قانون العفو العام لا يؤهّل المشمولين به للترشّح إلى الانتخابات

Wednesday 3rd of January 2018 12:01:00 AM ,
العدد : 4102
الصفحة : آراء وأفكار ,

الإدانة بالاختلاس وهدر المال العام تخلّ بشرط حسن السيرة والسلوك

 

تُعد الانتخابات الصورة المعبّرة عن الديمقراطية في أيّ بلد تُجرى فيه، إذا ما جرت بصورة شفافة ونزيهة ولا تشوبها شائبة التزوير أو التدليس، لأن حصول الغش والتدليس أو التزوير فيها سوف يؤدي إلى نتائج لا تعبّر عن رغبة الناخب الحقيقية. لذلك اهتم المختصون في الانتخابات كلٌّ في مجال اختصاصه، منهم القانوني والإعلامي وأهل الاختصاص في الإحصاء وغيرها، بإعداد الدراسات لتقليل حالات التزوير أو التدليس في الانتخابات.

ووجد أن بعض الوسائل المتخذة في التزوير أو التدليس ليس بشكلها المباشر مثل حجب أصوات الناخبين قسراً أو التلاعب في الأرقام والإحصاءات الانتخابية، وإنما قد يكون بأسلوب في ظاهره شرعي وقانوني للاحتيال على الناخب وتزوير إرادته، ومثال ذلك التلاعب في شروط الترشح إلى الانتخابات، حيث يتم الاحتيال عبر تمرير أسماء فاقدة لشرط من شروط الترشح عبر توظيف العبارات الواردة في النصوص القانونية ذات القابلية على التأويل ومنها شرط حسن السيرة والسلوك الواجب توفره في المرشح إلى انتخابات مجلس النواب العراقي الواردة في الفقرة (ثالثاً) من المادة (8) من قانون انتخابات مجلس النواب رقم 45 لسنة 2013 التي جاء فيها الآتي (إن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف) وهذا النص جعل من حسن السيرة والسلوك شرطاً أساسياً في قبول ترشّح أيّ شخص لانتخابات مجلس النواب.
يشير أحد المختصين الى أن شرط حسن السيرة والسلوك يُراد به مجموعة من الصفات التي يتمتع بها المرشح لعضوية المجالس النيابية وتظهر من خلال تعامله اليومي مع الأفراد، بحيث يصبح موضعاً للثقة داخل المجتمع، وليس بالضرورة أن يكون المرشح قد أدين بموجب أحكام قضائية بارتكابه جرائم حتى يكون غير متوفر على شرط حسن السيرة والسلوك، وإنما قد يكون لبعض سلوكياته التي لا تشكل جريمة يعاقب عليها القانون، إلا إنها تمثل إثماً أخلاقياً يدينه المجتمع ولم يرتقِ إلى مستوى التجريم، وهذه الأفعال غير الأخلاقية تُعدّ من أهم مفردات الثقة الاجتماعية التي يوليها المجتمع للشخص، فإذا اختل نصابها الاجتماعي لدى هذا لشخص أصبح غير حسن السيرة والسلوك ويكون غير متوفر على شروط الترشح إلى انتخابات مجلس النواب.
وقد يرى البعض إن هذا الأمر فيه من المرونة التي تجعل منه وسيلة لإقصاء الخصوم، وتكون هذه الوسيلة واحدة من صور التزوير والتدليس، والجواب على ذلك يكون باعتماد بعض المعايير الأساسية في تحديد مفهوم، ولو نسبي، لحسن السير والسلوك، ويُعطى لجهة مختصة تتمتع بالحياد والابتعاد عن الميول والتجاذبات السياسية سلطة تحديد مدى توفر هذا الشرط. وفي قانون انتخابات مجلس النواب مُنحت المفوضية المستقلة للانتخابات هذه الصلاحية على وفق الفقرة (ثانياً) من المادة (9) من قانون انتخابات مجلس النواب، وأشار إلى ذلك قانون المفوضية المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 حيث جاء في الفقرة (خامساً) من المادة (4) من القانون الآتي "البتّ في الشكاوى والطعون الانتخابية كافة وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام هيئة قضائية تمييزية مختصة"، وهذه المادة أشارت إلى أن قرار مجلس المفوضين سواء كان بقبول الشخص المرشح أو برفضه يكون خاضعاً للطعن أمام الهيئة القضائية في محكمة التمييز الاتحادية، وهذه الهيئة تم تشكيلها بموجب الفقرة (ثالثاً) من المادة (8) من قانون المفوضية المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 التي جاء فيها الآتي "تقوم محكمة التمييز بتشكيل هيئة تسمّى الهيئة القضائية للانتخابات تتألف من ثلاثة قضاة غير متفرغين للنظر في الطعون المحالة إليها من مجلس المفوضين أو المقدمة من قبل المتضررين من قرارات المجلس مباشرة الى الهيئة القضائية" وكان لهذه الهيئة عدة قرارات تتعلق بتفسير مفهوم حسن السيرة والسلوك ومنها قرارها المرقم (48/استئناف/ 2014 في 16/3/2014) الذي اعتبرت فيه مجرد توجيه الاتهام إلى المرشح بتهمة اختلاس الأموال العامة بمثابة خرق لشرط حسن السيرة والسلوك على