TOP

يقيم بيت المدى للثقافة والفنون جلسة للاحتفاء بمؤية الشخصية الوطنية واحد اعلام التيار الديمقراطي في العراق الراحل نجيب محيي الدين بمناسبة مرور مئة عام على ميلاده .. الفعالية يشارك بها عدد من الاساتذة ومحبي الراحل ، تقام يوم غد الجمعة الساعة الحادية عشر صباحا في بيت المدى شارع المتنبي

صدر حديثاً عن دار المدى كتاب "تقاسيم على وتر الديمقراطية" للأستاذ فخري كريم.. يسلط الضوء على مفهوم الديمقراطية في الدولة العراقية الحديثة.. وحول مفهوم الديمقراطية بين الشعب والسلطات، كما يسلط الضوء على أزمة الديمقراطية في العديد من البلدان العربية حيث يؤكد المؤلف أن تعزيز الدولة الديمقراطية هو ضمان للسيادة والاستقلال.. قدم للكتاب، الكاتب البحريني حسن مدن والذي قال: "في هذه المقالات يعالج الكاتب ما أصبح العراقيون يرزحون تحته من تعاقد عراقي – أمريكي يجرد حكومتهم من سيادة فعلية على شؤون البلاد، مما يتطلب التحرك لتجاوز هذا التعاقد الذي فرضه الاحتلال".

قضت محكمة جنح مصرية برفض الاستئناف المقدم من الفنان المصري محمد رمضان، وأيدت الحكم الصادر بحبسه عامين، مع كفالة مالية قدرها 1000 جنيه، وغرامة 10 آلاف جنيه، وذلك على خلفية اتهامه بنشر محتوى فني عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون الحصول على التصاريح القانونية اللازمة.
وأصدرت المحكمة قرارها بعد نظر الطعن المقدم على حكم أول درجة، الذي كان قد صدر ضد بنشر أغنية "رقم واحد يا أنصاص" عبر قناة الفنان على موقع يوتيوب دون ترخيص رسمي من الجهات المختصة.
وبدأت وقائع القضية عقب تقدم أحد المحامين ببلاغ رسمي، اتهم فيه محمد رمضان بإذاعة مصنف سمعي وبصري دون إذن، معتبراً أن محتوى الأغنية يتضمن عبارات مخالفة للقوانين المنظمة للمصنفات الفنية.
وتضمن البلاغ اتهامات متعددة تتعلق بمحتوى الأغنية ذاتها، حيث أشار مقدم البلاغ إلى أن الكلمات والعبارات الواردة في العمل الغنائي تخالف القوانين والأعراف العامة، وتحتوي على ألفاظ بعيدة عن الذوق العام ومخالفة للقيم المجتمعية والتقاليد المصرية الأصيلة. وزعم البلاغ أن الأغنية تحرض على العنف وتدعو إلى الاعتداد بالنفس بصورة سلبية تسيء إلى المجتمع، ما دفع مقدم البلاغ للمطالبة باتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة بحق الفنان وفق ما تنص عليه القوانين المصرية، وطالب بمحاسبته على هذه المخالفات التي اعتبرها جسيمة.

قالت النجمة الأمريكية أماندا سيفريد إنها ترى أن الاشتراكية فكرة رائعة، معتبرة أنها تقوم في جوهرها على مبدأ رعاية الناس لبعضهم البعض، وجاءت تصريحات أماندا سيفريد على هامش حديثها عن دورها في الدراما الموسيقية المقبلة " وصية آن لي " التي تتناول السيرة الذاتية لآن لي، مؤسسة الحركة الدينية الشيكرية في القرن الثامن عشر.
وقالت سيفريد: "من الجيد أننا نتحدث كثيرًا عن آن لي، لأن هناك صلة مباشرة بين ما أنشأته وبين ما نفتقده اليوم، خاصة ماذا لو تخلينا جميعًا عن أي أجندات؟ ماذا لو كانت أجندتنا الوحيدة هي رعاية بعضنا البعض؟". وأضافت أماندا سيفريد "الاشتراكية فكرة رائعة، وأدرك أنها لا تعمل دائمًا بشكل مثالي، أو أن كثيرين لا يفهمون المعنى الحقيقي للكلمة. بالنسبة لي، هي تعني رعاية بعضنا البعض. إذا كان لدي المزيد من المال، يمكنني إنفاق المزيد منه على الآخرين". وتابعت الممثلة حديثها متسائلة عن مفاهيم الجشع والدفاع عن النفس، قائلة: "جميعنا نريد أن نرى ونحب ونكون مرغوبين، جميعنا نحب الفوز، ونحب المال، ونحب أطفالنا. هذا ينطبق على الجميع. إذن، ما هو الجشع؟ كيف يفيدنا؟ وكيف يعمل غرورنا ضدنا؟".

