لكي تمر العربات

Saturday 17th of August 2019 07:07:11 PM ,
العدد : 4488
الصفحة : عام ,

ياسين طه حافظ

لكي ينال المالك او الشيخ او صاحب الاطيان المزيد كان الفلاحون يهلكون في المزارع والعبيد من اجل اسيادهم يموتون في السباخ – تطور الحياة،،

بكل مرافقها، كان وراءه هؤلاء الفقراء يموتون ! فأولاء من خلال ذلك ومن اجل ان تخف الآلام ويقل التعب، ابتدع ابناؤهم، الاجيال اللاحقة لهم، عربات، عجلات في البدء. ثم آلات وتصاعدت وزادت مفردات العمل الجديدة.

وحين نفسر ابتداعها من عقول السادة وابنائهم لمزيد من الجدوى ومن بعد لمزيد من الرفاه، انما نتحدث عن ظاهرة النتائج لا اسبابها المزدوجة.

ولاننا تحدثنا عن العجلة التي صارت عربة، صارة للعربة محرك، لا حصان يسحبها ولا انسان، صارت سيارة فارهة وصارت قطارات، لابد من ان نتحدث عن الكدح في هذا ايضاً، من عاملين ملطخين بالزيت ومن سائقين وعمال خدمات.. وإذا التقينا بهولاء المضحين او المستخدمين ، نكون قد نسينا العديد من الضحايا، ضحايا الطرق وضحايا مرور العربات والقطارات و اراضي زراعية تُدمَّر و حيوانات و بشر وبيئة! 

هكذا يظل دائماً من يدفع الثمن ومن يضحي من اجل هذا التطور. العقل المستفيد يعمل بعقول اولئك العاملين الاول و الذين هم ينؤون تعباً ويهلكون او يقتلون. اولاء اصلاً هم الباحثون عن تحرر..

لسنا بصدد من الاول ومن هو الاكثر استفادة ونيلاً، لكننا بصدد من يضيعون عبر مراحل التطور هذه ومن هم ضحاياه – ليسوا السادة ولا ابناؤهم من يموتون ويقتلون، هم اولئك المجهولون وابناؤهم وزرعهم وقراهم ونقاء مياههم وبيئتهم التي صارت تتلقى كتل الدخان والاكزوس والزيوت والضجيج.

نتاجات العقل الانساني عادة ملك السادة واولاء يوظفونها لراحتهم ورفاههم. فبدأ الرفاه امتداداته الى طرقهم فهي اوسع وبارصفة وزهور. والعربات بمقاعد وثيرة وفي القطارات مطاعم وشراب وفي البواخر احواض سباحة وقاعات رقص.

هي ظواهر تجعل " الحياة " جميلة مشوقة مطلوبة، هنا يجب ان نكمل وتتطلب المزيد من الخدم والعمال ومن يموتون خلال ذلك. لا احد من اولاء الموتى او المقطوعة ايديهم او سيقانهم، ولا احد من مرضاهم قصد الصالات الفاخرة في القطارات او قصد صالات الرقص واحواض السباحة في البواخر. هم عادة اقنان او مسافرون في الدرجات الرخيصة الدنيا او في عربات الحمل مع الماشية والصناديق او عالقون خفية ليصلوا، عاجزين عن دفع ثمن التذاكر، قاصدين قراهم او اماكن عملهم.

هذا التطور الذي يرحب به وهذا الرخاء المرغوب فيه والذي نتمتع به أو نتحسر عليه، نتاج العقول الانسانية المنتبهة والتي تريد التحرر من العنف وتفتح في الحياة طرقاً اسهل، وأوسع واكثر ابهاجاً.

ونحن هنا إذ نصوغ المديح ونجزل الثناء على كل تلك السلالات الكادحة وعلى العقول التي طلعت منها او نمت في رعاية ومدد اتعابها وعذاباتها، التي صارت اخباراً او ظلت مجهولة، نحن نكتفي بتمجيدهم نحن نعيش رفاه عصرنا فلا حر ولا برد ولا عذابات وهلاك طريق للوصول اواستسلام لأوبئة، هذه صارت تطارَدُ حال ظهورها.

وإذ نمجدهم ونحي المضحين من اجل حياة انسانية مريحة امنة، لندرك جيداً ان الاوجاع ما تزال، وعذابا تهم وحرمانهم وانكساراتهم شيخوخة وعوزاً ماتزال. ولكنهم بناة العالم وبناة الحضارة وان كانوا الاقل جدوى من ثمارها والاكثر ألماً.

بقي الا ننسى ضحايا هذا التقدم العظيم وهذا التطور، ولا ننسى جانب الوجع ومن يموتون من اجل ان تمر العربات..

تذكرني الكلمة الاخيرة بما اورده احد الكتاب بعبارة " احترس من العربات " فتلك هي صيحة مرسيير Mercier مؤلفة " صورة باريس " ، في القرن الثامن عشر، اذ يرد: وها هو الطبيب بحلته السوداء قادم بعربته الكبيرة ومعلم الرقص في عربته ذات المظلة ومعلم السلاح في عربته الصغيرة الوثيرة والامير خلف جياده الستة التي تنطلق في عدوها كما لو كانت في ريف خال... ان عجلات الاثرياء المتغطرسين تنذر بالشر وهي تجري باقصى سرعة فوق الاحجار المخضبة بدماء ضحاياها منكودي الحظ.."

نحن ايضاً نذكر بالاشفاق ، بالاسف اولئك القتلى دهساً او حرقاً، ولكننا نقول، عزاءاً او تسويغاً، لكم المجد والرحمة فمن شقائكم ينعم الناس اليوم في الحياة. قد لا يكون هذا عزاء وقد يكون قولاً بطراً شبيها بما قيل عن دهس القطارات الناس" ولكن القطارات يجب ان تصل في مواعيدها.. "!

هو الجهاد الانساني العظيم وهم طلائعه. وهم البناة وهم حجارة سلالم الصعود . ومثلما لابد من احد ينعم فلا بد من احد يدفع الثمن ويشقى. تمنينا وما نزال، طريقاً غير هذا للحياة ، ولكنه كما قال " كامو " قدر الانسان "!