علي الوردي ..ودراسة المجتمعين العراقي والعربي

Saturday 13th of July 2019 04:01:29 PM ,
العدد : 4468
الصفحة : فديوهات ,

تأليف: د. حميد الهاشمي 

الطبعة الأولى – 2011

مراجعة: فريدة الأنصاري 

علي  الوردي واحد من أعظم العلماء  العرب الذين يفتخر بهم العراق، تجلت عظمته  في كتاباته وطروحاته التي تناول فيها المجتمع العراقي، وتاريخ العراق  وفق  المنهج الباراسايكولوجي،متحدياً منهجاً وتياراً أختص بمخاطبة السلطة  وتبجيلها بصفات تصل إلى حد التأليه.

فأثارت أراؤه الجديدة والجريئة الأوساط الفكرية العراقية والعربية في حياته وبعد مماته (1913-  1995).

   وعليه فأن الحديث عن علي الوردي كعالم ليس أمراً سهلاً، والحديث عن أفكاره يتطلب من أي باحث أن يجهد نفسه من أجل الارتقاء بجهده إلى مستوى الموضوع نفسه. وهذا ما دأب عليه الباحث الدكتور حميد الهاشمي، الذي كان أحد طلاب الوردي. فعرفاناً منه إلى أستاذه الذي غرس في طلابه الكثير من المبادئ النبيلة وفتح أمامهم آفاق العلم والبحث جهد في تأليف هذا الكتاب ليطلع عليه طلاب العلوم الإنسانية بجميع فروعها، فيتعرفوا على سيرة هذا العالم الجليل الذاتية والعلمية ومنهجه وطروحاته التي بسببها حاربته السلطة الدكتاتورية بأشكال مختلفة،ومنعت تداول أفكاره وطبع كتبه لرفضه صياغتها وفق ما يريدون.

  فالكتابة عن علي الوردي هي كتابة عن شخص ومجتمع وعلم كما ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب. فالكتابة هي كتابة عن علم الاجتماع،الذي كان قبله يبحث عن مكان له بين العلوم الأخرى"  لقد أعطى الوردي نكهة ومذاقاً لعلم الاجتماع لدى النخبة المثقفة في العراق " والوطن العربي. 

(آل أبي الورد)هو لقب عائلته وغَيْرهُ إلى الوردي بناءً على نصيحة أستاذه العلامة مصطفى جواد،وبعد أن أطلق د.علي الوردي الاسم الجديد على نفسه بقي البعض من عائلته على لقبها القديم، والبعض الآخر أطلق على نفسه الوردي.وهنا يعلق المؤلف بأن هذه كانت أحدى تمردات ومشاكسات الوردي.

 نال شهادة الماجستير في عام 1947في علم الاجتماع والدكتوراه في عام 1950ونال تكريم حاكم ولاية تكساس لتفوقه في الدراسة. عاد إلى العراق بعد ذلك، وعمل مدرساً في جامعة بغداد،ليكون من أوائل أساتذة قسم الاجتماع. دعي لمناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه في الكثير من البلدان العربية والأجنبية،وشغلت جميع فرضياته المجتمع العراقي منذ حصوله على شهادة الدكتوراه حتى يومنا هذا،فدخل في مناقشات وتحليلات سوسيولوجية عني بها النقاد والكتاب والمفكرون. ويرجع ذلك كما يذكر المؤلف إلى عمق الموضوعات والآراء والأحكام التي قدمها في دراسته،وتقييمه للمجتمع العراقي،فغاص في أعماقه، ودرس الظواهر العامة والخاصة والمتناقضة والمنسجمة ورصد الأمراض الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العراقي والعربي،ليقدمها بجرأة وبأسلوب سلس بعيد عن التعقيد في عدد من البحوث والكتب. غير أن معظم أفكاره وطروحاته شكلت مصدر إزعاج للسلطة الحاكمة في العراق، وبالمقابل قامت السلطة بتضييق الخناق عليه بدءاً من منعه من التدريس في الجامعة وسحب لقب أستاذ متمرس إلى منع تداول كتبه وسحبها من كافة المكتبات بذريعة "السلامة الفكرية " في حين أنه أول من دعا إلى علم اجتماع عربي يدرس المجتمع العربي في ضوء خصوصياته الجيو- ثقافية وانطلاقاً من طروحات ابن خلدون التي شكلت نواة معرفته 

 وبغية أعطاء صورة عن معاناة وصمود هذا العالم الجليل يمضي د. الهاشمي بتسليط الضوء على سيرته الشخصية، مستعرضاً مؤلفاته ومقالاته وبحوثه سواء ما نشر في الصحف والمجلات أو المؤتمرات العلمية أو ما ترجم إلى اللغات الأخرى، والتي من خلالها ومن خلال حسه السوسيولوجي، تطوير النظريات اجتماعية التي تخص المجتمع العربي عامة والعراقي خاصة،مما ساعد على فهم طبيعتهما ومشكلاتهما المتعددة.

   أتسمت جميع طروحاته بوحدة الموضوع،وظهور معالم الشخصية الفكرية والعلمية كما يؤكد المؤلف،ففي معظم مؤلفاته ركز على ازدواجية الإنسان العراقي، والتي يعرفها بأنها ظاهرة اجتماعية تحدث في كثير من المجتمعات عندما يظهر لديهم صراعا مشيراً إلى الفرق بين الازدواجية النفسية التي تعني انفصاما في شخصية المريض، والازدواجية الاجتماعية.التي تعني تناقضا سلوكيا في المواقف،بمرجعية تقليدية موروثة وأخرى جديدة مكتسبة. 

