المتمردون..لنطفو ..على حطام السفينة الغارقة - الحلقة العاشرة

Saturday 27th of July 2019 10:08:43 PM ,
العدد : 4478
الصفحة : عام ,

 علــي حســـين

لا وجود اليوم لأبطال الروايات، لأن ليس هناك شخصيات فردية، ولأن الفردانية قد اختفت، ولأن الانسان بات معزولا، بحيث أن كل انسان أصبح منفردا بالقدر ذاته،

ومحروما من العزلة الفردية، ومشكلا كتلة فردية خالية من الأسماء والأبطال....غونتر غراس 

حاولت أن تجد ناشراً للقصائد التي كتبها زوجها، لكنها فشلت بعد أن رفض أكثر من ناشر ما اسموه مجرد خربشات لن تسلّي القراء، إلا أن الزوجة العنيدة كانت تؤمن بأن زوجها الذي يتباهى بشواربه التي تشبه شوارب ستالين يمكن أن يصبح يوماً ما شاعراً كبيراً. بعد عام من التجوال بين دور النشر ستقرأ إعلاناً في إحدى الصحف عن مسابقة شعرية، ترسل القصائد دون علم زوجها، وكانت المفاجأة أن فازت قصائد الزوج العنيد إحدى جوائز المسابقة، بعد عام ستصدر المجموعة الشعرية بعنوان "مناقب دجاج الهواء "، وتصاب الزوجة باليأس، فالكتاب لم يلق رواجاً، والزوج ما يزال يعمل في صناعة شواهد القبور، وهي مهنة لم تجلب لأصحابها حياة مستقرة.

لكن غونتر غراس أصر أن يواصل الكتابة، وهذه المرّة سيجرب حظه في الكتابة للمسرح ليصدر عام 1965 أول أعماله المسرحية بعنوان "الطهاة السيئون "والتي ستلاقي نفس المصير الذي لاقاه ديوان شعره الأول، بعد عام ستتم الإشادة بمسرحية قصيرة له بعنوان "الفيضانات "، وستلقى مسرحيته "العم "اهتماماً من صناع المسرح في المانيا لتقدم عام 1958. 

ولد غونتر غراس عام 1927 في مدينة دانتيسغ من أب الماني وأمّ بولونية، كانت العائلة تملك محلاً صغيراً للبقالة، في السنة التي ولد فيها كان ادولف هتلر قد بلغ الثامنة والثلاثين من عمره، وقد انتهى من تأليف كتابه "كفاحي "، وأعاد تنظيم الحزب النازي "الحزب الاشتراكي القومي "، وقد بدأ هتلر وحزبه يكتسحان الحياة السياسية في المانيا، ويخط مصير المانيا الذي سينتهي بكارثة عام 1945، ودخول قوات الجيش الروسي الى المانيا، وانتزاع مدينة دانتيسغ لتصبح ضمن حدود بولونيا، ولما بلغ غونتر غراس السادسة من عمره كان الحزب النازي قد أصبح صاحب السلطة في البلاد، وستنتهي طفولتهه مع إطلاق أول قذيفة مدفعية كانت ترابط بالقرب من دكان أبيه، كان قد أصبح في الثانية عشرة من عمره وسيكتب في مذكراته "تقشير البصلة إن :"طفولتي انتهت عندما اندلعت الحرب في المدينة التي نشأت فيها، كانت المدفعية تضرب في كل مكان، بدأت الحرب بدوي انفجار لاتخطئه الأذن، وأذاع خبرها مذياعنا، الذي كان ينتصب على طاولة جانبية في غرفة المعيشة. هكذا أعلن عن نهاية طفولتي بكلمات من حديد، في شقة في الطابق الأرضي من بناية مؤلفة من ثلاثة طوابق ". .في طفولته تستهويه الرسوم التي يشاهدها على علب السجائر التي تدخنها والدته، يقرر عندما يبلغ الخامسة عشرة من عمره أن يصبح رساماً، يبحث في المكتبات عن كتب تضم لوحات رامبرانت وبوتيشللي وكارافاجيو، ولأن الابن كان مصمما على امتلاك مجموعة من ألبومات فنية لعدد من الرسامين الألمان، كانت الأمّ تحاول أن توفر مبالغ بسيطة من مصروف البيت تمنحها لابنها مصروف البيت لتوفر لابنها مبلغاً بسيطاً لشراء هذه الألبومات، وما إن بلغ العاشرة من عمره حتى كان يحتفظ بألبومات تضم الفن القوطي وعصر النهضة وعصر الباروك، في شقتهم الصغيرة التي تحتوي على غرفتين، واحدة للنوم والثانية للجلوس والطعام، تمكن أن يحجز له مكاناً صغيراً في غرفة الجلوس حيث يحتفظ بكتبه وألوانه المائية، في ذلك المكان الصغير كان عليه أن يتخيل الأشياء التي سيرسمها ليعرضها على جمهوره المكوّن من أبيه وأمه وشقيقته، وفي تلك السنوات أيضاً سيمارس لعبة سرد الروايات الخيالية، وسينضم وهو في العاشرة من عمره الى طلائع هتلر وما أن يبلغ الرابعة عشرة من عمره حتى يجرب حظه في كتابة الرواية، لكنه يفشل فجميع الشخصيات تموت في الفصل الأول، ولم يستطع الاستمرار، وفي هذه السن سيكون عضواً في الشبيبة الالمانية سيطلب للتجنيد، في السابعة عشرة من عمره ليصبح مجنداً في سلاح الجو الألماني، في هذا المكان الذي سيقضي فيه عاماً كاملاً سيشغل وقته بالقراءة وسيتعرف للمرة الأولى عن طريق أحد المجندين على رواية روبرت موزيل رجل بلا صفات، ما أن ينتهي منها حتى يرسل الى امه رسالة يكتب فيها : "تعلمت الدرس الذي سيجعل مني كاتباً. 

