الثورة والتمرد السياسي في مسرح كاتب ياسين

Tuesday 26th of January 2016 12:01:00 AM ,
العدد : 3557
الصفحة : مسرح ,

يُعد كاتب ياسين من أكثر كتّاب الجزائر عمقاً وأصالة ، ويعد أدبه أدباً قوياً ناضجاً عبرّ عن مأساة الشعب الجزائري بعودتهِ إلى الماضي واختياره طريق الرفض والثورة ضد الجيوش المحتلة التي تسلب الأراضي بالسياط وتقتل كل شيء حتى اللغة الأم .ولياسين أسلوب تميزّ

يُعد كاتب ياسين من أكثر كتّاب الجزائر عمقاً وأصالة ، ويعد أدبه أدباً قوياً ناضجاً عبرّ عن مأساة الشعب الجزائري بعودتهِ إلى الماضي واختياره طريق الرفض والثورة ضد الجيوش المحتلة التي تسلب الأراضي بالسياط وتقتل كل شيء حتى اللغة الأم .
ولياسين أسلوب تميزّ به ، فهو لم يكن يمر على الأشياء مروراً سريعاً بل كان يغوص في أعماقها ويعود إلى ماضيها وجذورها ، الأمر الذي جعل الكاتب والناقد الفرنسي ادور غليسان يقول عنه :" أسلوب يتجاوز الرتابة الباهتة لواقعية الكلمة التي لا تريد أن تهمل ولا تهمل شيئا من التفاصيل ، فتجرّد الواقع من قوته الحقيقة . وهذا الأسلوب هو أسلوب مسرحيات كاتب ياسين .. ولعل خير اسم نطلقه عليه هو الواقعية الشعرية. ولعل هذه المائزة لا ينفرد بها ياسين وحده بل هي خاصية يشترك فيها بعض من الكتاب الجزائريين المعاصرين ، وما هذه المائزة إلا نتيجة رفضهم لما كان يحدث في وطنهم من قتل وسفك وسلب لكل شيء .
إن حب الحرية والتمسك بالأرض والوحدة والنضال هي من مزايا اشتغال ياسين ، وكتاباته تنشد البقاء ومقاومة الغزاة ، ومسرحياته بحق مرآة عكست لجميع الشعوب ما عانته الجزائر وما قدمته من تضحيات حتى تبقى متمسكة بجذورها من دون الرضوخ للفرنسيين الذين حاولوا أن يصبغوها بصبغتهم تحت البارود والسياط . وياسين كما يصفه الكيلاني من " أدباء الجزائر وأبناء أرضها التي أنبتتهم . فهو من شهود حياتها ومآسيها . بل هو من الأدباء الذين كانوا مرآة أمينة تعكس عليها الحياة الجزائرية في سموها وانحطاطها وجمالها وقبحها."
ومن جملة كتابات ياسين المسرحية التي كتب أغلبها باللغة الفرنسية ، مسرحية  ( الجثة المطوقة ) ومسرحية ( الأجداد يزدادون ضراوة ) ، ومسرحية ( الذكاء ) وهي ثلاثية تسمى بـ ( دائرة الانتقام ) التي طوّر فيها ياسين وظيفة الشعر من الغنائية الصرفة والغموض إلى حوار يسمو بالأشخاص ويملأ كلامهم إحساساً متفجراً بالحياة . وعلى الرغم من أن الواقعية الشعرية كانت من الميزات المهمة التي تميزّت بها مسرحيات ياسين إلا أن بعض مسرحياته لم تخلُ من السخرية والهجاء والنقد وإظهار العيوب والكشف عنها بغض النظر عن مصدرها . ففي مسرحيته ( مسحوق الذكاء ) ،وهي ملهاة ساخرة، نجدها تحمل انتقادات سياسية واجتماعية من معاناة الجزائر والجزائريين في ذلك  الوقت . وهذه الانتقادات هي امتداد لسخريته في مسرحيتي ( الجثة المطوقة ) و ( الأجداد يزدادون ضراوة ) . وسخريته في تلك المسرحيات كانت الانتقادات هدفها الأساس فضح كل ما يعده الآخرون ثابتاً خالياً من الأخطاء والعيوب ، وقد اختار ياسين هذا الأسلوب الساخر في مرحلة معينة من مراحل نضال الشعب الجزائري " لأنهُ أسلوب يسمح بكشف وفضح ما يعتبر من الثوابت"  .
لم يقتصر ياسين في مسرحياته على كشف الواقع السياسي المتدهور فحسب ، بل اختط لنفسه خطاً يقوم على كشف عيوب الأفراد ، كما أكد على أن الواقع الاجتماعي والسياسي المتدهور والمنخور من داخله هو السبب الأساس في جعل افراد المجتمع يعانون من مختلف أنواع العيوب .
والفاصل الهجائي عند ياسين هو لوحة أو مقطع يدخل في علاقة تسلسل مع غيره من المقاطع كما في القصص والنوادر . وكثيرة هي اللوحات الساخرة التي قدمها  ياسين ، منها :" هذا البلد هو مستشفى كبير ، حيث نرى فيه ( سحابة دخان ) مريضاً وموشكا على الموت ، لكن عندما يأمر السلطان المفتي بعلاجه يؤكد أن بهِ مساً من الشيطان ، لكن سحابة الدخان يصحو ويقول للسلطان بهجاء انه عندما رأى الإخوان في القصر قد تحولوا إلى طاردي أرواح وان البلد برمتهِ تحول إلى مستشفى كبير.