الأسى على فقدان عدنان عاكف أم الخيبة على ضياع الأمل ..؟!

Monday 23rd of April 2018 09:11:00 PM ,
العدد : 4179
الصفحة : مقالات رئيس التحرير , فخري كريم

 فخري كريم 

فقدان عدنان عاكف، المربّي الشيوعي الذي ظلّ مفجوعاً بما صار إليه وطنه، يثير أشجاناً وحسراتٍ لمن عاش زمنه ورافق تشوّفه لعالم آخر جديد ينبض بقيم العدالة، ويتفتّح فيه الأمل ويكون للإنسان، والمعدمين من البشر موقع السيادة والقرار .
لم أكن على مقربة منه، بما يكفي لأتفاعل معه وأستمدَّ منه طاقته على الصبر وتجرّع الأسى على ماكان يصيب العائلة المنتشية بتضحياتها من مصائب وفقدان. الدكتور غسان المكنّى بـ "دكتور عادل " يستشهد بين صفوف الأنصار الشيوعيين في كردستان، وهو يحمل السلاح على كتف وحافظة أدويته وأدواته الطبيّة على الكتف الأخرى، ليلتحق بشقيقه الشهيد المهندس جمال، فيغيبان واحداً بعد الآخر في مدة قصيرة، وكأنهما كانا على موعدٍ لبذل حياتهما مؤكدين المعنى الإنساني العميق للتضحية وهما الآتيان إلى كردستان من مدينة عربية في عمق المنطقة العربية، عنه ، ليفنّدا بذلك مثل آلاف آخرين، فتنة الطوائف وغواية الانغلاق القومي المشوّه .
كان الطبيب غسان " عادل " يجوب القرى وأعماق الريف الكردستاني، يُطبّب الفلاحين وأسرهم، ويشيع بينهم مزاجاً مرحاً مستثاراً، إذ يتحدى هذا الطبيب العربي مخاطر التنقل بين الربايا العسكرية الحكومية ومشاقّ قطع الطرق الوعرة بين الجبال والوديان ، ومنحدرات تنطوي على احتمالاتٍ تفوق طاقة مَن لم يتعود على مسالكها . وفي كلّ مرة يصل الى قرية يستقبله الأهالي بفرحٍ وهم يتنادون في ما بينهم " جاء كاكه عادل الشيوعي " ! وكانت السرايا الأنصارية التي تمر بتلك القرى تسمى باسمه: "جماعة دكتور عادل" ..!
كان عدنان في السبعينيات يتسلّل إلى "طريق الشعب" ليقدّم مساهمته بصمت في صفحة التعليم والمعلمين، ثم يتوارى من دون أن يُسمع له صوت، أو يثير جلبة من يتظاهر أو يدّعي .
لم أبادر للاقتراب منه في تلك الأيام، فقد كان هَمّ الانشغال بما يحيط بنا من أجواء التوتر، وما يقتضيه من حذرٍ ومكابدة يُضعف حساسيتنا للانتباه إلى مثل عدنان.
وفي أوقات لاحقة لم أجد في عدنان غير ما كان عليه وهو يتلقى في فترات متقاربة رسائل عن استشهاد شقيقيه ببطولة لم تعد نادرة على أمثالهم : نفس ملامح الصبر والمكابدة غير المرئية ، حتى لتبدو لمن لم يعرفه أنها لامبالاة أو تظاهر يتجاوز ما تقتضيه الحالة من حزن إنساني وشعور بالمسؤولية في خلق بيئة عائلية وضعت الشقيقين وبقية أشقائهما والعائلة بكلّ أفرادها أمام محنة المواجهة مع الانظمة المستبدة المتعاقبة والتشرد والضياع في المنافي القسرية بعد معاناة الاعتقال والشهادة ..
هل مثل هذا الفقدان مناسبة للحزن على موت مبكّر في مهجر ناءٍ ما كان عدنان، ولا سواه من أمثال، مفتوناً به رغم ما ييسّره من محيطٍ لا تسود فيه ما يحيط بنا في وطننا الكاره لأبنائه، أم أنها فرصة للتأسّي على ما آلت إليه الأوضاع في عراقٍ مثخنٍ بجراح الخيبة وتواري الأمل ولو إلى حين ..! .