نافذة من موسكو..أزمة حقيبة وزير الداخلية كمؤشر على انعطاف العملية السياسية

Sunday 27th of January 2019 06:31:33 PM ,
العدد : 4359
الصفحة : آراء وأفكار ,

د. فالح الحمـراني     

إن الأزمة التي تتجسد بالفشل في تعين وزيري الداخلية والدفاع في العراق، واستمرار المواجهة بين الكتل الشيعية التي من حصتها وزير الداخلية والسنية التي ترنوا لحقيبة وزارة الدفاع، تشكل أيضاً علامة إضافية على التطورات التي شهدتها العملية السياسية الجارية منذ 2003. فمن المعرف إن الاتفاقات بين الكتل على من يشغل المنصب الحساس كانت تتم بسرعة، دون خلافات عميقة ولا خلافات من دون حل، لأن " البيت الشيعي" " والنخب السنية" كانت كتلة متراصة، في وجه " الأعداء والخصوم" من " خارج البيت" الفعليين والموهومين. أما في التطور الجديد في العملية فإن " التشرذم" انتقل إلى " البيت" الواحد، إلى جميع الكتل التي اعتمدت الطائفية والمحاصصة سيئة الصيت ، كمنهج للحصول على مواقع في الساحة السياسة العراقية. وهذا تطور طبيعي لأن منطق الواقع والتطور الموضوعي يرفض هذا النهج في إدارة دولة بخصوصية العراق، وذهبت الكتل والتيارات والأحزاب في ظل تحسن الوعي السياسي للناخب العراقي كل " إلى غرفته الضيقة" في هذا البيوت.
إن التطور اللاحق للعملية السياسية، يُنبئ بتشرذم أوسع واختلاط الأوراق، واحدى السيناريوهات الإيجابية في هذا الاتجاه ربما هو نشوء شراكة سياسية بين الكتل والساسة، لا تقوم على أساس الانتماء الطائفي/ المذهبي / القومي وإنما على أساس إدراك مصالح الوطن والتحديات التي تجابهه، ووضع البرامج الناجعة للتغلب عليها. وتشكيل الأحزاب على أساس مهني / عملي بين أبناء شرائح واسعة تجمعها مصلحة ( مهنية) واحدة لتحسين ظروف الحياة والعمل، بدعم من الدولة، لا التجمع الطائفي والعشائري والمصلحي الشخصي، الذي لا يتناسب وروح الدولة الحديثة، ولا يفي بمصالح المجتمع وتطلعاته المشروعة.
وضمن هذا السياق استبعد تقرير بالروسية عن رصد وتطورات العملية السياسة في العراق إمكانية تعيين فالح الفياض وزيراً للداخلية، وخلص التقرير، الذي نشره معهد الشرق الأوسط إلى أن ما وصفه ب" الدسائس" المتعلقة بتعيين وزيرا للداخلية في العراق يمكن "أن تتضح في الأسبوع الحالي". وقال "إن الكلام لم يعد يدور عن محاولات تقديم فالح الفياض لهذا المنصب، بل عن من ليس لديه فرصة، إشغال حقيبة وزارة الداخلية".
ولم يستبعد التقرير أن يتم تعين " شخصية فنية بحتة" وزيراً للداخلية، على سبيل المثال أحد النواب الحاليين لوزير الداخلية. واستخلص من تلميحات بعص الساسة إن المشاورات النهائية تدور حول الوقوف عند هذا الخيار وتعين شخص "من خارج الكتل". وحسب رصده فإن أي تقدم لم يحصل بخصوص وزير الدفاع، " واذا يمكن انتظاره فيسكون فقط بعد تعيين وزيرا للداخلية".
وأشار إلى تصريحات بعض ممثلي الكتل النيابية في 22 كانون الثاني التي يتضح منها إن من المرجح التوصل إلى حل وسط بشأن منصب وزير الداخلية. وفي الوقت نفسه يُنتظر من رئيس الوزراء تنفيذ برنامجه من دون الأخذ بالاعتبار عدم استكمال قوام الحكومة، وإن المرشح الأكثر حظوظا بالطبع لن يكون فالح الفياض، وإنما شخص آخر لم يتم الإفصاح عن اسمه. ونقلت عن بعض البرلمانيين إشاراتهم إلى إن تعين وزيرين جديدين في الحكومة ( التعليم والعدل) قد يُحدث نوع من الانفراج في الفراغ الذي حدث في كابينة الوزراء، وسيتم التركيز على حقائب وزارتي القوة الفارغتين.
ويستخلص التقرير: إن بعض علامات الحراك البرلماني في الأيام الأخيرة تشير إلى تحقيق وفاق محدد بين "الثلاثي البرلماني" الذي يؤلف الأغلبية بقيادة أعضاء " سائرون"، ورئيس الوزراء. مما أتاح لعادل مهدي مغادرة العاصمة إلى الجنوب، وعقده عدة لقاءات مع ممثلي كردستان العراق والمنظمات الدولية، وهو ما كان يحدث لو مورست الضغوط عليه، مثل التي كانت في نهاية كانون الأول. وما أكد ذلك بصورة غير مباشرة هو إعلان ممثلي سائرون عن أن رئيس الحكومة معني في الوقت الحالي بتنفيذ البرنامج الحكومي، وحتى من دون طرح مرشحين لوزارات القوة. وكذلك التعهد من قبل الثلاثي البرلمان بعدم التدخل في تعيين شخصية غير منحازة ومستقلة غير حزبية. كما اتهموه بذلك في المراحل الأولى، وهددوه بالاحتجاجات الجماهيرية. وبالطبع، والإشارة للتقرير، فان سائرون يمتلك القدرة على تنظيم احتجاجات الجماهير المستاءة من الوضع في أقصر فترة زمنية. وأضاف" ولكن تم إلغاء تهديد رئيس الوزراء بإثارة الاحتجاجات".
وفسر تصريحات بعض البرلمانيين التي اتسمت بالحدة من إن فالح فياض لن يعين وزيرا للداخلية وإنما سيجري تعيين شخص آخر، بأنها كانت نتيجة لمباحثات ما وراء الكواليس ووساطات من مختلف الأطراف التي ظهرت في الأيام الأخيرة بشان المرشح لوزارة الداخلية.
وفي الوقت نفسه لم ينس ممثلو كتلة " الإصلاح والبناء" التلويح بـ " العصا". محذرين رئيس مجلس النواب من ممارسة الانتهاكات باستعمال نفس الآليات السابقة في عملية تمرير الوزراء، وعدم إحصاء الأصوات بصورة دقيقة، لذلك جرى تبني غالبية القرارات والتعييينات من دون الدراسة الدقيقة لنتائج التصويت. وعلى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي إرسال موجز بالمرشحين على الحقائب المتبقية في وقت مبكر حتى يتم فحص هوياتهم.
وبالتالي فإن هذه الصورة التي ترسمها وسائل الإعلام الأجنبية وعلى قدر كبير من الموضوعية والحيادية، تعكس مدى الفجوة وسعة الخلافات والهوة بين القوى السياسية التي تجلس في مجلس النواب، ويشغل ممثلوها اهم الحقائب الوزارية، ومن الواضح إن أجواء المؤسستين التنفيذية والتشريعية غير صافية وعكرة وأعضاءها غير منسجمون، وسيسعى كل فريق للإيقاع بالآخر، أو الالتجاء على وسائل غير نزيهة للاتفاق على تمرير المصالح الخاصة، على حساب مصالح البلاد.