قضية للمناقشة: عنصريون ويفتخرون

Tuesday 6th of August 2019 09:55:33 PM ,
العدد : 4486
الصفحة : آراء وأفكار ,

فريدة النقاش

لم يتأخر «بنيامين نتنياهو» كثيراً في مساندة حليفه الأكبر «دونالد ترمب» في الافتخار بأفكاره وقيمه العنصرية البيضاء في حالة « ترمب» والصهيونية في حالة «نتنياهو»

فبعد أن هاجم «ترمب» بألفاظ خشنة أربع عضوات مسلمات معارضات لسياساته في الكونغرس، وطلب منهن العودة إلى بلدانهن الفاشلة وفق تعبيره، كشفت مصادر سياسية في « تل أبيب « أن رئيس الوزراء « بنيامين نتنياهو « ينوي رفض طلب اثنتين من النائبات الأميركات المغضوب عليهن دخول إسرائيل في الطريق إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، والنائبتان هما «إلهان عمر» ذات الأصل الصومالي و»رشيدة طليب» ذات الأصل الفلسطيني، وتتهم إسرائيل النائبتين بأنهما تساندان حركة المقاطعة النامية في المجتمع الطلابي الأميركي ضد إسرائيل.

وتشكل هذه الوقائع الجديدة غيضاً من فيض كما يقال، إذ تبرز الآن في كل المجتمعات تقريباًـ أشكال متعددة لإنبعاث العنصرية والتي كان نضال الإنسانية الممتد عبر العصور من أجل المساواة والكرامة الإنسانية قد همّشها ولا أقول وأدها بدليل هذا الإنبعاث المخيف، والممارسات المتباينة التي تدل على عمق وجودها وانتشارها ففي « فرنسا « تخشى القوى الديموقراطية من النمو المتزايد لنفوذ الجبهة الوطنية التي تقودها «مارين لوبان» والتي حصدت أصواتاً كثيرة في انتخابات البرلمان الأوروبي، ولم يعد وصفها بالحركة الهامشية دقيقاً وهي حركة معادية للمهاجرين وللمسلمين عامة في فرنسا، وقبل سنوات كاد « لوبان « الأب مؤسس الجبهة العنصرية أن يطيح بمرشح الحزب الإشتراكي في الانتخابات الرئاسية.

وأدت الحملة المنظمة والمتصاعدة ضد موقف « أنجيلا ميركل « من المهاجرين السوريين الذين سمحت بدخولهم إلى البلاد ووضعت لهم برامج تأهيل واندماج مدفوعة بحاجة الاقتصاد الألماني إليهم أدت هذه الحملة ضد « ميركل « إلى اعتزالها للحياة السياسية كلية بعد استكمال دورتها الحالية، وانتخاب رئيسة بديلة للحزب، مع صعود مقلق للحزب النازي بعد أن غير أسمه والأفكار التي يحملها.

وتشهد غالبية البلدان الأوروبية زيادة في التصويت للأحزاب اليمينية والعنصرية، وكلها تنويعات على النازية التي كانت أوروبا قد لفظتها بعد أن اكتوت بنارها حين صعود كل من « هتلر» في ألمانيا و» موسيليني» في إيطاليا، ولم تتخلص منهما البشرية إلا بعد حرب عالمية طاحنة راح ضحيتها ملايين البشر.

ولم يعد الجهر بالأفكار والقيم العنصرية بل وممارستها جهارا نهاراً عملاً مستهجنا كما كان الحال قبل خمسين عاما أو يزيد، ففي ذلك الزمن كانت البشرية تسعى وراء حلم كبير عنوانه تصفية كل أشكال الاستغلال التي هي البيئة المواتية لنمو الأفكار والقيم العنصرية، وفي هذا السياق نمت حركة التحرر الوطني ضد الاستعمار القديم، وأخذت عيون وقلوب الجماهير العاملة تتفتح على حلم جديد هو ما أطلقت عليه التنمية المستقلة وتصفية الاستغلال والخروج من قبضة الاستعمار الجديد، وصولاً إلى بناء الاشتراكية، وفى هذا السياق أيضا ولدت حركات التضامن العالمي مع كفاح الشعوب بكل ماتحمله من قيم ومبادئ، ورؤى إنسانية وأخلاقية وسياسية جديدة في نهاية المطاف.

والآن يجاهر العنصريون بعنصريتهم ويمارسونها بفخر كما يفعل كل من «ترمب» و» نتنياهو» وهم يخاطبون الملايين التي تسحقها السياسات الليبرالية الجديدة وتدفع بها إلى البطالة والفقر بل وحتى الجوع رغم الزيادة الهائلة في الثروات البشرية، وفي قدرة العلم على إنتاج المزيد منها، وتقول منظمة الأغذية والزراعة أن هناك ما يقارب ثلاثمائة مليون جائع في العالم.

وتبذل القوى التقدمية والديمقراطية على الصعيد العالمي جهوداً كبيرة من أجل بث الأمل فى قلوب الملايين، ولكن هذه القوى لا تملك زمام الأمور في الغالب الأعم، وحين تتمكن بعضها من الوصول إلى الحكم في بعض البلدان تحتشد الرجعية بكل أسلحتها من المال والسلاح والعملاء والأفكار لهدم التجربة وتشويه صناعها، كما حدث في أمريكا الجنوبية مع كل من « لولا داسيلفا» و" ديلمار سيف" و" هوجوشافيز" وغيرهم.

هذا فضلاً عن ما يشابه احتكار القوى الإمبريالية لوسائل الإعلام القوية التي توظف الأموال والأفكار لنشر الرؤى والقيم العنصرية بطريقة ناعمة، وتنجح هذه الوسائل حتى الآن في إقناع الجماهير البسيطة التي جرى إفقارها مادياً ومعنوياً، أن أعداءها هم هؤلاء سواء المسلمين أو السود أو المهاجرين، من أي جنسية كانت، وأن هؤلاء هم الذين يتسببون في الأوضاع البائسة التي يعيشها هؤلاء البسطاء دون أمل، وهي ستراتيجية مجربة حتى منذ ما قبل سقوط التجربة الإشتراكية وتقوم هذه الستراتيجية على تحويل الصراع الأصلي إلى مسارات فرعية وجانبية، ويتبارى مفكرو الرأسمالية أصحاب المصالح في تقديم وصياغة المسوغات الفكرية الضرورية لتسويق المادة المطلوبة، واستخدم هنا مصطلح التسويق لأنه ينتمي إلى عالم السوق الذي ينطلقون منه ويقدمون بضاعتهم حسب مزاج الممولين ومصالحهم لصناعة الذوق العام.

ومع ذلك فإن هذه الستراتيجية ومروجيها لا يعملون في الفراغ بل يعملون فى إطار صراع محتدم على كل المستويات والأقوى في هذا الصراع لن يبقى قويا إلى الأبد ولا الضعيف سيبقي كذلك، وهنا تبرز أهمية معركة الأكار بين العنصرية والعدالة، وهي معركة طويلة وممتدة وبالغة المشقة، ومنذ متى يا ترى كانت معارك الحق والعدل والكرامة الإنسانية سهلة، يعرف هذه الحقيقة كل الحالمين بعالم أفضل خالٍ من الكراهية والعنصرية والظلم، وهم لا يكتفون بالأحلام بل يكافحون من أجلها