار، والتاء إلى الثقة والتكنولوجيا، والراء إلى الاحترام، والياء إلى النمو الشامل». وفي وصفه للمعنى الأوسع لهذا الحدث، قال رئيس الوزراء مودي: «هذا يعني أن يوم الصداقة هذا هو احتفال بالصداقة بين البلدين، وتاريخنا المشترك، ومستقبلنا المزدهر».
وفي معرض تسليط الضوء على العلاقات الهندية العمانية، قال رئيس الوزراء مودي: «لقد ساهمت رياح موسم المحيط الهندي في توجيه التجارة بين البلدين». وأضاف: «كان أجدادنا يستقلون قوارب خشبية من موانئ مثل لوثال وماندفي وتامراليبتي، ويصلون إلى مسقط وصور وصلالة». أعرب عن سعادته بتوثيق هذه الروابط التاريخية بين ماندفي ومسقط في كتاب أصدرته سفارتنا. وفي وقت سابق من اليوم، ألقى رئيس الوزراء مودي كلمة أمام منتدى الأعمال الهندي العماني، مسلطاً الضوء على الإصلاحات العديدة التي أطلقتها الهند خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، والتي جعلتها واحدة من أكثر الأسواق تنافسية في العالم. وأكد مودي على أهمية اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، مشدداً على أنها ستعزز الثقة في الشراكة.
وكان رئيس الوزراء مودي قد وصل إلى مسقط، عاصمة سلطنة عُمان، يوم الأربعاء الماضي ، في زيارة رسمية تستغرق يومين، تُختتم بها جولته التي تشمل ثلاث دول. وقد وصل إلى عُمان بعد إتمام زيارتيه الناجحتين إلى الأردن وإثيوبيا. وتأكيداً على أهمية الزيارة، استُقبل رئيس الوزراء في مطار مسقط من قِبل نائب رئيس الوزراء العُماني لشؤون الدفاع، السيد شهاب بن طارق آل سعيد، حيث أُقيمت له مراسم استقبال رسمية، تعكس الأهمية التي توليها عُمان لهذه الزيارة. وأشاد رئيس الوزراء مودي بحماس الجالية الهندية في عُمان، مؤكداً أن ذلك يعكس عمق العلاقات الشعبية بين البلدين.
وتأتي هذه الزيارة التي تستغرق يومين بدعوة من السلطان هيثم بن طارق، ومن المتوقع أن تُركز على تعزيز الشراكة الاستراتيجية. وخلال الزيارة، من المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء بالقيادة العُمانية، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية. وفي هذا السياق، من المتوقع أيضاً أن تُسهم المحادثات في دفع عجلة المناقشات حول اتفاقية تجارية طموحة. أكد سفير سلطنة عُمان لدى الهند، الشيخ حميد بن علي بن سلطان المانع، في تصريح لوكالة أنباء ANI، على أهمية الزيارة، قائلاً إن زيارة رئيس الوزراء مودي إلى مسقط ستكون علامة فارقة في العلاقات الثنائية، لا سيما مع احتفال البلدين هذا العام بمرور 70 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
ووصف السفير توقيت الزيارة بأنه «مثير للاهتمام»، مشيراً إلى أنها تأتي بعد عامين من زيارة السلطان هيثم بن طارق للهند في ديسمبر 2023، وتحمل دلالات «من جوانب مختلفة».
علي حسين
اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة إلى الرواية ومنها الى الكتابة السياسية ، ثم ينطلق إلى السرة الذاتية ، وعينه دائماً على علم الاجتماع والأدب الفلسفة ، إلا ان شخصية زهير الجزائري هي التي شجعتني ، فنحن امام كاتب مرهف ، لا يعرف المناورة ، ممتلئ بالهم الانساني ، عاشق للعراق الذي لم يفارق وجدانه لحظة واحدة برغم دروب المنفى المتفرقة ، مسكوناً بالحياة والعدالة الاجتماعية ، ما أن تجلس اليه حتى يتحدث عن الواقع العراقي بحماسة لن تنساها ، كما لوكان يتحدث عن حبيب له اوبشارة يزفها للناس ،وكنت اتطلع الى ملامحه الهادئة وهو يروي حكاية العراق الجديد الذي يحلم به ، كما لوكانت كلماته تكشف لي عن ابعاد جديدة لهذه الكتابات التي ظلت تدافع عن الانسان ضد سلطة الارهاب والقمع ، وبقدر ما كانت هذه الكلمات تجسد لي صورة المثقف الذي نحتاج اليه ، كان صوته يحمل الكثير من ملامح المثقف الملتزم والتي جسدها في معظم كتبه وفي مقالاته التي ينشرها بين الحين والاخر ، المثقف الذي امن بان العقل خير وسيلة لانقاذ الإنسان من الظلم ، وان هزيمة الشعوب لا تاتي إلا من جور حكامها وتخاذل مثقفيها الذين تلهيهم ورطات الدنيا فلا تمسهم معاناة الناس ، ظلت الكتابة ولا تزال هاجس زهير الجزائري الذي يحمله اينما حل ، فهي رؤياه التي اتاحت له سفر دائم نحو الحرية ، واتاحت لقراءه معرفة خفايا هذا العالم الذي يحاول البعض ان يغلق ابوابه في وجوههم كي لا يخرجوا الى ساحة الممارسة الحرة .
في اسلوب دافئ ورقيق يقدم لنا زهير الجزائري في كتابه " موجات مرتدة " سيره طازجه ولها عبق من التاريخ مازجا فيها بين الذكريات والاعترافات ،مقدماً للقاريء تصويراً فريداً لنسيج العلاقات الفكرية والاجتماعية داخل مجتمع النجف أو في شوارع بغداد الستينات أو في رحلة المنفى متنقلاً بين البلدان ، أو في ارتداد هذه الموجات بعد عام 2003 ، باعتباره تاريخا امتلأ بهموم الحداثةسياسة وشعراً ورواية ومسرحاً ونقداً.
زهير الجزائري كاتب عقلاني ، يضع كل شيء موضع المساءلة ، باحثا عن كل ما يشبع ميوله العقلانية والتحررية ، وهو طراز من المثقفين الذين وهبوا حياتهم للكلمة ، مؤمنا ان لا شيء في الحياة أعلى قيمة من الكلمة الحرة . والمؤكد ان إيمانه بالكلمة والذهن المتحرر الذي تنطوي عليه كتاباته كانت ولا تزال هي الاصل وراء سماحته العقليه ، وهي التي اعطتنا كاتب لا يتردد في تسليط الضوء على كل بقع الظلام .
متابعة المدى
أقام بيت المدى في شارع المتنبي جلسة استذكار للشخصية الوطنية والديمقراطية نجيب محيي الدين، بمناسبة مرور 100 على ولادته، وشارك في الجلسة التي أشرف على إداتها الزميل رفعت عبد الرزاق، أ.د. عامر حسن فياض، والباحث نبيل عبد الكريم، والاكاديمي د. ماهر جبار الخليلي، ود. حميد حسون.. كما حضرها من عائلة الراحل أحمد خالص محيي الدين أبن شقيق الراحل.
بدا الجلسة الزميل رفعت عبد الرزاق قائلا: كما عودتكم المدى على إقامة جلسات استذكار للشخصيات والرموز العراقية فأننا اليوم نحتفي بمرور 100 عام على ولادة الشخصية الوطنية والديمقراطية نجيب محيي الدين، واحد اعلام التيار الديمقراطي في العراق الراحل نجيب محيي الدين بمناسبة مرور مئة عام على ميلاده . الذي جزل الكثير من مواقفه وأفكاره من اجل التنوير والمدنية في عراق اليوم.
ثم تناول سيرة مختصرة لمحيي الدبن جاء فيها: ولد الفقيد نجيب محي الدين في سنة 1925م في بلدة دلتاوة (الخالص) الزراعية التابعة للواء ديالى (الآن قضاء الخالص ضمن محافظة ديالى) وسط عائلة متوسطة الحال حيث كان والده موظفاً حكومياً متفتحاً يحمل مشاعر وطنية وأفكاراً تقدمية. درس الابتدائية أولاً فيها، ثم انتقل مع والده إلى مدينة بعقوبة مركز لواء ديالى بسبب وظيفة الوالد الحكومية. كما أكمل دراسة الإعدادية فيها. درس في دار المعلمين الابتدائية ببغداد، وبعد تخرجه عين معلماً في إحدى مدارسها بعقوبة الابتدائية، ثم مدرساً في مدرسة متوسطة ومديراً لها.
تفتح وعيه السياسي في نهاية الثلاثينيات وأثناء الحرب العالمية الثانية حين كان طالباً في الإعدادية ودار المعلمين، حيث بدأ بمتابعة وقراءة الصحف العراقية، ومنها صحيفة "صوت الأهالي" التي كانت تصدر منذ سنة 1943، أي قبل تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي لتكون لسان حال هذا الحزب. علماً بأن هذا الحزب يعتبر الوريث الشرعي لتراث وتاريخ جماعة الأهالي وجمعية الإصلاح الشعبي التي تشكلت في عام 1932. ومع تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي في عام 1946 بقيادة الأستاذ كامل الجادرجي، انتمى لهذا الحزب الذي وجد فيه حزباً معبراً عن الفئات الاجتماعية المتوسطة كالبرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة في المدينة والريف، لاسيما وأن هذا الحزب قد تبنى مبادئ الديمقراطية الاشتراكية الإصلاحية التي آمن بها رئيس الحزب الأستاذ كامل الجادرجي والقيادي في الحزب حينذاك الأستاذ محمد حديد. وكان في اتجاهه العام يميل نحو الجماعة اليسارية في الحزب، في مقابل الجماعة اليمينية التي تبلورت فيما بعد وكان على رأسها المحامي والقيادي في الحزب حينذاك حسين الجميل.
وكان أول المتحدثين أ.د. عامر حسن فياض والذي قال: الحديث عن نجيب محيي الدين يحتاج الى اسم واستذكار، فالاسم يحتاج الى عنوان، والاستذكار يحتاج الى تاريخ، وأذكر ان الأستاذ صلاح نيازي ورد في أحد الكتب الخمسة التي وضعها الأستاذ فخري كريم بعنوان ملامح زمن يقول فخري كريم وهو عندما يستذكر احد لا يكتفي بالاسم بل يذكر عنوان يثير الفضول، وأضاف: وانا اريد أن استخدم نفس هذا الأسلوب؛ فما الذي نختاره من عنوان لنجيب محيي الدين؟ فكرت كثيرا ولم اجد غير عنوان واحد من هو النجيب في كل شيء، وعندما نتحدث عنه، نجيب كانسان ونجيب كمعلم، ونجيب كنقابي ونجيب كسياسي، هذا هو عنوان الأستاذ نجيب محيي الدين، مشيرا الى أنه ولد من أسرة متعلمة وقرأ كل ما استطاع من مكتبة والده.. التقى بالجادرجي وكتب بالأهالي، وظل يكتب في صوت الأهالي بعد ثورة تموز. مضيفا: انه إذا أردنا التحدث بالاستذكار: وهذه المسألة الثانية هي موضوعة التاريخ، والتاريخ لا نريد أن نستحضره كماض قاس عن نجيب محيي الدين وعلى الأخرين، واذا أردنا ان نتحدث عن الحاضر فهو قاس أيضا، فقد كان محيي الدين يتطلع الى المستقبل، حيث يأمل في زرع بذرة الديمقراطية في أرض يباب من الشروط السياسية والاجتماعية للديمقراطية، أستنبت مع الرعيل الثاني بذرة الديمقراطية في ارض غير متوفر فيها شروط الانبات."
وقال نبيل عبد الكريم: أن أبا سعد ولد في البلدة نفسها التي ولد بها مصطفى جواد، تلك الشخصية المعروفة التي لها بصمة في التاريخ واللغة، هذه البلدة مهملة ولكنها ممر للكثير من القوافل البرية. ثم أشار الى أنه درس الابتدائية في الخالص، وأكمل الدراسة في بعقوبة بسبب انتقال والده الوظيفي، في دار المعلمين الريفية التي أصبح معونا فيها عام 1952، ليعين بعدها معلما ثم انتقل الى بعقوبة ليمارس وظيفة مدرسا ومديرا فيما بعد. وأضاف: كان محيي الدين في توجهاته ديمقراطيا ويساريا. الحزب الوطني كان به جناحين جناح محمد حديد اليساري، وجناح حسين جميل يمينيا. فركن نجيب محيي الدين الى اتجاه محمد حديد.
