قناطر: أم الجنوب تالة معن الخليل

Saturday 25th of May 2019 12:00:00 AM ,
العدد : 4437
الصفحة : الأعمدة , طالب عبد العزيز

 طالب عبد العزيز

"منحنا ظفائرنا للحمامات كي تنسج لها عشاً دافئاً" بهذه الجملة تختتم تالة حديثها وهي تتحدث عن مشروعها في محاربة السرطان عند الاطفال، حيث ابتدأت داخل أروقة مستشفى الطفل في البصرة، أو وهي تتنقل في أروقة أكاديمية المحاربين، وهذه تسمية أطلقتها على الأطفال هؤلاء، وعبر روح لا تعرف السأم والملل واليأس، ظلت ترتب المكان وتعد الطعام وتربت على الطفلة هذه، وتعيد ترتيب جديلة تلك، وترحب بالقادمين الجدد مع فريق متطوع، من الشباب(بنات وأولاد) كانوا بحق شموع جمال وأمل قدموا لنا صورة مختلفة أخرى عن مدينة لا تريد أن تموت.
تقول تالة:"أسستُ مدرسة في المستشفى، يكمل الأطفال المصابون بالسرطان دراستهم فيها، بقسمين علمي وثقافي، وجئت بنظام دراسي أميركي لمعالجة الطفل المعاق بأي إعاقة كانت، تعتمد الموهبة وإعادة الثقة له، وفي المدرسة مختبرات وحاسبات والكترونيات وهناك عزف وموسيقى ومسرح وغناء وتمثيل ونجحت الاكاديمية، فقد جمعت المعاقين بمختلف الإعاقات فيها، فرأيت إنهم متعاونون حيث يساعد المعاق بمتلازمة داون زميله، يشدُّ قيطان حذائه أو يساعده في تناول طعامه، والبنت تمشط شعر صديقتها التي تختلف عنها في الإعاقة، وكنت أقول لهم:" أنت معاق، لا تيأس. جمعتهم في الاكاديمية لكي لا يشعر الواحد منهم بإعاقته.
تمكنت تالة من الحصول على المبنى الخاص بالاكاديمية من الدولة، فقد استحصلت الموافقة على تأجيره مدة ثلاث سنوات، أرادت أن تجعل من الاكاديمية مدرسة رسمية، لكنها لا تريد أن تخضعها لمناهج وزارة التربية، وهدفها من ذلك ان يعيش الطفل المصاب بالسرطان حياة سعيدة، بغض النظرعن إامكانية شفائه، فهي متروكة للرب والطب.
لم تعطِ تالة معن الخليل رقماً عن عدد المصابين بالسرطان من الأطفال، داخل المستشفى، فهو شأن إدارة المستشفى، لكنها تقول بانها خاصة بمدن الجنوب( البصرة والعمارة والناصرية والسماوة) وهي تستقبل ما معدله أربع حالات في الأسبوع أو عشرين حالة في الشهر. لكنني توقفت عند أحد المقاطع الفيديوية التي على اليوتيوب، حيث تظهر فرقة غنائية من الأطفال المصابين بالسرطان عددهم 21 طفلاًً ، كانت تالة تعمل على تحفيظهم النص الغنائي، لكن لم يبق منهم سوى ستة فقط، هم الذين ظلوا ينشدون:" سوف نبقى هنا كي يزول الالم \ سوف نحيا هنا سوف يحيا النغم" .
تكره تالة، الطالبة في كلية الصيدلة \مرحلة ثالثة عبارات مثل (خطية، مسكين، يعْدي، الله كريم ..) التي غالباً ما يرددها الناس حال رؤيتهم المرضى هؤلاء، وتقول بأنها كلمات عاجزة، المواجهة هي الطريق الصحيح، وغرس الأمل في نفوس المرضى مسعاي الأول. لا تضع كماماً على فمها، وتعانق الأطفال وتقبلهم وتحتضنهم فهم يسمونها أم الجنوب، أو ماما تالة.
امرأة من هذا الزمان بحق. لو كانت في بلاد غير العراق لأقاموا لها النصب والتماثيل في حياتها، ولأخذت المعاهد والكليات بها نموذجاً في الشجاعة والمطاولة والتحدي. هي شعلة أمل وإصرار وقوة لا نظير لها بين النساء العراقيات. لتالة ننحني وننحني طويلاً .