طالب عبد العزيز
منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ... الخ وهذه بمجملها لا علاقة لها بالدولة، لأنها تستبيح وتعطّل مشروع الدولة متى تشاء، فهي قادرة على اقتحام أيِّ مؤسسة، ويمكنها أن تضع الحد لأيّ سلطة أمنية في عموم البلاد، وقد يستمر الحال لأكثر من عقد ثالث ما لم تتدخل قوى أجنبية لاسترداد الدولة من هؤلاء. وهو أمر مؤسف لأننا، سبق أنْ استعنا بقوات التحالف لاسقاط(دولة) صدام حسين، ويبدو أننا بحاجة للاستعانة بقوات(تحالف) أخرى لأنهاء مهزلة اللادولة القائمة اليوم، مالم تعي الجماعات هذه أنَّ الدولة شيءٌ وما يتصارعون عليه شيءٌ آخر.
تشبث القوى السياسية المسلحة بالسلاح يعني فشلها السياسي، وهي من حيث تعلم تضعف القوى الأمنية الرسمية، ووجود السلاح يعني وجود خصم مسلح آخر، غير قادرة على الحوار معه، وهو سلاح طائفي بكل وضوح، أيَّ هي تستعدي الاخر المشارك في العملية السياسية وهكذا، سيكون حال الاقتصاد، الذي تستولي عليه جماعات أخر؛ لا بحسن الإدارة إنما بالقوة، وهذه العملية لن تبني اقتصاداً، فاختيار العناصر الحزبية غير المؤهلة للبعثات الدبلوماسية يجعل البلاد في موضع السخرية، ويفقدها علاقاتها مع العالم، وتراجع خدمات الطيران وتلكؤها يحرم الناقل الوطني من أجواء أوربا والعالم، وعدم ربط العراق بشبكات سكك الحديد يبقيه محاصراً بجغرافيته وهكذا.
واضح أنَّ الحكومة الجديدة في سوريا تنبهت باكراً لأمر بلادها، وقرأت السياسة بعين العقل لا بأصبع الزناد، القضية التي لم يدركها العقل العراقي المسلح بعدْ. لن تكون إيران على سعتها عمقاً عراقياً الى الأخير، فهي بلاد قائمة بذاتها لا بذات العراقيين، ووجود عراق قوي ومستقلٍّ لا يضر بعلاقتنا معها، لكنَّ عراقاً ضعيفاً وهزيلاً يصبُّ في مصلحتها أولاً ويضر بمصلحتنا ثانياً. من يريد أن يبني دولة قوية لن يحتاج الى بندقية مجاورة، هو بحاجة الى استقلال وسيادة لا أكثر. من مقومات الدولة احترام الدستور، ودستورنا يستباح من الجماعات السياسية التي كتبته، ومن الجماعات المسلحة التي رعته. من يريد أن يبني دولة عليه أن لا يستولي على الساحات العامة ويرفع صوراً ترهب الآخر، ليست الساحة ملكاً عضوضاً له، هي فضاء للبناء وعلامة للطمأنينة، ووجود الزعيم ببذلته المليشياوية مادة تهديد ورسالة استحواذ وترهيب، تقول لي، أنا الآخر المختلف: أنا أسرقك وأقتلك!
تبنى الدولة باستتباب الامن، الذي منه جذب الاستثمار، ودخول الشركات، وتبنى بالصحة والتعليم والبحث العلمي وبمشاركة المتفوقين من أبنائه في المؤتمرات والجامعات والمحافل الدولية، ورغبة المبتعثين بالعودة اليه لا بالخلاص منه، وتبنى بتقبل مطارات العالم لطائراته، ووجودها كوجهة سياحية. ويبنى حين تمنح المرأة حريتها في العمل والكرامة الإنسانية، وتبنى بسن القوانين الضامنة للصحة والتعليم والسكن وتأمين العيش اللائق، والخلاص من العادات والتقاليد العشائرية السيئة، التي لن يجد المواطن لها ضرورة بوجود القانون.
خطابات بعض قياديي الاطار الأخيرة والخاصة بالتخلي عن السلاح خارج المؤسسات الأمنية تبشر بالخير، ورسالة عقل، وهي على الطريق الصحيح|، وإن جاءت متأخرة؛ وبفعل ضغط خارجي. ومن موجبات بناء الدولة أن تكون الثقافة عنصراً فاعلاً، فالبلاد تعرف بعلمائها وشعرائها وفنانيها ومتاحفها ومسارحها ودور النشر والسينما والجميلات من نسائها أفضل من أن تعرف بعدد القتلة واللصوص فيها.
بغداد / المدى
أعلن مرصد «إيكو عراق»، أمس السبت، أن قيمة احتياطي العراق من الذهب بلغت نحو 23 ملياراً و64 مليون دولار، محذراً في الوقت ذاته من التصرف به لحل أزمة العجز المالي التي تشهدها البلاد.
وذكر المرصد في بيان له، أن «العراق اشترى خلال عام 2025 نحو 8.2 طن من الذهب، ما رفع إجمالي احتياطيه إلى 170.9 طن»، مبيناً أن «هذه الزيادة توزعت بواقع طن واحد في شهر آذار، و1.6 طن في حزيران، و3.1 أطنان في تموز، و2.5 طن في آب».
وأوضح أن «إجمالي احتياطي العراق البالغ 170.9 طن يعادل حالياً 23 ملياراً و64 مليون دولار، وهو أعلى مستوى تصل إليه قيمة الاحتياطي الذهبي في تاريخ العراق».
وعزا المرصد الارتفاع الكبير في قيمة الاحتياطي إلى «صعود أسعار الذهب عالمياً، وليس إلى حجم الكميات التي جرى شراؤها خلال عام 2025، التي شكلت 64% منذ بداية العام الحالي».
وحذر المرصد «من أي تلاعب باحتياطي الذهب لسد العجز، سواء ببيع جزء منه أو إخضاعه لاستثمارات عالية المخاطر»، مؤكداً أنه «أصل سيادي مخصص للاستقرار المالي وليس لتحقيق إيرادات آنية».
متابعة / المدى
تتصاعد المخاوف في محافظتي كركوك وصلاح الدين، والمناطق الحدودية العراقية- الإيرانية، من ظهور ألغام وذخائر غير منفجرة كانت مدفونة منذ سنوات، سواء إبان الحرب العراقية- الإيرانية السابقة، أو التي زرعها تنظيم «داعش»؛ وذلك بعد هطول أمطار غزيرة وسيول جارفة أدت إلى تعرية التربة وكشف مواقع كانت تُصنف آمنة في وقت سابق.
وقال مصدر في مديرية الدفاع المدني لوكالات الانباء، إن «السيول الأخيرة أظهرت مواد متفجرة كانت مخفية»، مؤكداً أن «الجهات الأمنية كثفت إجراءاتها لتطويق المناطق الخطرة وتأمينها، ومنع وقوع حوادث بشرية، لا سيما عند الحدود العراقية- الإيرانية في محافظة واسط، وتحديداً في منطقتي بدرة وجصان».
من جانبه، عبر محمد خالد، وهو أحد سكان جنوب كركوك، عن مخاوفه من عودة تهديد الألغام قائلاً: «الأرض تغيرت بعد السيول، ولم نعد نعرف أين تقع المناطق الخطرة، إذ بات الأهالي يتجنبون المرور خشية وقوع انفجارات مفاجئة».
وفي السياق ذاته، يقول عباس علي، وهو مزارع من أطراف قضاء آمرلي في صلاح الدين، «الخطر لا يقتصر على القرى التي شهدت وجود تنظيم داعش سابقاً، بل يشمل مناطق كانت تمثل خطوط تماس أو مواقع عسكرية قديمة؛ فالسيول غيرت ملامح الأرض ورفعت احتمالية ظهور مواد متفجرة».
وعلى صعيد المناطق الحدودية، أشار جميل البدري، أحد وجهاء منطقتي بدرة وجصان في واسط، إلى أن القلق يتضاعف في تلك المناطق، مبيناً أن «هذه الأراضي شهدت معارك وحشوداً عسكرية قديمة خلال الحرب العراقية- الإيرانية، ما خلّف آلاف الألغام والذخائر غير المنفجرة. وقد لاحظ بعض الأهالي انجراف التربة قرب مسارات الرعاة والمزارعين، وهو ما يزيد من خطر ظهور تلك الألغام».
من جهته، حذر الخبير والضابط السابق في الدفاع المدني أحمد الجبوري، من أن الأمطار والسيول تعيد إحياء تهديد الألغام والمواد المتفجرة، موضحاً أن «تلك المواد غالباً ما تبقى مستقرة طالما ظلت مدفونة، لكن تحرك التربة والمياه يجعلها مكشوفة وغير مستقرة، مما يزيد من احتمالية انفجارها عند أقل احتكاك». وبين الجبوري أن «بعض المناطق التي صُنفت مطهرة جزئياً قد تعود لتشكل خطراً حقيقياً جراء التغيرات المناخية».
وأضاف الجبوري: «يتعين إعادة تقييم هذه المناطق وإجراء مسح ميداني جديد، خصوصاً في كركوك وصلاح الدين والمناطق الحدودية في واسط، مع ضرورة تكثيف حملات التوعية بين المواطنين بعدم الاقتراب من أي جسم غريب أو العبث به».
وتواجه فرق إزالة الألغام تحديات كبيرة تشمل غياب خرائط دقيقة للأراضي الملوثة، وصعوبة الوصول إلى المناطق النائية والتضاريس الوعرة، فضلاً عن قلة الموارد وضعف التنسيق بين الجهات المحلية والاتحادية، وفقاً لما ذكرته مصادر أمنية.
وفي هذا الصدد، أكد مصدر في الدفاع المدني بمحافظة واسط أن الجهات المختصة كثفت إجراءاتها الميدانية بعد السيول الأخيرة، بالتنسيق مع فرق إزالة الألغام والمنظمات الدولية؛ لضمان سلامة المدنيين وتأمين الطرق والمزارع. وأشار المصدر إلى أن المخاطر غير محصورة بالصراعات الأخيرة فقط، بل إن بعض الألغام تعود إلى حقبة الحرب العراقية- الإيرانية في منطقتي بدرة وجصان، والتي لا تزال تشكل تهديداً حقيقياً للأهالي والرعاة، لا سيما مع انجراف التربة وتغير التضاريس بفعل الأمطار والسيول.
ويتفق الأهالي والخبراء على ضرورة تعزيز العمل الرسمي والدولي لإزالة الألغام، وتسريع عمليات مسح الأراضي وتطهيرها، ونشر إشارات تحذيرية واضحة، مع إشراك المجتمع المحلي في الإبلاغ عن أي أجسام مشبوهة. وأكدوا أن هذه الإجراءات تعد ضرورية لتقليل الخسائر البشرية وتأمين عودة آمنة للاستخدامات الزراعية والسكنية بعد موجات النزوح أو السيول.
ويشير خبراء إلى أن استمرار تهديد الألغام والمواد المتفجرة يعيق عمليات التنمية والإعمار والاستقرار في المحافظات المتضررة، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية الدورية، كالسيول والأمطار الغزيرة، التي قد تكشف عن مواقع لم تكن مرئية في السابق. ويبقى إرث الألغام والمواد المتفجرة في العراق موروثاً قاتماً للصراعات السابقة، يتطلب استمرار التعاون بين الجهات الأمنية، والخبراء المحليين والدوليين، والمجتمع المدني؛ لضمان حماية المدنيين وتعزيز الأمن في المناطق الأكثر خطورة. ومع استمرار هطول الأمطار، يظل الوعي والتحذير المجتمعي من الأجسام المشبوهة هو خط الدفاع الأول لحماية الأرواح في كركوك وصلاح الدين ومنطقتي بدرة وجصان في واسط.
بغداد / المدى
كشف عضو اللجنة المالية في الدورة البرلمانية السابقة، معين الكاظمي، أمس السبت، بالأرقام عن حجم الالتزامات المالية المترتبة على الحكومة المقبلة، مبيناً أن هذه الالتزامات تشمل الديون الداخلية والخارجية، ورواتب الموظفين، ومستحقات شركات النفط، إلى جانب تمويل المشاريع الاستثمارية في الوزارات والمحافظات.
وقال الكاظمي، في تصريح صحفي، إن الدين الداخلي للحكومة المنتهية ولايتها من المصارف بلغ 90 تريليون دينار، مؤكداً ضرورة أن تعالج الحكومة المقبلة هذا الدين، وعدم الاستمرار بعملية الاقتراض من المصارف الحكومية.
وأضاف الكاظمي أن الدين الخارجي بلغ 10 مليارات دولار، مشيراً إلى عدم وجود أي توجه حالياً للاقتراض من الدول المجاورة أو الإقليمية، مبيناً أن الاقتراض يقتصر فقط على صندوق النقد الدولي للمساهمة في المشاريع التنموية والبنى التحتية وقطاع الصرف الصحي.
وأوضح الكاظمي أن الحكومة تحتاج سنوياً إلى نحو 125 تريليون دينار لتأمين الرواتب والنفقات العامة، فضلاً عن حاجة العراق إلى 25 تريليون دينار تُصرف كمستحقات لشركات استخراج النفط، واستكمال المشاريع الاستثمارية في الوزارات والمحافظات.
يشار إلى أن بيانات البنك المركزي العراقي أظهرت ارتفاع الدين العام الداخلي مع نهاية شهر أيلول الماضي 2025 إلى أكثر من 90.6 تريليون دينار، مسجلاً زيادة شهرية وسنوية ملحوظة، نتيجة ارتفاع حوالات الخزينة المخصومة لصالح البنك المركزي، مقابل تراجع قروض المؤسسات المالية وانخفاض ديون وزارة المالية خلال الفترة ذاتها.
شريف الشافعي
كاتب وصحافي
يأبى الشاعر العراقي فاضل السلطاني في تجربته الممتدة على مدار أكثر من 40 عاماً أن تسرقه غربته، فلا ينفك يؤسس تواصله الخاص مع أعماق الذات وفضاءات الخارج من خلال القصيدة المتمردة التي يسكنها وتسكنه، وعبر الترجمة التي يتحسس بها ظلال الآخر، في عالم لا شيء فيه يبدو مكتملاً. "اندبندنت عربية" التقت السلطاني في حوار مفصل ينطلق من صدور مختاراته الشعرية "عند منتصف الذاكرة"، ويمتد إلى تصوراته في شأن الكتابة والارتحال، ومواجهة الواقع الراكد بالحلم والخيال والشغف بالتغيير.
غادر الشاعر فاضل السلطاني العراق عام 1977 إلى المغرب، ومنها بعد عامين إلى الجزائر، ثم إلى سوريا عام 1985، قبل أن ينتهي به المقام الأخير في لندن منذ عام 1994. وقد جاءت مختاراته الشعرية الصادرة حديثاً عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد بعنوان "عند منتصف الذاكرة"، متضمنة نصوصاً تعود لما قبل الارتحال، وخلال محطات الاغتراب المتتالية، وهي منتقاة من مجموعاته الشعرية "ألوان السيدة المتغيرة" و"لا أحد يعود" و"محترقاً بالمياه" و"النشيد الناقص" وغيرها.
يحتفي السلطاني في سلسلة دواوينه بما يمكن تسميته شعرية التقاطعات، على مستوى الأزمنة والأمكنة، فهو يضم الماضي والحاضر والمستقبل في لحظة واحدة مشحونة بالوعي الكثيف، ويحتوي شتات الأمكنة في نقطة مشتركة هي مركز الذاكرة. هو ينشد العلاقة، لا القطيعة، مع ذاته والآخر والعالم حتى وهو يكابد محنة التمزق النفسي والاغتراب الجغرافي والوجودي. وانطلاقاً من هذه الرغبة في البقاء على صلة وثيقة بالحياة والأحياء على رغم كابوسية المشهد المحيط، فإن السلطاني، الدارس للأدب الإنجليزي والحاصل على الماجستير في الأدب المعاصر، في ترجماته المتنوعة أيضاً لإليوت ووليم تريفور وتوني موريسون وميروسلاف هولوب وغيرهم، ينخرط في الجدليات والحوار الإيجابي منحازاً إلى القيم الإنسانية والفنية المجردة في ذلك الصراع التاريخي والأخلاقي الذي لا ينتهي بين القبح والجمال، والحب والحرب، والنور والظلام، ذلك أنه "طوال الحياة، ظلت الأغنية، تتشبث بالجدران"، كما يقول في قصيدة له.
"يعود الجنود من الحرب"، وينجبون بنات "يلون النباتات ويلهون بالعصافير حتى يمرضن من الحب"، ثم "يعود الجنود للحرب" من جديد، وهذا العالم المتقاتل المتصارع من حولنا لا يتغير. لكأن الشاعر فاضل السلطاني يتحدى قبح العالم ببحثه عن الجمال، ليس فقط عند منتصف الذاكرة، وإنما في الذاكرة كلها؟ أهو كائن الشعر، الحقيقي والخرافي معاً، الذي يبقي الأمل دائماً نافذة مفتوحة في جدار الدموية والكراهية والسواد؟
في حديثه لـ"اندبندنت عربية" يجيب السلطاني، موضحاً "أؤمن بأن الجمال سينقذ العالم يوماً ما، ولو بعد قرون. هو صراع تاريخي وأخلاقي مرير بين القبح والجمال، منذ هوميروس إلى آخر شاعر، ومن ثرفانتيس إلى آخر روائي. صحيح أن القبح هو الغالب الآن، وقد يستمر طويلاً، كما هو واضح، متجسداً في حروب مجنونة هنا وهناك، ومجازر وإبادات جماعية، وتوحش رأسمالي، وصعود شعبوية جاهلة، وتسطيح وتفاهة، لكن هذا الوضع المريع لا يمكن أن يستمر طويلاً، لأنه لا مستقبل له سوى البربرية".
"البربرية على الأبواب"، ليست صورة شعرية، ولا عبارة مجازية، بل حقيقة صارخة، يضيف السلطاني، بل إنها فعلاً على أبواب عصرنا، الذي فقد إلى درجة مريعة ضميره الأخلاقي، وكأن حركة التنوير الكبرى، التي بشرت بقيم الحرية والحق والعدل والمساواة، قد اختفت من سجل التاريخ. ومع ذلك، فإذا انعدم الإيمان بإمكان تغيير ما هو قائم، وإمكان "فتح نافذة في جدار الدموية والكراهية والسواد"، وفق السؤال، لانتفى معنى الكتابة. الإبداع الحقيقي المقرون بالحلم والخيال والشغف بتغيير العالم لا يقبل الاستقالة أمام الوقائع الصلدة لهذا التاريخ، وإلا ما كتب هوميروس ودانتي ودوستويفسكي وتولستوي وييتس وإليوت، وغيرهم ممن حملوا على أكتافهم مسؤولية الكون والعالم.
وبسؤاله، عطفاً على ما سبق، عن انتقائه "عند منتصف الذاكرة" عنواناً لمختاراته الشعرية، وهل يمكن للذاكرة أن تمنح الإنسانية وجوداً آخر أو ولادة ثانية "بعد 20 موتاً"، لتنبت الأرض أرضاً، ويلبس الوجه وجهاً جديداً؟ يجيب السلطاني بقوله "هناك ما يسميه هارولد بلوم: ظلال الذاكرة، بمعنى أن ذاكرتنا ليست مرآة ناصعة، نرى من خلالها الماضي كما هو. ولا ينطبق هذا على الماضي فحسب، بل على المستقبل أيضاً، فالمستقبل له ذاكرة مستمدة من ذاكرة الماضي، أو على ما رأينا في الماضي".
وفي الحالتين، يستطرد، هذه الرؤية ناقصة غالباً، فلا شيء يبدو مكتملاً، كأننا نرى أنصاف الأشياء، ونصف التجارب الشخصية، والاجتماعية والنفسية. كأن العربة تتوقف بنا في منتصف الطريق، ولا يبقى في الذاكرة سوى نقطة التوقف في المنتصف. لنقل إن الذاكرة المقصودة هي ذاكرة غير مشبعة، لم تمتلئ تماماً، لأن التجارب لم تشبع تماماً. إنها تصل إلى منتصفها ثم تجهض لأسباب مختلفة.
وفي رحلته الطويلة البعيدة، لا يزال فاضل السلطاني يقف على نهر بابل، يبكي عشباً وطيراً ونباتاً وسمكاً وماء ومراكب وصيادين. فإلى أي مدى يستشعر الاغتراب المكاني والنفسي والوجودي كمقيم في الخارج منذ سنوات طويلة؟ وهل يرى ملامح خاصة يمكن تسميتها في الشعر العربي المهجري الراهن، إذا جاز هذا التعبير في الأساس؟
يوضح السلطاني أن الغربة الإجبارية، وهي غربة كثير من المثقفين العرب الآن، مختلفة تماماً عن الغربة الاختيارية، التي عرفها أهل الشام، خصوصاً اللبنانيين الذين هاجروا إلى الأميركيتين (الشمالية والجنوبية) في ما بين 1870 حتى أواسط 1900، أمثال جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي ونسيب عريضة وغيرهم، وأسهموا من هناك في تطوير الأدب العربي.
الغربة الإجبارية، يقول، تفتقد إلى عنصر الحرية، وهو الأساس في أي مسعى إلى تحقيق شيء ما. تسرق هذه الغربة الوطن والأهل والأصدقاء، وتقطع تطور المبدع الطبيعي. إنها تسرق أرضيته الصلدة التي يمكن أن ينطلق منها، أو يسقط رأسه عليها إذا سقط، إذ إن ارتفاعه أو سقوطه محكومان بعوامل جديدة عليه، يصنعها آخرون غريبون تماماً، وهو مجرد ضيف طارئ عليهم. إنها ليست أرضيته مهما وقف عليها سنوات، كما أن التاريخ ليس تاريخه، مهما عرفه نظرياً.
إن "وطن" المنفي الجديد، يضيف السلطاني، لا يمكن أن يدخل في نسيج روحه، ويتسرب إلى شرايينه مهما حاول. فات الأوان لتغيير جلده، أرضيته وتاريخه هناك، في وطن غائم يحتل ذاكرته، ويغزو مسامات دمه على رغم منه. أما ما يخص السؤال في ما إذا كانت ملامح خاصة في الشعر العربي المهجري الراهن، فلا يعتقد السلطاني أن هناك ملامح يمكن أن تشكل شعراً مهجرياً جديداً، على غرار ما حققه جبران ونعيمة وزملاؤهما، فالبنى والأساليب والمضامين والأشكال مختلفة تماماً، وما يكتب في الخارج امتداد طبيعي للأدب الذي يكتب في الداخل، وهما يشكلان وحدة واحدة. الفرق الوحيد أنه يكتب خارج الوطن، إذ تغيرت الجغرافيا فقط.
يظل الشاعر ثائراً دائماً، حتى "من مقعده النائي في الكون"، فالتجديد الشعري هو التمرد والانفلات وكسر أفق التوقع. ومن جانب آخر، فالثورات العربية التي مضت تتلاحق على أرض الواقع أعادت تشكيل ذائقة الكتابة الشعرية والإبداعية عموماً، وذائقة التلقي لدى الجمهور. كيف يجد فاضل السلطاني ذلك التفاعل أو تلك العلاقة بين "ثورة القصيدة" بالمعنى الجمالي المجرد، و"قصيدة الثورة"، بمعنى انخراط الإبداع مباشرة في الفعل الحي والميداني؟
يشير السلطاني إلى أن سنة الربيع العربي 2011 كانت فارقة نسبياً في التاريخ العربي المعاصر، مهما اختلفنا في أسباب أحداثها ومساره ومآله، فقد كانت نهاية مرحلة، وبداية أخرى، إن لم يكن في الواقع، ففي الوجدان والذهن، شيء ما تشكل في الأعماق. وربما يكون الدرس الأهم هو أن الإنسان المهزوم، المسحوق، قادر على اقتحام السماء. ويقول "أعتقد أن الثيمة الكبرى التي ستهيمن على معظم النتاج المعرفي العربي في القادم من الزمن ستنطلق من وعي هذه الحقيقة، التي قد لا تكون وضحت صورها بعد، ولكن هذه هي مهمة الأدب بالضبط، أن يكشف لنا عما لا نراه، ويستخرج ما تحت السطح إلى ضوء الشمس، مشكلاً رؤانا ووعينا ووجداننا من جديد، وبالتالي يمنحنا ولادة جديدة".
أما في ما يخص " قصيدة الثورة"، فيرى السلطاني أنها تسمية ملتبسة، فكل قصيدة جيدة هي قصيدة ملتزمة، وقصيدة ثورة، وكل أدب جيد هو أدب ملتزم، وأدب ثورة، بالمعنى العميق، وليس بالمعنى المباشر الفج. وما يهم هو مدى ملامسة كتاباتنا للجوهر الإنساني الشامل. فالأدب الرديء يسيء للقضية التي يدعي أنه يدافع عنها، كما قال ماركيز مرة.
لا تزال تتردد مقولات كثيرة في شأن عزلة الشعر النسبية في الآونة الأخيرة، وتوجهه النخبوي أو المتعالي صوب دوائر التلقي الضيقة، لا سيما في ظل تكلس قصيدة النثر وتكرار تجاربها وتنميطها في أطر مجانية استسهالية، وسيادة أنساق إبداعية أخرى أكثر جماهيرية وانتشاراً مثل الرواية.
وبسؤال فاضل السلطاني عما قد ينقص الشعر لكي يعود "فن العربية الأول" خبزاً للمائدة، ولكي لا يكون هناك "مقعد فارغ في أمسية شعرية"؟ يقول موضحاً "للإجابة عن هذا السؤال، أذكر بعض التجارب في بريطانيا، إذ لا يزال للشعر جمهور كبير، وللشعراء حضور واضح مقارنة بالروائيين، ولا تزال قاعات الأمسيات الشعرية ممتلئة المقاعد. ففي يوم الشعر الوطني في بريطانيا في إحدى السنوات، طير المنظمون حماماً زاجلاً في سماء لندن وهو محمل بالقصائد في تجربة مبتكرة هي الأولى من نوعها في العالم. ولم يكتفوا بذلك، بل طبعوا أبيات شعر على محافظ تذاكر القطارات لتستقر في جيوب المسافرين".
ويضيف السلطاني: طارد المنظمون حتى أولئك الناس المشغولين بجوالاتهم الذكية، طالبين منهم أن يبدأوا رسائلهم لأصدقائهم وأحبائهم ببيت شعر، بدلاً من "شكراً" و"آسف" و"أحبك". واشترك الأطفال أيضاً في قراءات ومسابقات شعرية. والأجمل، هي تلك الفعاليات التي نظمت وقت الإفطار في مطاعم وفنادق في العاصمة البريطانية. فهل هناك في الدنيا أجمل من أن تفتتح يومك على صوت فتاة عذب يقرأ لك قصيدة من كيتس أو تشيلي أو بايرون أو إليوت أو تيد هيوز؟ وقد توجت هذه الاحتفالات بقراءة الأمير آنذاك فيليب تشارلز، الملك لاحقاً، قصيدة للشاعر الأيرلندي شيموس هيني، ومعظم هذه الفعاليات كانت تنقلها "بي بي سي" عبر قنواتها المتعددة إلى كل مناطق بريطانيا. والدرس واضح "إذا لم يذهب الناس إلى الشعر، فليذهب الشعر إلى الناس".
تبدو الترجمة، من العربية وإليها، في حالة ارتباك، لندرة المؤسسات الحكومية والرسمية التي تتولى شؤونها وتدعمها، وزهد دور النشر الخاصة في نشر المترجمات، وغياب الاستراتيجيات والمشاريع المحكمة في شأن الترجمة، وقلة المترجمين المتمرسين وضعف أجورهم، وغياب قوانين حقوق المؤلفين والملكية الفكرية، وأمور أخرى كثيرة.
بسؤال فاضل السلطاني في ضوء خبرته في هذا المجال، عن رؤيته حول سبل النهوض بالترجمة، خصوصاً من العربية إلى لغات أجنبية، لتعزيز التواصل مع الآخر، يشير إلى أن الترجمة تبدو وقد انتعشت نسبياً في الفترة الأخيرة، إذ ترجمت إلى العربية كتب كثيرة، وغالباً عن اللغات الأصلية، في الفكر والفلسفة والثقافة عموماً، ولو أن الرواية تجيء في أعلى القائمة. وغالب هذه الترجمات صدرت عن دور خاصة، مثل المدى وخطوط وظلال وتكوين والجمل والمتوسط وغيرها. وجاءت معظمها بمبادرات من مترجمين مجتهدين وشغوفين، لا يتقاضون في أحوال كثيرة ما يتناسب مع جهودهم. ويبقى غياب قوانين حقوق المؤلفين والملكية الفكرية، المشكلة الأكبر. ولكن حصل بعض التطور في ما يخص هذا الجانب، بخاصة بعد انتشار الإنترنت، فبدأت بعض دور النشر العربية تحرص على شراء حقوق النشر من المصادر الأصلية.
أما في ما يخص ندرة المؤسسات الحكومية والرسمية، التي تتولى شؤون الترجمة وتدعمها، فيرى السلطاني أن يقتصر دور هذه المؤسسات على الدعم فقط، كما يحصل في الغرب، من خلال مجالس الفنون والآداب، إن وجدت، والمؤسسات الأهلية، وتسهيل حركة الكتاب والمنتج الثقافي عموماً، لا أن تتولى شؤون الترجمة، إذ ستدخل هنا الاعتبارات السياسية والرقابية، والمزاجية والانتقائية.
ويختتم فاضل السطاني حديثه لـ"اندبندنت عربية" في شأن ما يتعلق بسبل النهوض بالترجمة، من العربية إلى لغات أجنبية، لتعزيز التواصل مع الآخر، قائلاً "علينا أن ننسى ذلك، لأنه لا توجد مثل هذه السبل. فلقد حقق أدب يشبهنا هو أدب أميركا اللاتينية اختراقاً عالمياً منذ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ليس لأن هناك سبلاً ساعدت في انتشاره، لا حكومات ولا مؤسسات، بل بفضل الأدب وحده. ولم يكن وراء نجيب محفوظ سوى رواياته فقط. فعلينا أن ننسى الترجمة، والركض وراء وهم اسمه العالمية. ولنحقق اختراقاً في أدبنا نحن، وبعدها، سيترجم العالم كله لنا".
سعد سلوم
في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية والسيطرة على السلطة، ويعكس العراق تجربة انتقالية عنيفة مع هشاشة الدولة، تتأرجح سوريا بين استمرار الصراع وضعف المؤسسات، ما يضع الأقليات في مواجهة يومية مع مخاطر التهجير والفوضى.
تتباين استراتيجيات الأقليات السورية في هذا السياق: يواجه العلويون إرثا ثقيلا مرتبطا بالسلطة السابقة، المسيحيون يحاولون البقاء عبر شبكات حماية وتحالفات مؤقتة، والدروز يستندون إلى روابط إقليمية تمنع السيطرة الكاملة عليهم، بينما تعتمد الفصائل المسلحة وسلطة الجولاني (أحمد الشرع) على القوة والرمزية لتأمين وجودها. تعكس هذه التجارب هشاشة إدارة التنوع في سوريا مقارنة بنماذج أكثر استقرارا مثل روج آفا وكردستان العراق، لكنها في الوقت نفسه تظهر إمكانات محدودة لبناء ثقة محلية واستراتيجيات مشاركة فعلية.
تعيش الأقليات مثل المسيحيين والعلويين والدروز وبعض الجماعات الكردية والآشورية في هشاشة مستمرة نتيجة النزاع وغياب الدولة الفاعلة، حيث يقوم تضامنها غالبا على الخوف المشترك من الجماعات المسلحة والتهجير، فيأخذ شكل تعاون أمني مؤقت لحماية الأماكن الدينية والمجتمعية، وليس على مشاريع سياسية أو ثقافية طويلة الأمد. ففي مناطق مثل إدلب وطرطوس واللاذقية، يظهر هذا التعاون العابر للطوائف كاستجابة عاجلة للتهديدات المباشرة، بخلاف العراق ولبنان حيث يمكن للأقليات بناء تحالفات سياسية مستدامة لضمان مصالحها.
على خلفية هشاشة الدولة السورية واعتماد الأقليات على التضامن القائم على الخوف والحماية الذاتية، تظهر تجربة روج آفا كنموذج مختلف لإدارة التنوع في ظل النزاع. منذ تأسيسها، اعتمدت روج آفا على نموذج إداري متعدد المكونات قائم على الديمقراطية التشاركية، يتيح للمسيحيين والعرب والتركمان والأشوريين والإيزيديين المشاركة في الحكم المحلي وصنع القرار. كما وضعت آليات لحماية الحقوق الثقافية والدينية واللغوية لكل مكون، مما منحها قدرة على تخفيف الاحتقان الاجتماعي وبناء قاعدة شرعية محلية واسعة، حتى في المناطق المختلطة عرقياً ودينياً. بالمقابل، تعتمد سلطة الجولاني على القوة العسكرية والسيطرة الأمنية المباشرة، ولا تمتلك أي آليات مؤسسية لإدارة التنوع أو إشراك الأقليات، فأسلوبها القائم على الانصياع بالقوة يجعل أي محاولات للتعايش أو حماية حقوق الأقليات هشة ومؤقتة، ويولد خوفاً ورفضاً داخلياً.
عند مقارنة تجربة روج آفا بتجربة كردستان العراق، يظهر اختلاف السياق والنتائج. فبينما نجحت كردستان عبر حكم مؤسسي واستراتيجية طويلة الأمد وبناء تحالفات مع الأقليات داخل الإقليم، حققت روج آفا نجاحًا محدودا رغم اعتمادها على نموذج تشاركي. تواجه روج آفا تحديات إضافية تمثلها الدولة السورية، وتداخل النفوذ الدولي، وتهديدات تركيا، وضعف الموارد، واعتمادها على الفصائل المحلية، ما يحد من قدرتها على تكرار تجربة كردستان بالكامل. ومع ذلك، تمكنت من بناء الثقة بين المكونات المحلية، مما منحها فرصة محدودة لكنها حقيقية لإرساء استقرار نسبي وإدارة التنوع.
ويظل نجاح روج آفا مستقبليا مرتبطا بتوسيع المشاركة المؤسساتية، وحماية التنوع الثقافي والديني، والحفاظ على الأمن المحلي. مقارنة بسلطة الشرع القائمة على القوة، تمتلك روج آفا أساسًا أقوى للاستمرارية لأنه قائم على المشاركة والشرعية الشعبية، وليس على الخوف والسيطرة بالقوة. وإذا تمكنت من بناء مؤسسات مستقرة والتنسيق مع الفصائل الأخرى وإدارة الضغوط الخارجية، فقد تحقق جزءا من استقرار كردستان العراق، لا سيما في إدارة التنوع الداخلي.
تشكل حالة الدروز مثالا خاصا، إذ تمنحهم روابطهم الإقليمية مع لبنان وإسرائيل قدرة على مقاومة السيطرة المباشرة لأي فصيل مسلح، بما في ذلك "الشرع". وأي محاولة للتدخل في مجتمعهم ستكون محدودة ومؤقتة، مع احتمال تنسيق داخلي مع فصائل محلية للحماية، لكنها لن تؤدي إلى ظهور كيان سياسي مستقل في المستقبل القريب.
ومن هذا المنظور، يظهر أن التضامن بين الأقليات في سوريا غالبا قائم على الخوف والضرورة العملية، ويعكس واقعا مؤقتا تتحكم فيه التهديدات الأمنية المباشرة، بعكس العراق ولبنان حيث يرتبط التضامن بمشاريع سياسية وثقافية أوسع وأكثر استدامة.
تبرز إشكالية العلويين كنموذج يعكس تعقيد العلاقة بين الأقليات والسلطة في سوريا. بعد أكثر من عقد من النزاع، لم يكن العلويون كتلة موحدة موالية للنظام، بل كثيرون منهم وقعوا رهائن لبنية سلطوية مغلقة استثمرت في خوفهم كما استثمرت في خوف الآخرين. ومع ذلك، يترسخ تصور شعبي مفاده أن "العلويين حكموا سوريا عبر الأسد"، بينما بقي النظام يسعى لحماية مصالحه الخاصة، وكانت تكلفة بقائه ثقيلة على جميع السوريين، بما في ذلك العلويون أنفسهم الذين فقدوا عشرات الآلاف من أبنائهم، وعانت مناطقهم من تهميش اقتصادي واجتماعي طويل الأمد.
تماما كما وقع العلويون رهائن لبنية سلطوية مغلقة استثمرت في خوفهم، واجهت مناطق مثل تكريت وعموم سنة العراق تجربة مماثلة، حيث أصبحوا مرتبطين سياسيا بعلاقات القوة خلال حكم صدام حسين، ما أنتج وصما جماعيا وتهميشا طويل الأمد، مع الفارق أن الخلفيات التاريخية والبيئة السياسية لكل دولة منحت لكل تجربة أبعادها الخاصة.
وتتجاوز خطورة هذه الإشكالية الحرب نفسها، إذ يظل العلويون معرضين للوصم والتخوين كامتداد للنظام، ما يخلق مخاطر استباحة أمنية واجتماعية في سياق فوضوي يغيب فيه منطق الدولة والقانون. والخروج من هذه الحلقة لا يمكن أن يتم عبر إنكار الماضي أو تبرئة جماعية، بل عبر تفكيك العلاقة بين الطائفة والنظام سياسيًا وأخلاقيا، والانتقال إلى منطق الدولة.
من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى إشكالية العلويين ليس كأزمة طائفة، بل كاختبار لقدرة سوريا على تجاوز منطق الحرب وبناء عقد اجتماعي جديد، يفصل بين الجماعات والنظم، وبين الهوية والمسؤولية، ويضع حدا لإرث الخوف الذي غذّى الاستبداد لعقود، وهو شرط أساسي لأي مشروع للتضامن وإدارة التنوع بين الأقليات، كما يظهر من تجارب روج آفا والأقليات الأخرى في البلاد.
في سياق إدارة الأقليات في سوريا، تبرز تجربة الشرع مع الجالية اليهودية مثالاً على البراغماتية للتعامل مع التنوع الديني والثقافي. فقد لعب اليهود دورا تاريخيا في النسيج الاجتماعي السوري، خصوصًا في حلب ودمشق وحمص، قبل أن تؤدي أحداث 1948 وتصاعد التوترات الإقليمية إلى هجرة معظمهم واغلاق معابدهم ومدارسهم. وعلى الرغم من أن النشاط اليهودي ظل شبه منعدم لعقود، شهد حي الجميلية بحلب مؤخرا افتتاح أول معبد ومدرسة يهودية منذ عقود، بمشاركة حاخامين من إسرائيل وتحت حراسة أمنية مشددة، في خطوة رمزية تشير إلى قدرة الفصائل على إدارة الأقليات ضمن إطار محدود وآمن.
سياسيًا، في واشنطن التقى الشرع بالحاخام يوسف حمرا وممثلين عن مؤسسة التراث اليهودي في تشرين الثاني 2025، ما يعكس استراتيجية مزدوجة: إعادة الاعتبار للتراث اليهودي داخليا، وتوجيه رسائل دولية عن ضبط النفوذ وقدرة الفصيل على إدارة مناطقه. تحليليا، تجمع هذه التحركات بين الرمزية، السياسة الدولية، والحسابات الأمنية المحلية، لكنها تبقى هشّة ومؤقتة مقارنة بنموذج روج آفا أو كردستان العراق، حيث تمنح المؤسسات القائمة على المشاركة استمرارية أكبر.
أما المسيحيون، فيعيشون ضمن طيف واسع من الطوائف في المدن الكبرى والقرى المختلطة، ويواجهون هشاشة مماثلة نتيجة النزاع وانهيار الدولة المركزية. يعتمدون اليوم على شبكات حماية محلية وتحالفات مؤقتة للحفاظ على وجودهم وأماكن عبادتهم، وسط تهديدات مزدوجة: هجمات مباشرة على الكنائس أو الأفراد، وضغوط اقتصادية وثقافية تهدد استمرارية المجتمع، ويزيد التباين الطائفي الداخلي تعقيدًا في إدارة مصالحهم ضمن سلطة محلية أو فصيل مسلح. تاريخيا، كان المسيحيون يراهنون على حماية الدولة والدعم الدولي، لكن بعد انهيار الدولة أصبح هذا الرهان هشا، إذ توفر سلطة الشرع حماية مؤقتة عبر القوة العسكرية، لكنها تفتقر إلى مؤسسات مستقلة وضمان الحقوق الثقافية والدينية.
وفي هذا السياق، تبدو أي مطالب لمحافظة أو حكم ذاتي على نمط مطالب مسيحيي سهل نينوى وفق المادة 125 من دستور العراق غير واقعية اليوم، بسبب غياب الأساس الدستوري، وتوزع المسيحيين الجغرافي، وحرص الشرع على وحدة الدولة، ما يجعل تعزيز التمثيل المحلي وحماية الحقوق الثقافية والدينية أكثر جدوى. لذلك، تتجه المجتمعات المسيحية السورية نحو استراتيجيات بقاء عملية تشمل شبكات حماية محلية، تنسيقا مع الفصائل المسيطرة، توثيق الانتهاكات، وإعادة تعريف الهوية على أساس المواطنة والحقوق المشتركة بدل الانتماء الطائفي.
يبقى مستقبل مسيحيي سوريا مرتبطا بالقدرة على إدارة تحالفات متعددة، حماية أنفسهم محليا ودوليا، وبناء مؤسسات تشاركية قوية، لأن أي حماية قائمة على القوة فقط تبقى قصيرة الأمد وهشة. في المقابل، توفر التجارب المستدامة، كما في روج آفا وكردستان العراق، نموذجا لإدارة الأقليات عبر المشاركة المؤسساتية والحقوقية، ما يمنح استقرارا نسبيا وفرصة أكبر لبقاء المجتمع دون الانكفاء على الانتماء الطائفي أو الهجرة القسرية.
إن تجربة الأقليات في سوريا تكشف بوضوح هشاشة الدولة وآثار الصراع المستمر على التنوع الاجتماعي والديني. من العلويين الذين تحملوا عبء نظام لم يكن لهم بالكامل، إلى المسيحيين الذين يسعون للبقاء عبر شبكات حماية وتحالفات مؤقتة، وصولا إلى الدروز واليهود الذين تعتمد استراتيجياتهم على روابط تاريخية وإقليمية، يظهر أن التضامن بين الأقليات غالبا قائم على الخوف والضرورة العملية، وليس على مؤسسات قوية أو رؤية استراتيجية طويلة الأمد.
ومع ذلك، تقدم نماذج مثل روج آفا وكردستان العراق درسا مهما: الإدارة القائمة على المشاركة المؤسساتية وحماية الحقوق الثقافية والدينية توفر استقرارا نسبيا وفرصة لبناء الثقة بين المكونات المختلفة. بالمقابل، تعتمد سلطة الجولاني على القوة والرمزية، ما يجعل أي نجاح هشا ومؤقتا.
تجري "فيسبوك" اختبارا لنظام جديد قد يغير طريقة مشاركة المحتوى بشكل جذري، من خلال دراسة فرض قيود مالية على نشر الروابط الخارجية. وقد يشكل هذا التغيير تحديا إضافيا لوسائل الإعلام والناشرين المعتمدين على المنصة للوصول إلى الجمهور.
وأعلنت شركة "ميتا" المالكة لـ"فيسبوك" عن بدء "اختبار محدود" يسمح للمستخدمين غير المشتركين في الخدمة المدفوعة التي تبدأ أسعارها من 12.99 دولارا أمريكيا شهريا - بنشر رابطين خارجيين فقط شهريا، بينما يتمتع المشتركون في الخدمة بحرية نشر غير محدودة تقريبا.
ويركز الاختبار حاليا على فئة محددة من الصفحات والملفات الشخصية التي تستخدم "الوضع الاحترافي"، وهي ميزة موجهة أساسا لمنشئي المحتوى والمؤثرين الذين يعتمدون على المنصة للربح من منشوراتهم. وبينما تستثنى المنظمات الإخبارية حاليا من هذا الاختبار، إلا أنه يثير مخاوف الناشرين من أن يؤدي في نسخته النهائية إلى تقييد قدرة المستخدمين العاديين على مشاركة المقالات والتقارير الإخبارية بحرية، ما يؤثر على انتشار المحتوى الإعلامي. ويأتي هذا التطور ضمن تحول استراتيجي متدرج لـ"ميتا" بعيدا عن المحتوى الإخباري، بعد قرارها المثير للجدل في 2023 بتقليل أولوية هذا المحتوى والتركيز بدلا من ذلك على مقاطع الفيديو والمحتوى القصير الجذاب.
وقد أدى ذلك القرار سابقا إلى انخفاض حركة المرور من "فيسبوك" إلى المواقع الإخبارية بأكثر من 50% وفق بعض التقديرات، رغم بعض علامات التعافي المحدودة هذا العام.
كشفت دراسة علمية حديثة أن تخصيص بضع ساعات أسبوعياً لمساعدة الآخرين يمكن أن يسهم بشكل ملموس في إبطاء شيخوخة الدماغ والحفاظ على القدرات الإدراكية مع التقدم في العمر، حتى دون الحاجة إلى التزام زمني كبير أو نشاط تطوعي رسمي، فقد تابعت الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة تكساس في أوستن بالتعاون مع جامعة ماساتشوستس في بوسطن، أكثر من 30 ألف بالغ أميركي على مدى نحو 20 عاماً، وخلصت إلى أن الأشخاص الذين اعتادوا تقديم المساعدة للآخرين خارج نطاق أسرهم شهدوا تراجعاً أبطأ في الوظائف المعرفية مقارنة بغيرهم. وبحسب نتائج الدراسة المنشورة ، فإن قضاء ساعتين إلى أربع ساعات أسبوعياً في مساعدة الآخرين كان مرتبطاً بانخفاض معدل التدهور المعرفي بنسبة تتراوح بين 15% و20%. اللافت أن الفائدة لم تكن مؤقتة، بل تراكمت مع مرور السنوات لدى الأشخاص الذين واصلوا هذا السلوك بانتظام. وفي السياق، قال ساي هوانغ هان، الأستاذ المساعد في التنمية البشرية وعلوم الأسرة بجامعة تكساس، والمعدّ الرئيسي للدراسة، إن "الأثر المعرفي لمساعدة الآخرين لا يقتصر على تحسن نفسي عابر، بل يظهر كفائدة تراكمية واضحة مع الاستمرار في العطاء". هذا وتميّزت الدراسة بأنها قارنت بين التطوع المنظم، مثل العمل في الجمعيات والمؤسسات، والمساعدة غير الرسمية، كدعم الجيران أو الأقارب أو الأصدقاء، وتوصيل شخصا إلى موعد طبي، أو رعاية الأطفال، أو تقديم العون في أعمال يومية بسيطة.
فيما أظهرت النتائج أن كلا النوعين قدّم فوائد متقاربة لصحة الدماغ، ما يفنّد الاعتقاد الشائع بأن التطوع الرسمي وحده هو المؤثر إيجابياً. وأوضح هان أن "المساعدة غير الرسمية غالباً ما تُقلَّل من قيمتها، لكنها أثبتت تأثيراً معرفياً مماثلاً للتطوع المنظم".
بغداد / المدى
أعلن البنك المركزي العراقي، أمس السبت، أن استيرادات العراق لغاية شهر أيلول/سبتمبر من العام 2025 بلغت أكثر من 63 مليار دولار.
وقال البنك، في إحصائية إن «استيرادات العراق خلال تسعة أشهر، ابتداءً من مطلع كانون الثاني/يناير ولغاية أيلول/سبتمبر، بلغت 63 ملياراً و93 مليون دولار»، مبيّناً أن «هذه الاستيرادات شملت القطاعين الحكومي والخاص». وأضاف أن «استيرادات القطاع الحكومي بلغت 5 مليارات و350 مليون دولار، فيما وصلت استيرادات القطاع الخاص إلى 57 ملياراً و743 مليون دولار».
ترجمة المدى
أكد الاتحاد الأفريقي دعمه لوحدة وسيادة السودان، محذراً قوات الدعم السريع من أن العنف ضد المدنيين لن يمر دون عقاب. وقال مبعوث الاتحاد الأفريقي لدى السودان، محمد بلعيش، يوم الجمعة، إن الهجمات "المنهجية" ضد المدنيين التي تشنها قوات الدعم السريع لن تمر دون مساءلة. وسلّم بلعيش رسالة إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، خلال اجتماع في بورتسودان.
وقال بلعيش، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الرسمية السودانية: "أن الهجمات الممنهجة ضد المدنيين، وقتل الأبرياء، وتدمير البنى التحتية المدنية من قبل قوات الدعم السريع، تُعد أعمالاً مدانة بأقوى العبارات". مشيراً بقوله: "لا يمكن للمسؤولين عنها الإفلات من العقاب".
وأضاف المبعوث الأفريقي أن اجتماعه مع البرهان كان "فرصة قيمة للتشاور حول أفضل السبل لتعزيز الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لضمان الاستقرار والأمن في السودان"، واصفاً البلاد بأنها محور مهم في المنطقة وركيزة للمنظمة الأفريقية.
وأوضح بلعيش أنه استمع إلى آراء القيادة السودانية حول الوضع الحالي وآفاق الحل، مؤكداً التزام الاتحاد الأفريقي بدعم سيادة ووحدة السودان. وقال: "لا يوجد مجال لوجود أي مؤسسة موازية على الأراضي السودانية".
وشدد على أهمية التوصل إلى حل سياسي سلمي للصراع في السودان من خلال حوار وطني شامل. في اجتماع آخر، التقى بلعيش برئيس الوزراء السوداني كمال إدريس، حيث أكد إدريس أن الحكومة السودانية ترحب بكل الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار في البلاد. تتهم السلطات السودانية، إلى جانب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والتعذيب والنهب وقصف المنشآت المدنية والمدارس والمستشفيات.
ومن بين 18 ولاية في السودان، تسيطر قوات الدعم السريع على جميع ولايات دارفور الخمس في الغرب، باستثناء بعض المناطق الشمالية من شمال دارفور التي تظل تحت سيطرة الجيش. بينما يسيطر الجيش على معظم مناطق الولايات الـ 13 المتبقية في الجنوب والشمال والشرق والوسط، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.
من جانب آخر، دعا وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى التوصل لهدنة إنسانية في السودان، وأشار إلى أن العام الجديد يمثل فرصة لذلك، وحضّ الدول على استخدام نفوذها لإحلال السلام.
وقال روبيو، الجمعة، إن هدف واشنطن الفوري بشأن السودان هو وقف الأعمال القتالية قبل العام الجديد، مما يسمح للمنظمات الإنسانية بإيصال المساعدات.
وأضاف: "نعتقد أن العام الجديد والأعياد المقبلة تمثّل فرصة عظيمة لكلا الجانبين للاتفاق على ذلك، ونحن نبذل قصارى جهدنا في هذا الصدد". وقال روبيو إن دولاً تُقدّم الأسلحة للأطراف المتحاربة، بما في ذلك شحن الأسلحة، خاصة لقوات الدعم السريع، وأشار إلى أنه أجرى محادثات "صحيحة ومناسبة" مع جميع أطراف الصراع، "لأنه دون دعمهم، لا يمكن لأي من الطرفين الاستمرار. ولهذا السبب انخرطنا مع الأطراف المعنية في كل هذا".
وأردف: "نعتقد أن الأطراف الخارجية لديها النفوذ والتأثير على الأطراف الفاعلة على الأرض لتحقيق هذه الهدنة الإنسانية، ونركّز على ذلك بشدة". وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد ذكر الأسبوع الماضي أنه سيتدخل لوقف الحرب في السودان. وقال روبيو إن كلا الجانبين انتهكا التزاماتهما، وأعرب عن قلقه إزاء التقارير الجديدة التي تفيد بتعرّض قوافل مساعدات إنسانية لهجمات، مشيراً إلى أن "ما يحدث هناك مروع وفظيع".
من جانب آخر، قالت منظمة الصحة العالمية (WHO) يوم الجمعة إن الهجمات على قطاع الرعاية الصحية في السودان أصبحت "أكثر فتكاً وانتشاراً"، مما يعطل بشدة الوصول إلى الخدمات المنقذة للحياة ويعرض العاملين الصحيين والأنشطة الإنسانية لمخاطر متزايدة. وأضاف شِبِل صهباني، ممثل منظمة الصحة العالمية ورئيس بعثتها في السودان، أن الأعداد المتزايدة من الضحايا تقوّض الوصول إلى الرعاية في وقت "يكون فيه ذلك أكثر حاجة"، مشيراً إلى أن العاملين الصحيين يواصلون تقديم الخدمات "بشجاعة وتفانٍ استثنائيين" رغم الظروف القاسية.
وشدد على أنهم بحاجة إلى الحماية، "وليس القصف أو الاحتجاز". وقع آخر حادث في 14 ديسمبر، عندما أدى هجوم على مستشفى في دلنج، وهو مركز إداري وصحي رئيسي في ولاية جنوب كردفان، إلى مقتل تسعة من العاملين الصحيين وإصابة 17 آخرين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم استهداف روضة للأطفال ومستشفى كالوجي الريفي في جنوب كردفان، مما أسفر عن مقتل 114 شخصاً، من بينهم ما لا يقل عن 60 طفلاً، وإصابة 35 آخرين. وكان الطاقم الصحي يعالج الضحايا عندما تم استهداف المستشفى، وتم نقل المصابين إلى مستشفى أبو جبيهة وسط استمرار إطلاق النار.
وفي دارفور، أكدت المنظمة أن العنف لا يزال يعطل الخدمات الصحية. ففي نيالا، جنوب دارفور، تم الإبلاغ عن احتجاز ما لا يقل عن 70 عاملاً صحياً إلى جانب حوالي 5,000 مدني خلال الأشهر الأخيرة. وجاء ذلك بعد عدة هجمات على المنشآت الصحية في الفاشر في أكتوبر 2025، بما في ذلك ضربات استهدفت مستشفى توليد، أدت إلى مقتل أكثر من 460 مريضاً وأفراد أسرهم ومدنيين آخرين، بالإضافة إلى اختطاف ستة من العاملين الصحيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ودعت منظمة الصحة العالمية إلى وقف فوري للهجمات على المدنيين والعاملين الصحيين والمرافق الصحية، وحثت جميع الأطراف على ضمان وصول إنساني آمن وسريع وغير معرقل وفق القانون الإنساني الدولي، مؤكدة أن السلام أصبح "متأخراً طويلاً" لشعب السودان.
ومنذ اندلاع الصراع في أبريل 2023، قامت منظمة الصحة العالمية بالتحقق من 201 هجوماً على الرعاية الصحية في السودان، أسفرت عن مقتل 1,858 شخصاً وإصابة 490 آخرين.
وفي عام 2025 وحده، تم تسجيل 65 هجوماً، تسببت في مقتل أكثر من 1,620 شخصاً وإصابة 276 آخرين. وذكرت المنظمة في بيان أن هذه الوفيات تمثل أكثر من 80٪ من جميع حالات الوفاة الناتجة عن الهجمات على الرعاية الصحية التي تم التحقق منها في الأزمات الإنسانية المعقدة حول العالم هذا العام. ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حرباً بين الجيش والدعم السريع، أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص، وانتشار المجاعة على نطاق واسع.



