اصلاح مستحيل واصلاح ممكن

Monday 10th of August 2015 09:01:00 PM ,
العدد : 3427
الصفحة : الأعمدة , سرمد الطائي


ليس رئيس الوزراء حيدر العبادي ولا الفريق المعتدل الداعم له، ولا المرجعية الدينية، في ظرف يسمح لهم ان يتعهدوا بتغيير جذري وسريع في الواقع السياسي والاداري للبلاد. لكن في وسعهم ان يبدأوا عملية تخفيف لحجم الكارثة، مدعومين بتاييد شعبي مقبول، وتناقضات اقليمية مقلقة تستدعي التحرك العاجل
والجميع يسألون هذه اللحظة: ماذا تختلف وعود العبادي في اب ٢٠١٥ عن وعوده في ايلول ٢٠١٠؟
المفروض ان الفرق هو ان العبادي والحكيم والصدر ومرجعية النجف، ومعهم اطراف اخرى، شعروا بوضوح بان استمرار الجمود السياسي وتأخر التغيير المطلوب، سيشعل مزيدا من الغضب، وان اطرافا كثيرة ستحاول ركوب موجة الغضب الشعبي، وربما يصل الامر الى تخريب "خرائب الدولة" وضياع كل ما تبقى. وحتى العبارات القاسية جدا والتي يستخدمها بعض المتظاهرين في تهديد الساسة، بنحو نعترض على اسلوبه، ربما يكون ذا دور ايجابي في الضغط على الطبقة السياسية لفعل شيء جاد
ان اكثر من طرف يريد القيام بالتغيير. الجمهور، وبعض فصائل الحشد الشعبي، والاحزاب المشاركة في الحكومة نفسها. والصدام الذي حصل في الرغبات والتصورات، لم يجر حسمه بعد. والورقة التي اعدها العبادي ورغم كل الملاحظات عليها، بدأت تشكل محور اتفاق اولي بين النجف والصدر والحكيم. وقد حظيت بدعم من الجمهور المتظاهر. لكن تطبيقها كما وردت في البنود المكتوبة، سيعني تغييرا للكثير من قواعد اللعبة السياسية، واصطداما بكثير من توازنات القوى. واعتقد ان علينا من الان ان نعيد القراءة لنفرز ما يمكن تطبيقه من الوعود، وما سيكون صعبا تطبيقه. لكي نفهم كيف نطور مطالباتنا، وكيف نطرح اشياء قابلة للتطبيق
ومن هذا الفرز الاولي استطيع ان اقول لكم، ان كل جهة تدعي انها ستطبق مبدأ "من اين لك هذا" وتحاسب بجدية، سيكون كلامها نوعا من الخداع الصريح. لا احد سيطبق هذا المبدأ، لانه سيشعل خمسة حروب داخلية مدمرة. لكن الممكن هو اتخاذ اجراءات جديدة تقلص فرص الفساد والهدر في المشاريع المستقبلية، وتجارب العالم في هذا الاطار، ماثلة امامنا من ايطاليا الى جنوب شرق اسيا. ومن جهة اخرى لن يمكن ان نقضي على المحاصصة، لان التوازن في التمثيل سيبقى ضمانة سياسية، لكن من الممكن ان نضع معايير اعلى تمنع اختيار وزراء لا خبرة مشهودة لديهم. وهذا ايضا شرط صعب يمكن ان يطيح بنصف الوزراء الحاليين. وقل مثل هذا عن بقية المطالب
ان الامر برمته يتطلب منا ان نتخلص من فكرة سيئة. اذ يعتقد البعض ان احزاب السلطة شريرة، وحين نقوم "بسحلها" سيبقى الطيبون فقط في البلاد ويشكلون حكومة اشراف نجباء. لكن علينا الانتباه الى ان قواعد اللعبة الحالية من شانها خلق حكومة شريرة وفاسدة وعاجزة، من الان حتى مائة عام اخرى. وكل طيب يصبح رئيسا في بلد بلا قواعد منضبطة، سيصبح شريرا بنحو تلقائي. والحل لا يكمن في سحل الساسة ولا في تدمير المنطقة الخضراء. بل في تحديث قواعد السياسة والادارة والاقتصاد. وهذا التحديث لا يكون الا باشراك التجارب المتقدمة في تطوير قواعد العمل لدينا، وهو امر ذكرته بتفصيل ممل في مقالي السابق، ولن أشعر بالملل من تكراره
ان ادراك الممكن والمستحيل من الاصلاحات، ليس تنازلا، بل هو امساك بخطة قابلة للتنفيذ، وسط انهيارات رهيبة تحيط بنا
والحكاية لن تنتهي، ففي الخطوة التالية سيكون علينا الانتباه الى ان المطالب الاصلاحية المطروحة اليوم، لم تتضمن الجانب السياسي الذي بقي عالقا، وهو اساس الاحتقان الطائفي وسبب رئيس لظهور داعش وانهيارنا الامني. وهذا مجال لا يقل خطورة عن شؤون الادارة العامة والفساد.