TOP

الموصل / سيف الدين العبيدي

تعمل «مركبة التراث»، التي يشرف عليها كادر أكاديمي مسيحي مختص بالتاريخ والفنون، على التنقل بين الأقضية والمحافظات العراقية، لتقديم برامج وورش تعليمية متنوعة، تشمل التدريب على الكتابة بالخط المسماري، وعرض أفلام تعريفية ووثائقية، وتنظيم محاضرات عن الآثار، إلى جانب تعليم الرسم والنحت، فضلاً عن مكتبة متنقلة تتيح استعارة الكتب خلال فترة تواجد المركبة في كل موقع. وتُقدَّم هذه الأنشطة تحت مظلة خيمة جُسِّدت عليها أبرز المعالم الأثرية العراقية.
ويقول المسؤول عن المركبة، الكاتب بالشأن المسيحي والحاصل على درجة الماجستير في الإعلام، بهنام شمني، في حديثه لـ«المدى»، إنه يهتم بالتاريخ ويكتب فيه منذ سنوات، ومن هذا الاهتمام انطلق بمشروع «مركبة التراث» في نيسان 2024، بمشاركة فريق متكامل من ناحية برطلة. ويبيّن أن المشروع نفّذ حتى الآن 43 برنامجًا في محافظات نينوى وأربيل ودهوك، مع طموح للوصول إلى بغداد والأنبار خلال عام 2026، ثم التوسع لاحقًا ليشمل عموم العراق.
ويؤكد شمني أن جميع خدمات المركبة تُقدَّم مجانًا، بدعم من منظمة «ميسوبوتاميا» الفرنسية، مشيرًا إلى أن الهدف الرئيس يتمثل في ترسيخ قيمة التراث والآثار لدى المجتمع. ويرى أن هناك توجهًا ملحوظًا من الجيل الحالي نحو الاهتمام بالتراث، بوصفه ردّة فعل على الدمار الذي أصاب المدن، موضحًا أن كل برنامج يستمر خمسة أيام. ويضيف أن أبعد منطقة وصلت إليها المركبة هي قرية «هوريسك» الأرمنية في محافظة دهوك، التي تأسست عام 1920 على يد الأرمن المرحّلين من تركيا، واستغرق الوصول إليها نحو ساعتين، وتضم حاليًا 80 عائلة أرمنية، قسم منهم مهجّرون من بغداد منذ عام 2006، وقد أقامت المركبة فيها خمسة أيام. ويبيّن أن المركبة مجهزة بجميع متطلبات التخييم، من خيمة ومقاعد وطاولات وشاشة عرض وأدوات للرسم والنحت والكتابة، فيما تضم المكتبة كتبًا تاريخية حصراً. ويصف شمني الخيمة بأنها «عراق مصغّر»، إذ جمعت مسلمين ومسيحيين وإيزيديين، إلى جانب عرب وأكراد وشبك.
وفي ما يتعلق بعودة المسيحيين إلى نينوى، يرى شمني أن موجة هجرة المسيحيين قد توقفت، ويعدّ ذلك خطوة إيجابية، لافتًا إلى أن نحو 35 في المئة من مسيحيي العراق هاجروا إلى الخارج، إلا أن الغالبية منهم يزورون نينوى باستمرار، ولا سيما أن كثيرًا من ممتلكاتهم ما زالت قائمة، وهو ما يعتبره مؤشرًا مشجعًا، ولا يستبعد عودة عدد كبير منهم خلال السنوات المقبلة.
من جانبه، يوضح عضو منظمة «ميسوبوتاميا» مجيد بطرس أن المنظمة تأسست عام 2015 في أربيل، بدعم فرنسي، وعملت على استقطاب سياح من مختلف الجنسيات إلى العراق، بهدف تعريفهم بحضارة وادي الرافدين. ويبيّن أن المنظمة تعمل حاليًا على إعادة إحياء أيقونة «عماذ السيد المسيح» في كنيسة مار كوركيس للأرثوذكس في الحمدانية، وهي عبارة عن رسومات نفّذها راهب قبل نحو 850 عامًا، وتجسّد مشهد تعميد يوحنا المعمدان للسيد المسيح في نهر الأردن.

