كواليس: الثرثرة ضد الإبداع!

Tuesday 10th of July 2018 06:15:40 PM ,
العدد : 4230
الصفحة : الأعمدة , سامي عبد الحميد

 سامي عبد الحميد

شاهدت قبل أيام عملاً مسرحياً عراقياً أخرجه مخرج شاب كانت الثرثرة في جميع عناصر الانتاج هي الطاغية والتكرار الممل هو الملح البارز حتى كاد المتفرج أن يجزع. ونقصد بالثرثرة هنا الإفراط في القول والفعل والإفراط في الشكل الفني كالإفراط بالطعام الذي يقود إلى التخمة والى المرض أحياناً.
تبدأ الثرثرة في ذلك العمل من النص حيث يدور الحوار بين الشخصيات وهم من جنسيات عربية وفتاة فرنسية، حول فكرة واحدة لا تتطور ومشكلة واحدة لا تتعقد ولا تتصاعد إلى ذروة منطقية، بل إلى ذروات شكلية بالاداء الصوتي – صراخ ثم صمت مفاجئ. فتحدِث إيقاعاً بوحدات متكررة ويصبح رتيباً.
هناك ثرثرة في المنظر المسرحي حيث استخدم المصمم عدداً من السكك الحديد وضعها على خشبة المسرح من غير الاستفادة منها في دعم الفعل الدرامي. وكان يريد منا أن نؤولها على إنها سكة قطار فوقع في تناقض عندما وضع ما يشبه السلالم الحديدية على الجدار الخلفي للمسرح وراح الممثلون يتسلقونها وهم يلقون حواراتهم.
تمثّلت الثرثرة أكثر في حركة الممثلين. فكانوا طيلة العرض يتحركون حركات انتقالية لم نجد لها أي مبرر وهنا لا بد من الإشارة إلى أنواع الحركة التي يقوم بها الممثلون في المسرح! أولها – الحركة الإلزامية التي يجب على الممثلين أن يؤدونها وإلا توقف الفعل الدرامي وتتوقف الأحداث ولم نجد في ذلك العمل المسرحي أية حركة الزامية بل ان أكثرها حركة لف ودوران على خشبة المسرح وفي مناطقه المختلفة. ثانيها – الحركة الواقعية وهذه أيضاً لم نجد لها أثراً إلا نادراً مثل الحركة نحو جهاز التلفون والتقاط السماعة التي تكررت ولم تفهم فحواها، ومن هو المتكلم. ثالثهاً: الحركة التقنية التي من شأنها إحداث تكوينات معبرة لها دلالات معينة ولم نشهد في ذلك العمل أي تكوين من هذا النوع إطلاقاً. وهكذا تكررت حركات الممثلين إلى حد التخمة فيما عدا لحظات سكون لا مبررة لها بين الحين والآخر لتتبعها الحركات العشوائية المتكررة ومنها حركة نقل الممثلين للكراسي وغلقها وفتحها والجلوس عليها والقيام والابتعاد عنها بلا مبرر لا منطقي ولا فني.
لعل أبرز العناصر وأكثرها ثرثرة وإسرافاً في ذلك العمل هي تلك الصور المنعكسة على الشاشة البيضاء وقد قضينا حوالي عشر دقائق نتفرج نحن والممثلون على صور مشوشة غير واضحة لأحداث مرّت بالعالم وليس من تعليق عليها يوضح فحواها وأماكن وقوعها. ثم تلتها صور للممثلين أثناء تنفيذهم لأدوارهم المرهفة والتي لم يكن لها أي مبرر لكوننا نرى أولئك الممثلين بشحمهم ولحمهم على خشبة المسرح فما فائدة صورهم علماً أن قوة المسرح تكمن في الممثل الحي وعلاقته بالمتفرج وهو السر في بقاء المسرح حياً رغم ظهور الفن السابع – السينما واذا كانت هناك ضرورة لاستخدام الصور المنعكسة في العرض المسرحي فربما يحسن استخدمها كوثيقة ويستحيل عرضها حية. ولا أدري ما الغاية من تكرار عرض صور الممثلين الفوتوغرافية كمثل تلك التي ينفذها البوليس للمتهمين بجرائم معينة فهل كانت جميع شخصيات المسرحية قد ارتكبت جرائم؟ وهل أراد المخرج أن يدينهم ولماذا سماهم (مسافرين)؟ إلى أين هم مسافرون، وما علاقة عنوان المسرحية (بوابة رقم 7) بسفرهم. تلك أسئلة ظلت بلا إجابات واضحة أو لنقل مشوشة شوشتها ثرثرة حركة الممثلين وتعاملهم مع الكراسي ودخولهم وخروجهم من أحد المرافق الصحية وعدم وضوح الكثير من الكلمات والعبارات التي كان يلقيها الممثلون. وهنا اتساءل: لماذا أجبر المخرج الممثلين أن يتحدثوا بلغاتهم المختلفة وخصوصاً تلك التي قد لا يفهمها المتفرج العراقي ومنها اللغة الفرنسية واللهجة العامية الفرنسية؟ هل أراد أن يعرِّفنا بهوياتهم، وهل هذه الطريقة الوحيدة لذلك؟
وأقول بصراحة لقد أضاع المخرج ابداعه بتلك الثرثرة الحركية والسمعية والضوئية (كانت هناك تغيرات كثيرة في الاضاءة وفي الإطفاء والاشعال) وبذلك الإسراف في الصور المنعكسة على الشاشة. وكان بإمكانه ان يظهر ابداعه لو أكتفى بخمس وثلاثين أو أربعين دقيقة كزمن للعرض، لأن الإسراف والتبذير والثرثرة تدعو إلى إرهاق بصر وسمع المتفرج وتقودهم إلى الكف عن متابعة العرض، نعم قد يكون التكرار مطلوباً في الفن المسرحي لغرض التأكيد ولكن عندما يزيد عن حده يتحول إلى ضده.