أما د. ماهر جبار الخليلي فتناول شخصية هذا الرجل قائلا: التاريخ المغيب، ومحيي الدين ينتمي الى التاريخ المغيب، ولا أقول التاريخ الغائب، فالمغيب بمعنى هناك قصدية في تغييب هذه الشخصية، وهو علم من اعلام الديمقراطية في العراق، وعلم في نقابي بما يمتلكه من فكر متقد وعقلية تنويرية عالية ومثل هذه الصفات لا تجتمع بشخص إلا من طراز نجيب محيي الدين. مضيفا انه التقى بمحيي الدين في مجلس الغبان، وبقي على اتصال دائم، وكان معلما حتى في صمته وسلوكه، ولم يحب ان يتصدر رغم قيمته العالية. مشيرا أنه لم يكن سياسيا بمعنى السياسي بل هو الامل بالانتقال من وضع غير جيد الى وضع جيد.
الباحث د. حميد حسون العكيلي المهتم بدارسة الشخصيات والرموز العراقية، تحدث عن نجيب محيي الدين قائلا: هذه الشخصية الديمقراطية الوطنية اللامعة، وكنت سعيدا أن ألتقي به في مقابلة من جملة مقابلات اجريتها لأنجاز رسالتي العلمية عن التصاهرات في العد الملكي، وبوصفه شاهد على تاريخين الملكي والجمهوري قال لي: ان العهد الملكي كان فيه الكثير من الموضوعية وكثير من التوازن، التوازن الطايفي والتوازن الديني، وكان يقول لي أن الملك كان يصحح اخطائه ، وأضاف: فعنما سمع باللغط على البعثة العلمية الأولى، شكل لجنة برئاسة رستم حيدر لمعالجة الخلل الموجود وعندما طلعت اللجنة بالنتائج كان محافظة على التوازونات في كل الجوانب. وعندما عين معلما كان علو كعب.
ثم تحدث أحمد خالص محيي الدين أبو محيي ابن شقيق الراحل عن عائلة الشخصية الوطنية نجيب محيي الدين بعد أن شكر جميع الحضور، قائلا هناك موقفين بخص عمي نجيب، الموقف الأول كان يقول دائما أن الديمقراطية تبدأ من البيت من الشارع من المدرسة، فالديمقراطية بذرة تسقيها تكون مثمرة، وأضاف أما الموقف الثاني عندما كان نقيبا للمعلمين، طلبت منه اخته النقل من بعقوبة الى بغداد، لكنه رفض بسبب الضوابط والشروط التي لم تتوفر بها.

السليمانية / سوزان طاهر
عقب إعلان رئاسة الجمهورية تحديد التاسع والعشرين من الشهر الجاري موعداً لانعقاد الجلسة البرلمانية الأولى، وما يترتب عليها من استحقاقات دستورية لانتخاب هيئة رئاسة جديدة، أطلق الحزب الديمقراطي الكردستاني حراكاً تفاوضياً مكثفاً تجاه العاصمة بغداد. ويهدف هذا الحراك، الذي يقوده وفد رفيع المستوى، إلى حسم الملفات العالقة بين المركز والإقليم، وفي مقدمتها حصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، وضمان صرف الرواتب، وتفعيل المواد الدستورية المعطلة، لتكون هذه المطالب حجر الزاوية في تفاهمات تشكيل الكابينة الحكومية المقبلة.
