مأزق المشروع الاخواني بعد رحيل مرسي - 4 -

Tuesday 25th of June 2019 06:42:33 PM ,
العدد : 4457
الصفحة : آراء وأفكار ,

د. حسين الهنداوي

دولة المخابرات الناصرية وقمعٌ خدمَ الإخوان

مشروع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في إقامة حزب واحد لمصر، هو (الاتحاد الاشتراكي)،

وإلغاء وتحريم جميع الأحزاب الأخرى، كشف عن نزعة دكتاتورية واضحة خلف المشروع، ولا سيما لاقترانه بتحول النظام الناصري التدريجي إلى نظام تسلط وطغيان، بتشجيع من الاتحاد السوفييتي البائد وأجواء الحرب الباردة عموماً، كانت أبرز ملامحه مظاهر عبادة الشيخ أو الضابط، واستفحال جهاز مخابرات لا يتردد في استعمال كل أشكال القمع والمصادرة لتمرير أحكامه الجائرة وشيوع الفساد والمحسوبية وترهّل الأجهزة العسكرية والإدارية.

وهكذا، لم تلبث حركة الإخوان المسلمين المصرية عموماً، وخلفها السورية، أن وجدت نفسها، عبر سيد قطب ومحمد قطب وغيرهما، تعارض سلطة انقلاب يوليو1952، هذه المرّة رافضة مهادنتها في موقف جلب لها غضب عبد الناصر، الذي قام، نهاية عام 1954، باعتقال سيد قطب وتعريضه إلى التعذيب النفسي والجسدي القاسي. وقد استمر سجيناً في معتقلات عبد الناصر إلى عام 1964، إلا إنه قام، خلال هذه المدة من الاعتقال، بكتابة (في ظلال القرآن)، مستفيداً من وجوده في مستشفى سجنه، الذي نقل إليه بسبب إصابته بمرض صدري.

هكذا كتب سيد قطب (في ظلال القرآن). ومن مقتطفات مختارة من كتابه الكبير هذا، قام قطب بإصدار كتيب بعنوان (معالم على الطريق)، عام 1965، بموافقة من سلطات الرقابة المصرية في الواقع، إلا إن تلك السلطات سرعان ما انتبهت إلى الاستقبال الشعبي والرواج الواسع لتلك المقتطفات، كما انتبهت خاصة إلى طابعها الثوري وحتى التحريضي، ما جعلها تعمد بعد صدور طبعته الخامسة، إلى استعماله دليلاً قاطعاً على وجود (تنظيم سري مسلح) لحركة الأخوان، وعلى وجود مؤامرة على حياة عبد الناصر وكبار المسؤولين في نظامه. وكانت الطبعة الخامسة كافية لإثبات ذلك بالنسبة لشمس الدين بدران، وزير داخلية جمال عبد الناصر، الذي كان متعطشاً لتصديق أية تهمة ضد قطب، فقام بإصدار منع على تداول الكتاب، وأمر بإعادة سيد قطب وعدد من أصحابه إلى زنزانة دامسة الظلام، تلاه بالاستجواب تحت التعذيب الجسدي والنفسي، ثم المثول أمام محكمة طوارئ خاصة، سارعت إلى الحكم عليه بالإعدام، الذي نُفّذ بعد مدة قصيرة جداً، إذ قامت السلطات الناصرية بإعدام قطب في 29 آب/ أغسطس 1966. هذه هي باختصار قصة حياة سيد قطب واستشهاده. ولدينا عن فصولها، الآن، معلومات وافية جداً تمنح النظرية الفكرية أبعاداً أكبر. تلك الممارسات الحكومية القمعية البليدة منحت أفكار سيد قطب، ولا سيما كتابه (في ظلال القرآن)، أهمية ثورية استثنائية برغم محاولته الظهور بمظهر نظري على صعيد التوجه السياسي، إذ إن رشيد رضا ومحمد عبده كان كلاهما من كبار الفقهاء ورجال الشريعة الإسلامية، وبالتالي فان تفسيرهما للقرآن قام أساساً، وبالضرورة، على استلهام التفسيرات الدينية السابقة، وفق منظور حديث إنما دون اختلافات جوهرية.

أما سيد قطب فهو، بالمقابل، رجل أدب دنيوي وفكر سياسي واقعي يسعى إلى تحقيق ما يعتبره المجتمع الإسلامي المنشود والممكن التحقيق، بل يذهب البعض إلى اتهامه بالعلمانية، كما أن (في ظلال القرآن) لا يقدم نفسه بوصفه تفسيراً أصولياً وتقليدياً، وسيكون من غير الأمانة أن ننظر له أو نحلله بوصفه تفسيراً دينياً للقرآن، بينما كان سلسلة من المواعظ لـ «الدفاع عن الإسلام»، على ما يقول البعض، أو مرشداً في معرفة دور القرآن في رسم وتحديد طريق الأمة الإسلامية، أي طريق الغد على ما يقول البعض الآخر، الذي يعد (في ظلال القرآن) دليل الحكومة الإسلامية والثورة الإسلامية المنشودتين. من هنا، نستطيع مقارنته بكتاب (الحكومة الإسلامية)، الذي أصدره الإمام الخميني في سنوات الستينيات من مقر إقامته في النجف الأشرف، غير أن كتاب (في ظلال القرآن) وكتابات سيد قطب عموما تظل أشد عمقاً وأكثر ثراء وقوة ومنهجية من كتاب الخميني المذكور، وتقتصر المقارنة بين الكتابين على إظهار الأهمية الخاصة لكتاب (في ظلال القرآن) في تصور المثال الذي تتبناه وتسعى له الحركة الجهادية الإسلامية في العالم العربي اليوم. ومن هنا نقول إن (في ظلال القرآن) يمكن مقارنته، أيضاً، مع كتابات مؤسسي حركة البعث العربي، وبشكل خاص كتابات زكي الأرسوزي وميشيل عفلق في الثلاثينيات والأربعينيات التي حاولت هي، أيضاً، أن تستلهم مثال المجتمع النبوي في المدينة المنورة، أي المجتمع الإسلامي الأول، بيد أن استلهام سيد قطب يختلف بشكل جوهري عن الاستلهام البعثي، على الرغم من توافق الاثنين باستخدام مفهوم البعث، العربي لأحدهما، والإسلامي للآخر، فالمثال القطبي يختلف في آفاقه وأدواته عن المثال البعثي، وكذلك في نتائجه، فكما أن التصور القطبي مسؤول بشكل ما عن الطابع (الإرهابي) الشعبي الذي ستأخذه بعض فصائل حركة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا خصوصاً، باسم (التكفير) كذلك فإن التصور البعثي مسؤول عن ظهور إرهاب الدولة الذي مارسته سلطتا البعث في دمشق وبغداد، على الرغم من أن سيد قطب والبنا لم يريدا، أبداً، تبرير الإرهاب باسم الإسلام، سواء ضد عبد الناصر ونظامه أو ضد غيره من الأنظمة، كما أن الأرسوزي وعفلق لم يهدفا إلى أن يقترن البعث العربي بإرهاب الدولة البعثية في العراق وسوريا.