إصلاح الدولة العراقية | (3) |

Sunday 13th of August 2017 12:01:00 AM ,
العدد : 3994
الصفحة : آراء وأفكار ,

ضرورة تأسيس وزارة الطاقة والمجلس الاتحادي للطاقةتحدثنا في الحلقة السابقة عن أهم التحديات التي واجهها العراق وما زال يعاني من أزماتها، وأبرزها الترهل الاداري والمؤسساتي الذي خلق بيئة حاضنة للفساد وسوء الحوكمة في إدارة القطاع العام. لقد تجلّت هذه الحال

ضرورة تأسيس وزارة الطاقة والمجلس الاتحادي للطاقة
تحدثنا في الحلقة السابقة عن أهم التحديات التي واجهها العراق وما زال يعاني من أزماتها، وأبرزها الترهل الاداري والمؤسساتي الذي خلق بيئة حاضنة للفساد وسوء الحوكمة في إدارة القطاع العام. لقد تجلّت هذه الحالة بأقسى صورها عندما قام النظام السابق في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم بحل الشركات التشغيلية العامة بعد الغاء كياناتها المستقلة و إلحاق دوائرها بالوزارات الحكومية، الأمر الذي سبب تضاربا في المصالح بين المؤسسات التنظيمية والجهات الخاضعة للتنظيم وخلق بيئة عمل لا يُمكن السيطرة على حيثياتها الا بنظام دكتاتوري صارم لا تنفع معها الممارسة الديمقراطية التي توجه لها العراق بعد عام ٢٠٠٣.
على سبيل المثال لا الحصر فان حل شركة النفط الوطنية ودمج أقسامها بوزارة النفط عام ١٩٨٧، وكذلك تعدد المؤسسات ذات العلاقة بملف الطاقة وتوزيع كياناتها بين وزارات الكهرباء والصناعة، قد  شرذم الجهود المبذولة وضاعف البطالة المُقَنّعة وزاد من الكُلَف التشغيلية مع غياب خطة ستراتيجية موحدة للعراق. اسلوب الحوكمة هذا كان محتكراً بيد دكتاتورية حزب البعث البائد، يوم كان المُفسِدُ متفرداً بكل مقدرات الدولة، ثم ورثها عنه النظام الجديد بعد ان تقاسمت احزاب المحاصصة السياسية جميع المؤسسات وتعاملت معها كغنائم حرب، مزقت الخطط وبَدَدَت الثروات، دون مراعاة لأولويات بناء الدولة وخدمة الشعب وحفظ حقوق الاجيال.
بعد انهيار أسعار النفط والأزمة المالية التي عصفت بالاسواق العالمية عام ٢٠٠٨، كانت الجهود حثيثة للبحث عن حلول اصلاحية لملف الطاقة على المستوى الاتحادي في العراق، لعل أبرزها محاولات الامم المتحدة والبنك الدولي مستعينةً ببيوت الخبرة العالمية والادارة الاميركية.
في بداية العام ٢٠٠٩ كُنت قد دُعيت من قبل ممثل الامين العام للأمم المتحدة في العراق ستافان دي ميستورا للمشاركة في مؤتمر أقيم في بغداد بإدارة البعثة (يونامي). كان اللقاء يهدف الى مراجعة آليات إدارة مؤسسات النفط والغاز والكهرباء وتوزيع الثروات والتشريعات المتعلقة بها. تبعه مؤتمر حكومي موَسَّع دام لثلاثة ايام بحضور مشاركة فاعلة لرئيس مجلس الوزراء آنذاك وأغلب الوزراء المعنيين وخبراء عراقيين وأجانب لغرض مراجعة السياسة النفطية في العراق، كان ذلك بعد عدة أشهُر من هبوط اسعار النفط وتراجع مستويات الانتاج العراقي. لقد ركزت في توصياتي لاجتماع يونامي بالتزام النصوص الدستورية والاستعانة بالخبراء الدوليين في ترجمتها قانونياً واعتماد الاغلبية الديمقراطية كأساس وآلية في تمرير التشريعات اللازمة، وإلا، لم ولن تتقدم المفاوضات خطوة واحدة، بل سيؤدي التأخير وغياب التشريعات الى اعتماد اتفاقيات سياسية تولد ميتة بسبب العشوائية والانفعالية في اتخاذ القرارات، وكل هذه ستقود الى ازمات سياسية وأمنية واقتصادية، العراق في غنىً عنها. لكن اجتماع يونامي اصطدم بغياب التوافق السياسي (وهو عنوان مرادف للمحاصصة السياسية) الذي جعله ساسة بغداد وأربيل كأساس في كتابة مسودات لقوانين لم ولن ترى النور، ورسم معالم دولة فوضوية لا حظ لها في الازدهار. أما مؤتمر الخبراء الذي نظمته الحكومة العراقية في شهر شباط لنفس السنة، فقد اتفق المشاركون فيه على ان وزارة النفط غير قادرة لوحدها على توفير الادارة المناسبة للخروج من حالة التدهور الاداري التي كانت تعاني منها. مشاركتي حينها كانت مقتضبة، وهو إعادة دمج وزارات النفط