هل القانون يحمي الفاسدين؟

Monday 30th of September 2019 06:47:27 PM ,
العدد : 4518
الصفحة : آراء وأفكار ,

القاضي سالم روضان الموسوي

إن جرائم الفساد المالي والإداري من أخطر الجرائم التي تهدد كيان المجتمع فضلاً عن أثرها السلبي تجاه التنمية المجتمعية

لأي التطور الاقتصادي ونلاحظ أن العراق يعاني بشكل كبير من هذه الجرائم التي أصبحت ظاهرة وتمارس بشكل منظم وعلني ومتوفرة على غطاء يحصنها من المساءلة بسبب المتنفذين وعصابات معروفة لها شوكة وسطوة في ظل ضعف أداء الجهات المنفذة للقانون وتطبيقه، ويرى بعض الأشخاص ممن يلحق علمهم بوقوع جريمة من هذه الجرائم بأنه يمتنع عن الإخبار عنها أو الشهادة خوفاً من تبعات ذلك عليه في ظل تنامي شوكة وسطوة تلك الجهات بمقابل ضعف الحماية التي توفرها الجهات المكلفة بذلك، لأن القانون رقم 58 لسنة 2017 وبعنوان قانون حماية (الشهود والخبراء والمخبرين والمجنى عليهم) قد أضفى المشروعية على عمل المسؤول الكبير والمتنفذ عندما ينتقم من الموظف أو الشخص الذي أخبر عن حالة فساد وقام بفضح المسؤول الفاسد فإن ذلك المسؤول سيتخذ من الوسائل الانتقامية مثل العقوبة على ذلك الشخص إذا كان موظف أو النقل إلى وظيفة أدنى أو أحياناً العزل والفصل وإنهاء الخدمة وغيرها، لأن هذا القانون لم يتضمن ما كان موجود في الأمر رقم 59 لسنة 2004 الصادر عن سلطة الائتلاف المنحلة وكان فيه نص صريح يُجرم هذه الأفعال الانتقامية وتصل عقوبتها الى الحبس لمدة ثلاث سنوات وكانت تشكل رادع يوفر الحماية للمخبر عن حالة الفساد، لذلك أرى أن هذا القانون عند إغفاله لهذا النص قد أسهم في توفير الحماية للموظف المسؤول الفاسد كذلك لذوي الشوكة والسطوة، على الرغم من أن هذا القانون قد وفر وسيلة طلب الحماية لمن يخشى على نفسه من تهديد أو خطر يداهمه بسبب إخباره عن الجريمة الشهادة فيها لكن هذا القانون قد حصر تلك الحماية في الجرائم الإرهابية فقط وأعطى لمجلس الوزراء سلطة تحديد الجرائم التي يراها لغرض شمولها بالقانون أعلاه وفعلاً أصدر مجلس الوزراء نظام رقم 9 لسنة 2018 نظام تحديد الدعاوى الجزائية المشمولة بقانون حماية الشهود الملمع عنه انفاُ ، لكن ما يلفت النظر إن ظاهرة الفساد المالي وغسيل الأموال تضاعفت وأصبحت اكثر انتشاراً مع وجود هذا القانون ، و الأسباب التي أدت إلى ذلك كما يلي :

