بوشكين في العراق

Sunday 6th of May 2018 06:29:54 PM ,
العدد : 4187
الصفحة : عام ,

د. ضياء نافع

استلمت رسالة اليكترونية بالروسية من أحد الزملاء الروس بعنوان – بوشكين في العراق , وقد أثارت هذه الرسالة اهتمامي – طبعاً - , إذ إني أتابع موضوعة الادب الروسي في العراق منذ عشرات السنين , وسارعت بفتح تلك الرسالة والاطلاع عليها , وقد تبيّن , إنه يطلب منّي أن أقدّم له استشارة (أو رأيّا) في مسألة مطروحة أمامه الآن حول موضوعة – (بوشكين في العراق) , ويقول في رسالته , إنه وجد بعض المصادر الروسية حول هذا الموضوع , ولكنها – كما يرى – غير كافية كما يجب - بشكل عام - لتغطية هذا الموضوع الكبير , المرتبط بشاعر روسيا الأول وعبر كل عصورها . وهكذا بدأنا الحوار .

قلت له, إن من الضروري أن نحدد – قبل كل شيء – ماذا يعني مفهوم ( بوشكين في العراق ) , وهل يعني ذلك حصر بوشكين في الحدود الجغرافية للدولة العراقية بمعزل عن العالم العربي الذي يحيطها , إذ أن ثقافة العراق متداخلة بثقافة البلدان العربية الأخرى , والكتاب الذي يصدر في دمشق مثلاً عن بوشكين يصل الى القارئ العراقي بعد أيام , وقلت له بأني (وبعض الزملاء الذين أذكرهم لحد الآن من جيلي) طالعنا بالعراق في خمسينيات القرن العشرين مثلاً ترجمة د. سامي الدروبي لرواية بوشكين القصيرة - (ابنة الضابط ) ضمن منشورات ( دار اليقظة ) السورية المشهورة , وأعاد غائب طعمة فرمان ترجمة هذا الكتاب بعد أكثر من ربع قرن , وهكذا صدرت رواية ( ابنة الآمر) لبوشكين في موسكو , فهل نعتبر , أن المترجم العراقي غائب طعمة فرمان هو الذي قدّم للعراقيين رواية بوشكين تلك ( عن طريق موسكو !) , وبالتالي , فان ترجمته تدخل ضمن موضوعة ( بوشكين في العراق ) , بينما تدخل ترجمة الدروبي لنفس الرواية ضمن موضوعة ( بوشكين في سوريا) ؟ ويمكن التوقف عند كتب أخرى حول الادب الروسي صدرت في القاهرة مثلا , واطلع عليها القارئ العراقي , بما فيها كتاب الباحث والكاتب الفلسطيني الكبير نجاتي صدقي الموسوم – (بوشكين ) , الذي صدر ضمن سلسلة ( اقرأ) المصرية الشهيرة في اربعينيات القرن الماضي , وذكّرته بقول طريف كان سائدا في عالمنا العربي يوما ما وهو – القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ . وبعد (التي واللتيّا) , كما يقولون , اقتربنا من نقطة مشتركة بيننا في هذا الشأن , إذ توقف زميلي عند التمثال النصفي لبوشكين في حدائق كليّة اللغات بجامعة بغداد , و قال إنه واحد من الشواهد المادية والتي لا يمكن تجاهلها في موضوعة ( بوشكين في العراق ) , إذ أن مثل هذا التمثال موجود بمصر والمغرب فقط في العالم العربي , وأشار الى أن المصادر الروسية حول هذا الحدث المتميّز وغير الاعتيادي مرتبكة وغير متناسقة وحتى متناقضة بعض الشيء , وإن مقالتي بعنوان – ( قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد) توضّح كل هذا الارتباك وتجيب عن كل التساؤلات المرتبطة بهذا الموضوع , إلا أن هذه المقالة غير مترجمة الى اللغة الروسية , وبالتالي, بقيت مجهولة للقارئ الروسي المهتم بهذا الحدث , واقترح عليّ أن اترجمها وأنشرها بالروسية , فقلت له انني متفق معه بشأن ذلك , إذ ان التمثال النصفي لبوشكين في جامعة بغداد دخل في دوّامة الصراع السياسي العراقي المعاصر وأساليبه الملتوية و (غير النظيفة ! ) مع الأسف , إلا أن ترجمة المقالة هذه من قبلي خطوة غير متواضعة , إذ تبدو وكأنني أريد أن أمدح نفسي , أو , أن أفرض رأيّاً , وهذه مسألة حساسة ومحرجة أحاول طوال حياتي ان اتجنبها , فضحك صاحبي وذكّرني , ان امثال الشعوب كافة تقف ضد المبالغة في المواقف , وإن تلك المبالغة تؤدي الى نتائج مضادة وعكّسية في كثير من الأحيان , وإن عدم ترجمة هذه المقالة الى الروسية , بسبب هذا التواضع المبالغ فيه من قبلي, هو مثل واضح وصارخ لذلك, وقال إنه ينتظر.
قلت لصاحبي بعدئذ ,إن أحد العراقيين , وهو طالبي سابقاً وزميلي في العمل بجامعة بغداد لاحقاً , واسمه صفاء محمود علوان الجنابي قد أنجز في ثمانينيات القرن الماضي أطروحة دكتوراه في كليّة الاداب بجامعة فارونش الروسية عنوانها – ( بوشكين في العراق ) , وانه جمع هناك المصادر الاساسية التي ظهرت في العراق آنذاك حول بوشكين وأشار اليها , وناقش أفكارها واهدافها , و قلت له إنها اطروحة متميّزة جداً في مضمونها , واقترحت عليه أن يجدها , أو , في الأقل أن يجد موجزها الموجود حتماً في الأرشيف الروسي للاطاريح , ويطلع عليه , وسيجد هناك إجابات عن كل اسئلته , فشكرني على هذا المصدر المهم والجديد بالنسبة له , ووعدني أن يحاول إيجاد هذا المصدر . وبالمناسبة , فانني أتوجه الى د. صفاء في ختام هذه المقالة , واقترح عليه أن يفكر بشكل جدّي بتنقيح أطروحته تلك , و أن يضيف اليها بعض المصادر التي استجدّت بشأن موضوعة بوشكين في العراق , ويقوم بنشرها بالعربية, وأنا على ثقة تامة , إن مثل هذا الكتاب سيكون ناجحاً ومفيداً وطريفاً للقارئ العربي أولا , ولتعميق الموضوعة الروسية وبلورتها في مسيرة الادب المقارن ودراساته في العراق والعالم العربي أيضاً.