 متابعة المدى

 

نظم نادي النقد في اتحاد الادباء جلسة ثقافية ادارها الناقد علي متعب، ضيف فيها الناقدين القديرين ياسين النصيّر ود.ضياء خضير، وبعد مقدّمة مكتنزة بالمعرفة لمدير الجلسة، أشارت لمفاهيم المنهج والإيديولوجيا، وحرصت على تحقيق مهاد نظري راسخ

 

تحدّث الناقد ياسين النصيّر عن الموضوع مستعرضاً إياه من المقالات النقدية للدكتور علي جواد الطاهر مرورا بدخول الإيديولوجيا في النقد، والمتمثّل بهيمنة الماركسة خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، إذ تعد هذه المرحلة من أخصب المراحل النقدية، لينتقل الحديث للدكتور خضير الذي استعرض مواطن اشتغال الإيديولوجيا في روايات من مثل (اللص والكلاب) و(موسم الهجرة إلى الشمال) رابطاً رؤية المناهج بالهوية الوطنية وقضايا ترتبط بالفجوات الموجودة بين المثقفين والجمهور وقناعاتهم.
وأتمّ (النصيّر) حديثه ذاكراً أسماء نقدية كان لها دور بارز في تكوين ظاهرة نقدية بارزة وصولاً إلى عقد التسعينات من القرن الماضي، لينقسم النقد إلى خطاب وطني وخطاب سلطوي، بانت تأثيراته في المقالات الصحفية والدراسات الأدبية.
أما د.خضير فقد تركّز حديثه في أهمية النقد تربوياً وهو يقف معادلاً للوجود المؤثّر لشخصيات صارت تصدّر خطاباً يقلل من رؤية النقد التي تمارسها المؤسسة الأكاديمية، كما تحدّث عن شيوع مناهج نصيّة للابتعاد عمّا يحيط النص من سياق حرصاً على تطبيق النظرية الفكرية للنقد.
هذا وقد شهدت الجلسة مداخلات عدة لمعنيين من الأدباء الحاضرين، لتنتهي الجلسة بحديث لنادي النقد جرى على لسان رئيسه د.علي متعب وما يتّبعه النادي من قراءة حصيفة للمحاور النقدية على مدى جلساته.

في سابقة تاريخية، دخلت 4 أفلام عربية سباق المنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم دولي، التي تمنحها سنويا أكاديمية علوم وفنون السينما الأميركية للأعمال المنتَجة خارج الولايات المتحدة. وضمت القائمة الأولية، التي تشمل 15 فيلما من بين 86 عملا استوفت شروط المنافسة، أفلام: "صوت هند رجب" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية. "اللي باقي منك" للمخرجة الأميركية الأردنية من أصل فلسطيني شيرين دعيبس. "فلسطين 36" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر. "كعكة الرئيس"، للمخرج العراقي حسن هادي. وذلك ضمن منافسات الدورة الثامنة والتسعين للجائزة. وتُعد هذه المرة الثالثة خلال 5 سنوات التي يشارك فيها عمل من إخراج كوثر بن هنية في سباق الأوسكار، بعد فيلمي "الرجل الذي باع ظهره" و"بنات ألفة". وكتبت بن هنية على صفحتها في فيسبوك باللغة الإنجليزية: "فرحة وفخر وامتنان كبير لكل شخص آمن بالفيلم وساهم في إيصال هذا الصوت. يا لها من لحظة رائعة ويا لها من رحلة تنتظرنا".
ومن المقرر إعلان القائمة القصيرة للأفلام المتنافسة في 22 يناير، على أن يُقام حفل إعلان وتوزيع جوائز الأوسكار في 15 مارس 2026 بمدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا.