وقد حدد الحزب الديمقراطي الكردستاني، خلال اجتماعه الأخير، مجموعة أعمال تستوجب على الحكومة الاتحادية إنجازها في الكابينة المقبلة، أبرزها «إيجاد حل دائم لموازنة ورواتب إقليم كردستان». وخلال اجتماع موسع للجنة المركزية للحزب، برئاسة زعيم الحزب مسعود بارزاني، أورد في بيانه بأن «الأعمال التي كان يجب إنجازها ولكنها لم تنجز لأي سبب أو مبرر كان، مثل تطبيق المادة 140 من الدستور، وتأسيس المجلس الاتحادي، والمحكمة الاتحادية وفقاً لما ورد في الدستور، وإقرار قانون النفط والغاز، يجب أن تُنجز. كما يجب بذل جهود جادة لتغيير قانون الانتخابات العراقي الذي يتضمن ظلماً، وإيجاد حل دائم لموازنة ورواتب إقليم كردستان بما يتوافق مع النظام الفيدرالي».
وصرحت عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني جوان يونس بأن وفداً مفاوضاً سيزور بغداد في أقرب وقت لبحث مسألة تشكيل الحكومة العراقية، مشيرة إلى أن «شكل مباحثات الوفد المفاوض للبارتي بشأن تشكيل حكومة إقليم كردستان سيتغير». وفي انتخابات البرلمان العراقي التي أجريت في 11 تشرين الثاني، حصل الحزب الديمقراطي على 27 مقعداً، والاتحاد الوطني على 18 مقعداً، وتيار الموقف على خمسة مقاعد، والجيل الجديد على ثلاثة مقاعد.
وفي هذا الصدد يؤكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفا محمد كريم أن مفاوضات حزبه هذه المرة ستركز على تفاصيل أهم من المناصب وتوزيع الوزارات بين الأحزاب. ولفت خلال حديثه لـ «المدى» إلى أن «الأهم هو ضمان الاستحقاقات الدستورية للمواطن الكردي، وعلى رأسها الموازنة، وحصة الكرد منها، وضمان الاستمرار بدفع رواتب الموظفين دون تأخير أو مماطلة». وأضاف أن «الأمر الثالث يتعلق بتطبيق الدستور، من خلال إقرار القوانين التي وردت في نصوصه، ومن أهمها قانون تشكيل المجلس الاتحادي، وقانون النفط والغاز، وإعادة تشكيل المحكمة الاتحادية، لضمان أن لا تكون محكمة مسيسة، أو تابعة لجهة معينة». وأشار إلى أن وفداً من الحزب الديمقراطي سيزور العاصمة بغداد، خلال الأسبوع الحالي، للتباحث مع مختلف القوى السياسية، حول مسار تشكيل الحكومة الجديدة، ومفاوضات ومطالب الكرد منها.
من جانب آخر يقول النائب عن الحزب الديمقراطي شيروان دوبرداني إن الأهم في المرحلة المقبلة هو ضمان استحقاقات الكرد. وبين خلال حديثه لـ «المدى» أنه: «نريد هذه المرة أن تكون المطالب مثبتة، وأن لا يتم الالتفاف على الاتفاقات المبرمة بيننا وبين القوى السياسية الأخرى، كما يحصل في كل دورة، ويتنصلون من الاتفاق، وهذا ما يؤدي لتفاقم المشاكل، لذلك نريد تثبيت الاستحقاقات، قبل تشكيل الحكومة الجديدة». ومن المرجح أن يزور وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويضم عدة أعضاء ومنهم فاضل ميراني، فؤاد حسين، نوزاد هادي، وأوميد صباح، لعقد عدة لقاءات مع الكتل السياسية السنية والشيعية، للتباحث حول ملف تشكيل الحكومة الجديدة.
وشهدت الدورة الماضية شداً وجذباً بين بغداد وأربيل، على خلفية إيقاف صرف رواتب الموظفين، بسبب عدم تسديد حكومة الإقليم للمستحقات النفطية، والإيرادات الداخلية. وما تزال مفاوضات تشكيل حكومة الإقليم تلقي بظلالها على البيت الكردي، على الرغم من تأكيد عدة مصادر على وجود انفراجة سياسية بين الحزبين الكبيرين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، بخصوص تسمية المناصب في أربيل وبغداد. وكانت اللجنة التفاوضية في الحزبين قد عقدت اجتماعها مؤخراً، بهدف الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة، واستئناف برلمان كردستان لجلساته، لكنها حتى الآن، لم تتوصل إلى حلول نهائية. وحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني في انتخابات برلمان كردستان التي جرت مؤخراً على 39 مقعداً، فيما حصل الاتحاد الوطني على 23 مقعداً، لكن حتى الآن، ما يزال برلمان الإقليم معطلاً، بسبب عدم الاتفاق بين الطرفين.
