تموت السلطات دونما ترشيد

Sunday 15th of September 2019 09:58:24 PM ,
العدد : 4507
الصفحة : آراء وأفكار ,

 حسين العادلي

• ترشيد سلطات الدولة، جوهر (التنمية السياسية) التي تعمل على تقوية وتدعيم النظام السياسي في معاييره ومؤسساته وسياساته الداخلية الخارجية.

يكون ذلك في الأنظمة حديثة التكوين (كما في نظامنا الحالي)، أمّا في الأنظمة الدكتاتورية والثيوقراطية والشمولية (كما في نظام البعث الغابر) فلا ترشيد تنموي للسلطة كونها محتكرة على مستوى الشرعية ومغلقة على مستوى المشاركة ونهائية على مستوى البنية.

• السلطات مظهر فعاليات الدولة، والدولة بسلطاتها الشرعية النافذة، ولا يمكن ضمان استقامة السلطات وصلاحها دونما (تنمية وتطوّر) على طول خط ممارستها لمسؤولياتها بإدارة الشؤون العامة للمواطنين، وبخلافها ستتحول إلى سلطات فاشلة تسودها الفوضى والتحايل والتّمرد بين الحاكم والمحكوم.

• أُس السلطة حدوثاً وبقاءً هي الشرعية، والشرعية نتاج الرضا والإرادة الشعبية، والرضا والإرادة نتاج النظام المواطني الديمقراطي، ولا نظام مواطني ديمقراطي دونما مواطنة تامّة مضمونة الحقوق ومُلزِمة الواجبات، ولا فعّالية للمواطنة دونما مشاركة واسعة النطاق للمواطنين بشؤون الدولة وفي طليعتها الإنتخابات الدورية، ولا انتخابات حقيقية دونما قوانين وأنظمة متكاملة تقوم على أساس من العدالة والحرية والمساواة والتكافؤ وحق الجميع بالسلطة اشتراكاً وتمثيلاً وإدارة.

• تترشد السلطات بسعيها الدائم لنفوذ وهيمنة وسيادة القانون على الجميع دونما تمييز أو محاباة أو تخاتل أو تمرد، فالدولة إمبراطورية قوانين حاكمة. وتترشد السلطات بالعمل المستمر لترسيخ دولة المؤسسات الدستورية الفعّالة، فالدولة مملكة مؤسسات لإدارة وظائف الدولة. وتترشد السلطات بتعزيز أنظمة الإدارة والحوكمة والتقاضي والشفافية والمساءلة الشاملة، فالدولة هرم سياقات مُنظِمة للقرارات والسياسات العامة، وتترشد السلطات باعتماد خطط التنمية الستراتيجية لضمان تحقيق حاجات المواطنين وتطوّر وظائف الدولة.

• تترشد السلطات بالقدرة المتجددة على رسم السياسات العامة للدولة الموائمة بين امكانات الدولة ومواردها وما تطمح إليه من خطط وبرامج لتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فلا يمكن الحيلولة دون ركود السلطات وفشلها بمهامها إذا ما اشتغلت عشوائياً أو اعتمدت الخطط الخاطئة، أو لم تعمل بالبدائل والمفاضلة، أو لم تكن على مستوى الاستجابة للتحديات القائمة والمتوقعة.

• تترشد السلطات بممارسة الحكم القوي والإدارة الفعّالة، فمقبرة السلطة هو الحكم الضعيف العاجز عن تطبيق سياساته وإلزام رعاياه بسكة الالتزام القانوني بالمسؤوليات والواجبات. إنَّ السلطة القوية الكفوءة الرشيقة هي القادرة على تحقيق مرام الدولة وواجباتها تجاه رعاياها. 

• تترشد السلطات بشمول وفاعلية أنظمتها الرقابية المحققة للنزاهة والتي تحول دون الفساد والهدر، ولن تسلم سلطة من الفشل فيما لو عجزت عن ضبط الأداء الحكومي بما يوافق قيم ومعايير النزاهة، فستنهار من داخلها بفعل ابتلاع الفساد لها.

• تترشد السلطات بالمواكبة على إبداع الأنظمة (كالأنظمة الانتخابية) والخطط المبتكرة والحيوية الضامنة لإشراك الجمهور بشكل دائم، وخلق (شراكات) بالقرار مع منظماته التخصصية لتقرير الشؤون العامة على تنوعها. إنَّ السلطة المعزولة عن جمهورها لا تلبث أن تموت.

• تترشد السلطات بالقيادات المُسترشِدَة بسياساتها وقراراتها، وتترشد بمراكز التفكير والتخطيط، وبضخ دماء جديدة لها على طول الخط، وبضمان عدم احتكارها الحزبي النخبوي، وبنزع القداسة عنها والامتياز للتحول إلى وظيفة عامة. وتترشد السلطات بالثقافة الحيّة والإعلام الحر والتربية الوطنية التي تشكّل حواضن ثقافة مجتمع الدولة.