TOP

كشفت دراسة علمية حديثة أن تخصيص بضع ساعات أسبوعياً لمساعدة الآخرين يمكن أن يسهم بشكل ملموس في إبطاء شيخوخة الدماغ والحفاظ على القدرات الإدراكية مع التقدم في العمر، حتى دون الحاجة إلى التزام زمني كبير أو نشاط تطوعي رسمي، فقد تابعت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة تكساس في أوستن بالتعاون مع جامعة ماساتشوستس في بوسطن، أكثر من 30 ألف بالغ أميركي على مدى نحو 20 عاماً، وخلصت إلى أن الأشخاص الذين اعتادوا تقديم المساعدة للآخرين خارج نطاق أسرهم شهدوا تراجعاً أبطأ في الوظائف المعرفية مقارنة بغيرهم. وبحسب نتائج الدراسة المنشورة ، فإن قضاء ساعتين إلى أربع ساعات أسبوعياً في مساعدة الآخرين كان مرتبطاً بانخفاض معدل التدهور المعرفي بنسبة تتراوح بين 15% و20%. اللافت أن الفائدة لم تكن مؤقتة، بل تراكمت مع مرور السنوات لدى الأشخاص الذين واصلوا هذا السلوك بانتظام. وفي السياق، قال ساي هوانغ هان، الأستاذ المساعد في التنمية البشرية وعلوم الأسرة بجامعة تكساس، والمعدّ الرئيسي للدراسة، إن "الأثر المعرفي لمساعدة الآخرين لا يقتصر على تحسن نفسي عابر، بل يظهر كفائدة تراكمية واضحة مع الاستمرار في العطاء". هذا وتميّزت الدراسة بأنها قارنت بين التطوع المنظم، مثل العمل في الجمعيات والمؤسسات، والمساعدة غير الرسمية، كدعم الجيران أو الأقارب أو الأصدقاء، وتوصيل شخصا إلى موعد طبي، أو رعاية الأطفال، أو تقديم العون في أعمال يومية بسيطة.
فيما أظهرت النتائج أن كلا النوعين قدّم فوائد متقاربة لصحة الدماغ، ما يفنّد الاعتقاد الشائع بأن التطوع الرسمي وحده هو المؤثر إيجابياً. وأوضح هان أن "المساعدة غير الرسمية غالباً ما تُقلَّل من قيمتها، لكنها أثبتت تأثيراً معرفياً مماثلاً للتطوع المنظم".

بغداد / المدى
أعلن البنك المركزي العراقي، أمس السبت، أن استيرادات العراق لغاية شهر أيلول/سبتمبر من العام 2025 بلغت أكثر من 63 مليار دولار.
وقال البنك، في إحصائية إن «استيرادات العراق خلال تسعة أشهر، ابتداءً من مطلع كانون الثاني/يناير ولغاية أيلول/سبتمبر، بلغت 63 ملياراً و93 مليون دولار»، مبيّناً أن «هذه الاستيرادات شملت القطاعين الحكومي والخاص». وأضاف أن «استيرادات القطاع الحكومي بلغت 5 مليارات و350 مليون دولار، فيما وصلت استيرادات القطاع الخاص إلى 57 ملياراً و743 مليون دولار».

 ترجمة المدى

 

أكد الاتحاد الأفريقي دعمه لوحدة وسيادة السودان، محذراً قوات الدعم السريع من أن العنف ضد المدنيين لن يمر دون عقاب. وقال مبعوث الاتحاد الأفريقي لدى السودان، محمد بلعيش، يوم الجمعة، إن الهجمات "المنهجية" ضد المدنيين التي تشنها قوات الدعم السريع لن تمر دون مساءلة. وسلّم بلعيش رسالة إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، خلال اجتماع في بورتسودان.

 

وقال بلعيش، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية السودانية: "أن الهجمات الممنهجة ضد المدنيين، وقتل الأبرياء، وتدمير البنى التحتية المدنية من قبل قوات الدعم السريع، تُعد أعمالاً مدانة بأقوى العبارات". مشيراً بقوله: "لا يمكن للمسؤولين عنها الإفلات من العقاب".
وأضاف المبعوث الأفريقي أن اجتماعه مع البرهان كان "فرصة قيمة للتشاور حول أفضل السبل لتعزيز الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لضمان الاستقرار والأمن في السودان"، واصفاً البلاد بأنها محور مهم في المنطقة وركيزة للمنظمة الأفريقية.
وأوضح بلعيش أنه استمع إلى آراء القيادة السودانية حول الوضع الحالي وآفاق الحل، مؤكداً التزام الاتحاد الأفريقي بدعم سيادة ووحدة السودان. وقال: "لا يوجد مجال لوجود أي مؤسسة موازية على الأراضي السودانية".
وشدد على أهمية التوصل إلى حل سياسي سلمي للصراع في السودان من خلال حوار وطني شامل. في اجتماع آخر، التقى بلعيش برئيس الوزراء السوداني كمال إدريس، حيث أكد إدريس أن الحكومة السودانية ترحب بكل الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار في البلاد. تتهم السلطات السودانية، إلى جانب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والتعذيب والنهب وقصف المنشآت المدنية والمدارس والمستشفيات.
ومن بين 18 ولاية في السودان، تسيطر قوات الدعم السريع على جميع ولايات دارفور الخمس في الغرب، باستثناء بعض المناطق الشمالية من شمال دارفور التي تظل تحت سيطرة الجيش. بينما يسيطر الجيش على معظم مناطق الولايات الـ 13 المتبقية في الجنوب والشمال والشرق والوسط، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.
من جانب آخر، دعا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى التوصل لهدنة إنسانية في السودان، وأشار إلى أن العام الجديد يمثل فرصة لذلك، وحضّ الدول على استخدام نفوذها لإحلال السلام.
وقال روبيو، الجمعة، إن هدف واشنطن الفوري بشأن السودان هو وقف الأعمال القتالية قبل العام الجديد، مما يسمح للمنظمات الإنسانية بإيصال المساعدات.
وأضاف: "نعتقد أن العام الجديد والأعياد المقبلة تمثّل فرصة عظيمة لكلا الجانبين للاتفاق على ذلك، ونحن نبذل قصارى جهدنا في هذا الصدد". وقال روبيو إن دولاً تُقدّم الأسلحة للأطراف المتحاربة، بما في ذلك شحن الأسلحة، خاصة لقوات الدعم السريع، وأشار إلى أنه أجرى محادثات "صحيحة ومناسبة" مع جميع أطراف الصراع، "لأنه دون دعمهم، لا يمكن لأي من الطرفين الاستمرار. ولهذا السبب انخرطنا مع الأطراف المعنية في كل هذا".
وأردف: "نعتقد أن الأطراف الخارجية لديها النفوذ والتأثير على الأطراف الفاعلة على الأرض لتحقيق هذه الهدنة الإنسانية، ونركّز على ذلك بشدة". وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد ذكر الأسبوع الماضي أنه سيتدخل لوقف الحرب في السودان. وقال روبيو إن كلا الجانبين انتهكا التزاماتهما، وأعرب عن قلقه إزاء التقارير الجديدة التي تفيد بتعرّض قوافل مساعدات إنسانية لهجمات، مشيراً إلى أن "ما يحدث هناك مروع وفظيع".
من جانب آخر، قالت منظمة الصحة العالمية (WHO) يوم الجمعة إن الهجمات على قطاع الرعاية الصحية في السودان أصبحت "أكثر فتكاً وانتشاراً"، مما يعطل بشدة الوصول إلى الخدمات المنقذة للحياة ويعرض العاملين الصحيين والأنشطة الإنسانية لمخاطر متزايدة. وأضاف شِبِل صهباني، ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس بعثتها في السودان، أن الأعداد المتزايدة من الضحايا تقوّض الوصول إلى الرعاية في وقت "يكون فيه ذلك أكثر حاجة"، مشيراً إلى أن العاملين الصحيين يواصلون تقديم الخدمات "بشجاعة وتفانٍ استثنائيين" رغم الظروف القاسية.
وشدد على أنهم بحاجة إلى الحماية، "وليس القصف أو الاحتجاز". وقع آخر حادث في 14 ديسمبر، عندما أدى هجوم على مستشفى في دلنج، وهو مركز إداري وصحي رئيسي في ولاية جنوب كردفان، إلى مقتل تسعة من العاملين الصحيين وإصابة 17 آخرين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم استهداف روضة للأطفال ومستشفى كالوجي الريفي في جنوب كردفان، مما أسفر عن مقتل 114 شخصاً، من بينهم ما لا يقل عن 60 طفلاً، وإصابة 35 آخرين. وكان الطاقم الصحي يعالج الضحايا عندما تم استهداف المستشفى، وتم نقل المصابين إلى مستشفى أبو جبيهة وسط استمرار إطلاق النار.
وفي دارفور، أكدت المنظمة أن العنف لا يزال يعطل الخدمات الصحية. ففي نيالا، جنوب دارفور، تم الإبلاغ عن احتجاز ما لا يقل عن 70 عاملاً صحياً إلى جانب حوالي 5,000 مدني خلال الأشهر الأخيرة. وجاء ذلك بعد عدة هجمات على المنشآت الصحية في الفاشر في أكتوبر 2025، بما في ذلك ضربات استهدفت مستشفى توليد، أدت إلى مقتل أكثر من 460 مريضاً وأفراد أسرهم ومدنيين آخرين، بالإضافة إلى اختطاف ستة من العاملين الصحيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ودعت منظمة الصحة العالمية إلى وقف فوري للهجمات على المدنيين والعاملين الصحيين والمرافق الصحية، وحثت جميع الأطراف على ضمان وصول إنساني آمن وسريع وغير معرقل وفق القانون الإنساني الدولي، مؤكدة أن السلام أصبح "متأخراً طويلاً" لشعب السودان.
ومنذ اندلاع الصراع في أبريل 2023، قامت منظمة الصحة العالمية بالتحقق من 201 هجوماً على الرعاية الصحية في السودان، أسفرت عن مقتل 1,858 شخصاً وإصابة 490 آخرين.
وفي عام 2025 وحده، تم تسجيل 65 هجوماً، تسببت في مقتل أكثر من 1,620 شخصاً وإصابة 276 آخرين. وذكرت المنظمة في بيان أن هذه الوفيات تمثل أكثر من 80٪ من جميع حالات الوفاة الناتجة عن الهجمات على الرعاية الصحية التي تم التحقق منها في الأزمات الإنسانية المعقدة حول العالم هذا العام. ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حرباً بين الجيش والدعم السريع، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص، وانتشار المجاعة على نطاق واسع.

