خبراء الفقه الإسلامي وثوابت أحكام الإسلام (4 - 4)

Monday 10th of June 2019 08:24:14 PM ,
العدد : 4446
الصفحة : آراء وأفكار ,

هادي عزيز علي

ماهي ثوابت أحكام الإسلام التي قصدها المشرع الدستوري في المادة ( 2 \ أ ) ؟ والتي تسميها بعض القوانين العراقية : ( مبادئ الشريعة الاسلامية ) كما في القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية ، وهل لدينا اجماع فقهي على تلك الثوابت مع التشظي المذهبي المُقصي للآخر ؟ وهل يتوافق ديوان الوقف الشيعي مع نظيره السنّي على ثوابت ما ؟

الإجابة على الأسئلة هذه صعبة فضلاً عما يشوبها من المحاذير المفضية الى تأصيل الواقع الطائفي . ولا نريد التورّط في الاختلاف المذهبي وما يصاحبه من إشكلات نحن في غنى عنها في هذا الظرف الذي يسلب فيه المواطن من أبسط استحقاقاته ومطالبه . وبعيداً عن الاجتهادات الفقهية في الثابت والمتحول في أحكام الشريعة الاسلامية وثوابتها فإننا نستعين بحكم المحكمة الدستورية المصرية المرقم 201 \ 23 الصادر بتاريخ 15 \ ديسمبر (كانون الأول) \ 2002 . الصادر بهذا الصدد .

في طعن لقانون (الخلع )المصري المرقم (1) لسنة 2000 مقدم الى المحكمة الدستورية المصرية يطلب مقدمه الحكم بعدم دستورية القانون المذكور لمناقضته لأحكام الشريعة الاسلامية ، وعندما عرض الموضوع على هيئة المحكمة الجليلة ، فقد بينت المحكمة في حيثيات الحكم بأن الدستور المصري – النافذ حينئذ – نص بعدم جواز صدور نص تشريعي يناقض الاحكام الشرعية ( القطعية ) ، وبينت ان المقصود بالأحكام القطعية هي : ( الأحكام وحدها التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل من الشريعة الاسلامية ثوابتها التي لا تحتمل التأويل والتبديل ) . ومعروف إن رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية المصرية مشهود لهم بسعة العلم القانوني وتمكنهم من أصول الفقه الإسلامي وأحكام الشريعة الاسلامية ووصل البعض منهم لدرجة الفقيه . وقد تفيأت العديد من المحاكم الدستورية العربية في ظلال أحكامها .

إذن الأحكام القطعية - وحسب توصيف المحكمة الدستورية المصرية – هي الأحكام القطعية التي لا تقبل الاجتهاد ، فالقول مثلاً إن الصلوات خمس ، هي خمس بشكل قاطع لا تقبل الزيادة أو النقصان من حيث التكليف ، وإن حج البيت يسقط فرض الله على المسلم إذا حج لمرة واحدة ، أما إذا رغب المسلم الزيادة في الحج فهي من باب السياحة وليس من باب العبادة . هذا وتضيف المحكمة المذكورة إن ما جاز الاجتهاد به يخرج من نطاق الأحكام القطعية ويدخل نطاق الأحكام الظنية في ثبوتها ودلالاتها التي تتسع مع التطور وتنهض وقائع جديدة توجب التنظيم تماشياً مع مصالح العباد وتمشياً مع المبدأ الذي يقول ( لاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان) .

وأمام هذا الوضع تواجهنا مشكلة الاجتهاد في الأحكام القطعية وتطبيقاتها مذهبياً الأمر الذي يربك تلمس ثوابت أحكام الاسلام . فيكون من ثوابت أحكام الاسلام في هذا المذهب لم يعد كذلك في المذهب الآخر ، وبعبارة أخرى إن ثوابت أحكام الإسلام – مذهبياً - مختلفة وغير متطابقة مع صريح النصوص القرآنية ومقاصد الشريعة الاسلامية وبعيدة كذلك عما أراد لها المشرع الدستوري . ولغرض توضيح هذا الأمر وتقريبه نضرب البعض من الأمثلة وعلى سبيل المثال لا الحصر وعلى الوجه الآتي :

