عن النقد السينمائي .. مع الممثل والمخرج العراقي أمير البصري

Wednesday 9th of January 2019 06:28:49 PM ,
العدد : 4347
الصفحة : سينما ,

صلاح سرميني

ـ نقد، كلمةٌ مزعجة، تُثير المشاكل، والخصومات بين النقاد، والمخرجين (ورُبما بين النقاد، والنقاد أنفسهم)، ترتبط غالباً بالكشف عن الخلل، العيوب، والسلبيات، بالنسبة لك، ماذا يعني "النقد السينمائي" بالضبط؟
وهل يمكن استبدالها بكلمةٍ بديلة أكثر رقة، لطفاً، ورحمة؟
هل "التمييز" مناسبة، وهكذا نقول "التمييز السينمائي"، أعمل "مُميزاً سينمائياً"،...أو "تحليل"، فأصح "محللاً سينمائياً"، أو رُبما، كما يُقال : "فهم العمل"، أو "تفسيره"، وهنا، نطلق على الناقد صفة "فاهم سينمائي"، أو "مفسّر سينمائي"...؟

ـ النقد السينمائي هو لحظات إدراكٍ عالية، وتطوراتٍ يحصل عليها صانع الفنّ، سواءً بالسلب، أو بالإيجاب، لأدواته، وشخصيته، وأسلوبه من وجهة نظر شخص يرى الفن من جانب نظريّ، وزاوية فنية يختص بها بما تقدمه في عملك الفني، وإضاءة مناطق فلسفية، وحسية لديك كي تراجع نفسك، كونه رأيّ يُحترم، هناك من يتطور، وهناك من يقع في أخطاء أخرى، وجديدة، وهذا شيء صحيّ جداً لصانع الفن.
لكن، الآن، ومع ما يحيط بنا من نقاد، وخاصةً الفيس بوكيين ـ وما أكثرهم ـ أصبح النقد يعتمد بنسبة كبيرة على لحظة استيقاظ الناقد صباحاً إذا كان مزاجه جيداً سوف تُمجد، ويجد الناقد تحليلاً منطقياً لكلّ تفاصيل عملك الفني، وفلسفته صورياً، أما إذا كان مزاجه سيئاً، فإنه سوف يدمر عملك، وسوف يختفي وجودك اصلاً كإنسان تحلم بصناعة فن، وما زلت تبحث، وتطور في أدواتك الفنية.
وهذه حقيقة يجب ذكرها: يستطيع الناقد، وبجدارة تسقيط، وتمجيد أيّ عمل فني في نفس اللحظة برمشة عين، وبنفس طبقة الصوت المسترخية، وعضلات وجه مبتسمة.
لماذا نستبدل الكلمة إذا لم تكن سبب مزاجية الناقد، مشكلتنا في هدف الناقد، ونيته، وليس في كلمة "نقد سينمائي"
بدل استبدال الكلمة، ربما يكون الحلّ باختراع جهاز للكشف عن نية الناقد السلبية، والايجابية، طبعاً عندما تكون منطقية عند الشروع بنقده لأي عمل فني.
برأييّ الشخصي، التقيت بالكثير من الأشخاص لم يدرسوا الفن، ولم ينقدوا إطلاقاً، لكنهم متابعين للسينما العالمية التجارية منها، والمستقلة، ولديهم آراء تُحترم، عند الحديث معهم عن السينما العربية، والعالمية تجدهم يتكلمون عن أعمال كل مخرج، وماهي مشاكل فيلم بالمقارنة مع فيلم آخر له من ناحية القصة، والبناء الدرامي، والشخصيات، وتطورها، والإخراج، الخ.
هل يجب تسميته الناقد "فاهم"، أو "مفسر سينمائي" !
النقد هو إحساس المتفرج بكلّ مشهد صُنع صورياً ليحاكي أزمة، ومشكلة يعاني منها إنسان، وبيئة، مهمتنا، وهدف صانع الفن يجب ان تكون الناس، وهم أهم مفسرين، ومحللين للعمل الفني.
عند فهم الناس ما تريد إيصاله لهم، يصبح ما يقوله الناقد رأيّ صادر من وجهة نظر تُحترم فقط، لكن لا يمكن ان نطلق عليه "مفسر"، أو "محلل"، أو "فاهم سينمائي" مطلقاً.
لأن المتلقي هو هدف أي عمل فني، الفن لا يُصنع لكي يرضى عنكَ صديقك الناقد، أو كي تكسب ودّ "الفاهم السينمائي" الذي استيقظ اليوم، ومزاجه سيء، الفن يُصنع لنفسك، ولدواخلك الإنسانية، ونواياك، وبعدها للناس البسيطة المحيطة بك.
ما أجمل أن تصلح، أو تغير إنسان نحو الأفضل عند طرحك لقضيةٍ، وأزمة ما في عملك الفني، بعدها مرحباً بالفاهم السينمائي يكتب ما يشاء.
المتلقي هو الوحيد الذي نطلق عليه المُفسر، والفاهم، والناقد، والمحلل لأي عمل فني.

ـ ماذا تقصد بالنقاد الفيس بوكيين، هل كلّ من كتب رأيه في فيلم ما في صفحته هو ناقد سينمائي؟
ومن ثمّ، من حقّ أي شخص أن يقول، أو يكتب رأيه في فيلم ما حتى وإن لم يكن ناقداً.
- الفرق كبير بين أن يكتب أحدهم رأيه في عملٍ فنيّ، ويطرح نفسه كمشاهد، وهذا رأيه الخاص، وبين أن يُعرّف نفسه بعد منشورين في الفيس بوك كناقد، او كسينمائي كبير، وله أسلوبه، ومحافله في النقد، وكتبه تملأ رفوف أكبر مكاتب العالم، وعندما أنظر لهذا الرأيّ الفيس بوكي، أجده يمثله فقط، لأني وجدت العكس عند مشاهدتي للعمل الفني الذي شاهده هو نفسه، لأن العمل الفني خاضع لعدةٍ آراء مختلفة، وتلقي نسبي .

ـ كيف عرفت بأن الناقد يستيقظ صباحاً، ويكتب وُفق مزاجه، وانفعالاته؟ هل تعيش مع النقاد في بيت واحد؟
- هذا تعبير مجازي، انا لا اقصد أن يستيقظ صباحاً بالتحديد، أو أو أو الخ، ما اقصده هو مزاجية النقاد، وهدفهم الأسمى هو النقد السلبي فقط، وهذا نسبياً يتسبب بهروب، وعدم وجود عامل، ولغة مشتركة بين النقاد، وصُناع الفن .

ـ هل يعمل الناقد وُفق مزاجه الجيد، أو السيئ؟
- بالتأكيد، في هذه السنوات الأخيرة، الناقد يعمل وفق مزاجه السيء قبل الجيد، وتحديداً بما يحيط بي، وما أسمعه، وأشاهده من حولي، وصانع الفن هو من يدفع الثمن، لأنه قرر أن يحلم، ويحقق حلمه .

ـ تقول (يستطيع الناقد، وبجدارة تسقيط، وتمجيد أيّ عمل فني في نفس اللحظة برمشة عين، وبنفس طبقة الصوت المسترخية، وعضلات وجه مبتسمة).
هل يستطيع الناقد تسقيط فيلم لواحد من عظماء السينما، وتمجيد فيلم متواضع؟ هل الجمهور غبيّ إلى هذا الحدّ كي يقتنع بكتابات هكذا ناقد مفترض؟
- لأنّ المشاهدين أصبحوا لا يهتمون بما هو مقروء لدرجة كبيرة في الوقت الحاضر، ونادراً ما تجد من يتابع الناقد كي يشاهد، أو لا يشاهد عملاً فنياً، فإنني أؤمن بأن هناك رأيّ، رأيّ نخبوي، رأيّ نقاد، رأيّ الناس، وهو الاهمّ، لأن الفن يُصنع للناس، لكنهم يكملون بعضهم .

ـ ماهي الأسباب التي تدفع الناقد كي يُسقط، أو يُمجد فيلماً ما، هل هو في حرب مع المخرجين؟
- للأسف، هناك سوء فهم، يعتقد الكثيرون بأن ذكر السلبيات فقط في العمل الفني هو اكتشاف الذرة، وهناك من يشاهد العمل الفني، وهو متحمس لنقده سلباً فقط، وكي يكتشف الخطأ يبدأ من العنوان، والصورة، والحبكة، والمشكلة، الخ، وكأنّ النقد أصبح اختصاصاً منفرداً من أجل البحث عن السلبيات فقط، وإذا تكلم بالإيجاب، سوف يقولون عنه "كلشي مايفتهم".
ما أقوله هو رأيّ خاص، وأنا أتكلم عما يحيط بي، وما يجاورني من نقاد، وصناع أفلام، وكتاب، وممثلين، وفيس بوكيين، الخ.