جورج منصور

الديمقراطية الحديثة نتاج تطور فلسفي وثقافي استغرق قروناً. فهي ليست مجرد صناديق اقتراع أو تداول سلطة، بل هي رؤية شاملة تقوم على عدة أسس: الفرد بوصفه وحدة الدولة الأساسية، والمواطنة بوصفها هوية سياسية مشتركة، والمساواة أمام القانون، والمساءلة والمحاسبة، والدولة بوصفها كياناً محايداً فوق الانتماءات.
في المقابل، الطائفية السياسية تقوم على: الجماعة (الطائفة/العرق/المذهب) بوصفها المجال السياسي الأول، وتقاسم السلطة لا تداولها، وقيم الحماية لا قيم المواطنة، والزعيم الطائفي بوصفه ممثلاً للجماعة لا للأمة. أي أن الطائفية ليست مجرد "خطأ" في التطبيق، بل نظام مضاد للديمقراطية في فلسفته العميقة. ولهذا السبب، لا توجد ديمقراطية مستقرة في العالم قامت فوق أساس طائفي دائم.
منذ سقوط النظام السابق وبداية ما يُعرف بالجمهورية الثانية عام 2003، دخل العراق في تجربة سياسية حاولت أن تجمع بين الديمقراطية والمحاصصة الطائفية. لم يكن هذا التزاوج طبيعياً ولا منطقياً، بل كان منذ البداية، تعبيراً عن تناقض بنيوي بين فكرتين متضادتين: إحداهما تقوم على المواطنة الفردية، والأخرى تقوم على الهوية الجماعية.
اليوم، بعد أكثر من عقدين، لم يعد السؤال هو "هل فشلت الديمقراطية في العراق"؟، بل أصبح: كيف يمكن للديمقراطية أن تنجح أصلاً داخل نظام طائفي؟ وهل هناك مثال في العالم يشبه ما "يحاول" العراق فعله؟
لماذا فشلت الديمقراطية في العراق؟
لم تُبن الدولة العراقية بعد عام 2003 بوصفها سلطة محايدة، بل بوصفها ساحة تفاوض بين المكونات. فتحولت الوزارات إلى "إقطاعيات"، والمناصب إلى "حصص"، والقرار إلى "توافقات". وحين يصبح الانتماء الطائفي شرطا للوصول إلى المنصب ، يتحول السياسي تلقائياً إلى ممثل لجماعته، لا إلى خادم للمصلحة العامة. كما توفر الطائفية مظلة حماية للفساد، فمن يسرق بأسم طائفته يُنظر إليه على أنه "مدافع" عنها، لا كفاسد.
لا برامج، لا محاسبة، لا تنافس. بل إعادة تدوير ذات القوى بذات الخطاب الطائفي. ولا حكومة تستطيع تنفيذ خطتها لأن القرار موزع بين أحزاب تختلف في الأولويات وتتنافس على النفوذ.
دروس من العالم. كيف تعاملت دول أخرى مع الطائفية؟
لبنان: يشبه العراق أكثر من أي بلد آخر. نظام المحاصصة فيه (رئيس ماروني، رئيس حكومة سني، رئيس مجلس شيعي) يجعل منه ديمقراطية في الشكل، طائفية في الجوهر: محاصصة دستورية، وأحزاب طائفية، واقتصاد ريعي- زبائني، وضعف في الدولة، وتدخلات خارجية. بعد عقود من هذا النظام، النتيجة واضحة: شلل سياسي مزمن، وانهيار اقتصادي، وانعدام الثقة في الدولة.
يقدم لبنان مثالاً صارخاً على أن الطائفية، حتى لو رُسخت في الدستور، لا تنتج دولة قوية. ودرس لبنان للعراق واضح: الطائفية ليست ضمانة لاستقرار المكوّنات، بل ضمانة لشلل الدولة.
البوسنة والهرسك: بعيش هذا البلد منذ حرب التسعينيات واتفاق دايتون (1995) تحت نظام توافقي فُرض عليه يحكمه "الشعوب الثلاثة": البوشناق، والصرب، والكروات. مع رئاسة ثلاثية، وبرلمان منقسم، وقرارات تتطلب توافقاً دائماً. والنتيجة: إصلاحات متوقفة، وبنية دولة ضعيفة، وانقسام دائم. وهذا يثبت أن التوافق الطائفي لا يصنع دولة تقدّم، بل دولة انتظار.
جنوب أفريقيا: عاشت عقوداً من الفصل العنصري (الأربارتايد) القائم على الهوية العرقية. جاء التحول عبر دستور جديد، والمساواة الكاملة، والمصالحة الوطنية، ونزع الطابع العرقي عن السلطة. لم تزدهر الديمقراطية إلا بعد تفكيك منظومة الهوية السياسية.
رواندا: شهدت واحدة من أسوأ المجازر الطائفية في القرن العشرين بين الهوتو والتوتسي. لكن بعد مجازر 1994، اختارت رواندا مساراً حاداً: منع التصنيف العرقي، وبناء دولة مركزية قوية، وإصلاح إداري شامل، وتمكين اقتصادي واسع. كانت النتيجة أسرع اقتصاد أفريقي نمواً. ورغم أن النظام ليس ليبرالياً بالكامل، إلا أنه نجح في إنهاء حكم الهوية.
أوروبا الشرقية: تجاوزت دول مثل سلوفاكيا وصربيا ومقدونيا الشمالية وتشيكيا انقساماتها القومية من خلال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وبناء مؤسسات مشتركة، وسن قوانين انتخابات وطنية، واعتماد اقتصاد السوق. كانت الهوية حاضرة اجتماعياً، لكنها لم تتحوّل إلى أداة حكم.
إذن، لا تصلح الديمقراطية في نظام طائفي. فلا توجد دولة في العالم نجحت ديمقراطياً إذا كانت بنيتها قائمة على الطائفية السياسية. قد تنجح الأنظمة السلطوية أو الهجينة لفترة، وقد تستمر دول المحاصصة بشكل هش، لكن دولة القانون والديمقراطية والمواطنة تحتاج إلى شرط أولي: أن يكون المواطن هو أساس السياسة، لا الطائفة.
العراق اليوم لا يعاني من نقص في الديمقراطية، بل يعاني من طغيان الطائفية على الدولة. وحين تتحرر الدولة من الهوية السياسية، يبدأ الإصلاح الحقيقي. الديمقراطية ليست المشكلة. بل المشكلة هي القيد الذي يمنعها من العمل، وهذا القيد هو الطائفية السياسية.
كيف يمكن للعراق الخروج من النظام الطائفي؟
إن الحل الوحيد لتحرير الديمقراطية من الطائفية السياسية يكمن في الإصلاح الجذري، لا في تغيير الوجوه. ويتمثل ذلك بإعادة بناء عميقة تشمل:
1. إصلاحاً دستورياً: ينهي منطق "التوزيع المكوناتي" ويعيد تعريف المناصب بوصفها مسؤوليات وليست حصصاً.
2. قانوناً حقيقياً للأحزاب: يحظر امتلاك الأحزاب للسلاح، ويفرض الشفافية المالية، ويشجع قيام أحزاب وطنية ذات برامج.
3. قانوناً انتخابياً: يعيد السياسة إلى الناس، ويحوّل الدوائر الانتخابية إلى مساحات برامجية واسعة، ويمنع تفتيت الصوت وفق اعتبارات الهوية.
4. استقلالاً للقضاء: وهو الأهم، لأنه الضمانة الوحيدة لردع الفساد ومحاسبة السلطة وتصحيح الأخطاء البنيوية.
5. بناء وعي اجتماعي جديد: يتطلب تجاوز ثقافة "التمثيل الطائفي" إلى ثقافة "الحقوق المدنية". فلا يمكن لأي دولة أن تنهض إذا بقي المواطن ينظر إلى الدولة كخصم وإلى الطائفة كملاذ.
فالديمقراطية ليست صندوق اقتراع فحسب، وليست عملية انتخابية تتكرر كل أربع سنوات. الديمقراطية، بمعناها الجوهري، تقوم على ثلاث ركائز:
- المواطنة المتساوية أمام القانون.
- المساءلة والمحاسبة.
- التداول السلمي على السلطة وفق برامج لا هويات.
هذه الركائز لا تعمل إلا حين تكون الدولة قادرة على فرض القانون على الجميع، وتوفير فرص متساوية، وضمان أن يكون السياسي خادماً للمصلحة العامة لا ممثلاً لجماعة مغلقة.
العراق اليوم يقف أمام مفترق طرق تأريخي: إما الاستمرار في نظام طائفي يعيد إنتاج نفسه جيلاً بعد جيل، بما يحمله من فساد وعجز وضعف دولة؛ وإما الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تحترم التنوع لكنها لا تقوم على أساسه السياسي.
الديمقراطية ليست نقيضاً لهوية المجتمع، لكنها نقيض للطائفية حين تتحول إلى أداة حكم. وكلما طالت سيطرة الطائفية على مفاصل الدولة، تراجعت قدرة الديمقراطية على أداء وظائفها الأساسية.

ثائر صالح
الحلقة الثانية: باريس
لم يحب موتسارت باريس، ولم يحب الموسيقى الفرنسية وأحس بأن هناك من يحيك الدسائس ضده، خوفاً من نجاحه في باريس. عُرضت عليه وظيفة عازف أورغن في فرساي، لكنه رفضها لضعف الراتب الموعود. مع ذلك وجد موتسارت في المدينة التي بدأت تتغير نحو عصر جديد فرقة يتعامل معها: كونسير سبيريتويل. تقاطع مشروع هذه الفرقة مع المألوف في الموسيقى وقتها، فهي تقدم الموسيقى لمن يقتني التذاكر، لا لكنيسة ما أو أرستقراطي. كان جوزف لو غرو مدير الموسيقى ومؤسس الفرقة متفتحاً على التعامل معه، فكلفه بكتابة سيمفونية للفرقة التي كان يحلم بالكتابة لمثلها: 21 كمان 8 تشيلو 4 فيولا و 4 كونتراباص وقسم هوائيات كامل. كانت سيمفونية رقم 31 (KV297) أول نجاح كبير له في باريس. لكن تلك النشوة قطعتها بعد أيام وفاة أمه التي مرضت في الطريق إلى باريس. في تلك الأيام العصيبة ألف موتسارت واحداً من أرقّ وأعظم أعماله للبيانو: سوناتا رقم 9 في لا الصغير (KV310).
ساءت العلاقة بين ڤولفغانغ وليوپولد الذي قرّع ابنه على إهماله أمه، فكثيراً ما نزلا في سكن رخيص وسيء التدفئة. ثم أخذ بعد وفاتها يبتز ابنه عاطفياً، فقد ألقى اللوم عليه لوفاة أمه بهدف تعزيز سيطرته عليه، واستمر في العزف على هذه النغمة في السنين اللاحقة كلما استدعى الأمر: تركت أمك تموت في باريس. طلب ليوبولد منه العودة فوراً إلى زالتسبورغ، والتقدم على وظيفة عازف أورغن البلاط. لكن موتسارت لم يستعجل العودة، مر في طريق عودته على مانهايم. تغيرت المدينة جذرياً منذ زيارته الأخيرة لها، فقد انتخب أميرها ملكاً على باڤاريا، فترك مانهايم وانتقل إلى العاصمة ميونيخ، كذلك انتقلت ألويزيا وعائلتها إلى ميونخ. وبالتزامن مع هذا التغيير جرى حلّ فرقة مانهايم الموسيقية الشهيرة. ذهب موتسارت إلى ميونخ هو الآخر، لكنه لم يحصل على مبتغاه في وظيفة جيدة ولم يحصل على تكليف بكتابة أوبرا في ميونيخ، فوق ذلك لم تشأ ألويزيا التي صعد نجمها في أوبرا ميونيخ الارتباط به. مع ذلك بقي الاثنان على علاقة طيبة، إذ قامت ألويزيا بأداء عدد من الأدوار في الأوبرات التي ألفها موتسارت لاحقا.
اضطر موتسارت في كانون الثاني 1778 العودة إلى خدمة فون كولوريدو وقبول وظيفة عازف أورغن البلاط رغم المشاكل مع الأسقف الذي لم يحسن التعامل مع هذا العبقري المتمرد.
مرّ الوقت بطيئاً، وكان الأب يلجم من جماح الابن ويمنعه من القيام بحماقات في بلاط الأسقف. فجأة، تلقى موتسارت في خريف 1780 طلباً من أمير مانهايم لتأليف أوبرا. بهذا كتب موتسارت أول عمل أوبرالي كبير له هو إدومنيو (KV366) الذي عرض في ميونيخ للمرة الأولى في 1781. نجد في هذه التحفة الفنية أصداء الحياة التي عاشها موتسارت نفسه وعلاقته بأبيه، فهي تتحدث عن الصراع بين ملك وابنه الذي يتوج في ختام الأوبرا ملكاً بعد اضطرار أبيه إلى التنحي عن الحكم.

 بغداد/ المدى

مر العراق خلال السنوات الأخيرة بواحدة من أقسى أزماته المائية، حيث تراجعت مناسيب نهري دجلة والفرات إلى مستويات غير مسبوقة، في بلد يصنف ضمن الدول الخمس الأكثر هشاشة تجاه تغير المناخ ونقص الموارد المائية، مع تفاقم موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وتقدم التصحر في نحو ثلثي أراضيه.
ومع «الارتفاع النسبي» في مناسيب نهري دجلة والفرات في الوقت الحالي، حدد مرصد العراق الأخضر أربعة أسباب رئيسية له، موضحا أن انخفاض درجات الحرارة في الأسابيع الأخيرة وقلة استهلاك المياه شكلا عاملا مباشرا لتقليل السحوبات على النهرين، إلى جانب الأمطار التي هطلت على مناطق واسعة من البلاد ورفعت جزءا من الإيرادات المائية. وأشار المرصد إلى أن السيول التي ضربت بعض المحافظات، رغم ما خلفته من أضرار موضعية، أسهمت في تغذية مجرى النهرين وتخزين جزء من تلك الكميات، فضلا عن الفيضانات في تركيا التي اضطرت أنقرة على أثرها إلى زيادة إطلاقات المياه عبر نهر دجلة باتجاه العراق، وهو ما انعكس في تحسن محدود في مستويات المياه.
وشدد المرصد على أن المسؤولية الأكبر الآن تقع على عاتق وزارة الموارد المائية، داعيا إياها إلى استثمار هذه الفرصة «المناخية» المؤقتة من خلال تعظيم الخزن في السدود والنواظم، وعدم السماح بعودة الهدر التقليدي في الري والاستخدام الزراعي، تمهيدا لتأمين حد أدنى من الخزين المائي يكفي لعبور فصل الصيف المقبل الذي يرجح أن يكون أكثر قسوة في ظل استمرار التغير المناخي. ولفت إلى أن العراق ما زال بحاجة إلى أكثر من 100 مليار متر مكعب من المياه لإعادة الخزين المائي إلى وضعه الطبيعي، وهو رقم يعكس ضخامة الفجوة بين ما حصل عليه البلد من أمطار وسيول خلال الموجة الأخيرة، وما يحتاجه فعليا لتجاوز حالة «الطوارئ المائية» المستمرة منذ سنوات.
وبحسب المرصد، فإن تحسن المناسيب الحالي لا يلغي حقيقة أن دول المنبع، وفي مقدمتها تركيا، ما زالت تمتنع عمليا عن الدخول في تفاهمات حقيقية وشفافة تضمن إطلاقات مائية مستقرة باتجاه العراق، رغم تعدد جولات الحوار والاتفاقات المبدئية خلال العامين الماضيين. فبرغم توقيع اتفاقات وأطر للتعاون في مجال المياه بين بغداد وأنقرة، فإن الشكاوى الرسمية العراقية تكررت من عدم التزام الجانب التركي بمستويات الإطلاق المتفق عليها، في وقت يؤكد فيه مسؤولون عراقيون أن البلاد تتسلم حاليا أقل من ثلث حصتها التاريخية من مياه النهرين.
ويحذر خبراء المياه والبيئة من أن أي تراخ في إدارة هذا «الهامش الإضافي» من المياه، الناجم عن الأمطار والسيول والفيضانات الأخيرة، قد يعيد العراق سريعا إلى مشهد الجفاف الحاد، مع ما يعنيه ذلك من تهديد مباشر للأمن الغذائي، وهجرة قسرية لمزيد من سكان الأرياف، وتزايد الضغط على المدن والبنى التحتية. ففي ظل ارتفاع نسبة التلوث في معظم المجاري المائية، وحملات ملاحقة التجاوزات وسحب المياه غير القانونية، تبدو الحاجة ملحة لخطط متكاملة تشمل تحديث شبكات الري، وتشجيع التحول إلى الزراعة قليلة الاستهلاك للمياه، والتوسع في مشاريع إعادة استخدام المياه المعالجة لتخفيف الضغط عن دجلة والفرات. وبين موجة مطر عابرة واتفاقات مائية متعثرة وخزين استراتيجي مهدد بالتآكل، يبدو أن الاختبار الحقيقي لملف المياه في العراق لم يعد محصورا بما ترسله دول المنبع من إطلاقات، بل بما تستطيع مؤسسات الدولة أن تفعله بكل قطرة تصل، من لحظة هطولها على الجبال والسهول، إلى أن تستقر في سد أو خزان، أو تضيع في هدر قد يكلف البلاد صيفا جديدا من العطش.

بغداد/ تميم الحسن

تتجه البلاد – على الأرجح – نحو جلسة برلمانية في نهاية الشهر الحالي من دون حسم أيٍّ من الرئاسات الثلاث، في مشهد يعيد إلى الأذهان انسداد عام 2022 حين دخلت العملية الدستورية دوّامة تأجيل مفتوحة.
حتى الآن، لم تنجح القوى السنية في الاتفاق على مرشح لرئاسة البرلمان، وهو المنصب الذي يُفترض أن يفتح السلسلة الدستورية المؤدية إلى تشكيل الحكومة، قبل الانتقال إلى استحقاق رئاسة الجمهورية.
على الضفة الأخرى، لم ينجز الأكراد بعد اجتماعاً حاسماً بشأن منصب رئاسة الجمهورية، الثاني في الترتيب الدستوري، والأكثر تعقيداً بفعل شروط المحكمة الاتحادية التي حوّلت المنصب إلى عقدة سياسية وقانونية مزدوجة.
أما داخل البيت الشيعي، فتلوح أزمة أشدّ تعقيداً. فتمرير رئيس البرلمان يتطلب انتخاب نائبيه معاً، أحدهما سيكون حُكماً من حصة «الإطار التنسيقي»، وهو تحالف لم يتقدّم حتى الآن خطوة حاسمة في ملف تسمية رئيس الوزراء أو حسم بقية المناصب العليا.
الاستحقاق الأول بلا توافق حتى الآن
ووفق التوقيتات الدستورية، دعا الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد، يوم الثلاثاء الماضي، البرلمان الجديد إلى عقد جلسته الأولى في 29 كانون الأول الحالي، بعد يومين فقط من مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات. غير أن الدعوة، بدلاً من أن تفتح باب الحسم، أعادت تسليط الضوء على حجم التعقيد الذي يسبق الجلسة المرتقبة.
تقول مصادر سياسية مطلعة إن القوى السنية لم تتمكن، حتى الآن، من حسم اسم مرشحها لرئاسة البرلمان، وهو المنصب الأهم بالنسبة لمكوّن يمتلك أكثر من 70 مقعداً نيابياً. وفي الكواليس، يجري تداول ثلاثة أسماء: رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، زعيم تحالف «تقدم»، ومثنى السامرائي، زعيم تحالف «عزم»، إضافة إلى زياد الجنابي، النائب المنشق عن الحلبوسي، كخيار ثالث أقل حظاً.
ورغم عقد القوى السنية ثلاث جلسات منذ إعلانها، الشهر الماضي، تشكيل «المجلس السياسي الوطني» – على غرار «الإطار التنسيقي» الشيعي – بهدف توحيد الموقف وحسم المنصب، لم يصدر حتى الآن أي إعلان رسمي يشير إلى توافق نهائي.
وبحسب المصادر نفسها، فإن تمرير أي اسم لرئاسة البرلمان لن يكون ممكناً من دون موافقة «الإطار التنسيقي» والقوى الكردية معاً. ويزداد هذا الشرط تعقيداً في ظل تحفظات كردية، خصوصاً داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، على عودة الحلبوسي إلى المنصب، وهي تحفظات قد تعرقل تسريع التسوية.
تعود جذور هذه التحفظات إلى أواخر عام 2023، حين أُلغيت عضوية الحلبوسي من رئاسة البرلمان على خلفية ما عُرف بـ«قضية التزوير». في تلك المرحلة، أطلق الحلبوسي سلسلة مواقف حادة تجاه إقليم كردستان، قبل أن يلمّح لاحقاً إلى إمكانية مطالبة القوى السنية بمنصب رئاسة الجمهورية، وهو الموقع الذي يشغله الأكراد عرفاً منذ عام 2003.
في المقابل، تحرك منافسو الحلبوسي سريعاً باتجاه أربيل، وعقدوا لقاءات مباشرة مع مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، في محاولة لكسب دعم مبكر. ولم يُسجَّل، حتى الآن، لقاء مماثل للحلبوسي، رغم تسريبات تحدثت عن مساعٍ غير معلنة لترميم العلاقة بين الجانبين.
وعلى الضفة الأخرى من المشهد، يبدو الحلبوسي معتمداً على شبكة علاقاته المتنامية مع قوى شيعية نافذة. فقد كثّف تواصله خلال الفترة الأخيرة مع قيس الخزعلي، زعيم «عصائب أهل الحق»، وهادي العامري، زعيم «منظمة بدر»، وصولاً إلى محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة المنتهية ولايته، في محاولة لتعويض الفتور الكردي بدعم شيعي.
«سيناريوهات» مألوفة
وفق الإطار الدستوري، يُفترض أن تفتح دعوة رئيس الجمهورية إلى الجلسة الأولى للبرلمان مساراً واضحاً لتشكيل السلطة. فالمادة 54 من الدستور تحدد مهلة 15 يوماً من تاريخ مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات لعقد الجلسة الأولى، على أن يتم خلالها، بحسب المادة 55، انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه.
وهنا تبرز عقدتان أساسيتان. الأولى تتعلق باحتمال عجز القوى السنية عن حسم مرشح واحد لرئاسة البرلمان، ما يعني دخول الجلسة بأكثر من اسم متنافس، وربما مرشحين اثنين على الأقل. أما العقدة الثانية فتتصل بهوية نائبي رئيس المجلس، وهو ملف لا يقل تعقيداً عن منصب الرئيس نفسه.
السيناريو الأول ليس جديداً على الحياة السياسية العراقية. فقد اختبره البرلمان والقوى السنية تحديداً بعد إبعاد محمد الحلبوسي من رئاسة المجلس أواخر عام 2023، حين بقي المنصب شاغراً قرابة عام كامل بفعل الخلافات الداخلية وتدخلات «الإطار التنسيقي»، قبل أن يُحسم أخيراً باختيار محمود المشهداني في نهاية أيلول 2024.
أما العقدة الثانية، فقد كانت الشرارة التي فجّرت واحدة من أكبر أزمات ما بعد انتخابات 2021. حينها، نجح «التحالف الثلاثي» – الذي ضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف «تقدم»، والحزب الديمقراطي الكردستاني – في تمرير الحلبوسي رئيساً للبرلمان بعد نحو شهرين من الانتخابات، مع حاكم الزاملي، عن التيار الصدري، نائباً أول، وشاخوان عبد الله عن الحزب الديمقراطي نائباً ثانياً.
تلك الجلسة سبقتها فوضى سياسية وإعلامية، بعدما ادعى محمود المشهداني، الذي أدار الجلسة بصفته «رئيس السن»، أنه تعرض للضرب من قبل نواب صدريين، قبل أن يتراجع لاحقاً ويقرّ بأن الحادثة لم تقع، وأنه اختلقها عمداً لتعطيل الجلسة، في لحظة كان الصدريون يستعدون فيها لتقديم طلب رسمي يثبت كونهم «الكتلة الأكبر» من دون بقية القوى الشيعية.
هذا الموقف، وفق مراقبين، خدم المشهداني سياسياً، إذ عاد بعد ثلاث سنوات إلى رئاسة البرلمان بدعم مباشر من «الإطار التنسيقي»، ولا سيما جناح نوري المالكي، زعيم ائتلاف «دولة القانون»، في ما عُدّ مكافأة متأخرة على دوره في تلك الجلسة.
اليوم، تعود الأسئلة نفسها بصيغة أكثر تعقيداً. فـ«الإطار التنسيقي»، الذي أعلن الشهر الماضي أنه يشكل الكتلة الأكبر داخل البرلمان، سيكون مطالباً بحسم اسم نائب رئيس البرلمان هذه المرة. وتشير التوقعات إلى أن منصبي النائبين سيتقاسمان، بحكم العرف السياسي، بين المكونين الشيعي والكردي.
غير أن اختيار النائب الأول لا يبدو معزولاً عن ملف رئاسة الحكومة. إذ يُتداول اسم وزير العمل أحمد الأسدي كأحد المرشحين المحتملين للمنصب، لكن تمرير هذا الخيار يفترض أولاً حسم اسم رئيس الوزراء، في ظل عرف سياسي بأن الكتلة التي تؤول إليها رئاسة الحكومة لن تشغل في الوقت نفسه موقع نائب رئيس البرلمان، وهو ما قد يضيف تعقيداً جديداً إلى الجلسة الأولى.
وبحسب القواعد الدستورية، يتولى رئاسة الجلسة الأولى «أكبر الأعضاء سناً»، وهو في هذه الدورة النائب عن محافظة البصرة عامر الفايز، وفق بيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وبعد انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه في الجلسة نفسها، يمنح الدستور المجلس مهلة لا تتجاوز 30 يوماً لانتخاب رئيس الجمهورية، وفق المادة 72، وبأغلبية الثلثين (220 نائباً) استناداً إلى تفسير المحكمة الاتحادية. وهي المرحلة التي توصف بأنها الأصعب في ظل الانقسامات الحادة داخل المشهد السياسي.
حتى الآن، لا تبدو القوى الكردية الرئيسية – الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني – قريبة من تجاوز خلافاتها. فرغم استئناف الاتصالات بين الطرفين قبل أيام، لم تفضِ الاجتماعات إلى نتائج واضحة، ما يبقي استحقاق رئاسة الجمهورية معلقاً بدوره.
استمرار «الإطار» يخفف فرص المفاجآت
بدوره، يعلّق إحسان الشمري، الأكاديمي ورئيس مركز التفكير السياسي العراقي، على السيناريوهات المتوقعة للجلسة الأولى للبرلمان، قائلاً إن عودة ائتلاف «الإعمار والتنمية» الذي يتزعمه السوداني إلى «الإطار التنسيقي» تشير بوضوح إلى غياب أي مفاجآت محتملة في المشهد السياسي.
ويوضح الشمري لـ«المدى» أن استمرار ائتلاف السوداني داخل مظلة «الإطار التنسيقي»، بدلاً من المضي في مسار حوارات قد تقود إلى تحالفات عابرة للمكونات التقليدية، أغلق الباب أمام سيناريوهات غير متوقعة.
ويضيف أن وجود نحو 105 نواب محسوبين على الفصائل المسلحة، والذين يشكلون الركيزة الأساسية للإطار، لا يوحي بإمكانية تفككه بوصفه الكتلة الأكبر داخل البرلمان، نظراً لالتزام هؤلاء بمظلته السياسية، وتفضيلهم البقاء ضمن هذا الإطار على الدخول في تحالفات تتعارض مع مرتكزاتهم العقائدية أو السياسية.
ويشير الشمري إلى أن تشكيل «المجلس السياسي الوطني» السني، إلى جانب استمرار طاولة المفاوضات بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، يعكس استمرار ما يسميه «البيوتات السياسية» ذاتها التي حكمت المراحل السابقة.
كما يلفت إلى أن القوى السنية والكردية لا تبدو راغبة في العودة إلى سيناريوهات المواجهة السياسية أو الأمنية، على غرار ما حدث عام 2022 عند تشكيل «التحالف الثلاثي»، إذ لا تبدو هذه القوى مستعدة اليوم لدفع أثمان تحالفات عابرة للأعراف السياسية السائدة.
النقاشات حول نواب الرئيس
وفي هذا السياق، يرى الشمري أن «المجلس السياسي الوطني» السني يحقق تقدماً نسبياً مقارنة ببقية القوى، سواء داخل «الإطار التنسيقي» أو على مستوى الأحزاب الكردية، مرجعاً ذلك إلى إدراك هذه القوى أن منصب رئيس مجلس النواب يمثل الاستحقاق الأول، وأن حسمه السريع بات ضرورة سياسية.
ويضيف أن «حصر التفاهمات داخل البيت السني، والوصول حتى الآن إلى اسمين فقط لمنصب رئاسة البرلمان، يعطي مؤشراً على إمكانية انتخاب رئيس للمجلس في الجلسة الأولى». غير أن الإشكالية الحقيقية، بحسب الشمري، لا تكمن في منصب الرئيس بقدر ما تتعلق بمنصب النائب الأول، فيما قد يذهب منصب النائب الثاني مجدداً إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما حدث في الدورة السابقة.
ويحذّر الشمري من أن عدم حسم «الإطار التنسيقي» لخياراته الداخلية بشأن منصب النائب الأول قد يؤدي إلى تأخير عملية الاختيار، رغم أن تدخل مجلس القضاء في ملف التوقيتات الدستورية يشكل عاملاً ضاغطاً، ليس فقط على انتخاب رئيس البرلمان، بل أيضاً على استحقاق رئاسة الجمهورية.
ولا يستبعد الشمري الدخول إلى الجلسة الأولى بأكثر من مرشح لرئاسة البرلمان، مؤكداً أن ذلك لا يعني بالضرورة غياب الإجماع، بقدر ما يعكس اختلافاً في وجهات النظر داخل المكون الواحد. ويرجّح في الوقت نفسه إمكانية انتخاب رئيس للبرلمان في الجلسة الأولى، لكنه يشير إلى أن عدم حسم بقية الاستحقاقات قد يجعل سيناريو «الجلسة المفتوحة» هو الأقرب.
ويخلص الشمري إلى أن تجاوز المدد الدستورية في ما يتعلق بعقد الجلسة الأولى لا يترتب عليه أثر دستوري مباشر، إلا أن عدم انتخاب رئيس للبرلمان قد يفتح الباب أمام أزمة سياسية كبيرة. وفي هذه الحالة، قد تلجأ بعض القوى السنية إلى عقد تفاهمات وصفقات مع قوى أخرى، لكن دون أن يخلخل البنية التقليدية للتحالفات السياسية، وهو سيناريو يظل وارداً، وإن كان محفوفاً بالمخاطر.

بغداد / المدى
أكّد البنك المركزي العراقي، أمس الأربعاء، أن انخفاض أسعار النفط وسحب السيولة من الأسواق يُعدّان من أبرز العوامل التي تؤثر سلبًا على احتياطيات العراق من العملة الصعبة، في وقت تواجه فيه المالية العامة ضغوطًا متزايدة تتعلق بالإنفاق العام، ولا سيما الرواتب والإعانات والخدمات الأساسية.
وقال البنك في تقريرٍ له، إن «احتياطيات العراق ترتبط بشكل وثيق بحجم الإيرادات النفطية، ما يجعلها عرضة للتقلبات في أسعار النفط العالمية، كما أن التعقيم النقدي الذي يقوم به البنك المركزي لسحب السيولة من السوق يؤثر سلبًا، لما يتطلبه من توظيف للاحتياطيات الأجنبية».
وأضاف أن «أسعار النفط تراجعت من 81 دولارًا للفصل الثاني من عام 2024 إلى 69 دولارًا للفصل ذاته من عام 2025، ما أدى إلى انخفاض الاحتياطيات من 142.69 تريليون دينار إلى 126.16 تريليون دينار للفترة نفسها».
وأشار البنك إلى أن «قيام البنك المركزي بسحب السيولة النقدية من السوق بهدف الحفاظ على الاستقرار النقدي، أدى إلى ارتفاع المقبوضات النقدية، أي حصول البنك على الدينار مقابل بيع الدولار، من 18.37 تريليون دينار إلى 21.66 تريليون دينار للفترة ذاتها، وهو ما يعني زيادة مبيعات الدولار، فضلًا عن تأثير عجز الموازنة العامة في صافي الاحتياطيات الأجنبية».
وفي سياق متصل، تحدّث محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، عن الضغوط المتزايدة التي تواجه الإنفاق العام في العراق، ولا سيما ما يتعلق بالرواتب والإعانات والخدمات الأساسية، مشيرًا إلى أن تقليص هذا النوع من النفقات يواجه صعوبات كبيرة لما قد يترتب عليه من تداعيات اجتماعية حساسة.
وأوضح العلاق، خلال محاضرة تناولت تمويل التنمية في ظل أزمة الديون العالمية، وأُقيمت على هامش أعمال المؤتمر الإقليمي الخامس لمنتدى البركة للاقتصاد الإسلامي المنعقد في القاهرة، بالشراكة مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أن الواقع الاقتصادي العراقي يواجه ضغوطًا مركّبة، تتداخل فيها تحديات البنية التحتية مع متطلبات التنمية، ما يفرض الحاجة إلى تنويع الاقتصاد وتعظيم الإيرادات العامة.
وبيّن أن المالية العامة في العراق تعتمد على تصدير النفط بنسبة تفوق 90 بالمئة، واصفًا هذا الاعتماد بالمصدر غير النمطي، لكونه خاضعًا لتقلبات الأسعار العالمية، الأمر الذي يؤدي إلى تذبذب الإيرادات وضعف الاستقرار المالي، ويجعل من الضروري البحث عن حلول هيكلية طويلة الأمد.
وأشار محافظ البنك المركزي إلى أن ضعف التنوع الاقتصادي ومحدودية القطاعات الإنتاجية حوّلا العراق إلى بلد مستورد بدرجة كبيرة، وهو ما يفرض ضغطًا دائمًا على الدولار وسعر الصرف، لا سيما مع ارتفاع القوة الشرائية وزيادة الطلب اليومي على العملة الأجنبية، موضحًا أن هذه العوامل تنعكس بشكل مباشر على السياسة النقدية.
وأكد العلاق أن السياسة النقدية العراقية حققت نجاحًا ملحوظًا في تحقيق التوازن بين الحفاظ على استقرار الأسعار، وإدارة السيولة، وتحفيز النشاط الاقتصادي، رغم الضغوط القائمة.
وفي ما يتعلق بالإنفاق العام، شدد على أن الرواتب والإعانات والخدمات الأساسية تمثل تحديًا إضافيًا، لافتًا إلى أن صعوبة خفض هذه النفقات تعود إلى آثارها الاجتماعية المحتملة، في وقت يحرص فيه البنك المركزي على تجنّب التضخم والحفاظ على الاستقرار النقدي، حمايةً للبنية الاجتماعية في البلاد.
وأضاف أن العراق استطاع خلال السنوات الأخيرة تمويل جزء من العجز المالي عبر تنمية الإيرادات غير النفطية، مع استمرار التنسيق مع رئيس مجلس الوزراء بهدف تعظيم هذه الموارد وتقليل الاعتماد على النفط، في محاولة للحد مما وصفه بـ«الهيمنة المالية» للإيرادات النفطية على الموازنة العامة.
وجدد محافظ البنك المركزي التأكيد على أن استقرار سعر الصرف يمثل هدفًا أساسيًا، لما يوفره من بيئة آمنة للمستثمرين والمواطنين على حد سواء، مشيرًا إلى أن العراق نجح في تعزيز حجم احتياطاته الأجنبية وربطها بحزمة من السياسات النقدية المتكاملة، أسهمت في خفض معدل التضخم إلى نحو 1 بالمئة، وهو من أدنى المستويات المسجلة.