 علاء المفرجي

يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة جماعية، وجسرًا إنسانيًا يعبر الحدود. وفي دورته الثانية عشرة، يرسّخ المهرجان حضوره بوصفه حدثًا ثقافيًا يحمل أبعادًا فنية وفكرية تتجاوز شاشة العرض.
تكمن أهمية مهرجان دهوك أولًا في دوره في دعم السينما العراقية والكردية، عبر إتاحة الفرصة أمام صناع الأفلام الشباب لعرض أعمالهم إلى جانب تجارب عربية وعالمية راسخة. هذا التجاور لا يخلق منافسة فحسب، بل يولّد حوارًا بصريًا ومعرفيًا يساهم في تطوير الذائقة السينمائية، ويشجع على تبادل الخبرات والأساليب السردية.
كما يكتسب المهرجان بعدًا خاصًا من خلال اختياره للموضوعات الإنسانية والاجتماعية، حيث تتناول الأفلام المشاركة قضايا الهوية، الذاكرة، الحروب، الهجرة، وحق الإنسان في الحياة والكرامة. السينما هنا ليست ترفًا، بل أداة تفكير وتأمل، تعيد طرح الأسئلة المؤجلة، وتمنح صوتًا لمن غالبًا ما يُهمَّشون في الخطاب العام.
في دورته الثانية عشرة، يبرز مهرجان دهوك كمساحة للتلاقي الثقافي الدولي، إذ يستضيف مخرجين ونقادًا ومنتجين من بلدان مختلفة، ما يضع العراق في قلب المشهد السينمائي العالمي، بعيدًا عن الصور النمطية الجاهزة. هذه اللقاءات والندوات وورش العمل تفتح آفاقًا جديدة للتعاون المشترك، وتمنح صناع السينما المحليين فرصة الاحتكاك المباشر مع تجارب عالمية.
ولا يمكن إغفال البعد الرمزي للمهرجان، فإقامته المنتظمة في دهوك تؤكد أن الثقافة قادرة على الاستمرار رغم التحديات السياسية والاقتصادية. إن الإصرار على إقامة مهرجان سينمائي بهذا الحجم هو فعل مقاومة ناعمة، ورسالة مفادها أن الفن جزء أصيل من حياة المجتمع، وليس ترفًا مؤجلًا.
في النهاية، تمثل الدورة الثانية عشرة من مهرجان دهوك السينمائي تأكيدًا على أن السينما في العراق لا تزال حيّة، قادرة على التجدد، وعلى سرد قصصها بنفسها. إنه مهرجان لا يحتفي بالأفلام فقط، بل يحتفي بالإنسان، وبحقه في أن يرى العالم، وأن يُرى
في هذه الدورة للمهرجان اقيمت العديد من الورش السينمائية المهمة منها كانت ندوة عن مبادرة دعم السينما حيث استضاف المهرجان ٣ من اعضاء اللجنة للحديث طبيعة اللجنة واهدافها والمشاكل التي اعترضت
وكانت السسينما الاسبانية هي ضيفة هده الدورة بوضوع تاريخ وظهور الباسك في السينما الكاتلونية وعرض ايضا عدد من الافلام الاسبانيةوبهدا يستمر مهرجان دهوك في تأكيد حضوره في المشهد السينمائي سواء الكردي أو العراقي.