1. أرى من أهم الأسباب هو القانون ذاته، لأن هذا القانون قد حل محل أمر سلطة الائتلاف المنحلة رقم 59 لسنة 2004 (حماية المخبرين في المؤسسات الحكومية وتقديم الحوافز المناسبة) إلا إنه اغفل إيراد حكم مشابه ومماثل لحكم القسم (4) من هذا الأمر الذي قضى بتعديل المادة (329) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل حيث أضاف الفقرة (3) إلى تلك المادة التي جاء فيها الآتي (تطبق العقوبات ذاتها على الموظف أو الوكيل الرسمي الذي يسرح، ينزل درجة، ينقل، يهدد، يرهب، يميز ضد، يضايق، ينتقم بأي طريقة أخرى من أي شخص يبلغ أو يتعاون مع لجنة النزاهة العامة العراقية أو المفتش العام في الوزارة أو ديوان الرقابة المالية العليا أو أي جهة حكومية أخرى مختصة بالتحقيق وفضح الفساد وإساءة التصرف من قبل المسؤولين عن المؤسسات العامة.) والعقوبات هي الحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو الغرامة أو كلاهما. وهذا النص فيه ضمان كبيرة ومهمة تسهم كثيراً في حماية المال العام لأنه وضع رادعاً للموظف المسؤول والكبير في موقع المسؤولية وكذلك المكلف بخدمة عامة أمام عقوبة قاسية إذا حاول الانتقام أو نقل الشاهد أو المخبر إذا كان في الدائرة التي يعمل بها أو إذا كان من ذوي الشوكة وهم المكلفون بخدمة عامة الذين يستغلون مواقعهم الوظيفية أو الاعتبارية للانتقام من المخبرين عن جرائم الفساد المالي والإداري ويذكر إن المكلفين بخدمة عامة قد ذكرتهم الفقرة (2) من المادة (19) من قانون العقوبات وعلى وفق الآتي (المكلف بخدمة عامة: كل موظف او مستخدم أو عامل انيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية والمصالح التابعة لها أو الموضوعة تحت رقابتها ويشمل ذلك رئيس الوزراء ونوابه والوزراء وأعضاء المجالس النيابية والإدارية والبلدية كما يشمل المحكمين والخبراء ووكلاء الدائنين (السنديكيين) والمصفين والحراس القضائيين وأعضاء مجالس إدارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت التي تساهم الحكومة أو إحدى دوائرها الرسمية أو شبه الرسمية في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت، وعلى العموم كل من يقوم بخدمة عامة بأجر أو بغير أجر) ومن بين هؤلاء الوزراء وأعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات وكادر الخط الأول من السياسيين وكان التعديل الوارد في أمر سلطة الائتلاف المنحلة رقم 59 لسنة 2004 قد اعتبر تلك الأفعال جريمة يحاسب عليها ذلك المسؤول ولم يقتصر على حماية من يخبر عن حالة الفساد وإنما يحمي حتى من يفضح المسؤول الفاسد، لكن مجلس النواب عندما شرع القانون البديل عن هذا الأمر قد غير من المركز القانوني لهذا المسؤول وجعله في موقع الأقوى عندما لم يجرم فعله ذاك، وفي ذات الوقت أضعف موقف المخبر عن جرائم الفساد إذ منحه بموجب القانون الجديد حق طلب الحماية دون طلب تحريك الشكوى ضد من ينتقم منه عن قيامه بالإخبار عن حالة الفساد، مما حال دون قيام العديد من العاملين في المؤسسات الحكومية وهي في العادة البيئة التي يظهر فيها الفساد المالي وهدر المال العالم، وأرى أن هذا لم لم يكن سهواً بل عمداً لإضفاء الحماية على من يسعى للحصول على المنافع المالية من خلال استغلال نفوذه ، ولكن بعنوان توفير الحماية إذ المطلوب أن نوفر الحماية للمخبر أو الشاهد وفي ذات الوقت أن نحاسب من يحاول الانتقام منه مستغلاً صفته الوظيفية أو النيابية سواء بنقله إلى وظيفة أدنى أو عزله أو إنهاء خدمته أو غيرها من الحالات التي أشار إليها ذلك القسم من الأمر رقم 59 لسنة 2004.

2. فضلاً عن الأسباب الأخرى الثانوية ومنها عدم ثقة المواطن بالأجهزة المكلفة بتأمين الحماية له، وعدم معرفة أغلب المواطنين بهذا القانون ومن هي الجهة التي يلجأ إليها المواطن، وضعف الإعلام تجاه إرشاد المواطن إلى وجدود قسم لحماية الشهود في وزارة الداخلية يتولى تطبيق القانون ويكون مكلفاً بتأمين الحماية .

لذلك لابد من إعادة تشريع هذه الفقرة بجعل فعل الموظف أو الوكيل الرسمي الذي يسرح، ينزل درجة، ينقل، يهدد، يرهب، يميز ضد، يضايق، ينتقم بأي طريقة أخرى من اي شخص يبلغ أو يتعاون مع لجنة النزاهة العامة العراقية أو المفتش العام في الوزارة أو ديوان الرقابة المالية العليا أو أي جهة حكومية أخرى مختصة بالتحقيق وفضح الفساد وإساءة التصرف من قبل المسؤولين عن المؤسسات العامة. لأن توفير الحماية للمخبر والشاهد مع بقاء القائم بأمر الفساد دون عقاب فيه خلل وعدم مساواة ويتقاطع مع أهم مبدأ في الدستور وهو مبدأ المساواة في كل شيء الوارد في نص المادة (38) من الدستور النافذ فضلاً عن الواجب الدستوري لحفظ المال العام الوارد في الفقرة (1) من المادة (27) من الدستور التي جاء فيها الآتي (للأموال العامة حُرمة، وحمايتها واجِب على كل مواطن) كما يتعارض مع حق المواطن بالحصول على المعلومة والصحفي بالوصول إليها ، حيث لاحظنا خلال السنوات الماضية ما تعرض له عدد غير قليل من الصحفيين ممن يعملون في مجال الصحافة الاستقصائية، منهم من تم فصله من الجهة الإعلامية التي كان يعمل بها وآخرون تمت معاقبتهم إدارياً وبعضهم نقل إلى وظائف أدنى.