في الخامس من نيسان عام 1945 يُعتقل غونتر غراس، كان قد بلغ الثامنة عشرة من عمره ، وسينقل بعد أيام الى معسكر أسرى الحرب الاميركي في مقاطعة لافاريا الالمانية، سيمضي في الأسر عاماً كاملاً ليطلق سراحه عام 1946، وحين يقرر أن يعود بذاكرته الى تلك السنوات نجده يكتب في مذكراته "لقد اعتقدت حتى النهاية أننا كنا نحارب عن حق "، وليبدأ بمراجعة ما أصابه في طفولته وشبابه. بعد الحرب يشتغل عاملاً زراعياً، بعدها تستهويه مهنة عمال المناجم، يعود الى مقاعد الدراسة وهذه المرّة يدرس النحت والرسم في أكاديمية الفنون في دوسلدورف، بعدها يكمل دراسته في برلين ليتخرج عام 1956، وبسبب الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها المانيا بعد الحرب العالمية الثانية، لم يجد غونتر غراس عملاً يعيش من خلاله سوى صناعة شواهد القبور. . بعدها يقرر السفر الى باريس، يطمح بان يلتقي بكبار الرسامين، لكنه يجد نفسه يسكن في غرفة رطبة، عندها يقرر أن يعود لكتابة الشعر، لكنه سيتذكر المحاضرة التي ألقاها الفيلسوف وعالم اجتماع تيودور أدورنو والتي قال فيها إن من البربرية أن يكتب المرء شعراً بعد جرائم النازية. لكنه يكتشف إنه ليس يمكن مخالفة وصية أدورنو إلا بالكتابة، وسيعود لقراءة أعمال روبرت موزيل من جديد. . إنها الرواية التي يمكن أن تقول للعالم إن هناك كاتباً ألمانياً قادر على الكتابة عن المانيا النازية بتجرد ومن دون تبرير لما حصل، وكان لابد أن تكون الرواية عنه، وعن مدينته التي ضاعت هويتها بين ألمانيا وبولونيا، وبطل الرواية اوسكار قد يكون ألمانياً، وفي نفس الوقت يمكن أن يكون بولندياً. . إنه يشبه أبطال روبرت موزيل حيث الحروب والمصاعب جعلتهم يفقدون صفاتهم. . وبعد عامين من الكتابة ستظهر "طبل الصفيح "التي ستعد بمثابة ولادة أدب ألماني جديد غاضب ومتمرد على كل ما جرى خلال العقود الماضية.

******

تتألف الأفكار العظيمة المؤثِّرة من جسد يُعدّ مثل جسد الإنسان متماسكاً غير أنّه واهٍ ومِن روح خالدة تشكِّل دلالتها غير أنّها ليست متماسكة بل تنحلّ إلى لا شيء لدى كلّ محاولة للإمساك بها بالكلمات الباردة 

روبرت موزيل

كان روبرت موزيل المولود في السادس من تشرين الأول عام 1888 في النمسا، والذي عاش أربعة وخمسين عاماً، فقد توفي عندما كان غونتر غراس يدخل عامه الخامس عشر – 15 نيسان عام 1942 – رجلاً قصيراً، امتاز بملامح طفولية، مع درجة فائقة من الأناقة، ظل طوال حياته يعاني من مرض الحنين الى أهله، حاول في بداية حياته أن يدخل الكلية العسكرية لكنه فشل في الفحص الطبي، فاتجه الى دراسة الهندسة التي لم يكملها، حيث ستستهويه الفلسفة بعد أن يعثر على كتب فريدريك نيتشه ، وسيصفها بأنها ثروة فكرية لاتنضب، ثم يتجه لدراسة علم النفس وتجذبه أبحاث فرويد عن التحليل النفس، ويقرر أن يكتب رواية يطبق من خلالها أفكار فرويد على الأدب. . في سن الخامسة والعشرين سيقرأ كتاب أوزفالد شبنجلر "تدهور الحضارة الغربية ". .كان شبنجلر يعلن في معظم محاضراته، إن الأقدار تخلّت عن الغرب وإن هناك ليلاً أسود سوف يُرخي سدوله على معظم أوروبا، الشعور بأن أوروبا تقف على حافة النهاية، والتوّق لأوروبا جديدة كان الهاجس لمعظم مفكري ذلك العصر. وكان توماس مان قد كتب :"نحن أبناء هذا القرن الجديد، على وشك الإقلاع الى عالم آخر.". وسيصبح نيتشه بشاربه الكث وفرويد بنظراته القلقة هما الطريق الذي يقرر أن يسلكه روبرت موزيل من أجل تقديم رؤيته عن إنسان ما بعد الحرب العالمية الأولى، والذي يقف في الصف بانتظار حرب عالمية جديدة 

في التاسعة والثلاثين من عمره يبدأ ـ موزيل بكتابة الصفحات الأولى من روايته "رجل بلا صفات "كان ذلك عام 1927 في نفس العام الذي ولِد فيه غونتر غراس، كانت روايته "توراس "التي صدرت عندما كان في العشرين من عمره قد حققت نجاحاً كبيرا، مما جعله يجد نفسه في ورطة، إذ لابد من كتابة عمل كبير، لا يقل أهمية عن البحث عن الزمن الضائع لمارسيل بروست وعوليس لجيميس جويس. . فقد كان موزيل يسعى طوال حياته لتحديد مفهوم الواقع وكيفية النظر إليه، وقد رأى أن هناك رؤيتين تحددان الواقع، الأولى تعرض الواقع من منظور تقليدي تحكمه الرؤية السائدة في المجتمع، أما الثانية فترى الأمور والأشخاص من منظور مختلف يريد أن يُحدد ماذا سيكون عليه الوضع في المستقبل. 

تستمد رواية "رجل بلا صفات "أحداثها من تجارب شخصية عاشها روبرت موزيل، ورغم أنه ظل يواصل الكتابة بها حتى وفاته إلا إنها لم تكتمل، ومثلما كان موزيل يؤجل الانتهاء من الرواية، نجد أن بطل الرواية "اولريش "يدرك أن مشكلة حياته تكمن في عدم قدرته على الحسم، شعر أولريش إنه ولد ومعه رغبة في أن يكون إنساناً مهماً ومؤثراً، لكن مشكلته وهو قد تجاوز الثلاثين من عمره إنه لم يجد حتى كيف يصل الى الطريق الذي يحقق من خلاله طموحاته 

تدور أحداث الرواية في آب عام 1913، قبل أن تندلع الحرب العالمية الأولى بأشهر قليلة، ونجد لطل الرواية أولريش تنتابه أحاسيس وهواجس، بأنه ولد لكي يصبح إنساناً عظيماً، إنها أفكار نيتشه التي سيطرت على العصر، كان روبرت موزيل مغرماً بالفلسفة، ونجد بطل رواية رجل بلا صفات مهتما بالعلوم والفلسفات، فيما يطل نيتشه من بين صفحات الرواية واعظاً وناقداً لأخلاق العصر، كان موزيل مثل توماس مان متحمساً للحرب العالمية الأولى، لكنه ما أن تندلع الحرب العالمية الثانية حتى يجد نفسه في معسكر مناوئ لهتلر، حيث يهرب الى سويسرا ويعلن النازيون أن موزيل عدو لهم، لكنه سرعان ما سيغير رأيه ونجده يعلن التحية لألمانيا، ويرحب بضم النمسا الى المانيا، وبعد استيلاء النازيين على فرنسا، قال إنه سيعيد النظر في هتلر وسيعجب به من جديد، لكن حياة زوجته كانت غير آمنة بسبب مطاردة النازيين الذين رحّلوا أختها الى أحد المعسكرات لتموت هناك، وهكذا وجد نفسه من جديد أشبه بإنسان لايحمل صفات، حيث قضى سنوات عمره الأخيرة يعاني من المنفى والحنين الى الوطن، وبدأت صحته بالتدهور، وظل يعاني من مشاكل مالية، يعيش على مساعدات بعض الاصدقاء، وعندما مات في جنيف عام 1942 لم يحضر جنازته سوى ثمانية أشخاص. 

تعتمد رواية رجل بلا صفات على ثقافة روبرت موزيل المتنوعة والغنية والتي حصل عليها من خلال دراسته للفلسفة وعلم النفس والرياضيات، وسنجد أثرُ نيتشه واضحاً بن السطور. حيث يحاول يمزج موزيل بين أفكاره الخاصة وبين آراء ونظريات نيتشه وفرويد واشبنجلر. ونجده كثيراً ما يترك الأحداث ليقدم للقارئ تأملات فكرية تدور في عقول أبطاله. 

ومع هذا روبرت موزيل حاول من خلال رجل بلا صفات أن يتناول الهواجس التي صبغت القرن العشرين: الصعود الحتمي للبربرية والوحشية الحربية. غير أن الجانب الاهم في الرواية هي نظرة الانسان المتمرد الى ما يدور حوله وبطل الرواية حب العلم ويتحمس لغاية انسانية اكثر منها علمية، فالانسان لكي يدخل العصر الجديد يجب ان يكون انساني مفرط في انسانيته مثلما اعلن نيتشه ذات يوم ، ولهذا نجد بطل الرواية "اولريش " يرقض الحلول السهلة والتقليدية للمشاكل التي تحيط به، وهو يؤمن ان له دور في هذه الحياة ومهمة خاصة يجب ان يقوم لها ، وهذه المهمة هي تحريض الناس على ان يتمتعوا بكل ما يحيط بهم وان على المؤسسة الحاكمة ان تخدم دون ان تطلب منهم ان يبدوا نواياهم تجاهها .

********

تروي "طبل الصفيح "قصة أوسكار الذي ولد عام 1924، أي قبل ولادة غونتر غراس بثلاثة أعوام وفي نفس المدينة التي ولد فيها غراس مدينة دانتيسغ، وقرر منذ أن بلغ الثالثة من عمره أن يوقف نموه، وأن يبقى جسمه على حجمه، وهكذا أصبح أوسكار قزماً، وظل هكذا حتى بدأ يكتب قصته أو ذكرياته في المصحة التي انتهت إليها حياته، يكتبها أو "يطبلها " على طبلته الصفيح التي ظلت ترافقه منذ العام الثالث من عمره. 

يطل أوسكار على الحرب العالمية الثانية ومقدماتها،، صورة عن تمزق الأمة الألمانية ككل. في حياته يعيش أوسكار الحرب والحياة وخطب هللا وحارقه النازية، وحكايات العشق بلا جدوى، وفي كل هذا نجد أوسكار يعيش عالما هشا دمرته الحروب، وهو يعيش ازمة الهوية، فهو يعتبر أن له ابوين " ألفريد زوج أمه"، العضو في الحزب النازي، و"يان عشيق الأمّ "، وهو مواطن بولندي من دانتيسغ يُعدم على أيدي النازيين بتهمة الهجوم على الجيش النازي حين غزا هذا الأخير بولندا ؟. بعد ذلك إذ تموت أم أوسكار، يتزوج ألفريد من ماريا، المرأة التي كانت قبل ذلك عشيقة سرية أولى لأوسكار. ومن هنا نعرف أن ماريا إذ تضع لألفريد مولوداً ذكراً"كارل"هو باكورة زواجهما، تخفي عنه إن الطفل هو في الحقيقة ابن أوسكار. أوسكار طبعاً سيسر بالولد، لكنه سيستاء لاحقاً استياء شديداً حين يبدو له كارل غير راغب في التوقف عن النمو عند سن الثالثة، كما حدث لأوسكار نفسه.

لكن رغم كل هذا نجد اوسكار يتفاعل مع ما يدور حوله من احداث حيث ينضم خلال الحرب الى فرقة من قصار القامة تقوم بالترفيه عن جنود الاحتلال الألماني... لكن الامور لاتسير مثلما يرغب اوسكار حيث تقتل حبيبته ، على أيدي النازيين، فيقرر العودة الى الى مدينته دانتيسغ، حيث يصبح عضوا في احدى العصابات ، وعندما ويتزامن هذا مع دخول القوات السوفياتية إليها. وهذه القوات تطلق النار على اوسكار الذي يسارع الى رمي شارته الحزبية، من اجل ان لايعرف الروس إنه عضواً في الحزب النازي. لمن اطلاق النار لا يقتله، بل يدفعه الى الرحيل من مدينته ، ذهب الى داسلدورف، ليعمل موديلاً لطلاب الرسم، ثم صانعاً لشواهد القبور ونجده يقع في غرام فتاة جميلة يحاول اغوائها، لكنه يفشل، فيقرر ان يتفرغ للفن من خلال ممارسة هوايته القديمة العزف على الطبل حيث يصبح عازف في احدى الفرق الشهيرة، ويحصل على اموال كثيرة . وذات يوم وهو يسير في حقل من الحقول يعثر صدفة على إصبع مقطوعة. انها إصبع حبيبته الاولى دوروثيا. فماذا يكون رد فعله؟ يقنع نفسه بأنه هو القاتل، إذ يتبين أن دوروثيا قد قتلت، ما يجعل السلطات تعتقله تضعه في مأوى المجانين،، هناك يجلس ليكتب حكايته من خلال الضرب على الطبل، وهي نفس حكاية غونتر غراس، فحياة اوسكار هي حياة كاتب الرواية عاشها بكل تفاصيلها، بافراحها واحزانها. 

ينظر الى رواية طبل الصفيح باعتبارها صرخة احتجاج على ما جرى خلال السنوات التي عاشها غونتر غراس ومأساة الحروب التي دمرت بلاده وجعلته يفقد مدينته التي ولد فيها ونجد غونتر غراس يغوص عبرها في تاريخ نصف قرن تقريباً ، يصور من خلالها ، تمزق أوروبا وتمزق ألمانيا وازمة الإنسان المعاصر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ومن هنا لم ينظر الى هذه الرواية التي نشرها غراس للمرّة الأولى عام 1959، على إنها رواية تاريخ العالم في النصف الاول من القرن العشرين حيث استطاع من خلالها أن يرسم صورة شديدة الواقعية لحياته وحياة مواطنيه، فاوسكار بجسمه الضئيل انما هو رمز للانسانية المعذبة التي تحاول ان تثور على اوضاعها الفاسدة، لكن ثورتها في النهاية لم تكن سوى ضربات على طبل كم صفيح تتردد صداها في مستشفى للمجانين.