غضب الشعب والاحزاب

Saturday 15th of August 2015 09:01:00 PM ,
العدد : 3431
الصفحة : الأعمدة , سرمد الطائي


استمتع هذه الايام بالتجوال في تويتر. الفرق بينه وبين فيسبوك يكمن في خاصية البحث. اذا وضعت كلمة عراق في بحث فيسبوك فستظهر لك نتائج عشوائية غير منظمة ولن تستفيد منها، لكن بمجرد ان تبحث عن كلمة عراق في تويتر، يقوم التطبيق بعرض النتائج مرتبة حسب تاريخ النشر. مرتب ودقيق مثل يوتيوب. ولذلك يكون في وسعك داخل تويتر، ان تفهم كل ما يتعلق بالعراق حسب الدقائق والساعات. اما اذا وضعت كلمة عراق بالانكليزي، فانك ستنتقل من فوضى المشتركين العرب، الى العقول الصافية والمنظمة التي تعطيك احسن روابط الاخبار، وبسلاسة لا تجارى
حين تنظر الى الحياة من نافذة تويتر ومتصفحيه الذين يستخدمون الانكليزية، ستشعر كانك خارج من سوق شعبي مليء بالصراخ، الى مكتبة متخصصة هادئة جدا، ملحقة ببورصة ناسداك او لندن. في المكتبة الهادئة، حتى الشر والخطر يبدو أليفا ورائقا ويمكن التفاهم معه، لان قواعد الشر والخير منظمة وواضحة الى حد بعيد، رغم كل قمار البورصة ومضارباتها. اما في السوق الشعبي حيث الصخب والفوضى والوحل ملتصق بكل شيء، فان الخير نفسه فوضوي خشن لا يطاق، وحتى الذين يريدون مساعدتك، سيقومون بايذائك لان القواعد مقلوبة ولا يثبت حجر على حجر
وفي اخر جولاتي داخل تويتر، رأيت عنوانا غريبا نقلته مجلة فوربس الامريكية الشهيرة، عن نشرة "ريسك ماب" التي تتولى تقديم استشارات وتقديرات لرجال الاعمال والمستثمرين، فيما يتعلق ببلدان العالم حيث ينتعش البزنس! عنوان نشرتنا التخصصية يقول: اصلاحات في العراق، وحكومات جديدة في كندا والارجنتين! فورا قلت لنفسي: معقولة؟ العراق مع كندا والارجنتين في مقال واحد؟
وعلى العموم، شعرت بالامتنان لاهل فوربس واهل ال"ريسك ماب" لانهم ابدوا احتراما لنا، اكثر من الاحترام الذي نكنه لانفسنا احيانا. وبدون ان انشغل بتفاصيل ما يجري في كندا والارجنتين، هرعت الى القسم المتعلق بالعراق. وببرودة اعصاب، يكتب صاحب التحليل: "رغم ان الحرب على داعش تهيمن على الاخبار، الا ان مناطق عديدة في العراق صالحة للاعمال والاستثمارات، وحجم المخاطر هناك يمكن التعايش معه من قبل رؤوس الاموال. لكن الاضطراب السياسي الاخير يستحق المتابعة!"
وبماذا تنصح المستثمرين يا كاتب خارطة المخاطر؟ صاحبنا يختصر الامر في نقطتين: الاولى ان العبادي التزم امام الشعب بحزمة اصلاحات. وحصل على تفويض كامل ومتفق عليه من البرلمان. واي تماهل في تطبيق هذه الوعود ستكون له عواقب وخيمة على استقرار البلاد، لان الشعب غاضب جدا! لكن التقرير ينبه الى ان العبادي قد لا يتمكن من تحقيق اصلاحات كبيرة، ولذلك سينصت لاستشارات تنصحه بالقيام بخطوات صغيرة لا تثير غضبا خطيرا، وهي في نفس الوقت تصلح ان تكون نوعا من "ارضاء الشعب". من قبيل خفض رواتب المسؤولين وامتيازاتهم المالية، وطرد المزيد من الشخصيات غير المرغوبة شعبيا، "وعلى رأسهم نوري المالكي الذي خسر منصبه مرتين خلال اقل من سنة"
اما في النقطة الثانية فهو ينصح المستثمرين بمراقبة عامل اخر. فاذا شعرت الاحزاب الرئيسية بان هناك اصلاحات ستقلص نفوذها او تستهدف مصالحها بشدة، "فقد نرى رد فعل جاد وخطير"!
وبناء على هذا التحليل فان على العبادي ان يصنع توازنا دقيقا بين غضب الجمهور وغضب الاحزاب! اما ما ينقص هذا النوع من المعالجة، فهو عدم الاهتمام بما يجري داخل "البيت الشيعي" من ترتيبات جديدة، وتصادم مراكز قوى، وتصورات، وحركة داخل الامتداد الايراني للطائفة. فهذا جانب لم يحظ باهتمام ما اطلعنا عليه من معالجات عربية او غربية حتى الان. لان الاحداث متسارعة جدا في هذا الجزء من العالم. لا المؤرخ يجد الوقت لتسجيل كل شيء، ولا المحلل يجد الوقت لفهم كل شيء!