نافذة من موسكو..بصدد آفاق قطع التعاون العسكري بين العراق وأميركا

Sunday 12th of May 2019 12:00:00 AM ,
العدد : 4428
الصفحة : آراء وأفكار ,

د. فالح الحمـراني

رسخت أمريكا وجودها العسكري في العراق أكثر، منذ بداية العملية العسكرية ضد داعش،. وفي خريف عام 2014، وبمبادرة من الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، تم تشكيل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب لمحاربة داعش. وقدم سلاح الجو الأمريكي مساعدة كبيرة للقوات المسلحة العراقية في قمع مراكز مقاومة داعش في سياق العملية العسكرية لتحرير الموصل. ويرابط حالياً في العراق 5200 جندي أمريكي، وتنتشر في البلاد خمس قواعد عسكرية أمريكية. وبعد النصر العسكري على داعش تغيرت أهداف وغايات الوجود الأمريكي في العراق. ووفقا لاعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في شباط الماضي فان الهدف الرئيس للجيش الأمريكي في العراق هو" مراقبة النشاط المدمر لإيران". وفي هذا الصدد، تتصاعد الأصوات في الأوساط السياسية العراقية، الداعية بإصرار أكبر إلى وقف محاولات جعل العراق ساحة معركة بين الولايات المتحدة وإيران، وسحب القوات الأميركية من هذا البلد العربي.
بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بغداد في 11 آذار، شكر محمد الحلبوسي ، رئيس البرلمان العراقي، الولايات المتحدة على إسهامها في انتصار العراق على داعش. وفي حديثه في مؤتمر صحفي يوم 29 آذار، أشار إلى أن التحالف المناهض للإرهاب قدم لقوات الأمن العراقية مساعدة كبيرة في مجال الاستخبارات. واعرب السيد الحلبوسي عن الثقة أن الإرهابيين هم الفائزون في حالة قطع التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والعراق. في الوقت نفسه، لا يشارك الكثير من السياسيين العراقيين النافذين وجهة نظر رئيس البرلمان. فبعد ثلاثة أيام من تلك التصريحات، قال نائب في البرلمان العراقي يمثل كتلة الفتح إن ائتلافه "يرفض رفضاً قاطعاً وجود قوات عسكرية أجنبية في العراق" ودعا إلى انسحاب الوحدة الأميركية التي قوامها 5200 جندي من أراضي العراق. وحذر زعيم عصائب أهل الحق، الشيخ قيس الخزعلي، الأميركيين بشدة: إذا لم تغادر القوات الأميركية طواعية، فلدينا وسائل أخرى لم يعرفها الأميركيون بعد، لإقناعهم أن يفعلوا ذلك. وجاء بيان الخزعلي هذا بعد زيارة قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب قاعدة "الأسد" الأميركية في العراق. وكانت هذه الزيارة قدر رُتبت بشكل وقح وفظ. ولم يرغب رئيس الولايات المتحدة في زيارة بغداد، وحتى الجزء العراقي من القاعدة للقاء كبار القادة العراقيين بحجة تهديد أمنه.
لقد أثارت تصريحات البرلمانيين العراقيين بالفعل أول رد فعل من واشنطن. وقال مايكل نايتس، الباحث في معهد جورج واشنطن، الذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع كبار الضباط الأميركيين في العراق:"إذا كنا نعتبر ضيوفاً غير مرغوب فيهم، ولا تستطيع جيوبنا تحمل العبء المالي، فماذا نفعل بحق الجحيم في العراق" ؟ ". وعلى الرغم من حقيقة أن الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي قد أكدا مراراً وتكراراً على الحاجة للوجود العسكري الأميركي على ضوء الهجمات الإرهابية المتكررة التي شنها تنظيم داعش، إلا أن الخلافات السياسية الداخلية وضعت تطوير التعاون العسكري بين البلدين موضع تساؤل. بالطبع، أن القيادة العراقية لن تقرر في المستقبل القريب طرد القوات الأميركية، لكن الأزمات الدبلوماسية العديدة بين العراق والولايات المتحدة قد تؤدي إلى تمزق العلاقات العسكرية.