من جهة أخرى يشير الباحث في الشأن السياسي هردي عبد الله إلى أن تحديد الحزب الديمقراطي لمطالبه في مفاوضات تشكيل الحكومة، يعكس رغبة حقيقية في كتابة الاتفاقات، قبل أي حديث عن المناصب. وأوضح خلال حديثه لـ «المدى» أن: «الحزب الديمقراطي شعر بالخذلان في مرات عديدة، بسبب تنصل الأحزاب الحاكمة، والشيعية منها تحديداً عن تنفيذ بنود الاتفاقات، بما يخص الموازنة، أو تنفيذ القوانين المعطلة، ومنها المادة 140، لذلك يطمح هذه المرة لتثبيتها أولاً». وتابع أنه: «من الواضح أن الحزب الديمقراطي سيبدي مرونة في ملف تسمية المناصب، ومنها منصب رئاسة الجمهورية، أو المناصب الأخرى المخصصة للمكون الكردي».
لطفية الدليمي
ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي تتهشّم مع كل نوبة سعالٍ، كأنّ في صدري زجاجاً يتكسّرُ ببطء ليخرج نثارُهُ الجارح مع أنفاسي اللاهثة. استعصى عليّ النوم، واضطررتُ للجلوس على الاريكة طوال الليل، أراقبُ العُتْمة وهي تتمدّدُ في غرفتي وانصت لهمهمات الصمت في تلك الساعات الثقيلة حين يفقد الزمن شكله ومعناه، مضيتُ أفكّرُ طويلاً في حياتنا: كم هي هشّة، وكم نبالغ في الإطمئنان إليها، وكم نخدع أنفسنا حين نظنُّ أن الأمور تحت السيطرة. (يانفسي كلي واشربي وتنعّمي فقد طابت أيّامك): هكذا نخاطبُ أنفسنا ولا ضيْرَ في هذا عندما يكون نتاج تعب من غير تعدّ على الآخرين؛ لكنّما الضيرُ أن نتوهّم إمكانيّة استمرارية هذا الحال حدّ أن يدفعنا لملامسة تخوم السفاهة والغطرسة.
الهشاشة لا تعلنُ عن نفسها في العادة. لا تطرقُ الباب، ولا تُصدِرُ إنذاراً مسبقاً. إنها تظهر فجأة، في لحظة عابرة: في سعالٍ لا يتوقف، أو ألمٍ طارئ، أو خبرٍ صغير يخلخلُ البنيان كله. كنتُ قبل يومين أعيشُ على نحو معتاد واقاوم الفايروس بصمت، أتحرّكُ، أفكّرُ، أخطّطُ، وأؤجل أشياء كثيرة ظنّاً مني أنّ الوقت لا يزال طوع يدي. ثم، في تلك الليلة، انقلب كلُّ شيء إلى سؤال واحد بسيط ومخيف: ماذا لو طال هذا؟ ماذا لو ساء الأمر؟ وماذا لو كنتُ وحدي تماماً؟
كنتُ جالسة وأضم صدري بذراعيّ كمن يحاول حماية ما تبقّى من قلبه وأنفاسه، وأنتظر. لا أعرف تماما ما الذي أنتظره؛ لكنني كنتُ على يقين أنّني أنتظر شيئاً واحداً على وجه التحديد: كلمة حميمة. كلمة عادية، بسيطة، لا تحمل بروتوكول علاج ولا دواءً؛ لكنها تحمل معنى. كلمة تقول لي: لستِ وحدك. كلمة تخفّفُ عني ما أعانيه، أو على الأقلّ تشاركُني ثقله.
