تعقيباً على رسالة السيد عمار الحكيم

Tuesday 30th of July 2019 07:33:35 PM ,
العدد : 4481
الصفحة : آراء وأفكار ,

حسين العادلي

قد قتلت العملية السياسية، سياسة (سلق اللحظة) دونما نضوج، وسياسة (حرق المراحل) دونما تنضيج،.. وكما شوّهها (أي العملية السياسية)

ارتجال المواقف وتلفيق الحلول وطغيان المصالح، كذلك، جعلتها (الحوارات غير المعيارية) جدليات عقيمة لا تهتدي لحلول كونها لم تُؤسَس على وفق المعايير المطلوبة بإنتاج الدول،.. فأتت البناءات مشوهة وهشة وقلقة وغير معيارية. وكم نحتاج –اليوم- إلى التأصيل (العلني) للمبادئ والقيم السياسية قبل مباشرتها وجعلها تجارب عملية معاشة،.. هذا ما افتقدته العملية السياسية منذ البدء، ولن تستقيم إلاّ بإعادة إنتاجها على وفق قيم ومبادئ سياسية متفق عليها معيارياً.

• كم هو رائع أن نشهد اليوم حراكاً فكرياً سياسياً يناقش على الهواء المبادئ السياسية كمعايير ليهبها أوكسجين التأصيل بعد أن هدّها زفير التلفيق!!،.. وبهذا الصدد أتت رسالة السيد عمار الحكيم الجوابية على رسالة السيد عادل عبد المهدي،.. هكذا أنظر لرسالتيهما بشأن المعارضة وحِراكها التأصيلي،.. وقد كنتُ قد كتبت تعقيباً على رسالة السيد عادل عبد المهدي بتاريخ 22/7/2019، واليوم أجد نفسي ملزماً بالتعقيب على رسالة السيد عمار الحكيم التي وجهها بتاريخ 20/7/2019، مساهمة مني بإثراء الحوار،.. وإني لأدعو إلى حوار وطني فكري سياسي ومن مختلف المنابر لإعادة التأسيس للمبادئ والقيم السياسية الأم واللازمة لبناء الدولة الوطنية على وفق مسطرة الحكم الرشيد.

• كالعادة، لست معنياً -هنا- بالشق السياسي لرسالة السيد الحكيم،.. وبالمجمل أتت رسالته بدلالات وإشارات أتفق معها تماماً بشأن ضرورة المعارضة السياسية كنصف مكمّل لأي نظام سياسي ديمقراطي استناداً إلى حق المواطنة والمشاركة بالشأن العام، ولا يمكن لأي نظام من الصمود دونما جوهر بنيوي قادر على احتواء الصراع والخلاف على السلطة والثروة وجميع قضايا الدولة التي هي قضايا المجتمع في حقيقتها،.. لكني –من جهة أخرى- أجد نفسي على خلاف مع بعض الدلالات التي أتت بها الرسالة.

• الدافع لاتخاذ المعارضة موقعاً يجب أن لا يكون الإقصاء من المشاركة بالقرار كما قالت الرسالة ((قد تكون الأسباب التي دفعتنا للذهاب إلى المعارضة كثيرة ومهمة، فاحتكار صناعة القرار والإنفراد السياسي في إدارة الدولة..))،.. و((إنَّ مطالبتنا المستمرة بتمكين المعارضة وقواها المختلفة وإحاطتها بالضمانات القانونية والإجرائية وإشراكها في صنع القرار..))، فجوهر ثنائي (الحكم والمعارضة) إنما ينتجه التنافس السياسي البرامجي للفوز بإدارة الحكم وصناعة القرار، وهو حق مّن بيده الحكم وفق المساحة التي يقرّها الدستور لصلاحياته، وليس للمعارضة المطالبة بإشراكها بصناعة القرار ، وإلاّ لذابت الفاصلة بين الحكم والمعارضة كاختصاص ودور، ولكان الجميع حاكماً. إنَّ الحكومة ملزمة ووفق برنامجها الذي نالت على أساسه الثقة بممارسة صلاحياتها بإدارة الحكم، وللمعارضة حق الإعتراض والمتابعة والمحاسبة والمساءلة واستخدام جميع الوسائل القانونية بإبطال أو تغيير أو تعديل سياسات الحكومة، لكن ليس لها حق المطالبة بصناعة القرار. إنَّ المطالبة بعدم الإنفراد بإدارة الدولة تنظمه الإختصاصات الدستورية والقانونية التي توضح مساحة وأدوار وصلاحيات السلطات،.. وتحديد الموقف من الحكومة تأييداً أو معارضةً إستناداً إلى المطالبة بإشراك القوى (داخل وخارج الحكومة) بصناعة القرار يعني الإيمان والعمل بمبدأ (الحكم الجماعي) الذي نشكو منه ونرفض بناءاته ومخرجاته. 

• نظامنا السياسي الحالي لا يقوم على أساس من (الديمقراطية التشاركية) كما جاء بالرسالة: ((ففي ظل الديمقراطية التشاركية حيث الصراع حول السلطة والثروة تختلط المناهج وتضيع وتتشتت المسؤولية وتضعف الدولة وتقوى الفوضى)).. ففي الحقيقة أنَّ نظامنا تلفيقي غير معياري، فدستورياً هو نظام ديمقراطي تمثيلي، وواقعياً هو نظام توافقي مكوناتي غير مكتمل البنية،.. لذلك لا يمكن اعتباره نظاماً تمثيلياً برلمانياً ولا حتى نظاما توافقياً مكوناتياً بالمطلق. إنَّ الديمقراطية التشاركية نمط آخر من الديمقراطيات أنتجتها بيروقراطية مؤسسات الديمقراطية التمثيلية بفهم مشكلات الواقع والسرعة والصميمية بحل وإدارة المشاكل، فكان أن تم تطوير الأداء والتفاعل بين المواطنين والحكومات المحلية والمركزية لخلق فهم وقرار مشترك بإدارة الشؤون العامة. إنَّ الديمقراطية التشاركية نظرية (أوروبية) متقدمة تعيد الحيوية والفاعلية لمؤسسات الديمقراطية التمثيلية بإشراك المواطنين (وليس القوى السياسية) في صناعة القرار وإدارة الشأن العام.

• إنتاج هوية ودور واضح للحكم والمعارضة يتطلب إنتاج هوية حاسمة للنظام السياسي، وفلسفة نظامنا السياسي الحالي توافقي عرقطائفي الحزبي لا يقبل ثنائية الحكم والمعارضة، فعدم الإشتراك بالحكم يُعد إقصاءً مكوناتياً بغض النظر عن تشريعه كثلث أو ربع أو خمس أو سُدس معطّل،.. إنه نظام زيجة وشراكة المكونات وقواها في الدولة وليس في الحكم وحسب. ولا يمكن إعادة هندسة الدولة إلاّ بحسم خيارات النظام، فأمّا العودة إلى الدستور الذي يقوم جوهره على وفق الديمقراطية التمثيلية والأغلبية السياسية الحاكمة، وأمّا الذهاب كلياً لخيار الديمقراطية التوافقية المكوناتية لإنتاج دولة المكونات الناجزة،.. أمّا الإستمرار بصيغة النظام الحالي (التلفيقي) فلن يُخرج النظام من أزمته، ومعها لن يتم إنتاج حياة سياسية معيارية للحكم والمعارضة،.. والحسم مهمة القوى السياسية التي بيدها فعل الدولة اليوم.

• أقرب صيغ المعارضة (الممكنة) لنظامنا السياسي التلفيقي (إلى أن يحسم خياراته) هي (المعارضة التقويمية)، وقد أشارت إليها الرسالة، وتبنّتها بعض القوى السياسية،.. فمعارضتنا لا يمكن ان تكون (معارضة سياسية) معيارياً كوننا نفتقد ثنائية الحكم والمعارضة وفق فلسفة النظام المكوناتي القائم،.. وبالتأكيد هي معارضة من داخل الدولة وليست ضدها فلن تكون بالمحصلة معارضة (راديكالية ثورية انقلابية). المعارضة التقويمية هي معارضة تعترف بشرعية النظام، سلمية قانونية، يمارسها مَن لا يشترك بالحكم من القوى السياسية، يزاول دور الرقابة والمتابعة والمساءلة لهدف التصحيح والتقويم لأداء الحكومة ومؤسسات الدولة، وقد يتصاعد تأثيرها لتصل إلى سقف التغيير الحكومي وتشكيل حكومة جديدة بتأييد أوسع وأداء أفضل، لكن بالتأكيد سيتم إنتاجها على وفق معادلات النظام القائم (حيث لا معارضة سياسية حقيقية) ما دامت قواعد العملية السياسية لم تُحسم معيارياً على وفق النظام المواطني الديمقراطي ومسطرة الحكم الرشيد.