عادل كاظم.. سيد الدراما

Tuesday 29th of August 2017 12:01:00 AM ,
العدد : 4008
الصفحة : مسرح ,

وأنا أنظر الى صورة الكاتب الكبير ومعلم الدراما العراقية عادل كاظم وهو على فراش المرض، تذكرت هذا الكاتب والفنان  عندما كان  اسمه ، ملء السمع والبصر، وأيام كانت فيه  تخوم دولته الإبداعية  تمتد إلى كل أطياف وألوان الفن العراقي، فهو ا

وأنا أنظر الى صورة الكاتب الكبير ومعلم الدراما العراقية عادل كاظم وهو على فراش المرض، تذكرت هذا الكاتب والفنان  عندما كان  اسمه ، ملء السمع والبصر، وأيام كانت فيه  تخوم دولته الإبداعية  تمتد إلى كل أطياف وألوان الفن العراقي، فهو الكاتب المسرحي الأول الذي أبهرت أعمال جمهور المهرجانات العربية، وهو المؤلف التلفزيوني الذي كانت اعماله مثل "الذئب وعيون المدينة" تجعل شوارع بغداد مقفرة، وهو الصحافي والممثل والشاعر وكاتب القصة القصيرة  المبتسم دوماً، كانت السياسة سبباً في عشقه للأدب والكتابة للمسرح، يساري الهوى والفعل والكلمات.


كانت المرة الأولى التي اتعرف فيها على "ابو تموز" في نهاية السبعينيات، كنت حينها في بداية مشواري الصحفي، أعمل في مجلة الثقافة للراحل العظيم صلاح خالص، يومها دخل عادل كاظم الى المجلة وهو يحمل بيده  مظروفاً كان يريد أن يسلمه للدكتور صلاح، وبما انني كنت الوحيد المتواجد في المجلة في ذلك الوقت، تسلمت المظروف دون أن أعرف من هو صاحبه ولم يبادر هو بتعريف نفسه لأنه غادر بسرعة. بعد  ذلك عرفت أن صاحب المظروف هو عادل كاظم صاحب المسرحية الشهيرة "الطوفان" ، والمسرحية التي منعت من العرض "دائرة الطباشير البغدادية"  ، وشعرت بالأسى لأنني لم اتحدث معه أو اتعرف عليه، وأنا الذي كنت أخطوا خطواتي الأولى في المسرح، بعدها بأيام وأنا اقلب ببعض الأوراق رفعت نظري لأجد عادل كاظم يبتسم، لتبدأ رحلة صداقة ومحبة، لم تنقطع يوماً إلا بسبب ظروفه الصحية  وإصراره على العزلة والصمت.
كان صاحب المتنبي ومقامات أبي الورد  ولايزال واحداً من الذين فجروا المعطيات المتحكمة في حياتنا الثقافية في الستينيات والسبعينيات. ولأنه من جيل الرواد في المسرح العراقي، أولئك الذين حلموا بتأسيس المسرح كجزء من تغيير المجتمع واعادة تشكيل الواقع ولأنه ابرز كتّاب المسرح العراقي وعاش الى جانب ابراهيم جلال ومع أهل الخشبة، التجربة الميدانية للمسرح من خلال تجربة الفرقة القومية للتمثيل التي اعطت للمؤلف وجوده المستقل والمبتكر المكمل لاختبارات المخرجين في اطلاق مسيرة المسرح الحديث والمعاصر في العراق.
لقد جاءت مسرحية "الطوفان" وهي من اولى النصوص العراقية المكتوبة باللغة الفصحى وبرؤية مسرحية بعيدة عن الثرثرة ومتاهات الأدب لتؤرخ ولادة مسرح عراقي حديث، وبعد تقديم "الطوفان" اطلق عادل كاظم لنفسه العنان لتقدم له فرقة الفن الحديث تموز يقرع الناقوس والخيط ليعود للفرقة القومية في اعماله الكبرى (المتنبي) (مقامات ابي الورد) (نديمكم هذا المساء) (الحصار) مطلقاً من خلال هذا النصوص بيانه المسرحي معلناً المعركة ضد الاستسهال والتفاهة ضد اللا مسرح معركة أرادها حداً فاصلاً بين المسرح كفن يأخذ الحياة بعين الاعتبار وبين النصوص الأدبية الجامدة التي يطلق عليها جزافاً اسم مسرح.. تم تكريس عادل كاظم عربياً في مهرجان دمشق للفنون المسرحية ثم في مهرجان قرطاج ليتوّج في القاهرة بكونه واحداً من رواد الكتابة المسرحية في الوطن العربي يتسابق على نصوصه الدرامية المخرجون الذين في المسرحيات والنصوص التلفزيونية  التي كتبها تحولاً واضحاً في اسلوب الكتابة وفي الموضوعات التي يطرحها ما لم يكن مألوفاً في كتابات الدراميين الذين سبقوه إلا فيما ندر ووجدوا فيها تشابهاً أو تقارباً مع تقنيات الكتابة للمؤلفين الاوروبيين .
عادل كاظم الذي تخرج من الدورات الأولى لأكاديمية الفنون الجميلة، فتن منذ شبابه بالعمل السياسي فهو من عائلة يسارية الهوى والمبدأ وأدركته حرفة الأدب والفن من ناحية أخرى فأجهض بذلك حلم أبيه الموظف  المستنير الذي حاول أن يقنع ابنه أن يكمل تعليمه في الحقوق ليتخرج محامياً يدافع عن البسطاء، لكن عادل كاظم الفتى القادم من البصرة كان قد اكتشف القانون الذي يوحد بين الإنسان والوطن ويحمي المجتمع من الانتهازية والغش والسرقة والطائفية والاستبداد، من خلال اعمال مسرحية وتلفزيونية حافلة بالأفكار العميقة الحية التي  قالت لنا جميعاً ما هو الصح واين يكمن الخطأ.
صاحب الابتسامة التي لا تغيب‏..‏ بدأ مشواره العملي في الكتابة منذ أن كان طالباً في اكاديمية الفنون الجميلة ، فذات يوم دخل عبقري المسرح العراقي ابراهيم جلال الى قاعة الدرس، يبحث عن طالب اسمه عادل كاظم، اعطى أحد نصوصه الى الاستاذ جعفر السعدي، فتشاء الصدف أن يقرأ النص ابراهيم جلال الذي قرر أن يقدمه  للمسرح ، فكانت البداية مع "الطوفان"، التي برزت من خلالها موهبته في الكتابة، لتختطفه بعد ذلك فرقة المسرح الفني الحديث، حيث قدم له سامي عبد الحميد "تموز يقرع الناقوس" والتي كانت اول مسرحية لفرقة المسرح الفني الحديث تعرض على مسرح بغداد ، بعدها قدمت له الفرقة من إخراج ابراهيم جلال، مسرحية "عقد حمار"، ليتم تعيينه بالفرقة القومية كاتباً متفرغاً فيقدم اروع الأعمال، الحصار، المتنبي، نديمكم هذا المساء، مقامات ابي الورد، المومياء، وليتفرغ لكتابة السيناريو التلفزيوني، وكانت الذئب والنسر وعيون المدينة، أروع وأنجح ما قدمه التلفزيون العراقي من مسلسلات تعكس وحدة إيقاع روح الفريق المتجانس‏ من الاخراج الى التمثيل، وكانت قدرة خليل شوقي وبدري حسون فريد ومقداد عبد الرضا وقاسم الملاك وفوزية عارف ومحسن العزاوي وعشرات من نجوم الدراما، لا مجال لفصلها عن الابداع التمثيلي وقدرة المؤلف على صياغة الشخصية المؤثرة وامكانات المخرج القدير – ابراهيم عبد الجليل – على استخراج اجمل ما في الممثل من قدرات ابداعية .
واضافة الى الكتابة والنكتة التي يجيدهما، كان عادل كاظم يمارس هوايته في الطبخ  مثل أي طاهٍ محترف يقدم لضيوفه عيّنات متميزة  يتذوقونها، ‏ وفي مكتبته التي ضمت مئات من كتب السياسة والتراث والتاريخ والأدب والفن، كانت هناك مساحة كبيرة  لأفلام  الفيديو جمعها من البلاد التي زارها‏، فقد كان من رأيه أن الفيلم السينمائي مثل  القصيدة  يكشف عن ابداع الكاتب، وقد استغل بعض المخرجين حب عادل كاظم للتمثيل، فعهدوا اليه ببعض الادوار الصغيرة التي تذكرنا بأدوار هتشكوك في افلامه، ففي معظم مسلسلات عادل كاظم، كان هناك دور صغير يظهر فيه  عادل كاظم الممثل الذي كان يمني النفس أن يصبح نجماً سينمائياً مثل كيرك دوغلاس الذي سحره منذ طفولته وهو يشاهده في سينمات البصرة.
عادل كاظم طريح الفراش اليوم، وهو يعاني من اهمال الحكومة مرتين،    الأولى، عندما لم تكلف وزارة الثقافة نفسها بالسؤال عن رجل الدراما الأول في العراق، والثانية بإهمال إعادة طبع اعماله المسرحية، وهو اهمال اقرب الى الاغتيال المعنوي .