كلاكيت: السينما والأدب العراقي

Wednesday 31st of July 2019 07:10:41 PM ,
العدد : 4482
الصفحة : الأعمدة , علاء المفرجي

 علاء المفرجي

منذ فجر الفيلم العراقي في منتصف اربعينيات القرن ىالمنصرم، لم يقرب لموضوعات من الأدب الروائي العراقي الا باستثناءات تعد على أصابع اليد،

بالرغم من ان السينما قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال، واعني معالجة روايات عالمية سينمائياً، بل إن فيلم (ذهب مع الريح) للروائية مارغريت ميتشل نقله الى السينما استطاع أن يحقق اعلى إيرادات في صالات العرض السينمائي، وحتى هذه اللحظة، خاصة بحسابات تكاليف الانتاج لتلك الفترة.

وأعود للسينما العراقية لنرى أن الأفلام العراقية التي كانت لها قيمة فنية وفكرية، اعتمدت على روايات وقصص عراقية مشهورة، مثل فيلم سعيد افندي المقتبس عن قصة الشجار لادمون صبري، وفيلم (المنعطف) المعد عن رواية خمسة أصوات لغائب طعمة فرمان ، وفيلم(الظامئون) الذي قدمه منتصف السبعينيات محمد شكري جميل عن رواية عبد الرزاق المطلبي.. وأفلام أخرى اعتمدت في موضوعاتها على أعمال روائية.. 

وفي صناعة الفيلم العراقي بشكل عام تتجلى مشكلة الكتابة للسينما.. فما زلنا نعاني من قضية الكتابة للسينما وكتابة السيناريو حتى غدت مشكلة السينما المستعصية، إضافة للمشاكل الأخرى. وهنا تبرز الكتابة للسينما بوصفها عملية ذات طراز خاص، تمتلك مقوماتها الفني، تتشكل لتصبح لوناً آخراً من الكتابة يحقق- وهو المهم- متطلبات فن الفيلم،وتبرز الفكرة بدورها عاملاً حاسماً في تحديد البعد الدرامي للفيلم. ومهما تكن الفكرة بسيطة فان الفيلم يتناولها، ويوسعها في خط درامي، وتسهم العناصر الفيلمية في تحويلها على نحو سينمائي، لا يقدم مبرر الوسيلة السينمائية، بل يبدع فناً سينمائياً.

لذا فإن التوجه للأدب العراقي أو الرواية العراقية، كفيل في تتجاوز هذه المشكلة فقد توصلت السينما خلال تاريخها إلى تكوين أبعاد جمالية، وأوجدت للشريط السينمائي قواعده الفنية ولغته(خصائصه السينمائية).. وهكذا يفرض ملاحظة المسافة التي تفصل الفيلم عن الكتاب، أو الرواية... وهو تمرين بلاشك في فن الكتابة للسينما.

كنا في هذا المجال قد اقترحنا قبل فترة بعض من الكتب التي تضم بلا شك في موضوعاتها ما نحتاجه في كتابتنا للسينما.. فكان هذا اقترحه لأصدقائي صناع السينما في العراق، وكتابنا هذا يصنف لأول وهلة ضمن أدب السجون لكن مَنْ يقرؤه سيعرف إنه تجاوز في موضوعه قضية الاعتقال، الى موضوعات أخرى. والكتاب يتناول فترة من الزمن العراقي مشحونة بالأحداث والتفاصيل ، إنه كتاب الشاعر عبد الزهرة زكي (واقف في الظلام.. كتاب عن الآلام والأحلام)، الذي يتحدث فيه عن العذاب والتنكيل بالنفس البشرية بأقسى أنواع الألم، عن نظام لم يوفر وسيلة جهنمية واحدة في القمع واستلاب الأنسان، عن هذا الزمن الذي عانى فيه العراقيون الأمرين من حملات قمع جسدي وفكري . من الأفكار، ومثلما نتوقعها من المشتغلين في صناعة السينما في العراق مع كتاب مثل (الواقف في الظلام) الذي قال عنه زكي في مقدمته: "لم أشغل نفسي كثيراً بتجنيس الكتاب والطبيعة المتحكمة بكتابته. لقد سعيت الى انجازه بالافادة من حريتي بأقصى طاقة ممكنة، حرية التصرف بالمعلومات والأفكار والتصورات من جانب وحرية التمنع على أي تقييد فني أو تعبيري أو أسلوبي من جانب آخر).

أما الكتاب الآخر فهو كتاب (المكاريد.. حكايات من سرداب المجتمع العراقي) للكاتب محمد غازي الأخرس، والكتاب ليس سرداً سينمائياً، لتتعامل معه الكاميرا مع بعض التأويل، والإضافة، وبما أن السرد السينمائي كان أكثر توازياً والتصاقاً مع السينما، لقرب الشراكة في جوهر الحكاية التي يشترك فيها مع السينما، وتبادلت السينما مع الأدب لعبة البناء والشكل، وحيلة تطويع السرد الفني في السينما والأدب، ودليلنا كم الروايات التي أفلمتها السينما على مدى تاريخها.

فالمكاريد، كتاب أقرب الى علم الاجتماع منه الى الأدب، ففي هذا الكتاب يدخل محمد غازي الأخرس إلى قاع المجتمع العراقي مقتفياً خطى علماء الاجتماع ومنهم علي الوردي، متناولاً الحياة الاجتماعية بسرد أدبي. ومن خلال مسح أنثروبولوجي عميق معتمد على طقوس وتفاصيل شعبية، أغاني وقصائد.