الفنون البصرية والأدب..كيف شكّل الرسمُ الأدبَ الياباني الحديث

Saturday 28th of October 2017 12:01:00 AM ,
العدد : 4052
الصفحة : تشكيل وعمارة ,

كان ذلك مبكراً في رواية ناتسوم سوسيكي عام 1908 (سانشيرو) ــ إحد التجليات المهمة للتبادل بين الفنون البصرية والأدبية المكتوبة على الإطلاق ــ حيث يتطلع عالم شاب، هو نورومايا، إلى سحابة طويلة، نحيفة، بيضاء، تطوف على محورٍ قطري في السماء.فيسأل سانشيرو، "

كان ذلك مبكراً في رواية ناتسوم سوسيكي عام 1908 (سانشيرو) ــ إحد التجليات المهمة للتبادل بين الفنون البصرية والأدبية المكتوبة على الإطلاق ــ حيث يتطلع عالم شاب، هو نورومايا، إلى سحابة طويلة، نحيفة، بيضاء، تطوف على محورٍ قطري في السماء.
فيسأل سانشيرو، "هل تعرف ما هو ذاك؟"
ــ " تلك رقائق الثلج. حين تنظر إليها هنا في الأسفل، فإنها لا تتحرك في الأقل. هل قرأتَ راسكين؟ .. سيكون من الممتع رسم هذه السماء."
يقول داميان فلاماغان في مقاله هذا إن الناس حين يفكرون بأدب اليابان الحديث، فإنهم يميلون للاعتقاد بأن معظم تأثيراته أدبية، سواء كانت وطنية أو أجنبية. لكن في الحقيقة، فإن الثورات في الرسم والفنون البصرية الأخرى قد لعبت دوراً محدِّداً في تكوين جوانب متنوعة وغير مقدرة في الغالب للأدب الياباني الحديث.
فاليابان وهو يمتص تأثير الرواية الغربية، بعد خروجه من عزلة قرنين ودخوله العالم الحديث مع إصلاحات عام 1868، فإنه كان أيضاً يعيش ثورة في الفنون البصرية. وحين كتب فيوتاباتي شيمي أول رواية حديثة في اليابان، (السحابة المنساقة) عام 1888، جاء حتى العنوان متطابقاً مع إحدى الثورات في فن الرسم في القرن التاسع عشر. وكان الناقد الفني جون راسكين قد أكد في كتابه (رسامون حديثون) إن الرسامين ينبغي أن يحرروا أنفسهم من الموروث ويرسموا العالم الخارجي برؤية جديدة وهم مزوَّدون بالمعرفة العلمية والإدراك العميق. وكان يشدد على رسم السُّحب، من بين أمور أخرى.
وعندما طورت اليابان أشكالاً أدبية جديدة في الرواية، والشعر، والمسرح، لم يكن ذلك مسألة إعادة اختراع لطرق الكتابة ــ كان ثورة في الطريقة التي يرى بها الناس العالم.
فكان على الرسامين، تبعاً لنصيحة راسكين، أن يراقبوا فعلياً واقع السُّحب عن كثب وهي تظهر أمام عينيك. وسوف تزداد مشاهدتك بفهمٍ علمي حديث العهد لِما يمكنك أن ترى على الطبيعة.
لكن، بالتوصيل، يمكن للفنون الأدبية والبصرية معاً أن تستعمل هذه الرؤية والتحليل العقلاني ليس فقط للسُّحب بل لكل مظهر ضبابي من مظاهر المجتمع البشري من حولهم، نزولاً حتى الأفراد.
فنجد فيتاباتي، في "السحابة المنساقة"، يستغني عن حبكات قصة فترة الأيدو (1603 ــ 1808) الوعظية الغريبة ويركز رؤيته على تفاعلات الشخصيات الأربع فقط، خاصةً العالم الداخلي لبطله المحبَط، المغترب اجتماعياً، بَنزو، وهو كاتب مبيعات عاطل آنذاك.
وهذا وسطٌ مختلف تماماً عن أي شيء تم وصفه في الأدب الياباني من قبل. وكان الأمر يتطلب فناناً أدبياً برؤية حديثة وقوى تحليل لجعل هذا العالم الداخلي الحديث على الورق.
ومع إدخال الرسم الغربي على أيدي فنانين مثل أنطونيو فونتانيزي في سبعينيات القرن التاسع عشر وظهور فنانين أساتذة محليين في الرسم، بدأت طرق رسم جديدة في الرؤية بتحويل الأدب الياباني. ولقد التقى، عبر آسيا، الشاعر ماسيوكا شيكي (1866 ــ 1943) الرسام الغربي الأسلوب ناكامورا فوسيتسو الذي حوّل شيكي في اتجاه الواقعية وتبنّي أسلوب أدبي يُعرف بـ " التخطيط من الحياة". فسمح هذا لشيكي بجلب رؤية ناضرة جديدة لشعر الهايكو، مشجعاً على وصف مباشر للعالم من حوله بدلاً من جعل الأشكال الأدبية السابقة في قالب جديد.
وعند منعطف القرن العشرين، أصبح "التخطيط من الحياة" شكلاً أدبياً شعبياً إلى حد أن محرري مجلة Hototogisu الأدبية راحوا يشجعون عرض مقالات النثر بهذا الأسلوب المتحرر الجديد.
وما انطبق على الثورات في الرسم كان عليه أن ينطبق كذلك على الأدب: وهو ما بدا واضحاً في كثيرٍ منه. وهكذا أخذت حركات أواخر القرن التاسع عشر الأوربية مثل الرمزية تدور عوالم الأدب والرسم. وكانت هذه الصلات بين الأدب والفن البصري في اليابان أكثر إبرازاً بفعل التقاليد الإيضاحية للكتب اليابانية، حيث غالباً ما يتشابك الفن البصري والقصص الأدبية.
 عن: The Japan Times