   شكلت فرضيته هذه عن الإنسان العراقي - والتي تعد باكورة طروحاته والتي ألقاها عام 1950في محاضرة -  فهو وفق ما يذكر يعد من أكثر الأفراد هياماً بالمثل العليا،ولكنه في الوقت ذاته أكثرهم انحرافاً عنها في واقعه الاجتماعي. ويمضي الباحث في تسليط الضوء على هذه الفرضية التي تعد محاولة أولية لتفسير طبيعة المجتمع العراقي كظاهرة اجتماعية،وليست ظاهرة نفسية، شاع استخدامها بين أفراد المجتمع العراقي، رغم الجدل الواسع التي أثير حولها  بين أوساط المختصين بين مؤيد و رافض التي يشير إليها الباحث في المبحث الثاني من الكتاب والذي يتطرق فيه أيضاً إلى فرضية التناشز الاجتماعي التي استقاها من مقولة عالم الاجتماع وليم اوغبرن  " الفجوة الثقافية ". 

   تعد فرضية التناشز الاجتماعي من الطروحات المهمة للدكتور الوردي وتعني وفق طرحه الصراع العنيف أو التناقض بين القديم والجديد،الناجم عن التغيرات السريعة في الحياة،نتيجة التقدم التكنولوجي،وما يترتب عليه من تغيرات سلوكية.فالحضارة الحديثة قد جلبت لنا أفكار ومبادئ تتناقض مع عاداتنا الاجتماعية التي ترعرعنا عليها مثل مبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة وحقوق المرأة فهي في حياتنا اليومية  لا تنسجم مع مفاهيم العصبية القبلية والجيرة وحق الزاد والملح.

 وأما الفرضية الأخرى فتدور حول وجود صراع مترسخ بين قيم البداوة والقيم الحضرية.ويمضي الباحث وفق نظرة تحليلية قائمة على دراسة علمية لطروحات الوردي، مشيراً  إلى فرضيات الوردي الأخرى.

   لقد حاول الوردي في فرضياته التوفيق بين النظريات الحديثة ونظرية أبن خلدون متبعاً المنهج الوضعي والذي " يقوم على ملاحظة الظواهر لتحديد عناصرها الجزئية  وتقرير طبائعها،تمهيداً للوصول إلى أسبابها المباشرة، أو تحديد القوانين التي تخضع لها هذه القوانين " واتفق مع أبن خلدون في رفضه للمنطق الأرسطي وتحرره من القيود القديمة وظهر ذلك واضحاً في كتابيه " وعاظ السلاطين "و " مهزلة العقل البشري " مشيراً بأن ذلك كان سبباً في طفرته العلمية التي ميزته عن غيره من العلماء.

  ومن المسائل الأخرى التي اتبعها ابن خلدون وأثارت أعجاب وحماس الوردي هي رفض أبن خلدون لما عرف بقانون عدم التناقض الذي ينص على أن الشئ إذا كان حسناً لا يمكن أن يكون قبيحاً والنقيضان لا يجتمعان. 

 أستخدم الوردي أيضاً المنهج التاريخي باعتباره منهجاً علمياً قائماً على فرضية أو مجموعة فرضيات.وفي هذا السياق يشير الباحث الدكتور الهاشمي إلى طرق بحث ووسائل جمع البيانات لدى الدكتور الوردي.الذي يصفه بالجراح الماهر ذو المبضع الحاد لتشريح الجسد الاجتماعي للمجتمع العراقي،وتشخيص أمراضه التي جسدت أمراض المجتمع العربي أيضاً.وفي هذا الصدد يذكر بأننا لا يمكن أن ننكر خصوصية المجتمع العربي وما تجمعه من سمات عامة، ترجع إلى أصول حضارية مشتركة،وبيئات جغرافية متشابهة، وظروف تاريخية مماثلة،واختلاط واسع بين أقاليمه وحركات سكانية مستمرة إلى فترة قريبة، تمثلت بهجرات قبائل كاملة إلى كافة الاتجاهات.وفي هذا السياق يتتبع الباحث نشأة علم الاجتماع في كل قطر من الأقطار العربية وفي جامعاتها  ليثبت أن علم الاجتماع في الوطن العربي نما على هامش المجتمعات العربية، ووفقا لفكر أبن خلدون وطروحاته الاجتماعية ويقدم على ذلك نموذجاً العراق والدكتور  علي الوردي.

 يختتم الدكتور الهاشمي هذا الكتاب القيم عن شخصية فذة كان ولا زال لها باع كبير على امتداد الوطن العربي في جعل علم الاجتماع علماً قائماً بذاته في الجامعات العربية ببيان معانات هذا العالم الجليل في أواخر حياته والتي هي في الحقيقة معاناة ومأساة الكثير من علماء وادي الرافدين الذين أسهموا في بناء الصرح العلمي والبحثي للعراق وأصابهم ما أصاب الوردي أو طوتهم الذاكرة مثل جعفر الخليلي،طه باقر، جواد علي، فيصل السامر،  كاظم شبر...حياة شرارة  الخ وارى بأن الدكتور الهاشمي قد وفق في اختيار صورة الغلاف للعلامة الوردي في ريعان شبابه وخلفه مكتبته  والبسمة تعلو وجهه وهو بين مناهل علمه والصورة التي وضعها في الصفحات الأخيرة من الكتاب التي عبرت عن مأساته ومعاناته ونظرته الثاقبة للمجتمع العراقي وهنا يحضرني بيت للمتنبي ردده الوردي في آخر حياته وهو في أواخر حياته.

  أتت وحياض الموت بيني وبينها    وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل.