انسحاب دبلوماسي بامتياز

Tuesday 3rd of February 2015 09:01:00 PM ,
العدد : 3279
الصفحة : الأعمدة , رعد العراقي

عند سحب تنظيم خليجي 21 من البصرة الى المنامة عام 2013 اتجهت كل الاصوات في حينها نحو تأويل الاسباب ورميها في خانة التآمر والنية المبيتة من قبل الاتحادات الخليجية في عدم منح فرصة اقامة الدورة في العراق وكانت أشد التصريحات تخرج من وزارة الشباب والرياضة في حينها حينما أكد الوزير السابق على ان كل المنشآت الرياضية في البصرة ستكون جاهزة لتضييف الحدث قبل موعد انطلاقه بأشهر عدة مع التأكيد ان الرهان ستكسبه الوزارة عندما تفتح الملعب الرئيس في المدينة الرياضية قبل ان تنطلق الدورة في البحرين مع اطلاق اشارات بنيّة العراق الانسحاب رداً على قرار حرمان البصرة شرف التنظيم.
إلا ان تلك الضجة مرّت بهدوء حينما انطلقت الدورة في البحرين وشارك العراق فيها والملعب الرئيس في البصرة لم يكتمل بناؤه! وتناسى المعترضون والمشككون تصريحاتهم النارية من دون ان يثار تساؤل يوجّه اليهم عن اسباب عدم وفائهم بالوعود واين ذهبت تبريراتهم التي رمت بالكرة في ملعب الاتحادات الخليجية لتخلي مسؤوليتها من التقصير في اكمال المنشآت الرياضية وما يتطلبه تضييف دورة على مستوى الخليج.
وبعد نحو سنتين استمر السيناريو الغريب عندما وجدت لجان التفتيش الخليجية ان المنشآت الرياضية في البصرة لازالت غير جاهزة لتضييف خليجي 22 مما يتطلب نقل التنظيم الى المملكة العربية السعودية وتكررت حالة التذمّر وخرجت التصريحات الثائرة واتهمت اللجنة بانها تتقصد في حرمان البصرة من تضييف الدورة وان المنشآت الرياضية في البصرة جاهزة ومكتملة وهددت الوزارة بانسحاب العراق من الدورة ايضا مع التأكيد على ان الملعب سيتم افتتاحه لدحض كل التبريرات ، وسيشهد حفل الافتتاح حضور أحد المنتخبات أو الاندية العالمية .
وبالفعل افتتح الملعب الرئيس في المدينة الرياضية قبل انطلاق خليجي الرياض، لكن الأمر تمّ على عجالة مفبركة تبخرت معها وعود ان تحضر منتخبات أو اندية عالمية واقتصرت على مباراتين لناديين عربيين جاءا بالصف الثاني للاعبيهما.. وفرض الاتحاد الدولي على إثرها غرامة مالية على الاتحاد العراقي والناديين اللذين اسهما في افتتاح الملعب تحملتها وزارة الشباب والرياضة.. لتغلق بعدها ابواب الملعب ويرقد في سبات عميق!
سؤال طُرح في حينه ولم نجد أي جواب يمكن ان يبرر الاصرار على افتتاح الملعب والادعاء بقدرة العراق على تضييف الدورة برغم إن الجميع على قناعة بأن الجاهزية لا تعني وجود ملعب واحد وانما منشآت متكاملة وفنادق تستوعب الجماهير ومرافق اخرى وتحضيرات أمنية على الارض ومدينة ترتدي ثوب العروس من وسائل مواصلات واماكن ترفيه وساحات واسواق تكون واجهة حضارية ترسل رسائل سلام ورقي الى دول المنطقة !
كل ما ذكرناه لم يكن حاضراً على ارض الواقع واستخدمت الضجة في حينها كغطاء على فشل انجاز المدينة الرياضية وتلكؤ وعشوائية التحضير للمتطلبات الرئيسة الأخرى، ويشارك العراق في خليجي 22 ويختفي من جديد كل المقصرين في اهتزاز موقف العراق من مسألة جاهزيته من تنظيم الاحداث الرياضية!
لقد كان بيان وزارة الشباب والرياضية في سحب تضييف البصرة لخليجي 23 على مستوى عالٍ من المسؤولية المهنية والجريئة ودرسٍ واقعي في انتهاج طريق المصارحة والدبلوماسية لحفظ هيبة ومكانة العراق دون اللجوء الى اساليب الاثارة الاعلامية والابتعاد عن حقيقة الامكانات من اجل التنصّل عن الفشل في الادارة وانجاز الاعمال الموكلة اليهم ورميها على الآخرين .
ربما أن قرار الانسحاب سبّب ألماً عند الجماهير الكروية ، لكنه في ذات الوقت أزاح الكثير من الضبابية والغموض عن حقيقة ما يجري ، ووجّه ضربة استباقية لكل من صرح سراً او علناً برغبته في ان تكون الكويت هي صاحبة الضيافة للبطولة القادمة وإن التخلي بإرادتنا عن حق التضييف جاء عن ادراك عالٍ وحرص من اجل ان تحظى البصرة بزمن اطول تتزين بأجمل حُلة وتكون في أوج تألقها وملاعبها محررة من قيود الحظر الدولي لتكتب على ارضها بحروف من ذهب قدرتها على تنظيم اروع دورة على الاطلاق بالقول والفعل.