يقيم بيت المدى للثقافة والفنون جلسة للاحتفاء بمؤية الشخصية الوطنية واحد اعلام التيار الديمقراطي في العراق الراحل نجيب محيي الدين بمناسبة مرور مئة عام على ميلاده .. الفعالية يشارك بها عدد من الاساتذة ومحبي الراحل ، تقام يوم غد الجمعة الساعة الحادية عشر صباحا في بيت المدى شارع المتنبي

صدر حديثاً عن دار المدى كتاب "تقاسيم على وتر الديمقراطية" للأستاذ فخري كريم.. يسلط الضوء على مفهوم الديمقراطية في الدولة العراقية الحديثة.. وحول مفهوم الديمقراطية بين الشعب والسلطات، كما يسلط الضوء على أزمة الديمقراطية في العديد من البلدان العربية حيث يؤكد المؤلف أن تعزيز الدولة الديمقراطية هو ضمان للسيادة والاستقلال.. قدم للكتاب، الكاتب البحريني حسن مدن والذي قال: "في هذه المقالات يعالج الكاتب ما أصبح العراقيون يرزحون تحته من تعاقد عراقي – أمريكي يجرد حكومتهم من سيادة فعلية على شؤون البلاد، مما يتطلب التحرك لتجاوز هذا التعاقد الذي فرضه الاحتلال".

قضت محكمة جنح مصرية برفض الاستئناف المقدم من الفنان المصري محمد رمضان، وأيدت الحكم الصادر بحبسه عامين، مع كفالة مالية قدرها 1000 جنيه، وغرامة 10 آلاف جنيه، وذلك على خلفية اتهامه بنشر محتوى فني عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون الحصول على التصاريح القانونية اللازمة.
وأصدرت المحكمة قرارها بعد نظر الطعن المقدم على حكم أول درجة، الذي كان قد صدر ضد بنشر أغنية "رقم واحد يا أنصاص" عبر قناة الفنان على موقع يوتيوب دون ترخيص رسمي من الجهات المختصة.
وبدأت وقائع القضية عقب تقدم أحد المحامين ببلاغ رسمي، اتهم فيه محمد رمضان بإذاعة مصنف سمعي وبصري دون إذن، معتبراً أن محتوى الأغنية يتضمن عبارات مخالفة للقوانين المنظمة للمصنفات الفنية.
وتضمن البلاغ اتهامات متعددة تتعلق بمحتوى الأغنية ذاتها، حيث أشار مقدم البلاغ إلى أن الكلمات والعبارات الواردة في العمل الغنائي تخالف القوانين والأعراف العامة، وتحتوي على ألفاظ بعيدة عن الذوق العام ومخالفة للقيم المجتمعية والتقاليد المصرية الأصيلة. وزعم البلاغ أن الأغنية تحرض على العنف وتدعو إلى الاعتداد بالنفس بصورة سلبية تسيء إلى المجتمع، ما دفع مقدم البلاغ للمطالبة باتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة بحق الفنان وفق ما تنص عليه القوانين المصرية، وطالب بمحاسبته على هذه المخالفات التي اعتبرها جسيمة.

قالت النجمة الأمريكية أماندا سيفريد إنها ترى أن الاشتراكية فكرة رائعة، معتبرة أنها تقوم في جوهرها على مبدأ رعاية الناس لبعضهم البعض، وجاءت تصريحات أماندا سيفريد على هامش حديثها عن دورها في الدراما الموسيقية المقبلة " وصية آن لي " التي تتناول السيرة الذاتية لآن لي، مؤسسة الحركة الدينية الشيكرية في القرن الثامن عشر.
وقالت سيفريد: "من الجيد أننا نتحدث كثيرًا عن آن لي، لأن هناك صلة مباشرة بين ما أنشأته وبين ما نفتقده اليوم، خاصة ماذا لو تخلينا جميعًا عن أي أجندات؟ ماذا لو كانت أجندتنا الوحيدة هي رعاية بعضنا البعض؟". وأضافت أماندا سيفريد "الاشتراكية فكرة رائعة، وأدرك أنها لا تعمل دائمًا بشكل مثالي، أو أن كثيرين لا يفهمون المعنى الحقيقي للكلمة. بالنسبة لي، هي تعني رعاية بعضنا البعض. إذا كان لدي المزيد من المال، يمكنني إنفاق المزيد منه على الآخرين". وتابعت الممثلة حديثها متسائلة عن مفاهيم الجشع والدفاع عن النفس، قائلة: "جميعنا نريد أن نرى ونحب ونكون مرغوبين، جميعنا نحب الفوز، ونحب المال، ونحب أطفالنا. هذا ينطبق على الجميع. إذن، ما هو الجشع؟ كيف يفيدنا؟ وكيف يعمل غرورنا ضدنا؟".

