قادسية چلوب

Wednesday 24th of October 2012 04:47:00 PM ,
العدد : 2632
الصفحة : الأعمدة , هاشم العقابي

هاتفني صباح أمسن أحد أقاربي بالعراق يخبرني أنه رزق بمولود ذكر وطلب مني أن أختار له اسما. تمنى علي أن يكون الاسم نادرا أو على الأقل يبدأ بحرف نادر. ليش؟ لأني يا ابن عمي قرأت كتابا يقول إن الحرف الأول من الاسم يؤثر على مستقبل صاحبه. وكلما كان الاسم أو الحرف الذي يبدأ به الاسم شديد الندرة، يكون حامله ذا حظ عظيم. سمّه "چلوب". صمت قليلا ثم عاتبني: ليش تضحك عليه، بربك هوه هذا اسم. أقسمت له باني لا أضحك عليه بل إني أحب هذا الاسم جدا. قال لي خلف الله عليك وودعني.
حقا إني أحب اسم "چلوب". فكل من عاشرتهم بهذا الاسم لا يمكن أن أنساهم رغم أني لا اعرف معنى الاسم بالضبط. فإن كان البعض يظن انه مأخوذ من الكلب، فلا اعتقد ذلك. فالشائع أن اتخاذ الكلب اسما غالبا ما يكون بالتصغير. "كليب"، بالفصحى  و " چليب" بالشعبي. وقد يصغرونه أكثر فيدعونه "جريو".
أغرب ما بالأمر أن من عرفتهم بهذا الاسم، وهم قلائل، كلهم شيوعيون. كان "چلوب" هو مسؤول عمي، وجد أولادي، الشيوعي وصديقه الروحي. وعندما توفي عمي في العام 1963، ظل "چلوب" وفيا لعائلته يقتسم معها راتبه لزمن طويل. كان صديقا لنا، نحن الأطفال بتلك الأيام، يحبنا ونحبه أكثر من أبينا. لا احد يذكر اسمه اليوم فينا، صغارا أو كبارا، إلا وخنقته العبرة والحسرة.
وهناك "چلوب" آخر لم ألتق به بل أحببته بفعل ما اسمعه عنه من مواقف. كان معلما في إحدى المدارس الابتدائية في السبعينات بمدينة الثورة. وفي المدرسة ذاتها كان معه الشاعر شاكر السماوي وصديق عزيز عليّ يعمل معاونا فيها اسمه محمد لطيف الذي غادر العراق مع هجرة المثقفين في العام 1979. كلما التقينا بشاكر يحكي لنا عن "چلوب" و "حسچته" القوية. من بين ما نقله عنه محمد لطيف أن المشرف التربوي (المفتش) قد زار مدرستهم. وبعد نهاية الزيارة كتب تقييما خاصا بكل معلم، لكنه أعطى أضعف درجة تقيمية للأستاذ "چلوب". سأل المشرف: ليش أستاذ؟ لأنك الوحيد لم تكتب شعارات "زيادة الإنتاجية" للسيد النائب على حائط صفك الذي أنت مرشده. ها؟ يا أستاذ هي شراح تكلفك غبر فرچة وصبغ؟ مو تدلل، إذا هيّه عالصبغ بيك خير وخذ صبغ من باجر يا حضرة المفتش.
وفي أيام دراستي الجامعية المسائية تعرفت على طالب فيها اسمه "چلوب" وهو معلم وشيوعي أيضا. أذكر أن زارني في الكلية فجأة جمع من شعراء البصرة الشعبيين، جاءوا لبغداد برفقة فرقة بصرية لعرض اوبريت مسرحي. كنت في اشد الحرج، إذ لم أكن متهيئا ماديا لضيافتهم. وأنا في طريقي لباب الجامعة سمعت صوت "چلوب" يناديني . اقترب مني وقال لي أكيد أن وضعك محرج، ودس بجيبي خمسة دنانير. كم أنت رائع يا صديقي الذي قرأت حالي من دون أن أخبرك بها. فأين أنت الآن يا ترى؟
بشكل عام كانت، "الحسچة" وسرعة البديهة أهم ما يميزان كل "چلوب" عرفته. أما من الذين لم أعرفهم فهناك "چلوب" آخر ذاع صيته بين أهالي الثورة في أيام الحرب مع إيران. لقد قتل له بالحرب واحد من أبنائه. ثم تبعه الثاني والثالث والرابع. حزن الرجل في فاتحة آخر أولاده وتساءل مذهولا: بالله بربكم هيّه هاي قادسية صدام لو قادسية چلوب؟!