أحمد ثامر جهاد
رغم أن فيلم (ARQ-2016) للمخرج "توني ايليوت" الذي يتواصل عرضه في صالات السينما العالمية، يُصنف كفيلم خيال علمي، إلا أنه قد خلا تقريبا من كل ما اعتدنا مشاهدته في هذا النوع من الأفلام. ليس ثمة مختبرات علمية لإنتاج كائنات خارقة، لا مركبات متطورة تجوب الفضاء الخارجي، لا نداء استغاثة من غرباء بعيدين، ولا هبوط مزعوم على سطح كوكب مجهول.
إننا أسوة بأبطال الفيلم أسرى مكان محدود ستجري فيه الأحداث الغريبة كلها على مدى ساعة ونصف تقريبا. غرف صغيرة معتمة، جدران كالحة وممرات ضيقة هي كل ما نشاهده في مسار الأحداث بتأثيثها الصوري المتقشف، ولم يكن ذلك المكان الافتراضي بسماته الواقعية العيانية عائقا أمام شحذ خيال المتفرجين بدراما سينمائية بدت أقرب إلى بنية الحلم أو الفرضية غير المنطقية. بل إن محدودية المكان (كل مشاهد الفيلم اعتمدت التصوير الداخلي باستثناء مشهد واحد في الدقائق الأخيرة منه) أسهمت في جعل الحدث اللامعقول محتملا بوصفه-على اقل تقدير- تجربة ذاتية اجترحها العقل الباطن الذي تتنازعه هواجس القلق والإيذاء وكذا التوق إلى خلاص نهائي في عالم مستقبلي منذور للفناء.
رغم ذلك لا يقدم فيلم (آرك) ثيمة جديدة مقارنة مع أفلام سابقة، لكنه يحاول أن يمنح حكايته شكل أحجية سينمائية تتلاعب بإدراكاتنا للزمن، البوابة المثيرة التي ستتطلب صبرا من المتفرج حتى ينجلي غموضها.
المشهد الأحجية
يقول رينتون إذا تصرفت بطريقة مماثلة في كل مرة، فلا تأمل بالحصول على نتائج مختلفة"
في بنية سردية تعتمد تكرار الحدث ومزج الواقعي بالافتراضي، يفيق رينتون (روبي آميل) من نومه مذعورا -لا نعرف ممن في المرة الأولى- يلتفت إلى يساره ليطمئن على سلامة رفيقته هانا (رتشيل تايلور) التي تشاركه الفراش. للحظات تراءى لـ(رينتون) أن ثلاثة مسلحين ملثمين سيقتحمون الغرفة من بابها الموصد قبالته ويقتادونه مع رفيقته إلى غرفة كئيبة واسعة للتحقيق معهما حول سر التحكم بآلة مبتكرة تتحكم بالزمن تدعى (آرك) حينما تعمل تمحى الذكريات ومن يمتلكها ينتصر في الحرب. بعد أن يصل المشهد إلى ذروته يصحو رينتون مجددا ويحدق في باب الغرفة الذي سيكون من المرجح أن المسلحين سيقتحمونه مرة أخرى، ليطابق مجرى الأحداث -في الغالب- رؤى رينتون وهواجسه.
كلما يصحو رينتون يُدرك ان أمرا سيئا سيحصل قبل أن يسمح له الوقت بتداركه. وما هو متوقع يحصل بالفعل: دخول المسلحين كما في كل مرة، شد وثاق رينتون وهانا والتحقيق معهما ثم محاولة فك وثاقهما والهرب غير المجدي في متاهة المكان ذاته. ستحتاج الشخصية الرئيسة هنا إلى القدرة على استرجاع الحدث (الافتراضي-إذا صح القول) والبحث عن ثغرات فيه للتدخل واقعيا وحرف مسار الأحداث لزيادة فرص النجاة. تتنبأ الشخصيتان الرئيسيتان بمصيرهما وتريان ذلك جليا، وفي صحوهما سنرى ما شهدناه في المنام دون أن يضعنا الفيلم أمام عناصر بينة بين الواقعين أو الصورتين.
وحيث تفيق هانا في آخر مشاهد الفيلم فيما يغط رفيقها رينتون في نومه، سيبدو لنا إنها لعبة شد متواصل وتبادل مواقع تتطلب من المتلقي الانتباه جيدا، وتضغط في الوقت ذاته على حواسه التي تنشد تسلسلا منطقيا للأحداث. ربما أن المسار المعقول والمتوقع بحد ذاته يعد مفسدة للحكاية كلها في هذا النمط من القصص السينمائية، فالمهم هنا هو ولوج الأحجية الغامضة من بوابتها المثيرة وانتظار ما ستسفر عنه حركة السرد الصاعدة من مفاجآت لها شحنتها العاطفية والفنية.
إخفاقات عدة ستواجه رينتون، ليس أقلها صعوبة وصدمة اكتشافه تواطؤ صديقته هانا مع المسلحين وميولها العاطفية تجاه أحدهم جراء هجرانه لها في فترات سابقة.
دراما كابوسية مركبة من هذا النوع بقدر ما تحاول خلق مستوى من التشويق والفضول لدى المشاهد لمتابعة ما يحصل، فانها تعيد التذكير بأفلام سابقة متفاوتة المستوى راهنت على التلاعب في البناء الزمني للأحداث والخروج عن إطار السرد التقليدي، من قبيل:(2009–Triangle) (The Jacket-2005 ) وبدرجة اقل فيلم الحركة والخيال (Looper -2012) .
من جهته راهن الإخراج بشكل ملحوظ على انهماك المتلقي بتشابك أحداث الفيلم وغموضها، إلا انه في الغضون ترك بعض الثغرات الدرامية حول رسم الشخصيات والإقناع بمجريات الأحداث: غياب رينتون لسنوات عن رفيقته، تجسسها عليه وعلاقتها غير الواضحة مع احد أفراد العصابة ثم استعادة رنتون ثقتها بشكل غير مقنع، فضلا عن عدم الالتفات إلى ما لحق بالعالم الخارجي من نزاعات جعلته مكانا موبوءا وخطيرا، وكيف ان من يمتلك (ارك) يستطيع الانتصار في الحرب التي تشغل ذاك العالم. في المقابل يسرف المخرج وهو كاتب سيناريو الفيلم أيضا، في التمسك بتكرار المشهد مع جرعة من الحركة والإثارة تدفع الصراع إلى منتهاه.
حتى أن المفاجأة التي يمكن أن تنقذ دراما من هذا النوع تتلاشى تدريجيا لإن إيقاع الحدث سيخرج من غرابته الجاذبة إلى نطاق النمطي والمتوقع الذي غالبا ما يسفر دراميا عن نجاة البطل من أزمته بحكم ذكائه وقيمه الأخلاقية وحسن نواياه تجاه العالم.
أليست تلك أشد قواعد الفيلم الهوليودي تنميطا ورسوخا
عالم من اللايقين
في هذا النوع من الأفلام التي تتشبه أحيانا بعوالم الأدب القصصي الخيالي لناحية قربها من بنائه، أو استعارتها لسياقاته الحكائية حينا، سيكون بين الفيلم والمتفرج خيارا أوحدا، إما رفض الفكرة من أساسها أو الاستجابة لغرابتها من دون أن يعني ذلك قبول جلّ النتائج المرتبة على ذلك حتميا، بما يشبه عقد صفقة ضمنية. بمعنى آخر أنك لو قبلت عتبة الحكاية (الصحو من كابوس سيتكرر مرات عدة لدرجة انعدام الفرق بين الواقعي والافتراضي) يلزمك تقبل ما يتأسس عليها، مع ملاحظة أن الافتراضي ذاته قد تشرب خواص الواقعي لدرجة أنه بات واقعا افتراضيا. ولن يكون ذلك حكما قطعيا على جدارة الأفكار بحد ذاتها، فالجيد منها يساء أحيانا توظيفه أو رسم المسارات الملائمة لها. وبأفضل الأحوال سيصبح للغرائبي منطقه الخاص الذي يجعلنا نتعاطى بجدية مع لامعقولية تحوّل (غريغور سامسا) إلى حشرة في مسخ كافكا. هاهنا يصبح الخيال أمرا مألوفا ويتم تقبل الفكرة كفرضية رمزية أو نظام فنتازي له منطقه الخاص.
ربما يتطلب تلقي الفيلم انتباها بدرجة ما وتسويغا لأحداثه، خاصة إذا ما كنا أمام سرد غير خطي، فالمشهد السينمائي مرتبط بمقومات عدة، منها أن أحداثه تقع في زمان ومكان محددين يمهدان للحكاية ويرتبطان بما يلي من مشاهد لاحقة. في فيلم (آرك) نجد أن لحظة الصحو وما يعقبها من أحداث،رغم انها تجري صباحا بين الساعة السادسة و16 دقيقة والتاسعة و25 دقيقة، إلا ان ليس ثمة ما يوحي أو يعزز إدراكنا للزمن بنسقه المعهود (الصحو صباح كل يوم) فالإضاءة الشحيحة على سبيل المثال، تجعل الغرفة شبه المعتمة التي تنطلق منها الأحداث، مشوشة لحواسنا كمتلقين، لكنها في المقابل محفزة ودالة على الزمن الخاص للشخصيات التي تعاني تكرار الحدث لنحو تسع مرات في سياقات متقاربة.
وإذا ما كانت أبرز مشكلات أفلام الخيال العلمي تكمن في سوء كتابة سيناريوهاتها التي تكون طويلة ورتيبة في الغالب، بوسعنا القول إن فيلم(ارك) رغم ثغراته الدرامية خلق أجواء إثارة منعشة خارج ما هو متوقع في هذا النوع من الأفلام التي غالبا ما تقع في النمطية. بل إن نقطة الجذب التي غطت على بعض إخفاقاته هي طريقة بنائه المشوقة والتي جعلته سردا صوريا محفزا للتفكير ومشجعا على التوقعات وخاليا إلى حد ما من الحشو الزائد والأحداث الثانوية.

علي الياسري
لا ابالغ ان قلت ان فيلم (النار في الداخل) للمخرج لوي مال واحد من نخبة افضل الافلام التي شاهدتها. تتجلى الصنعة الفنية السينمائية بأبهى صورها في التقاط جوهر الوجودية الفرنسية حيث الانسان الباحث عن معنى ازاء ألم الحياة، متأرجحًا بين الفراغ النفسي وعزلة الوحدة والضياع في دوامة الكآبة والصمت الشعوري.
مال الصانع هو الوجه السينمائي الاسمى لتجسيد تنوع الموجة الفرنسية الجديدة من خلال عدم انتهاجه لأسلوب معين وتقلبه بين الانماط، لذا ستجد ان اغلب اعماله هي ملفتة ترسخ في ذاكرة المتلقي وتترك انطباعات مميزة عن اهميتها بسبب الصدق العاطفي والدرامي والرسوخ التعبيري عن السرد السينمائي وبناء الشخصيات وبلورة حضورها الطاغي على الشاشة فهو كما يصفه ديفيد هير يمتلك عبقرية تشيخوفية لتغييب نفسه فلا يُرى سوى فعله الابداعي. ان اطلالة على افلام مثل مصعد الى المشنقة، ضرر، الى اللقاء يا اطفال، عشائي مع اندريه، لاكومب لوسيان، اتلانتك سيتي ستؤكد تلك الفرادة والتميز الذي يطبع سينماه بالتنوع الجاذب.
بهذا المشهد من (النار في الداخل) يؤطر لوي مال مفهومه لرواية الكاتب بيير لاروشيل من خلال اللقطات القريبة والمونتاج الذي لاينسى فيه اهمية الاستغراق في زمن اللقطة المناسب يضيف اليها قوة شعورية بالاستعانة بموسيقى اريك ساتي الرائعة والتي تتجول حول الذات فتعيد النظر الى وجوه الناس ووجه (موريس رونيه) -احد افضل الممثلين الذين باستطاعتهم تجسيد الالم بالصمت والحزن بالنظرات والوجع بتقاسيم الوجه المُبَّسطة- لالتقاط كل التبعثر النفسي حد الضياع في ازمة وجود مستفحلة تقف على هاوية لا مناص من السقوط فيها. يلتقط مال كيف ان لاشئ يحركه او يجذب انتباهه لا نظرات انثوية، ولا سرقة رجل عجوز اشياء من طاولة المقهى، ولا حتى حوارات الناس المستطرقين في الشارع وحيوية حياتهم. فترى مقارنة بصرية عميقة بين صخب الارواح المتعافية من فراغ اليأس الوجودي وصمت ولا ابالية الاغتراب الروحي القاتم وعزلته القاتلة.
*في الذكرى 93 على ولادة المخرج الكبير لوي مال

ترجمة : عدوية الهلالي
قبل أسبوعين من عيد الميلاد، بدأ عرض فيلم «في مطاردة بابا نويل «، وهو فيلم كوميدي عائلي من بطولة باتريك تيمسيت في دور سانتا كلوز، وقد نال بالفعل إعجاب الكثيرين ، إذ يمكن قضاء عيد الميلاد بدون ثلج بالنسبة للأطفال وحتى الكبار ، ولكن ليس بدون سانتا كلوز. فلديهم دائمًا قائمة صغيرة من الهدايا ليقدموها له. أما الطفلة زوي، فليس في ذهنها سوى شيء واحد هذا العام: «بندقية نفخ مليئة بالعلكة»،وهي أداة انتقامها من عدوتها اللدودة في المدرسة، والتي لا تجرؤ على أن تطلبها حتى من والدتها لذا تطلبها من سانتا كلوز. وهذا أمرٌ محزنٌ حقًا بالنسبة للممثلة الصغيرة التي تؤدي دور زوي، ثيا دي بايك التي تقول: «لو قابلتُ بابا نويل غدًا، لطلبتُ من جميع الأطفال الذين يتعرضون للتنمر أن يخبروا آباءهم بذلك، وأنهم لن يواجهوا بذلك أي مشاكل بعد الآن».
في الفيلم، لا تتلقى زوي الهدية المتوقعة. فتنطلق في مطاردة باتريك تيمسيت، الذي يرتدي زي بابا نويل، حتى أنها تلجأ إلى العنف للحصول على ما تريد. انها طفلةٌ تُثير غضب الكبار. وهو نمطٌ كلاسيكي في أفلام الكوميديا ​​الأنجلوسكسونية لعيد الميلاد، مثل فيلم "وحدي في المنزل". ويقول المخرج جيمس هوث عن فيلمه: "أردتُ حقًا أن أصنع فيلمًا لعيد الميلاد يُعبّر عنّا حقًا، فيلمًا فرنسيًا. مع كل تلك الإشارات السينمائية الأنجلوسكسونية، نعم، ولكن أيضًا بالاستناد إلى جذورنا وعالمنا الخاص من الحكايات الخرافية".
وتتوالى سلسلة من المغامرات بين زوي وسانتا كلوز وأشرار القصة التي تدور أحداثها في أجواء احتفالية ساحرة، ما يجعلها مناسبة لجميع الأعمار: "ساحرة ومضحكة، ورائعة حقًا!"، هكذا علّقت إحدى الأمهات وهي تغادر العرض. بينما قال طفل صغير: "كانت آسرة، وضحكنا كثيرًا!".
ومن الواضح ان فيلم ( في مطاردة بابا نويل ) هو فيلم كوميدي ممتع وغريب، يأخذنا في مطاردة سانتا كلوز برفقة فتاة صغيرة ذكية للغاية، مصممة على الانتقام من التنمر الذي تتعرض له. وقد أجرى باتريك تيمسيت، الذي يؤدي دور سانتا كلوز في هذه القصة، مقابلة مع موقع فرانس انفو تحدث فيه عن الفيلم وجاء فيه:
إنها كوميديا غريبة، أليس كذلك؟
-نعم، إنها كوميديا عيد ميلاد ذات إيقاع هادئ ظاهريًا، لكن هذه الروح نفسها موجودة بالفعل في فيلمي "وحدي في المنزل" و"تشارلي ومصنع الشوكولاتة".
انت تقدم شخصية بابا نويل مع أطفال رائعين وكبار ذوي شخصيات غريبة بعض الشيء؟
-الأشرار هم من يثيرون الاشمئزاز. أعني، إيزابيل بايلي، ملكة الأشرار الاستثنائيين، ذكية. وابنها، أنطوان جوين، يمثل الشرير. انا أحب هذا التشبيه، لكن سأترك لكم اكتشافه بأنفسكم. احببت تحديدًا هذه الروح،وهي ليست مختلة، بل روح نابضة بالحيوية ومفعمة بالحماس.
عندما نتذكر مسيرتك الفنية وأفلامك مثل "هندي في المدينة" و"الأزمة" وغيرها، نتخيل أن تجسيد شخصية سانتا كلوز أمر لا يُرفض؟
-إنها فرصة لا تُفوَّت أن اشارك في هذا السيناريو، وفي هذه المغامرة. ومع جيمس هوث، لقد شعرتُ أنه قدّمها على أكمل وجه. وهذا صحيح. فهناك إشارات من هذا القبيل يمكننا الحديث عنها، لكنه يبقى فيلمًا أصيلًا. فيلم فرنسي الجذور. أجل، لا يُمكن رفض ذلك. وكذلك فيلم "هندي في المدينة". أو فيلم "بولي"، حيث عملتُ مع تلك الطفلة الصغيرة بودي، والآن اشارك هذه الطفلة مجددًا. الأطفال لا يُخيفونني، وأنا أقبل الأدوار معهم .
سمعتُ أنك احتجتَ لأكثر من ثلاث ساعات من المكياج يوميًا أثناء التصوير لتُتقن ملامح وجه سانتا وتشبه بابا نويل ؟...
-الجزء الأصعب، والأكثر تعقيدًا حقًا، كان إيجاد المصداقية في شخصية بابا نويل اليومية. في مرحلة معينة، كيف تبدو حياته؟ أين يعيش؟ ماذا يرتدي؟ ثم هناك العلاقة مع هذه الطفلة الصغيرة؛ إنه لقاء حقيقي. ثيا دي بوك رائعة، إنها بطلة. ستمثل لجميع الأطفال ، وستخاطب الجمهورأطفالًا وحتى آباءً لتقول لهم ان الشجاعة في السعي وراء أحلامهم، وحتى الرغبة في الانتقام، ولكن بأسلحتهم الخاصة. هذا ما يعلمه لها لويجي، بابا نويل الخاص بها، عندما يقول لها: "لا تستخدمي بندقية نفخ، عليك أن تنتقمي بأسلحتك الخاصة"، أي دهاءك وذكائك وشغفك بالحياة.
عندما نشاهد الفيلم، يتضح شيء واحد عنك يا باتريك: يمكنك أن تجعلنا نضحك بنظرة واحدة. أسأل لأنك أضحكتنا لسنوات طويلة في عروضك الفردية، لكنك قررت التوقف. قبل عام ونصف. بعد 35 عامًا من الجولات، لماذا؟
-كان من الضروري التوقف. توقفت عندما سألني الناس عن السبب، لأنه بعد 35 عامًا كاملة، 35 عامًا من التواصل مع جمهور وفيّ للغاية، لم أسعَ أبدًا لتوسيع قاعدة جمهوري؛ بل سعيتُ لإسعادهم وكسب محبتهم من عرض لآخر

 بغداد / تبارك عبد المجيد

يعيش سكان قضاء كحلاء يوميات شاقة وسط ضعف الخدمات والبنية التحتية المتدهورة، حيث لا تصل المياه إلا لمن يشترونها، وتتحول الطرق مع كل مطر إلى برك طينية تعيق حركة الناس وتعرقل دوام الطلاب، كما يضطر الأطفال أحيانًا إلى ترك المدارس لمساعدة أهاليهم في تأمين متطلبات الحياة، فيما تهيمن الجنسيات الأجنبية والعمال من المحافظات الأخرى على الوظائف في شركات النفط المحيطة بالقضاء، ما يعكس التناقض الكبير بين ثروات المنطقة ومعاناة سكانها.

قال الناشط والمواطن أحمد الماجد إن سكان قضاء كحلاء يعيشون معاناة يومية شديدة نتيجة ضعف الخدمات الأساسية وانتشار الإهمال في البنى التحتية. وأضاف الماجد أن «المياه لم تعد تصل إلى أغلب المنازل في القرى، ويضطر الأهالي اليوم إلى شرائها، حتى لسقاية الحيوانات، ما يزيد الأعباء المالية على العائلات».
وأوضح الماجد لـ«المدى» أن الطرق في المنطقة مهترئة بشكل كبير، و«أي مطر يحول الشوارع إلى برك طينية تمنع التنقل، وتعرقل وصول الطلاب إلى المدارس، كما تزيد من صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية أو الأسواق».
وأشار الماجد إلى أن المدارس تعاني من الاكتظاظ الشديد، حيث يصل عدد الطلاب في بعض الصفوف مع نقص واضح في التجهيزات والمقاعد، ما يجعل العملية التعليمية شبه متوقفة في أوقات الطقس السيئ. وأضاف أن المراكز الصحية محدودة وعددها قليل، وبعضها مغلق بسبب نقص الكوادر، مما يصعّب الحصول على العلاج، ونضطر للتنقل وتحمل تكاليف النقل إلى المستشفيات القريبة. وتابع الماجد بالقول «نحن في كحلاء نواجه صعوبة في كل شيء، من الحصول على المياه إلى التعليم والصحة والتنقل. نحتاج إلى تدخل عاجل لتأهيل البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، لضمان حياة كريمة لنا ولأطفالنا»، ولم يخفِ الماجد انتقاده للدورة البرلمانية السابقة، قائلًا «الدورة الماضية للبرلمان لم تقدم أي شيء. لم تُنفذ مشاريع حقيقية، ولم تُحل مشاكلنا اليومية، وكأننا غير موجودين على خارطة المسؤولين. كل وعودهم تبخرت على الأرض، ونحن ما زلنا نعاني من المياه والصحة والتعليم والطرق، ومن الوقاحة أنهم عادوا وقدموا ذات الوعود في الانتخابات». ووفقًا لماجد فإن «نسبة الفقر في قضاء كحلاء تصل إلى نحو 80٪، بحسب تصريحات حكومية، ما يجعل الحياة اليومية صعبة للغاية بالنسبة للسكان». وأضاف أن «الكثير من الأطفال يضطرون إلى ترك مدارسهم لمساعدة أهاليهم في تحمل تكاليف المعيشة، في ظل غياب الدعم الكافي للخدمات الأساسية».
وبيّن الماجد أن القضاء يضم ناحيتي بني هاشم والمشرح، وتقدر مساحته بـ2217 كيلومترًا مربعًا، موضحًا أن أغلب السكان يعملون بأجر يومي، رغم أن المدينة محاطة بشركات نفطية وتطفو على بحر من الذهب الأسود. وأكد أن غالبية الوظائف لا يشغلها أهالي المنطقة، بل يتم توظيف جنسيات أجنبية أو عمال من محافظات أخرى.
وأشار إلى أن هذا الواقع يعكس التناقض الكبير بين الثروات الطبيعية التي تحيط بالقضاء والمعاناة اليومية التي يعيشها أهالي كحلاء، مؤكدًا الحاجة الملحّة إلى تدخلات عاجلة لإعادة تأهيل البنى التحتية وتوفير فرص العمل والخدمات الأساسية لسكان المنطقة.
وقال علي شبوط جحيل، قائمقام قضاء كحلاء، إن القضاء شهد تنفيذ عدد من مشاريع الجهد الخدمي والهندسي خلال الفترة الماضية. وأوضح أن مشروع تبليط حي الرحمة مع شبكة المجاري والماء قد أُنجز واستُلم بالكامل، كما تم رفع عدد من المشاريع ضمن خطط الجهد الخدمي لعام 2025، شملت خدمات المجاري والتبليط وشبكات ومجمعات المياه. لكن القائمقام أشار إلى أن هناك تحديات كبيرة في إيصال الخدمات إلى خارج مركز المدينة، خصوصًا فيما يتعلق بالمياه الصالحة للشرب. وأوضح أن الجفاف المستمر وانقطاع الأنهار والأهوار أدى إلى توقف معظم مجمعات المياه عن العمل في القرى النائية، ما اضطر السكان إلى الاعتماد على الحوضيات، إلا أن قلة عدد الآليات وكثرة القرى والمنازل تجعل إيصال المياه للجميع أمرًا صعبًا.
وأضاف جحيل أن هناك عددًا من المشاريع الوزارية المتلكئة، منها مشروع محطة 132 كيفي، الذي أُنجز الجزء الأول منه لكنه لم يبدأ العمل حتى الآن، إضافة إلى الملعب الذي توقف العمل فيه منذ عام 2013، وكذلك مشاريع مصرف الرافدين ومدرسة الشهيد الابتدائية، التي ما زالت متوقفة عن الإنجاز. كما أشار إلى وجود تحديات في القطاع الصحي، حيث أُغلقت بعض البيوت الصحية نتيجة نقص الملاكات، ومنها البيت الصحي في قريتي بحاته والشويلات، ولم تُعاد إلى العمل حتى بعد المطالبة الرسمية، مع تبرير الجهات المعنية بعدم توفر الكوادر الصحية اللازمة. وأكد علي شبوط جحيل أن هذه المعوقات تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، مشددًا على الحاجة الماسة لاستكمال المشاريع المتوقفة وتوفير الخدمات الأساسية لضمان حياة كريمة لسكان قضاء كحلاء.
وقال حيدر عدنان الساعدي، رئيس منظمة أبناء الأهوار الإنسانية، إن محافظة ميسان تعيش منذ عقود تدهورًا واضحًا في مستوى الخدمات الأساسية، مشيرًا إلى أن النقص الحاد يظهر بشكل خاص في ثلاثة قطاعات رئيسية هي الصحة والتعليم والخدمات العامة، بالرغم من تخصيص ميزانيات كبيرة يُفترض أن تسد هذا النقص.
وأضاف الساعدي في حديث لـ«المدى» أن أغلب مناطق المحافظة تفتقر إلى المستشفيات العامة، وتكتفي الحكومة بالمستوصفات الصغيرة التي لا تلبي حاجات المواطنين. وأوضح أن بعض المستشفيات، وخصوصًا في الأقضية والنواحي، تعاني من نقص الأطباء المختصين وضعف التجهيزات وغياب الأجهزة الحديثة، إضافة إلى شح الأدوية، خصوصًا في أقسام الطوارئ، مما يجعل المواطنين أكثر عرضة للمخاطر الصحية. وأشار الساعدي إلى ناحية المشرح كنموذج واضح على نقص الخدمات الطبية الحيوية. وفي قطاع التعليم، أكد الساعدي أن الواقع التعليمي يشهد تراجعًا ملحوظًا بسبب ازدحام الصفوف الدراسية ونقص الأبنية المدرسية وقلة الوسائل التعليمية، مشيرًا إلى أن عدد الطلاب في الصف الواحد يصل إلى خمسين أو ستين طالبًا، ما يشكل عبئًا كبيرًا على المعلمين ويؤثر سلبًا على جودة التعليم. أما فيما يخص الخدمات العامة، فأوضح الساعدي أن المواطنين يشتكون من تهالك الطرق وضعف شبكات الصرف الصحي والانقطاعات المستمرة للكهرباء والماء، فضلًا عن ضعف خدمات النظافة وقلة الأماكن الترفيهية. وأضاف أن الواقع البيئي للمحافظة يشهد تحديات كبيرة نتيجة التصحر وانتشار الكثبان الرملية والجفاف الحاد وتأثير المعامل والشركات النفطية على الصحة والمعيشة. وتابع الساعدي بالقول إن هذه المشاكل المتراكمة أثقلت حياة المواطن الميساني، مؤكدًا أن المحافظة بحاجة ماسة إلى خطط إصلاحية حقيقية لتحسين مستوى الخدمات العامة وتعزيز جودة الحياة، بعيدًا عن الإهمال الطويل والوعود المتكررة دون تنفيذ.

لطفيّة الدليمي

هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب منّا) ليست محض حروف بل امتدادٌ طبيعي وضروري وحتمي لوجوده في العالم. هذا العام، في معرض العراق الدولي للكتاب في بغداد، عشتُ تلك اللحظة ولو عن بُعْد. شعرتُ أنّ اسمي كان أكثر من مجرد لوحة تحمل حروفاً منقوشة على صورة لي شكّلتها أناملُ المُبدع (ستّار كاووش)، كان نبضاً في قلب وطني العراق، امتداداً للكتابة، للحلم، وللوعي بأنّ الكلمة قادرة على البقاء رغم كل الرزايا.
سأتخلّى هنا طواعية، ولزمن محسوب، عن فلسفتي في الكتابة. سأنزع عنّي عقلنتي الطاغية إذ أراها تصدُّني عن قول ما أشاء بطريقة مباشرة ومن غير إلتواءات تحتملُ تعدّدية التأويل وكثرة القراءات. سأكتبُ بما يخبرني القلبُ من غير تمريره في مختبر التشريح الفلسفي الصارم.
أودُّ أولاً أن أشكر من جَعَلَ هذه اللحظة ممكنة، بدايةً بالأستاذ (فخري كريم)، رئيس مؤسسة دار المدى، الذي لم يكتفِ بتنظيم معرض بل صنع فضاءً للكتابة والقراءة، للحوار بين الإنسان ووطنه. في حضوره شعرتُ أنّ الكتابة ليست مجرّد فعل يمكثُ في حيّز الفردانية المنعزلة كما الفقاعة، بل هي فعل اجتماعي وفلسفي، صلةٌ بين الروح والواقع، بين الحلم والمجتمع، وسؤال دائم عن معنى وجودنا في العالم. لا يمكنني بالتأكيد أن أغفل الدكتورة (غادة العاملي)، المدير العام للمؤسسة، التي كان حضورها العاطفي والفكري في المعرض واضحاً في كل تفصيلة صغيرة. بروحها الحنونة وحرصها على أن تكون التجربة شخصية لكل كاتب وقارئ، شعرتُ بأنّ كلّ كلمة كتبتُها طوال سنوات طويلة لم تذهب هباءً، وأنّ الكتابة فعل فلسفي وعمليٌّ يسعى لإضاءة الطريق، لتأكيد وجود الإنسان وفكره في هذا العالم المتغير.
لطالما كانت الكتابة بالنسبة لي رحلة سرية، حياة موازية أعيشها بصمت، بعيداً عن الأضواء والإحتفاليات الرسمية. طوال سنوات طويلة، كنت أكتب في هدوء، أراقب العالم من خلال الكلمات، أصيغ الأحلام، وأحاورُ نفسي قبل أن أحاور الآخرين. لم يكن هدفي حينها شهرة أو اعترافاً رغم أنّهما هدفان نبيلان يمتلكان مشروعية المسعى. دافعي الأوحد كان إحساسي العميق بأنّ الكتابة فعل وجود، وسيلة لفهم نفسي وفهم العالم من حولي.
العملُ بصمت علّمني الصبر والتواضع، وجعلني أقدّرُ لحظة الإنفجار الإبداعي المتوهّجة. كلُّ كلمة تُكتبُ في الصفحة البيضاء (أضحت ألكترونية حاسوبية في العالم الرقمي الحالي) كانت بمثابة شعاع نور في عتمة الأيام، وكلُّ نصّ كان انعكاساً لرحلة داخلية مليئة بالتأمّل والأسئلة. لم أسعَ لأن يكون جهدي مرئياً، ولم أنتظر اعترافاً فورياً، لأنّ الكتابة نفسها كانت تكفي لتملأ روحي بالسعادة. الكتابة نمط من الإمتيازات التي تكافئ نفسها بنفسها كما هو الحال في فلسفة الكارما الخالدة.
اليوم، حين أرى نفسي في موضع التكريم، أشعرُ أنّ كل لحظة صمت عملت على تكوين هذا الوهج الداخلي، وأنّ سنوات العزلة الصامتة لم تذهب هباءً. تحوّلتْ إلى طاقة صافية تجعلني أستقبل التكريم بروح ممتنّة، وأدركُ أنّ الوفاء للكلمة، وللذات، وللوطن، أحياناً يحتاج إلى صمت طويل قبل أن يصبح صدىً يُسمع ويُرى.
سعيدةٌ انا بتكريم المدى. ليس هناك شعور أعمقُ من أن تُكرّم في وطنك. إنّه شعور يجمع بين الفرح الشخصي ووعي أكثر تجذّراً بالانتماء، شعورٌ بأنّ الكتابة ليست تعبيراً عن الذات حسبُ بل عن الذاكرة الجمعية، عن روح مجتمع يحاول أن يتواصل مع ذاته بعد سنوات من التحدّيات الجسام. في تلك اللحظة شعرتُ بأنّ الكتابة فعل مقاومة واحتفال معاً، مقاومةٌ للنسيان واحتفاءٌ بالحياة.
في المعرض، بين الكتب والوجوه التي طالعتُها عبر التسجيلات الفيديوية، أدركتُ أنّ كل تكريم يحمل أكثر من مجرد احتفاء رسمي. إنّه مساءلة فلسفية وروحيّة عن القيمة، عن الزمن، عن الدور الذي تلعبه الكلمةُ في حياة الإنسان. كل مسؤول، كل موظف، وكلّ قارئ أراه وقد استحال جزءاً من هذا السؤال الجميل: ما معنى أن يُحتفى بالكلمة؟ وما قيمة أن ترى نفسك في وطنك وقد تمّ الاعترافُ بجميل صنائعك؟
جعلني المعرضُ أفكّرُ في الكتابة كحركة زمنية متطاولة وممتدّة: محاولةٌ للإمساك باللحظة، لفهم العالم، لتساؤل دائم عن الإنسان والوطن. هنا، في بغداد التي أعشق والتي أعيشها عن بُعْدٍ كل لحظة، شعرتُ بأنّ الكتابة فعل جماعي، رابطة بين الحاضر والماضي والمستقبل، بين التجربة الشخصية والذاكرة الجماعية. هذا الشعور بالإنتماء، بالإعتراف، بالإحتفاء، منحني طاقة جديدة للإستمرار، وجعلني أرى في كل كلمة كتبها الإنسان انعكاساً لرغبته الأزلية في الحياة والمعرفة والجمال. إنها لحظة امتنان لكلّ من أسهم في هذا المعرض، لكلّ من جعل الكتابة والكتاب حاضراً في الواقع، لكلّ من جعل الكلمات تتجاوز العوائق المادية القسرية لتصبح جسراً بين الإنسان ووطنه، بين الحلم والواقع، بين النفس والعالم. كل ابتسامة، كل تقدير، كل اهتمام، كان شعاعاً من الضوء، لحظةً من الصفاء الفلسفي الذي يجعل الإنسان يتأمّلُ في قيمة الوجود ذاته، وفي قيمة وجوده هو منظوراً إليه كجزء من الوجود الإنساني.
أرى أنّ المعرض لم يكن احتفاء بمائة نون عراقية وانا بينهن وحسب. كان تأكيداً على أنّ الانجاز و الكلمة قادرة على إعادة الروح المعطوبة (أو التي يرادُ إعطابُها إعطاباً مزمناً) في الإنسان، على إحياء معنى الإنتماء، وعلى أن تجعل كلّ تكريم، مهما كان شخصيّاً، علامة على قدرة الإنسان على التواصل مع ذاته ومع الآخرين عبر الزمن.
شكراً لمعرض العراق الدولي للكتاب في نسخته السادسة لعام 2025، ولكلّ من جعل هذه اللحظة ممكنة. لقد منحتموني شعوراً لن أنساه أبداً: شعوراً بأنّني في وطني، أرى ثمرة ما زرعتُهُ طيلة حياتي الإبداعية حبّاً واعترافاً بجميل العمل في منطقة المثابات الفكرية الراقية التي نريدها أن تشيع في وطننا الذي تقهقر كثيراً عمّا كان معقوداً على إنطلاقته الحداثية الأولى المبشّرة بمستقبل مشرق.
يكفي المدى وعامليها أنّها تساهم بشرف وإخلاص في بثّ روح الحياة في تلك الإنطلاقة الأولى عبوراً لجسر التخلّف نحو عالم تجاوزنا كثيراً في مبتدعاته العلمية والتقنية.

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram