مسرح عالمي: بيرنارد شو والفقر... في مسرحيته بيجماليون

Tuesday 14th of November 2017 12:01:00 AM ,
العدد : 4062
الصفحة : مسرح ,

إن كنت تعرف ألفريد دوليتل من تصوير ستانلي هولووَي الرائع له في"سيدتي الجميلة"، فإنك قد لا تدرك إنه مسخ نوعاً ما، كما يقول فينتان أوتول، كاتب هذا المقال الذي يصدر له هذا الشهر كتاب (محاكمة شو Judging Shaw). فدوليتل هذا، في مسرحية جورج برنارد شو الأصلية،"بيجماليون Pygmalion"، التي اقتُبست منها"سيدتي الجميلة"، يصل غاضباً جداً إلى بيت هنري هيغنز، لأن هذا، كما يفترض دوليتل، يتحكم بابنته أليزا لأغراض جنسية. وغضبه هذا ليس لدوافع أخلاقية ــ إنما فقط يريد مكسبه من وراء ذلك:"إن الفتاة تخصني. وأنت حصلتَ عليها. فأين أنا من هذا؟"، كما يقول لهيغنز. فدوليتل واحد من أكثر طبقات المجتمع ازدراءً: الفقيرة التي لا تستحق شيئاً. وليس لديه رغبة في أن تُصلح حاله. لكنه يسأل ــ ويجيب ــ أشد الأسئلة حدّةً:"ما هي أخلاقية الطبقة الوسطى؟ مجرد الاعتذار عن عدم إعطائي أي شيء أبداً."
مع هذا، فإننا، في النصف الثاني من المسرحية، نجد المسخ، الذي كان راغباً في بيع ابنته مقابل ورقة خمسة دولارات، يظهر مجدداً بقبعة حريرية وحذاء جلدي ناصع. وهو نظيف وأنيق. فهو مُقدم على الزواج. وهو الآن، كما يتذمر بمرارة، مثال لأخلاقية الطبقة الوسطى تلك نفسها. فما الذي حوَّله؟ المال. وفي انعطافة خارقة للحبكة، يكون دوليتل قد ورث الملايين وهو الآن ملزَم بأن يظهر جديراً بالاحترام كليّاً.
إن بيجماليون ليست فقط حول تحول أليزا من فتاة بائعة زهور إلى دوقة في الظاهر. بل وحول تحول أبيها من واحد سيّئ السمعة إلى صورة مصغّرة للاحتشام. وفي هذه الأخلاقية فإن الحكاية هي واحدة من أهم مناظرات بيرنارد شو: الناس ليسوا فقراء لأنهم لا أخلاقيون، وإنما هم لا أخلاقيون لأنهم فقراء. أو، وفقاً لافتراضات اليوم بشأن الفقر: المشكلة مع الفقراء ليس"ثقافتهم"أو حاجتهم للسمعة. إنما فقط كونهم لا يمتلكون مالاً كافياً.
ولقد بذل بيرنارد شو، (1856 ــ 1950)، أقصى جهده، ككاتب اشتراكي، لنفي المغالطة القائلة بأن الفقر أساساً إخفاق أخلاقي ــ وبعكس ذلك أن الأغنياء الكبار برهان على جدارة أخلاقية. وكان انشغاله الأكثر عاطفيةً مع الفقر وأسبابه. وقد سكنه هاجس أحياء دبلن الفقيرة السيئة السمعة في طفولته.
ويمكن القول إن السؤال"لماذا الفقراء فقراء؟"له عدد من الأجوبة الممكنة في القرن الحادي والعشرين، تماماً مثلما كانت الحال في أواخر القرن التاسع عشر. وقد تفحص"تقرير يوروباروميتر"في العام 2010 المواقف من الفقر في الاتحاد الأوروبي. وكان أكثر تفسير شعبيةً بين الأوربيين فيما يتعلق بلماذا يعيش الناس في فقر هو انعدام العدالة في المجتمع.
لكن كانت هناك إجابات أخرى من قبيل أن الناس يعيشون في فقر بسبب الكسل والافتقار لقوة الإرادة، أو أن الفقر جزء حتمي من التقدم، أو أن الناس يعيشون في فقر لأنهم غير محظوظين. وهي حجج كانت تتردد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وكان بيرنارد شو شخصية حاسمة في جعل الناس يفهمون أن الفقر يتعلق بالطريقة التي يُنظَّم بها المجتمع، لا بإخفاقات الفقراء أو سوء حظهم.
وفي وقتٍ كان فيه يساريون كثيرون يدَّعون احتقار المال وينظرون إلى الفقر نظرة رومانسية، كان بيرناردشو يجادل بأن الفقر جريمة وبأن المال شيء رائع. وكان يدرك أنه ليست هناك علاقة بين الفقر والافتقار المفترَض إلى أخلاقية العمل: فأليزا دوليتل تظل تعمل في الخارج في بيع زهورها حتى وقت متأخر من الليل تحت المطر المنهمر لكنها تظل فقيرة قذرة. (وبالعكس من ذلك، حين تكون"كسولة"في حفظ هيغنز، فإنها تعيش في حالة من الترف النسبي.) ولذلك فإن علاج الفقر لا يمكن أن يوجد على الإطلاق في الأحكام الأخلاقية. والحل الذي اقترحه هو ما يدعى بـ"المعاش الشامل للحياة"، أو ما ندعوه الآن بالدخل الأساسي الشامل.
ـ عن / The Guardian