 ترجمة حامد أحمد

مع توديع العراقيين لبعثة الأمم المتحدة «يونامي» بعد انقضاء 20 عامًا من ولايتها في البلد، ينتظر العراقيون تشكيل حكومة جديدة وسط غموض من عدم اليقين ما يزال قائمًا، وبهذا الصدد يرى بطريرك الكلدان في العراق والعالم، الكاردينال لويس روفائيل الأول ساكو، بأن العراقيين ينتظرون ولادة عراق جديد قادر على تجاوز أزمات الماضي وإقامة دولة حديثة عبر الإصلاح والمصالحة، مشددًا على ضرورة ضمان سيادة القانون وأن يحمي الدستور حقوق الجميع وحرياتهم.
وجاء في تقرير لموقع Asia News الإيطالي أنه، على الرغم من أن البلاد نمت وأصبحت أكثر استقرارًا بعد أكثر من 20 عامًا وانتهاء تفويض عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي» واستعدادها لمغادرة العراق في 31 كانون الأول/ديسمبر، إلا أن قدرًا من عدم اليقين ما يزال قائمًا. فبعد انتخابات الشهر الماضي، ينتظر العراقيون تشكيل حكومة جديدة وسط غموض يكتنف فرص رئيس الوزراء الحالي في البقاء. وبحسب الكاردينال ساكو، فإن العراقيين ينتظرون «ولادة عراق جديد».
ويدخل البلد مرحلة من عدم اليقين ومفاوضات مكثفة بين مختلف الأطراف لضمان الاستقرار، وعلى الأقل من وجهة نظر رئيس الوزراء المنتهية ولايته، لضمان استمرارية العمل الحكومي.
وقد قدّم الكاردينال ساكو مؤخرًا رؤيته في هذا الشأن. فبرأيه، ينتظر العراقيون بشغف «ولادة عراق جديد» قادر على تجاوز أزمات الماضي، وفي مقدمتها العنف العرقي والطائفي الذي أنهك البلاد.
وأشار الكاردينال ساكو إلى أن العراقيين، ومنذ سقوط النظام السابق عام 2003، كانوا يتطلعون إلى قيام «عراق جديد آمن ومستقر وديمقراطي وذي سيادة، بنظام مدني يعامل جميع المواطنين على قدم المساواة».
لكنه يقول إن ما حصل بعد عام 2003 هو نظام حكم «مبني على المحاصصة الطائفية وتجمعات عشائرية»، مما أدى إلى فسح المجال لتنظيم داعش أن يستبيح البلد، وما قام به من فضائع دفعت الكثير من العراقيين إلى الهجرة.
واليوم، وبعد 22 عامًا من التجربة وانتخابات برلمانية جديدة، يحذّر الكاردينال ساكو من الحاجة إلى «موقف شجاع» لإقامة دولة حديثة عبر «الإصلاح والمصالحة». ولتحقيق هذا الهدف، من الضروري التدقيق في «التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة»، وكذلك «توحيد الرؤى وتنسيق المواقف».
وشدّد البطريرك على أن «الأزمات لا تُحل بالقوة، بل بالانفتاح على الثقافة المعاصرة، ثقافة أكثر عقلانية وواقعية تهتم بالخدمات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والقانونية والاقتصادية، على غرار تلك الموجودة في الدول المتقدمة حول العالم، عبر الحوار والتفاهم والبحث عن القواسم المشتركة».
وشدّد البطريرك ساكو على أنه من أجل تحقيق ذلك، يتوجب ضمان «سيادة القانون» و«المسؤولية المدنية»، وأن يقوم الدستور بحماية «حقوق الجميع وحرياتهم».
من جانب آخر، يرى الكاردينال ساكو أن «تأخير تشكيل الحكومة لا يخدم مصلحة البلد»، مشيرًا إلى أنه من الضروري الإسراع في هذه العملية مع صون المصلحة العامة.
وقال إنه مطلوب من الحكومة الجديدة «أن تعكس تطلعات شعبها»، وتكون ذات سيادة وحازمة، «قادرة على استعادة رفاه العراق وهيبته»، وتسعى إلى «تطبيق العدالة والمساواة والنزاهة»، وقادرة على «معالجة الإخفاقات والأزمات».
في هذه الأثناء، صادقت المحكمة الاتحادية العليا العراقية، يوم الأحد، على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي، مؤكدة أن حزب رئيس الوزراء المكلّف بتصريف الأعمال محمد شياع السوداني حصل على أكبر عدد من المقاعد، لكنه غير كافٍ لضمان ولاية ثانية من دون السعي إلى تحالفات مع قوى أخرى.
وحصل تحالف الإعمار والتنمية الذي يتزعمه السوداني على 46 مقعدًا من أصل 329. تاريخيًا، غالبًا ما فشلت الكتل الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في فرض مرشحها، إذ يتم اختيار رئيس الوزراء بعد اتفاقات بين فصائل مختلفة.
وفاز ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بـ29 مقعدًا، فيما حصل تحالف صادقون، بزعامة قائد حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، على 28 مقعدًا، ونال الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، أحد الحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق، 27 مقعدًا.
كما فاز حزب تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي بـ27 مقعدًا، ما يمهّد الطريق لعودة زعيمه أو، على الأقل، لاستعادة نفوذه في السياسة الوطنية.
وبشكل عام، حصدت التحالفات والقوائم الشيعية 187 مقعدًا، فيما نالت القوى السنية 77 مقعدًا، والأحزاب الكردية 56 مقعدًا، مع تخصيص تسعة مقاعد للأقليات.
وتولى السوداني رئاسة الحكومة عام 2022 بدعم من الإطار التنسيقي، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا التحالف سيدعمه مجددًا أو ما إذا كان سيتمكن من الحصول على الأصوات اللازمة من جهات أخرى للبقاء في منصبه.
والمؤكد أنه، في غياب كتلة واحدة قادرة على تشكيل حكومة بمفردها، سيتعين على القادة السياسيين بدء مفاوضات لبناء ائتلاف حاكم.
وينص الدستور على أن يدعو رئيس الجمهورية البرلمان المنتخب حديثًا إلى الانعقاد خلال 15 يومًا من تاريخ مصادقة المحكمة على النتائج. ومن أولى المهام انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبين له بالاقتراع السري وبالأغلبية المطلقة.
ويؤدي رئيس البرلمان دورًا محوريًا في توجيه والتصديق على العملية التي تفضي إلى انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتشكيل الحكومة.
وتنص المادة 76 من الدستور على أن يكلّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة الأكثر عددًا بتشكيل الحكومة خلال 30 يومًا. وإذا أخفق، يتعين على الرئيس تكليف مرشح آخر.

عن Asia News الإيطالي

 واسط / جبار بچاي

يشكو عدد كبير من العرسان الجدد من التقاليد التي ظهرت مؤخرًا، وأصبحت عرفًا اجتماعيًا سائدًا يستنزفهم ماديًا، رغم أنهم في بداية طريق الحياة الزوجية. وتبدأ هذه التقاليد مع مرحلة الخطوبة، أو ما يُعرف بـشية»، التي يقوم بها أهل الشاب الخاطب عند ذهابهم إلى منزل الفتاة لطلب يدها.
وبرزت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة لا يُعرف على وجه الدقة متى وكيف ظهرت، أضافت تعقيدًا جديدًا على مجتمع العرسان، وتمثلت بنصب خيمة بيضاء مع كراسٍ باللون ذاته، وأرضية مفروشة بالسجادة الحمراء، إلى جانب تجهيزات أخرى أكثر كلفة، مثل الورد الطبيعي، وما يُعرف بـ«الكوشة»، وغيرها من التفاصيل. ولا يدوم هذا المشهد أكثر من نصف ساعة، تتخللها مراسم الخطوبة، لينتهي الأمر بأحد طرفيها، الشاب أو الفتاة، مثقلًا بتكاليف مالية كبيرة.
ويقول رجل الدين جاسم الدلفي إن «الخطوبة في الإسلام هي فترة تمهيدية للزواج، قائمة على الضوابط الشرعية، وهدفها تحقيق التوافق بين الطرفين الشاب والفتاة، وكذلك بين عائلتيهما، وهي تؤسس لمرحلة مهمة تتمثل بعقد القران، الذي يُجريه رجل الدين المأذون، ثم تُستكمل الإجراءات القانونية بتصديق الخطوبة في المحاكم المختصة، وكل ذلك يُعد مقدمات لبناء الأسرة».
وأوضح الدلفي أن «الخطوبة كانت في السابق سهلة وبسيطة وميسرة للطرفين، تبدأ وتنتهي بتعارف الأهل، ثم الموافقة وتحديد المهر، أو ما يُعرف بالحاضر والغائب، وبعدها يحضر عدد محدود من أقارب الخاطب إلى بيت أهل الفتاة لإعلان الخطوبة، وتُتم المراسم بقراءة سورة الفاتحة، ثم يُقدَّم الشاي للضيوف مع شيء بسيط من الحلويات المعروفة قديمًا، مثل الملبّس وأصابع العروس».
وأشار إلى أن «الخطوبة في الوقت الحاضر تحولت إلى ظاهرة بذخ وتظاهر من دون مبرر، ومن دون مراعاة للجانب المادي، إذ استُبدل الشاي وأصابع العروس بالعصائر، وأنواع متعددة من الحلويات والكيك والمعجنات، مع إلزام وضعها في علب خاصة تُصنع خصيصًا للمناسبة، فضلًا عن إحضار الورد الطبيعي والكوشة».
وأضاف أن «من المظاهر الجديدة أيضًا نصب خيمة بيضاء، أو ما يُعرف بالجادر الأبيض، أمام منزل أهل الفتاة، مع جلب كراسٍ بيضاء، وسجادة حمراء، وديكورات من الورد، ونشرات ضوئية ملونة، وغيرها من مظاهر التباهي، التي ترهق في محصلتها الشاب أو الفتاة، أو كليهما معًا».
وبيّن أن «تكاليف هذه التحضيرات يتحملها في الغالب الخاطب، أو يُتفق على تقاسم جزء منها مع أهل الفتاة، لكنها في الواقع مكلفة للطرفين، ولا مبرر لها سوى المغالاة والتباهي».
من جهته، يقول الشاب أمجد السراي إن «التفاهم بين أهلي وأهل خطيبتي على الحاضر والغائب كان مناسبًا، لكن سرعان ما ظهرت طلبات غير مبررة، من بينها نصب الخيمة البيضاء وتجهيز مستلزماتها، ابتداءً من السجادة الحمراء والكراسي، وصولًا إلى علب المهر والحلوى، ثم جلسة التصوير، لتبلغ كلفة ذلك كله ثلاثة ملايين و315 ألف دينار».
وأكد أن «هذا المبلغ كان كافيًا لتجهيز غرفة الزواج بالمستلزمات الأساسية، مثل الأجهزة الكهربائية الضرورية وغيرها».
من جانبها، تقول الفتاة أزهار الحسني إن «هذه المظاهر أصبحت واقع حال لا مفر منه، ودخلت على المجتمع العراقي مؤخرًا، ولا فائدة منها سوى إرهاق المقبلين على الزواج».
وأضافت أن «خطيبها، عند تقدمه لطلب يدها، لم يكن يفكر بالمغالاة حتى في المهر، واتفق الطرفان على أن يكون عشرة ملايين دينار للحاضر ومثلها للغائب، لأن الهدف هو الارتباط وليس المال، وحتى الخطوبة أرادوها بسيطة وغير مكلفة، وأن تكون المشية مختصرة وفي منزل العائلة، لكن الأمور انقلبت رأسًا على عقب».
وأوضحت أن «أقاربها كانوا السبب في تغيير الصورة والشكل المقرر للخطوبة، إذ تجاوز عدد الحضور المئة شخص، ولم تتسع لهم الخيمة البيضاء ولا السجادة الحمراء، ما اضطر الخطيب إلى تجهيز كميات كبيرة من الحلويات والعصائر والورود، ليتحمل كلفة بلغت مليونًا و854 ألف دينار، الأمر الذي دفع أهلها إلى الإصرار على مساعدته، لأن هذا المبلغ كان أولى أن يُصرف على تجهيز بيت الزوجية».
بدوره، يقول الحاج أبو أنمار إنه «حين زوّج ابنته لأحد المتقدمين لخطبتها، اشترط منذ البداية أن تكون الخطوبة ميسّرة وخالية من التكاليف، استنادًا إلى قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «أيسرهن مؤونة أكثرهن بركة»».
وأضاف أن «ذلك لم يمنعه من دعم زواج ابنته وتقديم الكثير لها، لكنه في المقابل كسب شخصًا وعائلة تبادله التفاهم والاحترام، وحقق انسجامًا كبيرًا بين الزوجين، وهو المكسب الأهم»، معربًا عن أمله بأن «يسير الآباء على هذا النهج من أجل راحة وسعادة أبنائهم».

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram