هيومن رايتس ووتش: المحاكم العراقيّة تُحسِّن إجراءات مساءلة المتهمين بالانتماء لداعش

Wednesday 13th of March 2019 12:00:00 AM ,
العدد : 4392
الصفحة : سياسية ,

 بغداد/ المدى

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، أمس، إن محاكمات المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش في العراق تعتمد على قانون "غامض" لمكافحة الإرهاب، لكنّ المحاكم في محافظة نينوى اعتمدت تحسينات في الأشهر الأخيرة.
وقالت المنظمة في تقرير لها: أصبح قضاة محافظة نينوى يطالبون بمعايير إثبات أكثر صرامة لاحتجاز المشتبه فيهم ومحاكمتهم، وقلّصوا اعتماد المحاكم على الاعترافات فقط، وقوائم المطلوبين المغلوطة، والادعاءات غير المثبتة.
قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "ما نراه في نينوى هو تحول كبير في طريقة سير المحاكمات، فالتخلي عن القضايا القائمة على أدلة واهية أو التي ليس فيها أدلة هو خطوة إلى الأمام. لكن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لضمان عدم تعرض المتهمين إلى سوء المعاملة وحصولهم على محاكمات عادلة".
قبل أشهر نشرت المنظمة تقريرا كشف عن سجن تابع لـ "جهاز الأمن الوطني" كان يعمل بطريقة غير شرعية في الموصل، طلب من الجهاز تحويل عدة مئات من السجناء إلى وزارة الداخلية.
وفي 4 شباط 2019، زارت هيومن رايتس ووتش محكمة مكافحة الإرهاب في تلكيف، شمال الموصل.
وقال رئيس محكمة التحقيق رائد المصلح إن المحكمة تنظر في أكبر عدد من المشتبه في انتمائهم إلى داعش في البلاد، حيث نظرت في 9 آلاف قضية في 2018. من مجموع هذه القضايا، أسقطت 2,036؛ ومازالت 3,162 قضية أخرى قيد التحقيق؛ وأحيل 2,827 شخص إلى المحاكمة، منهم 561 طفلا؛ و975 إلى محاكم أخرى لأن قضاياهم لم تكن متصلة بتهم الإرهاب. لم تكن لديه أي إحصاءات عن نتائج هذه القضايا. واضاف المصلح إن محكمته باتت تفرض منذ منتصف 2018 معايير إثبات أكثر صرامة لاحتجاز المشتبه بهم ومحاكمتهم. كما قال إن المحققين عثروا على مجموعة من الوثائق التابعة لداعش سهلت العملية، إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي، وبيانات الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية، والبصمات، وغيرها من الأدلة الجنائية. قال المصلح إنه أزال 7 آلاف اسم في ضوء هذه الأدلة الجديدة لأنّ القوائم كانت تحتوي فقط على اسم الشخص وكنيته، دون أي معطيات أخرى. كما قال إن القضاة باتوا يصدرون مذكرات التوقيف فقط اعتمادا على الأدلة التي يجدونها في وثائق داعش، أو في ادعاءات الشهود التي تكون مفصّلة وموثوقة، بما في ذلك أسماء والد وجدّ المشتبه به.و قال أيضا إن محكمته أصدرت 50 ألف مذكرة اعتقال بحق مطلوبين بسبب الانتماء إلى داعش بموجب المعايير الجديدة.
وقالت المنظمة: "بموجب الإجراءات الجديدة، بات يُعرض كل شخص يُعتقل على قاض في غضون 48 ساعة. وإذا تشبث الشخص ببراءته، يتصل عناصر المخابرات بزعيم المجتمع المحلي الذي ينحدر منه المشتبه به وباثنين من جيرانه لتقييم موثوقية الادعاءات. وإذا تجاوز الشخص هذا الفحص الأمني، بما يشمل شهادات الشهود، تُصدر المحكمة إشعارا بإزالة اسمه من قوائم المطلوبين في جميع أنحاء البلاد، ما يقلّص إمكانية اعتقاله مجدداً". وأشارت هيومن رايتس ووتش الى ان فرقها "حضرت محاكمة في محكمة مكافحة الإرهاب بنينوى في 4 شباط، ولاحظت أن القضاة كانوا يطبقون القواعد الجديدة".
وأكد محاميان يحضران في المحكمة بانتظام أن عمل المحكمة شهد تحسناً. قال أحدهما: "صارت المحكمة مهتمة بمسار التقاضي أكثر من ذي قبل، ونتيجة لذلك صرنا نرى عددا أقل من المحاكمات التي تعتمد على الاعترافات، وعددا أقل من مزاعم التعذيب. وبمرور الوقت، صارت المحكمة أكثر وعياً حيال الأفراد الذين يستخدمون مزاعم الانتماء إلى داعش للانتقام الشخصي".
واوضحت المنظمة ان "هناك بعض المؤشرات على أن معايير الإثبات المعززة هذه صارت تُعتمد في مناطق أخرى. ففي بيان صدر في 7 شباط، أشار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى ارتفاع في استخدام الشرطة المحلية في بغداد وديالى للمذكرات وجمع الأدلة لدعم التحقيقات الرامية إلى ملاحقة الجناة بطريقة سليمة".
وقالت جهة دولية تراقب المحاكمات لـهيومن رايتس ووتش إنها لاحظت اعتماد معايير إثبات معززة في الكرخ، وهي واحدة من محكمتين جنائيتين في بغداد. غير أن باحثي هيومن رايتس ووتش لاحظوا في تشرين الأول 2018 أن قضاة الهيئة الثانية في المحكمة الجنائية في الرصافة مستمرون في معالجة القضايا فقط بالاعتماد على اعترافات المتهمين، رغم أن هؤلاء يزعمون في كثير من الأحيان أنها انتُزعت تحت التعذيب. يشير ذلك إلى أن المعايير الجديدة لا تُعتمد بشكل متسق في جميع أنحاء العراق. يتعين على السلطات النظر في إمكانية إحالة قضايا من بغداد إلى محكمة مكافحة الارهاب بنينوى إذا كان يُعتقد أن المشتبه به ارتكب جريمته في نينوى. وقالت المنظمة: إضافة إلى ذلك، تظلّ المخاوف المتعلقة بالتعذيب والاعتماد على الاعترافات القسرية قائمة. إذ يقول المحاميان، اعتمادا على ملاحظاتهما، إن التعذيب والوفاة رهن الاحتجاز مستمران. ففي محاكمة متهم بالانتماء إلى داعش راقبتها هيومن رايتس ووتش في بداية 2019، أنكر المتهم بعض التهم التي كان قد اعترف بها، وقال إن عنصرا أمنيا هدده "بإعادته إلى السفينة" لضربه مجددا إذا غيّر أي جزء من اعترافاته في المحكمة. السفينة قرية إلى الجنوب من الموصل، حيث وثقت هيومن رايتس ووتش مزاعم التعذيب في منازل مهجورة عام 2017 وسمعت مزاعم متواصلة بشأن سوء المعاملة. أمر القاضي بإجراء فحص طبي بعد مطالبات متكررة من المتهم، لكنه لم يطلب أي معطيات أخرى ولم يطالب المتهم بإظهار أي علامات على جسده تتناسب مع تعرضه للتعذيب. ولاحظ فريق هيومن رايتس ووتش أن القضاة يتجاهلون مزاعم التعذيب بشكل روتيني، ويكادون لا يحققون أبدا مع عناصر الأمن المتهمين.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن قانون مكافحة الإرهاب العراقي (رقم 13/2005)، الغامض والمليء بالعيوب، ما زال مصدر قلق بالغ. يغطي هذا القانون مجموعة واسعة من الجرائم، تشمل الانتماء إلى تنظيم إرهابي أو تقديم دعم له. ورغم أن السلطات القضائية تستطيع إصدار أحكام مخففة، إلا أن القانون ينص على عقوبة الإعدام في حق كل من يرتكب عملا ارهابيا أو يحرض عليه أو يخطط له أو يموله أو يساعد على ارتكابه.
في قضيّة بمحكمة مكافحة الإرهاب في نينوى مطلع كانون الثاني الماضي، حُوكم ممرض بموجب قانون مكافحة الارهاب لأنه قدم رعاية طبية لعناصر من داعش بعد أن سيطر التنظيم على المنطقة. يحظر القانون الإنساني الدولي محاكمة العاملين في المجال الطبي الذين يقومون بواجبات طبية متوافقة مع أخلاقيات مهنة الطب.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على السلطات العراقية وضع خطّة منسقة تعطي أولوية لمحاكمة الذين ارتكبوا أكثر الجرائم خطورة وذلك بتوجيه تهم تشمل كل الجرائم المرتكبة، يكون فيها للضحايا دور واضح. كما ينبغي على السلطات إسقاط التهم الموجهة إلى الذين كانت لهم وظائف ساعدت في حماية حقوق الإنسان في ظل داعش.
وفي 24 شباط الماضي، راسلت هيومن رايتس ووتش كلاً من مدير مكتب حقوق الإنسان في "المجلس الاستشاري لرئيس الوزراء" محمد طاهر الملهم، ووزير الخارجية محمد الحكيم، والمفتش العام لوزارة الداخلية جمال الأسدي، لتسألهم عما إذا كانت الحكومة قد حققت في مزاعم سوء معاملة السجناء التي نشرتها هيومن رايتس ووتش في تقرير في آب 2018. كما راسلت القاضي فائق زيدان لتسأله عن الخطوات التي يتعيّن على القضاة اتباعها في حال ادعى المتهم تعرضه للتعذيب. لم يردّ أي منهم على رسائلنا.