من ثوابت أحكام الإسلام الحرمة من الرضاعة فلا يجوز سن قانون يخالف أحكام هذه الحرمة لصرامة النص القرآني ونهييه : [ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ... ] النساء 23 . فالأخت من الرضاعة محرم زوجها من أخيها من الرضاعة . ولكن الحرمة من الرضاعة تنشر برضعة واحدة في المذهب الحنفي ، فاذا ما تزوج حنفي المذهب من اخته في الرضاعة الراضع معها رضعة واحدة عد مرتكباً لجريمة الزنا بالمحارم ، وأمام هذا الوضع الجلل في هذا المذهب لا نجده نظيره على معتنقي المذهب الجعفري وغير منطبق عليهم . فله بموجب شرعهم الزواج منها ولو رضع معها أربع عشرة رضعة لأنها ليست اخته من الرضاعة حسب أحكام مذهبهم ، لكون الحرمة لديهم تنشر بخمس عشرة رضعة متواصلة ، والأربع عشرة رضعة لديهم لا تكمل نصاب الحرمة وتنشرها فلا مانع شرعي لديهم من الزواج بها وبذلك يكون الثابت في المذهب الجعفري مختلف عما هوعليه في المذهب الحنفي .

الطلاق والبينونة الكبرى – من ثوابت أحكام الإسلام إن المطلقة ثلاثاً لا تعود لعصمة الزوج إلا أن تتزوج غيره استنادا للآية : [ فأن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ] البقرة 230 . والمختلف هنا هو أن الأمامية لا تصل الى البينونة الكبرى إلا بعد أن يطلقها ثم يراجعها ويطأها، ثم يطلقها في طهر آخر ثم يراجعها ويطأها ثم يطلقها فتبين بينونة كبرى ولا يحق له الزواج بها إلا ويحللها المحلل ، وخلافاً لذلك نجد في أحد المذاهب خلافاً لما هو موجود في المذهب الجعفري . إذ أن الطلاق المتعدد ثلاثاً لفظاً في مجلس واحد تبين بينونة كبرى ويجب أن يحللها محلل ، فأين نحن من ثوابت أحكام الاسلام في البينونة الكبرى والحالة هذه .

ومما يزيد الطين بلة أن القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية اشترطا الحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية في حالة عدم وجود نص تشريعي في القانونين المذكورين ، والمقصود بالمبادئ هنا ثوابت أحكام الإسلام ، إلا أن التطبيقات القضائية ومنذ صدور القانون المدني في بدايات خمسينات القرن الماضي وكذلك تطبيقات قانون الاحوال الشخصية جنحت الى تطبيق احكام المذاهب على الحالات التي لم يتضمنها نص قانوني واستقرت أحكامها على هذا الوضع بدلاً من مبادئ الشريعة الاسلامية إذ الأحكام تصدر حسب الهوية الجزئية للمتداعيين ، وهذا مرتع خصب يسهل أن يوظف من قبل الوقفين الشيعي والسنّي في التعامل مع ثوابت أحكام الإسلام . وهناك تفاصيل عديدة لا يمكن حصرها أو عدها للمختلف على الثوابت وبالامكان الرجوع إليها في المصنفات التي تضمنت تفاصيلها ولكل المذاهب .

إن ما يهمنا في هذا الموضوع هو ألا يوظف هذا المختلف في ثوابت أحكام الاسلام للنيل مما اكتسبه المواطن من حقوق وحريات سطرتها التشريعات ، ونحن نتوجس خيفة في أن يظهر علينا أحد منتسبي هذا الوقف أو ذاك ليقول لنا إن الاتفاقيات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان المصادق عليها من قبل العراق وأصبحت جزءاً من نسيجه التشريعي ما هي إلا بدعة أوجدها الغرب للنيل من ديننا الخنيف . هنا تكمن خطورة وجود خبراء الفقه الاسلامي ضمن هيئة المحكمة الاتحادية العليا والمشاركة في إصدار الأحكام .