إليسو التركي يؤرق الأهوار العراقية

Wednesday 10th of January 2018 12:01:00 AM ,
العدد : 4107
الصفحة : تحقيقات ,

 الحكومة المحلية تلجأ لحفر الآبار لتفادي الجفاف.. تحذيرات من كارثة بيئية واقتصادية وهجرة سكانية

 

من المحتمل أن يواجه العراق عجزاً مائياً كبيراً عند المباشرة بملء سد (إليسو) التركي، حيث ينخفض معدل إيراداته المائية من عمود نهر دجلة بمقدار (11) مليار متر مكعب، اذ تنخفض مياه نهر دجلة الداخلة إلى العراق من (20,93) مليار متر مكعب في السنة إلى (9,7 ) مليار متر مكعب، وهو ما يجعل العراق يخسر (40%) من أراضيه الصالحة للزراعة والتي تقدّر مساحتها بـ (696) ألف هكتار، كما تتزايد المخاوف على ملف الأهوار في لائحة التراث العالمي، فمن المحتمل أن ينخفض منسوب المياه في الأهوار كثيراً، إذ يُرجّح انحسار المياه عن (96%) من مناطق الأهوار حال بدء تركيا بتخزين المياه في السد مطلع شهر آذار المقبل. وفق ذلك دعت إدارة محافظة ذي قار، رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، الى التدخل العاجل لتنظيم توزيع المياه والحد من تجاوز المحافظات الأخرى على الحصة المائية للمحافظة، وفيما أكدت إن أزمة المياه تسبّبت بمأساة كبيرة للسكان المحليين نتيجة توقف مجمعات ومشاريع تصفية مياه الشرب، وحذّرت من كارثة إنسانية تهدّد الحياة في المحافظة وتنذر بأزمة بيئية واقتصادية وتجارية.

 

تهديد متواصل بالوجود
قائممقام قضاء الجبايش بديع لبنان الخيون، أعرب عن قلقه من التهديدات المستقبلية الناجمة عن سد اليسو، موضحاً في حديثه لـ(المدى): أن مناطق الاهوار تتعرض بين الحين والآخر الى مخاطر تهدد وجودها وتنذر بجفافها وتبديد ثرواتها وهجرة سكانها، ومن بين هذه المخاطر شح المياه وعدم الالتزام بتنظيم توزيعها ما يؤثر ذلك في بيئة وطبيعة الاهوار ويتسبب بانحسار المناطق المغمورة منها وانخفاض مناسيب المياه فيها بصورة كبيرة. مبيناً: أن مناطق الاهوار لا تحصل حالياً حتى على الحد الادنى من حاجتها للمياه وهو ما يجعلها عرضة لمخاطر التجفيف الفعلي بعد المباشرة بتشغيل سد إليسو التركي.
ويشير الخيون الى: أن تخزين المياه في سد إليسو عند حلول شهر آذار من عام 2018، سيعرض مناطق الاهوار لجفاف كبير مماثل لما تعرضت له عام 2015، حيث انحسرت المياه عن (96%) من مناطق الاهوار العراقية، مرجحاً تراجع المساحات الزراعية وتفاقم مشكلة شح مياه الشرب في المدن العراقية ولاسيما الجنوبية منها. لافتاً الى: أن ازمة المياه الناجمة عن تخزين المياه في سد إليسو ستجعل مناطق الاهوار المتضرر رقم واحد كونها تقلّص حجم كميات المياه المغذّية لمناطق الاهوار الى أدنى مستوياتها في ظل ما تمر به البلاد من شح وانخفاض الخزين المائي في السدود العراقية وسوء الاستخدام والهدر غير المبرر لكميات كبيرة من المياه.
وحذر الخيون، من كارثة بيئية واقتصادية وهجرة سكانية غير مسبوقة وهلاك التنوع الاحيائي والثروة السمكية والحيوانية ولاسيما قطعان الجاموس التي تشتهر مناطق الاهوار بتربيتها. داعياً: وزارتي الخارجية والموارد المائية والجهات المعنية الأخرى في الحكومة الاتحادية، الى التحرك الدولي السريع لتلافي ما ستتعرض له البلاد من مخاطر جراء تشغيل سد إليسو، منوهاً الى: امكانية توظيف ملف ادراج الاهوار ضمن لائحة التراث العالمي في تحشيد الدعم الدولي الداعم لتأمين حصة مائية كافية لديمومة الحياة في مناطق الاهوار. كما دعا الخيون مجلس النواب، الى تشريع قانون لحماية الاهوار والحفاظ على استقرار مناسيب المياه فيها وديمومة مواردها الاقتصادية، مشدداً على ضرورة اعتماد خطة ستراتيجية لترشيد استهلاك المياه وتوظيف الكميات المتاحة بصورة صحيحة.
سبق وأن اعلنت إدارة محافظة ذي قار في، (الأول من حزيران 2015)، أهوار جنوب الناصرية، مناطق منكوبة، بعد تعرض مناطق واسعة منها إلى الجفاف نتيجة شح المياه وانخفاض منسوب نهر الفرات، وفي حين دعت الحكومة الاتحادية والمنظمات الدولية للضغط على تركيا لإطلاق المياه في الأنهر المغذية لمناطق الأهوار، أكد تسجيل نحو ألف إصابة بمرض جدري الماء ونفوق كميات كبيرة من الأسماك والثروة الحيوانية. وتشكل الأهوار خُمس مساحة المحافظة وتتوزع على عشر وحدات إدارية من أصل 20 تضمّها المحافظة، إذ تقدّر مساحة أهوار الناصرية قبل تجفيفها مطلع تسعينيات القرن الماضي، بمليون و48 ألف دونم، في حين تبلغ المساحة التي أعيد غمرها بالمياه بعد عام 2003 نحو 50 بالمئة من مجمل المساحة الكلية للأهوار.


سد خارج عن القانون
وعن الآثار المترتبة على تشغيل سد إليسو التركي وحجم الخسائر العراقية من جراء ذلك، قال المدير الاقليمي لمنظمة طبيعة العراق في الجنوب المهندس جاسم الأسدي، إن سد إلیسو الضخم الذي جرى إنشاؤه على نهر دجلة، قد أثار الكثیر من الجدل العالمي، لأنه سیتسبّب بإغراق مدینة حسن كییف التركية التاریخیة التي يعود تأریخها الى اكثر من 12000 سنة، إضافة الى إغراق (27) قرية تركية ذات تجمعات سكانية وعرقية مختلفة، فضلاً عما يلحقه من اضرار اقتصادية وبيئية جمّة بالمدن العراقية الواقعة على حوض نهر دجلة. مبيناً أن العراق سيواجه عند إملاء السد عجزاً مائياً كبيراً في نهر دجلة، حيث سينخفض معدل إيرادات المياه إلى العراق من عمود النهر المذكور بمقدار (11) مليار متر مكعب. لافتاً الى: أن مناسيب مياه نهر دجلة الداخلة إلى العراق ستنخفض من (20,93) مليار متر مكعب في السنة إلى (9,7) مليار متر مكعب وهو ما يشكّل نحو 50 بالمئة من الاحتياج السنوي للنهر.
ويشير الأسدي الى أن تخفيض تركيا لحصة العراق من المياه سيجعله يخسر (40%) من أراضيه الصالحة للزراعة والتي تقدر مساحتها بـ(696) ألف هكتار. مضيفاً: كما سيؤثر السد في الأهوار العراقية بشكل كبير وستتقلص مساحتها، كما ستغرق مدن وقرى تركية عديدة.
ويستطرد المدير الاقليمي لمنظمة طبيعة العراق وهي واحدة من المنظمات الدولية المعتمدة لدى الأمم المتحدة، أن سد إليسو يقع في جنوب الأناضول في تركيا ويبعد 65 كيلو متراً عن الحدود السورية العراقية، وهو من الناحية التصميمية بارتفاع 135 متراً وطول 1820 متراً ومساحة سطحية 313 كم مربع، ويولد 1200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية وتقدر كلفة إنشائه بملياري يورو، ومدة انجازه بثماني سنوات. مبيناً أن الأعمال الأولية في السد، ابتدأت عام 2008 بتمويل متعدد الجهات (بريطانيا، ألمانيا، النمسا، ايطاليا والسويد وغيرها من الجهات الممولة)، لكن جرى ايقاف العمل عام 2009 لتوقف التمويل الدولي نتيجة ضغوطات دولية قادها الألماني أوولي ودووا ومنظمة مجتمع مدني تركية مهتمة بالمحافظة على الطبيعة. مردفاً: إلا أن تركيا عازمة على استكمال إنشاء السد، لذا ومنذ مطلع عام 2010 عادت وسارعت خطواتها في التنفيذ وبوتيرة عالية وعن طريق شركات تركية ومصادر تمويل مختلفة.
ويلفت الأسدي، الى أن دوافع بناء السد -جيو سياسية- بالدرجة الأولى، وهي ستؤثر كثيراً في الوضع المائي في العراق. متابعاً: أن سد إلیسو على نهر دجلة، وبحسب ما خلصت له محكمة شورى الدولة التركية قد بدأ من دون تقدیم دراسة لتقییم الأثر البیئي للمشروع والتي ینص القانون على تقديمها قبل العمل بالمشاریع ویعتبر ذلك انتهاكاً صریحاً لقانون البیئة التركي النافذ والتعلیمات الخاصة بتقییم الأثر البيئي. مشيراً الى أن: المحكمة قضت في السابع من كانون الثاني 2013 لصالح الدعوى القانونیة التي اقامتها غرفة المهندسيين والتشكيليين التركية ضد اقامة مشروع سد إلیسو، وأمرت بالایقاف الفوري للعمل في ھذا السد المثیر للجدل. مستدركاً: لكن الحكومة التركية لم تذعن لهذا القرار وأنجزت السد على أمل إملائه في آذار عام 2018..


إليسو يهدّد (90 %) من الخطة الزراعية
سبق وأن كشفت وزارة الموارد المائية في يوم (21 تشرين الثاني 2017) عن تقديمها طلباً بتأجيل املاء سد إليسو التركي، مشيرة إلى أن الاصرار على الموعد المقرر نهاية آذار المقبل، من شأنه إلحاق كارثة حقيقية بالعراق، مؤكدة إن أثاره ستبدو واضحة على سد الموصل، يأتي ذلك في وقت، دعت لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب، الحكومة العراقية إلى التحرك دولياً من أجل الضغط على تركيا وتأجيل املاء السد. وعن تأثير تداعيات تشغيل سد إليسو على المحافظات العراقية الجنوبية، يقول مدير الموارد المائية المهندس حسين علي حسين الكناني لـ(المدى) إن سد إليسو واحد من مشاريع الكاب التركي الذي يضم مجموعة من السدود الكبيرة التي تستخدمها تركيا للتحكم بالمياه وحجزها كونها دولة مصب وتوظيفها لتوسيع المساحات الزراعية في حوض الأناضول وانشاء مشاريع لإنتاج الطاقة الكهربائية. مضيفاً: أن سد إليسو هو أول سد عملاق ينشأ على نهر دجلة كون بقية السدود التركية كانت على نهر الفرات، مردفاً: أن تشغيل السد والمباشرة بإملائه سوف يستحوذ على 53 بالمئة من مياه نهر دجلة المخصّصة للعراق.
ويؤكد الكناني: إن جميع المحافظات العراقية الواقعة على نهر دجلة ستتضرر، وإن الضرر الأكبر سوف يقع على محافظات البصرة وميسان وذي قار، وكذلك مناطق الأهوار كونها تقع في ذنائب نهر دجلة. مشدداً: أن وضع محافظة البصرة سيكون أكثر حراجة من بقية المحافظات، كون نهر دجلة هو النهر الوحيد المغذّي لها.
وعن تأثير سد إليسو في الخطة الزراعية والأهوار، قال الكناني: إن تأثير سد إليسو في محافظة ذي قار سيكون من خلال نهر الغراف المتفرع من نهر دجلة والذي تستخدم مياهه في سقي (90%) من الخطة الزراعية المعتمدة بالمحافظة ويغذّي هور ابو زرك في الناصرية، فضلاً عن كون نهر الغراف هو المصدر الأساس لمشاريع مياه الشرب في محافظة ذي قار. مستطرداً: أن أيّ تغيير وانخفاض في تصاريف نهر الغراف من شأنه أن يؤثر بصورة كبيرة في مناطق الأهوار والتنوع البيئي والاحيائي فيها، ناهيك عن تأثيرها في حياة السكان المحليين وأوضاعهم الاقتصادية.
وتابع الكناني، كما يؤثر سد إليسو على اهوار محافظتي ميسان والبصرة، والأهوار الوسطى وهور الحويزة. داعياً الى تبني حملة دولية ومحلية واسعة لتوضيح المخاطر الناجمة عن تشغيل سد إليسو. مؤكداً إن تركيا ابلغت العراق، بأن المباشرة بتخزين المياه في سد إليسو سوف تبدأ في موسم الربيع المقبل، أي ابتداءً من شهر آذار 2018، موضحاً: أن السد بالتاكيد سيؤثر في العراق رغم التطمينات التي تطلقها تركيا حول عدم الإضرار بمصالح العراق وحصته المائية.


الحكومة المحلية تلجأ إلى الآبار
وإزاء ذلك وفي خطوة تكاد تكون محدودة التأثير في مجال تلافي المخاطر الناجمة عن تشغيل سد إليسو، كشفت ادارة محافظة ذي قار، عن اتفاق مع وزارة الموارد المائية لحفر المزيد من الآبار في مناطق متفرقة من المحافظة، وذلك تحسباً للجفاف الذي من المرجّح أن تتعرض له ذي قار عقب تشغيل سد إليسو التركي.
وقال محافظ ذي قار يحيى الناصري، خلال اجتماع مع الدوائر الحكومية المعنية وممثلي الهيئة العامة للمياه الجوفية في وزارة الموارد المائية، إن الاتفاق مع دائرة المياه الجوفية في البصرة التي تشرف على اعمال حفر الآبار في ذي قار تضمن حفر (١٠) آبار تجريبية مزوّدة بمجسّات متطورة لقراءة مستويات المياه الجوفية في عموم محافظة ذي قار، وذلك لتوفير معلومات وصورة متكاملة وأساسية لواقع المياه الجوفية في المحافظة وامكانية الاستفادة المستقبلية منها. معرباً: عن قلقه من وجود مخاوف حقيقية من تداعيات أزمة المياه خلال الفترة التي ستعمل فيها تركيا على ملء سد إليسو.
ويشير محافظ ذي قار الى أن أزمة المياه، باتت مشكلة تواجه كل مناطق العراق ومنطقة الشرق الأوسط وتتطلب معالجات جذرية تضمن حقوق جميع البلدان المتشاطئة. مبيناً: أن العراق سيكون المتضرر الأول من السياسة التركية في مجال المياه، وإن ذي قار ستكون المتضرر الأكبر من بين المحافظات العراقية نتيجة تلك السياسة كونها تقع في أسفل مجرى النهر. لافتاً الى: أن ادارة المحافظة سبق وأن طالبت بتخصيص حصة مائية لمناطق الأهوار التي تواجه حالياً مخاطر الجفاف ويعيش سكانها في مأساة حقيقية نتيجة ضعف الإطلاقات المائية في الأنهر المغذية لها. وكانت الهيئة العامة للمياه الجوفية في وزارة الموارد المائية، أعلنت في (التاسع من تشرين الثاني 2017) عن حفر 20 بئراً ارتوازيةً في محافظة ذي قار منذ بداية العام الحالي 2017 ولغاية الآن، وبيّنت أن عدد الآبار الارتوازية في المحافظة ارتفع منذ العام 2011 ولغاية الآن الى 400 بئراً ارتوازية، جرى حفرها ضمن اطار خطة وطنية للحدّ من الآثار السلبية لأزمة شح المياه. يذكر أن اهوار محافظة ذي قار ومنذ اعادتها عام 2003 وحتى الآن، تعتمد على فائض المياه الواردة عبر نهر الفرات، وكذلك عبر نهر الغراف المتفرع من نهر دجلة، فنهر الفرات يغذّي هور الحمار، ونهر الغراف يغذّي هور أبو زرك، في حين تتغذى الأهوار الوسطى من محافظة ميسان، كما أن الأهوار ومنذ اعادتها تعاني من عدم وجود حصة مائية ثابتة لها. وبموجب قرار منظمة اليونسكو، فإن الأهوار والمواقع الآثارية التي أدرجت على لائحة التراث العالمي هي أور وأريدو وهور الحمار والحويزة والأهوار الوسطى في ذي قار وميسان، الوركاء في المثنى، وهور الحمار الشرقي في البصرة.