في الثالثة بعد منتصف الليل كنتُ وحدي في هذا العالم الموهوم بالتشابك اللحظي. فكرت أن اتصل بإبنتي التي ماغادرتني الا عندما اطمأنت عليّ ذلك المساء.الهاتف قربي، والرقم محفوظ في الذاكرة كما الدُّعاء لكنني تخاذلت. خشيت أن تُصاب بهلع، أن تستيقظ مذعورة على صوتي المنهك. آثرتُ أن أتحمّل وحدي. كان هذا القرار مؤلماً على نحو خاص؛ أن يكون لك من تحبّه ويحبّك، ولا تلجأ إليه في لحظة ضعفك القصوى، فقط لأنّك تخشى عليه من لحظة الهلع المتوقّعة.
في تلك الساعات، لم يكن الألم جسدياً فحسب. كان شيئاً أعمق، أبطأ، وأكثر فتكاً. ألَمُ الشعور بأنّ وجودك نفسه قابل للتأجيل، بأنّ غيابك المحتمل لن يربك نظام العالم ولا جَدْول أحد. المرض لا يؤلمك بقدر ما يفعل هذا الإكتشاف المفاجئ: أنّك، في لحظة ضعفك القصوى، موضوعُ خارج كلّ الحسابات. كان السعال يعلو ثم يخفت، كمدٍّ وجزرٍ عنيفين، أفكّرُ كم يشبه هذا إيقاع حياتنا: نُنْهِكُ أنفسنا طوال الوقت لنبدو متماسكين، منتجين، نافعين، ثم حين نتعطل قليلاً نصبح عبئاً صامتاً. لا أحد يصرّحُ بذلك؛ لكنّ الصمت يقوله بوضوح جارح.
في تلك الليلة، شعرتُ بأنّ الجسد ينسحب من مكانته المركزية في حياتنا. فجأة، لم تعد الأفكار الكبرى مهمّة، ولا القناعات، ولا كلّ ما نظنُّ أنه يشكّلُ هويتنا. كلُّ شيء تقلّص إلى رغبة بدائية واحدة: أن يطمئنك أحدٌ بكلمة أو إثنتين لا أكثر. أن يصدّق ألمك. أن يعترف بأنك تتألّمُ حقّاً. ما أقسى اكتشافك أنّ العالم الذي يطالبك دائماً بالقوة والانتاج لا يملك اللغة المناسبة لضعفك. نحن نعيش في لجّة صاخبة تعجُّ بمفردات النجاح، والتخطيط والبرمجة والتطوير وأوهام العبقرية والغرور ؛ لكننا نفتقرّ إلى مفردات العزاء. لا نتقنُ كيف نقول: أنا هنا. لا نتدرّبُ على البقاء مع بعضنا في العتمة بل نهرب منها سريعاً إلى ضوء مصطنع يفترس انسانيتنا.
في تلك اللحظة، لم أكن أحتاج تشخيصاً طبيّاً، ولا طمأنة عقلانية. كنتُ أحتاج اعترافاً إنسانيّاً بسيطاً: أنّ ضعفي مسموحٌ به، وأنّ خوفي مفهوم ومسوّغٌ، وأنّ انهياري المؤقت لا ينتقصُ من قيمتي؛ لكنّ الكلمات، حين تأخّرت، تحولت إلى عبء إضافي، حتّى لكأنّ الصمت نفسه صار جزءاً متعشّقاً مع المرض.
تألّمتُ كثيراً لحالي؛ لكنّ ألمي لم يقف عند حدودي الشخصية. اتّسع فجأة ليشمل بني الإنسان أينما كانوا وكيفما كانوا. فكّرْتُ في أولئك الذين يمرّون بمحَن أشدّ، في حرب وحشية، في أسرّة مستشفيات، في بيوت خالية موحشة، أو في بلدان لا تمنح أبناءها حتى حقّ الشكوى. فكّرْتُ في العابرين من الألم بصمت، وفي الذين ينتظرون كلمة حميمة لا تأتيهم أبداً.
كم نحن ضعفاء حين نمرض، وكم تسقط عنّا الأقنعة سريعاً. كلُّ ما بنيناه من صورة عن القوة، والإستقلال الشخصي والمادي، والقدرة على الإحتمال، يتبخّرُ أمام ألمٍ صغير يختار لحظة خاطئة ليعلن عن كينونته الخفية. عندها نكتشف أنّ حياتنا، مهما بدتْ مؤسسة على تفاصيل تقنية ومادية، على أجهزة، وخطط، وضمانات، هي في النهاية محكومةٌ بجزئيات صغيرة جدّاً: نبرة صوت، رسالة قصيرة، يدٌ تُوضع على الكتف، أو كلمة جميلة تُقال في الوقت المناسب أو حتّى غير المناسب.
في تلك الليلة، أدركتُ أنّ القسوة الحقيقية ليست في المرض ذاته بل في العُزْلة التي يفرضها: أن تشعر بأنّك منفصلٌ عن إيقاع العالم، ولو لساعات، وأنّ كلّ ما يفصلُكَ عن الطمأنينة هو صوتٌ إنساني دافئ لم تسمعه بعد. نحن لا نحتاج دوماً إلى حلول جذرية، ولا إلى معجزات طبية. أحياناً، كلُّ ما نحتاجه هو أن يعترف أحدهم بألمنا، أن يسمّيه، أن يراه.
نحن نعيش في عالم يبالغُ في تمجيد الصّلابة النفسية والجسديّة . نتعلمُ منذ وقت مبكر أن نتماسك، أن نبتلع وجعنا، أن نواصل السير مهما كان الثمن. لا أحدَ يخبرُنا أنّ التماسك الدائم شكلٌ آخر من أشكال الإنهاك العقلي والنفسي. لا أحدَ يقول لنا إنّ الإعتراف بالهشاشة ليس ضعفاً بل شجاعة. في لحظات المرض أو المحنة القاسية، نعود إلى أصلنا الأوّل: كائنات تحتاج إلى العناية، إلى الطمأنة، إلى الحبّ غير المشروط.
كنتُ أراقب عقارب الساعة، وهي تتحرك ببطءٍ ساخر، وأفكّرُ: كم من العلاقات التي ترسخت عبر الاعوام قد تنهار لأنّنا بخلنا بقول كلمة مناسبة؟ كم من الأرواح انكسرت لأنّ أحداً إفترض أنّ الآخر قوي بما يكفي؟ نحن نهوّن كثيراً من شأن التفاصيل الصغيرة، مع أنها، في الواقع، ما يصنع الفارق النوعيّ كلّه.
حين بدأ السعال يخف قليلاً لم أشعر بانتصار حقيقي. شعرتُ فقط بإرهاق عميق، وبحزنٍ شفّاف. حزنتُ على ليلتي القاسية، وعلى ليالٍ مشابهة اعيشها ويعيشها آخرون الآن، وعلى عالمٍ صار صاخباً بالتقنيات، فقيراً بالقرب الحميمي والتواصل الواقعي ، عالم متخيل نتواصل فيه طوال الوقت؛ لكننا نادراً ما نصل حقّاً إلى بعضنا. في الصباح، حين تسلل الضوء إلى الغرفة، بدا كل شيء أقلّ تهديداً؛ لكنّ أثر الليل لبث عالقاً في النفس. ظلّ السؤال قائماً: لماذا نؤجّلُ الكلمات الجميلة؟ لماذا نعتقدُ أن من نحبّهُم يعرفون، فلا نقول؟ ولماذا ننتظر المحنة كي ندرك قيمة التفاتة محبة؟
تلك الليلة القاسية رسّخت فيّ درساً عرفته وتعاملتُ معه بأعلى أشكال الإلتزام منذ سنوات بعيدة: لا تؤجّل الكلمة الحميمة. قلها الآن. أرسلها. اكتبها. انطقْها، حتى لو بدت لك عادية أو زائدة عن الحاجة؛ ففي مكان ما، في ساعة متأخّرة من الليل، ربّما يكون هناك إنسانٌ في أقاصي العالم يجلس وحيداً، يسعل، أو يتألم، أو يخاف، وينتظر كلمة حسب… كلمة واحدة، تُعيدُ له ثقته بأنّ الحياة، رغم هشاشتها، لا تزال تستحقُّ العناء والعيش.