 علاء المفرجي

يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة جماعية، وجسرًا إنسانيًا يعبر الحدود. وفي دورته الثانية عشرة، يرسّخ المهرجان حضوره بوصفه حدثًا ثقافيًا يحمل أبعادًا فنية وفكرية تتجاوز شاشة العرض.
تكمن أهمية مهرجان دهوك أولًا في دوره في دعم السينما العراقية والكردية، عبر إتاحة الفرصة أمام صناع الأفلام الشباب لعرض أعمالهم إلى جانب تجارب عربية وعالمية راسخة. هذا التجاور لا يخلق منافسة فحسب، بل يولّد حوارًا بصريًا ومعرفيًا يساهم في تطوير الذائقة السينمائية، ويشجع على تبادل الخبرات والأساليب السردية.
كما يكتسب المهرجان بعدًا خاصًا من خلال اختياره للموضوعات الإنسانية والاجتماعية، حيث تتناول الأفلام المشاركة قضايا الهوية، الذاكرة، الحروب، الهجرة، وحق الإنسان في الحياة والكرامة. السينما هنا ليست ترفًا، بل أداة تفكير وتأمل، تعيد طرح الأسئلة المؤجلة، وتمنح صوتًا لمن غالبًا ما يُهمَّشون في الخطاب العام.
في دورته الثانية عشرة، يبرز مهرجان دهوك كمساحة للتلاقي الثقافي الدولي، إذ يستضيف مخرجين ونقادًا ومنتجين من بلدان مختلفة، ما يضع العراق في قلب المشهد السينمائي العالمي، بعيدًا عن الصور النمطية الجاهزة. هذه اللقاءات والندوات وورش العمل تفتح آفاقًا جديدة للتعاون المشترك، وتمنح صناع السينما المحليين فرصة الاحتكاك المباشر مع تجارب عالمية.
ولا يمكن إغفال البعد الرمزي للمهرجان، فإقامته المنتظمة في دهوك تؤكد أن الثقافة قادرة على الاستمرار رغم التحديات السياسية والاقتصادية. إن الإصرار على إقامة مهرجان سينمائي بهذا الحجم هو فعل مقاومة ناعمة، ورسالة مفادها أن الفن جزء أصيل من حياة المجتمع، وليس ترفًا مؤجلًا.
في النهاية، تمثل الدورة الثانية عشرة من مهرجان دهوك السينمائي تأكيدًا على أن السينما في العراق لا تزال حيّة، قادرة على التجدد، وعلى سرد قصصها بنفسها. إنه مهرجان لا يحتفي بالأفلام فقط، بل يحتفي بالإنسان، وبحقه في أن يرى العالم، وأن يُرى
في هذه الدورة للمهرجان اقيمت العديد من الورش السينمائية المهمة منها كانت ندوة عن مبادرة دعم السينما حيث استضاف المهرجان ٣ من اعضاء اللجنة للحديث طبيعة اللجنة واهدافها والمشاكل التي اعترضت
وكانت السسينما الاسبانية هي ضيفة هده الدورة بوضوع تاريخ وظهور الباسك في السينما الكاتلونية وعرض ايضا عدد من الافلام الاسبانيةوبهدا يستمر مهرجان دهوك في تأكيد حضوره في المشهد السينمائي سواء الكردي أو العراقي.

أحمد ثامر جهاد
رغم أن فيلم (ARQ-2016) للمخرج "توني ايليوت" الذي يتواصل عرضه في صالات السينما العالمية، يُصنف كفيلم خيال علمي، إلا أنه قد خلا تقريبا من كل ما اعتدنا مشاهدته في هذا النوع من الأفلام. ليس ثمة مختبرات علمية لإنتاج كائنات خارقة، لا مركبات متطورة تجوب الفضاء الخارجي، لا نداء استغاثة من غرباء بعيدين، ولا هبوط مزعوم على سطح كوكب مجهول.
إننا أسوة بأبطال الفيلم أسرى مكان محدود ستجري فيه الأحداث الغريبة كلها على مدى ساعة ونصف تقريبا. غرف صغيرة معتمة، جدران كالحة وممرات ضيقة هي كل ما نشاهده في مسار الأحداث بتأثيثها الصوري المتقشف، ولم يكن ذلك المكان الافتراضي بسماته الواقعية العيانية عائقا أمام شحذ خيال المتفرجين بدراما سينمائية بدت أقرب إلى بنية الحلم أو الفرضية غير المنطقية. بل إن محدودية المكان (كل مشاهد الفيلم اعتمدت التصوير الداخلي باستثناء مشهد واحد في الدقائق الأخيرة منه) أسهمت في جعل الحدث اللامعقول محتملا بوصفه-على اقل تقدير- تجربة ذاتية اجترحها العقل الباطن الذي تتنازعه هواجس القلق والإيذاء وكذا التوق إلى خلاص نهائي في عالم مستقبلي منذور للفناء.
رغم ذلك لا يقدم فيلم (آرك) ثيمة جديدة مقارنة مع أفلام سابقة، لكنه يحاول أن يمنح حكايته شكل أحجية سينمائية تتلاعب بإدراكاتنا للزمن، البوابة المثيرة التي ستتطلب صبرا من المتفرج حتى ينجلي غموضها.
المشهد الأحجية
يقول رينتون إذا تصرفت بطريقة مماثلة في كل مرة، فلا تأمل بالحصول على نتائج مختلفة"
في بنية سردية تعتمد تكرار الحدث ومزج الواقعي بالافتراضي، يفيق رينتون (روبي آميل) من نومه مذعورا -لا نعرف ممن في المرة الأولى- يلتفت إلى يساره ليطمئن على سلامة رفيقته هانا (رتشيل تايلور) التي تشاركه الفراش. للحظات تراءى لـ(رينتون) أن ثلاثة مسلحين ملثمين سيقتحمون الغرفة من بابها الموصد قبالته ويقتادونه مع رفيقته إلى غرفة كئيبة واسعة للتحقيق معهما حول سر التحكم بآلة مبتكرة تتحكم بالزمن تدعى (آرك) حينما تعمل تمحى الذكريات ومن يمتلكها ينتصر في الحرب. بعد أن يصل المشهد إلى ذروته يصحو رينتون مجددا ويحدق في باب الغرفة الذي سيكون من المرجح أن المسلحين سيقتحمونه مرة أخرى، ليطابق مجرى الأحداث -في الغالب- رؤى رينتون وهواجسه.
كلما يصحو رينتون يُدرك ان أمرا سيئا سيحصل قبل أن يسمح له الوقت بتداركه. وما هو متوقع يحصل بالفعل: دخول المسلحين كما في كل مرة، شد وثاق رينتون وهانا والتحقيق معهما ثم محاولة فك وثاقهما والهرب غير المجدي في متاهة المكان ذاته. ستحتاج الشخصية الرئيسة هنا إلى القدرة على استرجاع الحدث (الافتراضي-إذا صح القول) والبحث عن ثغرات فيه للتدخل واقعيا وحرف مسار الأحداث لزيادة فرص النجاة. تتنبأ الشخصيتان الرئيسيتان بمصيرهما وتريان ذلك جليا، وفي صحوهما سنرى ما شهدناه في المنام دون أن يضعنا الفيلم أمام عناصر بينة بين الواقعين أو الصورتين.
وحيث تفيق هانا في آخر مشاهد الفيلم فيما يغط رفيقها رينتون في نومه، سيبدو لنا إنها لعبة شد متواصل وتبادل مواقع تتطلب من المتلقي الانتباه جيدا، وتضغط في الوقت ذاته على حواسه التي تنشد تسلسلا منطقيا للأحداث. ربما أن المسار المعقول والمتوقع بحد ذاته يعد مفسدة للحكاية كلها في هذا النمط من القصص السينمائية، فالمهم هنا هو ولوج الأحجية الغامضة من بوابتها المثيرة وانتظار ما ستسفر عنه حركة السرد الصاعدة من مفاجآت لها شحنتها العاطفية والفنية.
إخفاقات عدة ستواجه رينتون، ليس أقلها صعوبة وصدمة اكتشافه تواطؤ صديقته هانا مع المسلحين وميولها العاطفية تجاه أحدهم جراء هجرانه لها في فترات سابقة.