يكفي أن نتذكر الحادثة التي وقعت في أيلول من العام الماضي، عندما أطلق مجهولون خلال الاحتجاجات الجماهيرية مدينة البصرة 5 صواريخ على القنصلية الأميركية هناك. لحسن الحظ، لم يصب أي من الدبلوماسيين الأميركيين. وسارعت وزارة الخارجية الأميركية إلى إلقاء اللوم على التشكيلات المسلحة الموالية لإيران، وعلى الرغم من حقيقة أن المتظاهرين أشعلوا النار في وقت واحد بالقنصلية الإيرانية العامة في البصرة، ومقر الأحزاب الشيعية الموالية لإيران. ، وقرر الأميركيون بعد هذا الحادث إغلاق البعثة الدبلوماسية في البصرة، وهو أمر أسفت عليه القيادة العراقية. وقال السفير العراقي لدى الولايات المتحدة فريد ياسين في مقابلة مع وسائل الإعلام الأميركية في شباط من هذا العام: "إذا استطعت ( الكلام للصحفي الذي اجرى المقابلة) إيصال وجهة نظري إلى وزارة الخارجية، فقل لها أننا نأسف لما حدث ونود استئناف عمل القنصلية الأميركية في البصرة". ومع ذلك، لا يشارك جميع السياسيين العراقيين رأي سفيرهم لدى الولايات المتحدة. على سبيل المثال، قال ابو مهدي المهندس، عن تحالف الفتح، وكان سابقا أحد القادة الميدانيين للحشد الشعبي إن القنصلية الأميركية كانت متورطة في خلق الأزمة. في محافظة البصرة. بدوره، أفاد تقرير وزارة الخارجية الأميركية أن العراقيين المحليين الذين تعاونوا مع القنصلية (اقرأ عملاء الخدمات الخاصة الأميركية) تعرضوا للتهديد من قبل مقاتلي الحشد الشعبي.
في 28 نيسان، انتقد زعيم كتلة سائرون وأحد أكثر السياسيين شعبية وتأثيراً في العراق، السيد مقتدى الصدر، السياسة الأميركية في العراق. ومع ذلك أعرب السيد الصدر في الوقت نفسه، عن استيائه من السياسة الإيرانية. وطالب واشنطن بوقف إشراك العراق في الصراع الأميركي الإيراني، واقترح في حال استمرار هذه العملية، إغلاق السفارة الأميركية في بغداد. وعبر السياسي العراقي عن قلقه من أن بعض القوى تجر العراق إلى صراع بين الولايات المتحدة وإيران، ودعا إلى اتخاذ عشرة إجراءات لمنع ذلك. وتشمل هذه إغلاق السفارة الأمريكية في العراق، وكذلك انسحاب الميليشيات الشيعية العراقية من سوريا. وقال ما معناه إن قلقه يزداد يوماً بعد يوم، عندما يرى تدخلين في الشؤون العراقية من قبل معسكرين (إيرانيين وأميركيين ). ووفقاً للسيد لمقتدى الصدر، فإن ضعف الحكومة العراقية والصراعات الداخلية والفساد العام جعل العراق مدينًا لكلا الطرفين، ووضعه في خط المواجهة الخطير بين الولايات المتحدة وإيران. وطالب السيد مقتدى الصدر بإغلاق السفارة الأميركية في العراق، مشيراً إلى أنه إذا بدأت الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران، فستصبح هدفاً لمقاتلي "المقاومة" العراقيين. وفي الوقت نفسه، اقترح سحب الميليشيات الشيعية العراقية من سوريا وإنشاء آلية دائمة للتشاور بين إيران والعراق والمملكة العربية السعودية لوضع تدابير لبناء الثقة في المنطقة.
ويسود الآن في النخبة السياسية في العراق الخوف من الانجرار إلى صراع أميركي إيراني مع ما ينطوي عليه من عواقب غير متوقعة. لقد تعب العراق وشعبه من 16 عاماً من عدم الاستقرار، الذي نشب في البداية من مواجهة بعض القوى والشرائح الاجتماعية الاحتلال الأميركي، ثم ضد الجهاديين والإرهابيين. وفي الوقت نفسه، يرغب عدد كبير من السياسيين في بغداد في أن تقيم بلادهم علاقات متبادلة المنفعة مع كل من إيران والولايات المتحدة. في الوقت نفسه، تريد واشنطن أن ترى في العراق ليس حليفاً لها بالمعنى المعروف للتحالف، وإنما ذنباً يدور في فلكها، ويوافق بدون تردد على المغامرات الأميركية في المنطقة.

*اعتمدت المادة على دراسة للباحث السياسي المهتم بشؤون الشرق الأوسط الكسندر كوزنيتسوف