والكهرباء والصناعة والمعادن في وزارة واحدة بعنوان وزارة الطاقة، وفصل ادارة الشركات الحكومية عن الوزارات وصياغة القوانين الاتحادية على اساس هذا التغيير الجذري في هيكلية المؤسسات الحكومية. لكن هذه المقترح لم يتناغم مع رؤى ساسة بغداد وأربيل الذين كان هدفهم زيادة عدد الوزارات ومضاعفة ملاك الدولة لغرض ارضاء شركاء العملية السياسية التي كانت تستقتل على المؤسسات التنفيذية وعدم رغبتها بتشكيل معارضة نيابية تهدف لترشيد العمل الحكومي ومراقبته، والسبب: المحاصصة السياسية، حيث وصل عدد أعضاء مجلس الوزراء بعد انتخابات عام ٢٠١٠ الى ٤٨ عضواً، نصف "معاليهم" وزراء بلا وزارة وكوادر بلا كفاءة ، وهذه كارثة ادارية وسياسية وأخلاقية، كانت وما زالت.
ما هو الحل؟
اتصل بي بعض المسؤولين في الحكومة الحالية طالبين بعض المقترحات في إصلاح قطاع الطاقة، فأجبتهم بقول شاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري: "وقائلةٍ أما لك من جديدٍ *** أقول لها القديم هو الجديدُ ". لذا، سأقترح على الادارة الحالية والقادمة ما تقدمت به للحكومات السالفة قبل ثماني سنوات:
أولاً: توحيد وزارات النفط والكهرباء والصناعة والمعادن في وزارة واحدة بعنوان وزارة الطاقة الاتحادية لتعمل على وضع ستراتيجية وطنية موحدة للطاقة بجهد هادف ومراقبة تنفيذها. كما يجب الفصل بين مِلاك وزارة الطاقة بصفتها الجهة المسؤولة عن تنظيم قطاع الطاقة ورسم السياسات العامة، من جهة، والشركات التشغيلية والمؤسسات المسؤولة عن خطوط الانتاج بصفتها كيانات خاضعة للتنظيم، من جهة أخرى.
ثانياً: تأسيس شركة الطاقة الوطنية، بعد تنظيمها بقانون، تضم في تشكيلاتها جميع الاذرع التشغيلية الحكومية، وبمجلس ادارة حِرَفي ومستقل، يكون ٥١٪ من أسهمها مملوكة للدولة وتُطرح ٤٩٪ من أسهمها في الاسواق لجذب الاستثمارات وضمان التمويل الذاتي للشركة. تكون هذه الشركة مسؤولة عن جميع خطوط الانتاج المتعلقة في قطاع الطاقة الحكومي.
ثالثاً: فك إرتباط الشركات والمؤسسات والهيئات التشغيلية عن وزارات النفط والكهرباء والصناعة وإعادة هيكلتها، ثم ربطها بشركة الطاقة الوطنية. كما يُفَضل تحويل محطات بيع منتجات النفط والغاز الحكومية إلى القطاع الخاص، مع إعادة تنظيم شركات الصناعة و المصافي والتوزيع كشركات خاصة أو عامة أو مختلطة تعمل وفق مبادئ السوق. أما هيئات توزيع الكهرباء والجباية فالافضل إناطتها إلى الحكومات المحلية من خلال تشكيل شركات (عامة أو مختلطة أو خاصة).
رابعاً: تأسيس مجلس الطاقة الاتحادي برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية الوزارات الاتحادية لـ الطاقة والمالية والتخطيط بالاضافة الى ممثل تنفيذي من كل إقليم و محافظة منتجة للنفط والغاز بما يساوي ١٥٠ الف برميل نفط مكافئ. كما يتم الحاق شركة تسويق النفط والغاز (سومو) كعضو في مجلس الطاقة الاتحادي.
خامساً: مراجعة هيكلية وملاك هيئة المستشارين في مجلس الوزراء لتكون مؤسسة نوعية بكفاءات عالمية ترقى الى صناعة القرار الستراتيجي وبعيدة عن المحاصصة السياسية. تكون رئاسة الهيئة مرتبطة بشخص رئيس مجلس الوزراء ومخولة بالتعاقد مع بيوت الخبرة العالمية لتنمية الخبرات المحلية وتطوير الخطط الحكومية.
سادساً: تشكيل لجنة قانونية وفنية محترفة بمعونة خبراء دوليين لصياغة القوانين المُعَطَلة واعتماد الدستور كأساس للصياغة القانونية بعيداً عن التوافقات السياسية ومن ثم إعتماد الاغلبية النيابية في تشريع القوانين، خصوصاً قانون النفط والغاز الاتحادي، وقانون تأسيس شركة الطاقة الوطنية وقانون توزيع الواردات الاتحادية الذي سيكون أساساَ لتشكيل هيئة توزيع الواردات الاتحادية.
ما تقدم أعلاه هو ايجاز لما نشرتُهُ سابقاً من أوراق عمل مفصلة تخص الاصلاح المؤسساتي، وسأتطرق في الحلقات اللاحقة لستراتيجيات الطاقة في العراق وسبل النهوض بسياسة وطنية مُثلى.
* أكاديمي وزميل في جامعة كولومبيا، نيويورك