دراما كابوسية مركبة من هذا النوع بقدر ما تحاول خلق مستوى من التشويق والفضول لدى المشاهد لمتابعة ما يحصل، فانها تعيد التذكير بأفلام سابقة متفاوتة المستوى راهنت على التلاعب في البناء الزمني للأحداث والخروج عن إطار السرد التقليدي، من قبيل:(2009–Triangle) (The Jacket-2005 ) وبدرجة اقل فيلم الحركة والخيال (Looper -2012) .
من جهته راهن الإخراج بشكل ملحوظ على انهماك المتلقي بتشابك أحداث الفيلم وغموضها، إلا انه في الغضون ترك بعض الثغرات الدرامية حول رسم الشخصيات والإقناع بمجريات الأحداث: غياب رينتون لسنوات عن رفيقته، تجسسها عليه وعلاقتها غير الواضحة مع احد أفراد العصابة ثم استعادة رنتون ثقتها بشكل غير مقنع، فضلا عن عدم الالتفات إلى ما لحق بالعالم الخارجي من نزاعات جعلته مكانا موبوءا وخطيرا، وكيف ان من يمتلك (ارك) يستطيع الانتصار في الحرب التي تشغل ذاك العالم. في المقابل يسرف المخرج وهو كاتب سيناريو الفيلم أيضا، في التمسك بتكرار المشهد مع جرعة من الحركة والإثارة تدفع الصراع إلى منتهاه.
حتى أن المفاجأة التي يمكن أن تنقذ دراما من هذا النوع تتلاشى تدريجيا لإن إيقاع الحدث سيخرج من غرابته الجاذبة إلى نطاق النمطي والمتوقع الذي غالبا ما يسفر دراميا عن نجاة البطل من أزمته بحكم ذكائه وقيمه الأخلاقية وحسن نواياه تجاه العالم.
أليست تلك أشد قواعد الفيلم الهوليودي تنميطا ورسوخا
عالم من اللايقين
في هذا النوع من الأفلام التي تتشبه أحيانا بعوالم الأدب القصصي الخيالي لناحية قربها من بنائه، أو استعارتها لسياقاته الحكائية حينا، سيكون بين الفيلم والمتفرج خيارا أوحدا، إما رفض الفكرة من أساسها أو الاستجابة لغرابتها من دون أن يعني ذلك قبول جلّ النتائج المرتبة على ذلك حتميا، بما يشبه عقد صفقة ضمنية. بمعنى آخر أنك لو قبلت عتبة الحكاية (الصحو من كابوس سيتكرر مرات عدة لدرجة انعدام الفرق بين الواقعي والافتراضي) يلزمك تقبل ما يتأسس عليها، مع ملاحظة أن الافتراضي ذاته قد تشرب خواص الواقعي لدرجة أنه بات واقعا افتراضيا. ولن يكون ذلك حكما قطعيا على جدارة الأفكار بحد ذاتها، فالجيد منها يساء أحيانا توظيفه أو رسم المسارات الملائمة لها. وبأفضل الأحوال سيصبح للغرائبي منطقه الخاص الذي يجعلنا نتعاطى بجدية مع لامعقولية تحوّل (غريغور سامسا) إلى حشرة في مسخ كافكا. هاهنا يصبح الخيال أمرا مألوفا ويتم تقبل الفكرة كفرضية رمزية أو نظام فنتازي له منطقه الخاص.
ربما يتطلب تلقي الفيلم انتباها بدرجة ما وتسويغا لأحداثه، خاصة إذا ما كنا أمام سرد غير خطي، فالمشهد السينمائي مرتبط بمقومات عدة، منها أن أحداثه تقع في زمان ومكان محددين يمهدان للحكاية ويرتبطان بما يلي من مشاهد لاحقة. في فيلم (آرك) نجد أن لحظة الصحو وما يعقبها من أحداث،رغم انها تجري صباحا بين الساعة السادسة و16 دقيقة والتاسعة و25 دقيقة، إلا ان ليس ثمة ما يوحي أو يعزز إدراكنا للزمن بنسقه المعهود (الصحو صباح كل يوم) فالإضاءة الشحيحة على سبيل المثال، تجعل الغرفة شبه المعتمة التي تنطلق منها الأحداث، مشوشة لحواسنا كمتلقين، لكنها في المقابل محفزة ودالة على الزمن الخاص للشخصيات التي تعاني تكرار الحدث لنحو تسع مرات في سياقات متقاربة.
وإذا ما كانت أبرز مشكلات أفلام الخيال العلمي تكمن في سوء كتابة سيناريوهاتها التي تكون طويلة ورتيبة في الغالب، بوسعنا القول إن فيلم(ارك) رغم ثغراته الدرامية خلق أجواء إثارة منعشة خارج ما هو متوقع في هذا النوع من الأفلام التي غالبا ما تقع في النمطية. بل إن نقطة الجذب التي غطت على بعض إخفاقاته هي طريقة بنائه المشوقة والتي جعلته سردا صوريا محفزا للتفكير ومشجعا على التوقعات وخاليا إلى حد ما من الحشو الزائد والأحداث الثانوية.

