أضواء وآلة تصوير وثورة..مولد السينما الليبية بعد سقوط القذافي

Tuesday 30th of October 2012 11:00:00 PM ,
العدد : 2634
الصفحة : تقارير عالمية ,

بعد ان تخلص سكان بنغازي من الميليشيات الإسلامية والذين كانوا فيها حدث في اليوم نفسه أمر مهم، على مسافة 400 ميل، في مدينة طرابلس.
ففي مبنى السفارة الفرنسية سابقاً، في الجزء القديم من المدينة، اجتمع حوالي 70 شخصاً لحضور اول عرض عام لأفلام ليبية الصنع بعد الثورة كانت هناك ستة افلام وثائقية قصيرة، طول الواحد منها حوالي 5 دقائق، وفي الفيلم الاخير، أعلام جدتي، نتعرف على احوال النساء قبل اعادة العلم الوطني القديم، اذ كان عليهن الاسراع بإعداد الخبر قبل انقطاع الكهرباء، وكيف انها بقيت تخيط نسخا من العلم، ويعبر الفيلم عن فرحة النسوة بسقوط القذافي، اذ كان يضايقهن.
وبدأت في ليبيا انماط جديدة من التعبير عن الحريات التي بدأ المواطنون في تجربتها والاحساس بها، كما هو الحال في بلدان عربية اخرى بعد الربيع العربي، ولكن موضوع (السينما) كان حديث الناس في الاسابيع الاخيرة، ويعود السبب بشكل خاص الى فيلم بالذات اثار مشاعر المسلمين، انتج بشكل خاص ليثير مشاعرهم، لانه يتناول بشكل سيئ حياة النبي محمد، وهبت بنغازي ثاني كبرى المدن الليبية، وتوجهت الجموع لحرق السفارة الاميركية.
وفي ليبيا اليوم فراغ ثقافي كالفراغ السياسي، وتقول نزيهة اريبي، مخرجة، (اعلام جدتي) لم يكن يريد لأحد ما ان يكون اكثر شهرة منه، حتى ان لاعبي كرة القدم، كانت اسماؤهم لا تكتب على قمصانهم، بل مجرد ارقام تدل عليهم، لانه لم يكن يريد شهرة تلك الاسماء وعريبي نصف انكليزية، نصف عربية، وقد نشأت في هاستينغز، ودرست في الاكاديمية الملكية للفن وعملت فترة قصيرة في حلقة للافلام قبل مجيئها الى ليبيا للمرة الاولى في ايلول من العام الماضي، وجدّتها هي التي في الفلم، وتقول: (لقد شاهدنا وجهة النظر العامة للثورة، ولكننا لم نسمع الكثير عن الاكبر سناً، او الناس العاديين، وقد رأيت ان من المهم ان اظهر، ان التغيير لم يكن يشمل اولئك الشبان الذين خرجوا للقتال- بل ان كل واحد من المواطنين كانت له قضية ما، وعلى مختلف المستويات.
وفيلم نزيهة اريبي وخمسة افلام اخرى عرضت في طرابلس، هي بريطانيا جزئياً، فهي جزء من مشروع بادر به المركز الثقافي البريطاني، مع المعهد الاسكتلندي الوثائقي في إدنبره، من اجل انشاء وتطوير صناعة الفيلم والفنون الاخرى في العالم، وقد اقيم بناء على ذلك ورشة عمل في طرابلس في الصيف الماضي، وكانت النتيجة إنتاج ثلاثة أفلام ومنها نزيهة، وقد حدث الشيء نفسه بعد ذلك في بنغازي، مع ان الاوضاع الامنية منعت البريطانيين من مغادرة طرابلس، وكان على العاملين في الأفلام التي اكتملت في بنغازي الذهاب والإياب بين المدينتين.
ومن الجدير بالذكر ان كافة الافلام التي انتجت ركزّت على الناس العاديين: بائع متجول، صياد، حارس متحف وطالبة طب تتعلم قيادة السيارة.
ومعظم الفريق الذي شارك في صنع هذه الافلام طلاب أو مصورون. ويقول نوي مينديل، (لقد جلبنا احدث الاجهزة، ولكننا وجدنا مثلها لديهم).
ان ما يفتقدونه هو لغة السينما، لقد عمل القسم الاكبر منهم في افلام للتلفزيون او تقارير ما، ولكنهم لم يتدربوا على التعامل مع شخصية ما.. او كيفية استخدام الصوت.
وعن السينما في ليبيا عن مرحلة حكم القذافي، يتحدث الناقد رمضان سالم قائلاً: ان ما صنع في ليبيا هو ستة افلام سينمائية طويلة و100 فيلم وثائقي، ولكن عددا محدودا من الناس قد شاهدوها، ولا يدري احد اين هي اليوم.
وهناك دار سينما واحدة في طرابلس، تعرض غالباً افلاما مصرية وافلاما تجارية صنعت في دبي.
ولكن اقراص الـCD لافلام هوليوود المهربة موجودة بكثرة ومنتشرة على نطاق واسع وبأسعار رخيصة.
وكان القذافي قد دعم مالياً فيلمين يعرفهما كل ليبي، وهما من بطولة انطوني كوين ومن اخراج مصطفى العقاد، الاول بعنوان (الرسالة) والمعروف ايضاًُ باسم (محمد رسول الله)، وهو يتحدث عن ظهور الاسلام، ولم تظهر شخصية النبي في الفيلم، بل علامات واشارات اليه، وقد رفضت الدول العربية عرض الفيلم، خوفاً من رد فعل الجمهور ضده.
وبعد عدة اعوام، صوّر العقاد فيلم، (أسد الصحراء) عن حياة البطل الليبي عمر المختار، الذي قاتل ضد المحتلين الايطاليين في الاربعينيات من القرن الماضي، وكان انطوني كوين ايضاً، بطله، مع اوليفر ريد، جون غيلغود ورد شتايغر بدور موسيلليني، ومثل (الرسالة) لم يحقق الفيلم نجاحاً تجارياً، ولكن الفيلمين عرضا بانتظام على التلفزيون الليبي منذ انتاجهما.
هل ان تأسيس صناعة السينما امر مهم في بلد بدأ التعامل حديثاً مع الديمقراطية ومع وجود احتياجات اخرى مهمة؟
ويقول محمد مخلوف، سينمائي ليبي، كان منشقاً: إن الثقافة المرئية هي التي حرضت على الثورة، وللفيلم اهمية خاصة، والدول العربية لها رقابة صارمة، كما في القاهرة.
ومخلوف (50 سنة)، قرر الاقامة في بنغازي نهائياً، ولديه خطط كبيرة ومنها اقامة مهرجان كبير ويقول: (هناك ثلاث ممنوعات في السينما العربية)، الدين، الجنس والسياسة، ومازال الوقت مبكراً على الجنس، وموضوع الدين حساس جداً، وبقيت السياسة امامنا، وعلينا تناول موضوعات مثل البطالة والتغيير والثورة ومشاكل الشباب.
وهناك ايضاً عدد من المهاجرين الليبيين ينوون العودة الى بلادهم، والعمل في مجال السينما والفنون الاخرى، بعد ان اصبحت الظروف مؤاتية.