الرغم من عدم إجراء محاكمته لتمتعه بالحصانة القضائية، وهذا يدل على إن حسن السيرة والسلوك لا علاقة له بالإدانة القضائية، وإنما مجرد تعرّض شخص المرشح إلى اتهام ذي جدية متمثل بوجود شكوى قضائية وتعمّده عدم الذهاب إلى القضاء لإثبات براءته من التهمة الموجهة إليه يُعدّ خرقاً لشرط حسن السيرة والسلوك، بينما نجد إنها اعتبرت الإفراج عن المرشح من التهمة الموجهة إليه بموجب حكم قضائي اكتسب الدرجة القطعية لا يعدّ خرقاً لشرط حسن السيرة والسلوك وعلى وفق ما جاء في قرارها العدد 45/استئناف/2014 في 17/3/2017 لأنه قد ذهب إلى القضاء وتم التحقيق معه وثبتت براءته من التهمة الموجهة إليه.
من خلال ما تقدّم نجد إن القضاء العراقي، وهو الجهة المحايدة، قد أعطى بعض ملامح شرط حسن السيرة والسلوك، إلا أن ما استجد بعد ذلك هو صدور قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016 الذي شمل بعض الجرائم التي تمسّ الوظيفة العامة والمال العام بالعفو العام، وإن كان قد أقرن بعضها بتسديد الأموال التي ترتبت بذمة المشمول بإحكامه. وفي هذا الموضع لابد من التوقف قليلاً لأن مفهوم العفو العام هو إسقاط الجريمة والعقوبة على وفق ما جاء في نص المادة (150) من قانون العقوبات العراقي رقم 11 لسنة 1969 المعدل ويرتّب أثراً بإسقاط العقوبة الأصلية والتكميلية والتبعية عن المدان أو المتهم بمجرد صدور قانون للعفو العام وعلى وفق أحكام المادة (153) من قانون العقوبات العراقي النافذ، وهذا العفو لا يعني إن المتهم المشمول بأحكامه لم يرتكب الفعل وإنما وجد المشرع أن يصفح عن بعض الأفعال التي تشكّل جريمة ويمنح مرتكبيها فرصاً أخرى لاستئناف حياتهم وإدماجهم بالمجتمع، وهذه هي فلسفة العفو العام التي أشار لها جميع شرّاح وفقهاء القانون الجنائي في العراق والوطن العربي وحتى في بقية دول العالم.
ويشير أحد الكتّاب الى "أن السلطة التشريعية بوصفها المُعبّر الحقيقي عن إرادة الشعب، عندما تجرّم أي فعل من الأفعال، فإن غايتها من ذلك هو حماية مصالح المجتمع وتحقيق الاستقرار فيه، فإذا ما وجدت إن تلك المصالح العليا تقتضي في زمن معين وإزاء جرائم معينة وفي ظروف معينة محو حكم الإدانة عن الأفعال المرتكبة، فإنها لا تترد في تحقيق ذلك من خلال إصدارها للقانون الذي يحقق ذلك وهو قانون العفو العام"، وبهذا المعنى المتفق عليه لمفهوم العفو العام، فإن المتهم أو المدان كان قد ارتكب الفعل الذي هو شائن ومعيب ويشكل جرماً في حينه، ومجرد إسقاط الجريمة عن المتهم لا يعدّ براءة له من ارتكابه الجريمة وإنما كان عليه أن يتقدّم إلى القضاء ليثبت براءته من التهم الموجهة إليه، ومجرد قبوله بأن يشمل بقانون العفو العام هو إقرار منه بارتكابه هذا الفعل الشائن والآثم الذي جرّمه القانون فضلاً عن قيام بعض المتهمين المشمولين بأحكامه بدفع أموال لصالح الخزينة العامة تصل إلى المليارات، إذ قام أحدهم بدفع مبلغ يتعدى المليار دينار تعويضاً عن الضرر الذي ألحقه بالمال العام حتى يتم شموله بقانون العفو العام.
خلاصة ما تقدّم أن مجرد شمول المرشح بقانون العفو العام، وإسقاط الجريمة أو التهمة عنه لا يعني انه أصبح متوفراً على شرط حسن السيرة والسلوك لأن فعله مدان أخلاقياً واجتماعياً وإن سقط تجريمه بحكم القانون، وإن أغلب من سيترشحون هم ممّن كانوا في الوظيفة العامة المكلفين بالخدمة العامة ومعظم الاتهامات الموجهة إلى بعضهم تتعلق بذممهم المالية وسلوكهم الإداري في الحفاظ على المال العام، لذلك لابد أن يكون لمجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات موقف باستبعاد هؤلاء ولا يعتدّ بقرارات شمولهم بقانون العفو العام، وإنما اعتبار تلك القرارات دليلاً على خرقهم لشرط حسن السيرة والسلوك، لأن حسن السيرة والسلوك كما أسلفت، يُراد به مجموعة من الصفات التي يتمتع بها المرشح لعضوية المجالس النيابية وتظهر من خلال تعامله اليومي مع الأفراد، بحيث يصبح موضعاً للثقة داخل المجتمع، ومن يُتّهم ومن ثم يُدان بجرائم تتعلق بالوظيفة العامة والمال العام والثقة المالية، فإنه ذلك بلا أدنى شك سوف لن يجعل منه موضع ثقة داخل المجتمع ممّا يوجب التصدي له عند خط الشروع حتى لا يتمكن من ولوج باب الدخول إلى الحياة النيابية ذات المهمات الجسيمة والخطيرة.