علي الياسري
لا ابالغ ان قلت ان فيلم (النار في الداخل) للمخرج لوي مال واحد من نخبة افضل الافلام التي شاهدتها. تتجلى الصنعة الفنية السينمائية بأبهى صورها في التقاط جوهر الوجودية الفرنسية حيث الانسان الباحث عن معنى ازاء ألم الحياة، متأرجحًا بين الفراغ النفسي وعزلة الوحدة والضياع في دوامة الكآبة والصمت الشعوري.
مال الصانع هو الوجه السينمائي الاسمى لتجسيد تنوع الموجة الفرنسية الجديدة من خلال عدم انتهاجه لأسلوب معين وتقلبه بين الانماط، لذا ستجد ان اغلب اعماله هي ملفتة ترسخ في ذاكرة المتلقي وتترك انطباعات مميزة عن اهميتها بسبب الصدق العاطفي والدرامي والرسوخ التعبيري عن السرد السينمائي وبناء الشخصيات وبلورة حضورها الطاغي على الشاشة فهو كما يصفه ديفيد هير يمتلك عبقرية تشيخوفية لتغييب نفسه فلا يُرى سوى فعله الابداعي. ان اطلالة على افلام مثل مصعد الى المشنقة، ضرر، الى اللقاء يا اطفال، عشائي مع اندريه، لاكومب لوسيان، اتلانتك سيتي ستؤكد تلك الفرادة والتميز الذي يطبع سينماه بالتنوع الجاذب.
بهذا المشهد من (النار في الداخل) يؤطر لوي مال مفهومه لرواية الكاتب بيير لاروشيل من خلال اللقطات القريبة والمونتاج الذي لاينسى فيه اهمية الاستغراق في زمن اللقطة المناسب يضيف اليها قوة شعورية بالاستعانة بموسيقى اريك ساتي الرائعة والتي تتجول حول الذات فتعيد النظر الى وجوه الناس ووجه (موريس رونيه) -احد افضل الممثلين الذين باستطاعتهم تجسيد الالم بالصمت والحزن بالنظرات والوجع بتقاسيم الوجه المُبَّسطة- لالتقاط كل التبعثر النفسي حد الضياع في ازمة وجود مستفحلة تقف على هاوية لا مناص من السقوط فيها. يلتقط مال كيف ان لاشئ يحركه او يجذب انتباهه لا نظرات انثوية، ولا سرقة رجل عجوز اشياء من طاولة المقهى، ولا حتى حوارات الناس المستطرقين في الشارع وحيوية حياتهم. فترى مقارنة بصرية عميقة بين صخب الارواح المتعافية من فراغ اليأس الوجودي وصمت ولا ابالية الاغتراب الروحي القاتم وعزلته القاتلة.
*في الذكرى 93 على ولادة المخرج الكبير لوي مال

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram