بعبارة أخرى: حتى أنت يا .. بروتس؟!

Monday 30th of September 2019 06:57:03 PM ,
العدد : 4518
الصفحة : الأعمدة , علي رياح

 علي رياح

ترتبط هذه العبارة بأديب انكلترا الكبير وليام شكسبير، إذا ترد على لسان يوليوس قصير وهو يتلقـّى طعنة الغدر في ذهول، وقد سدّدها نحو صدره أكبر الثقاة لديه ماركوس بروتس!

ولكنها في الذاكرة الكروية العراقية تقترن اقترانا تاريخياً مذهلاً بالحارس العظيم ستار خلف بعد السقطة التراجيدية له أمام مصر في نهائي كأس فلسطين قبل سبع وأربعين سنة.. ففي تلك الموقعة أهتزّ مستوى حارسنا الشهير كما لم يهتزّ من قبل أو بعد ومنح المصريين فوزاً ثلاثياً كان يحتل نفس المثابة التي مثلتها طعنة بروتس في قلب القيصر الروماني، فكتب الناقد الرياضي الرائع ضياء المنشئ مقالاً فريداً على صفحة كاملة في صحيفة (الرياضي) عنونه: أصابع الاتهام تشير إلى ستار خلف ولسان حاله يقول: حتى أنت يا بروتس!

حملت هذه الكلمات كل صنوف الفصاحة والبلاغة، لهذا بقيت ماثلة في أذهان العراقيين سنوات طويلة، وهذا هو بالفعل ما يتركه النقد الرياضي الذي يتماهى مع الأدب.. نقد ربما يحمل كثيراً من القسوة، لكنه لا يحمل أي لون من التسقيط!

كنت استعيد كل ذلك وغيره من بطون الذاكرة، وأنا أرى هذه الهجمة الشرسة التي تركزت على حارسنا الدولي محمد حميد الذي كرّر أمام الزوراء خطأ فادحاً خلال استحقاقات محلية وخارجية، وكان يستحق النقد واللوم والعتب، ولكنه – وهذه قناعتي – لا يستحق أبداً أن يُقتل معنوياً، أو أن تتعرّض شخصيته أو أحلامه أو وظيفته كحارس مرمى للاغتيال تحت ذرائع شتى!

مسؤوليتنا في الإعلام أن نضع الخطأ والمخطئ تحت طائلة الحساب النقدي الموزون، وليست مسوؤليتنا أن نجرّد السيف من غمده لنقتل اللاعب مهما كان خطأه!

في مقال الدكتور ضياء المنشئ إشارة إلى أنه إلتقى الكابتن محمد الجندي مدرب المنتخب المصري بعد تلك الخسارة المُفجعة للعراقيين، فقال له الجندي: (حارس المرمى ستار خلف يهدي الفريق المصري كأس البطولة على طبق من ذهب).. الجندي قال ذلك وهو يضحك، طبقا لرواية المنشئ الذي راح يعدّد مثالب حارسنا وكيف تكفـّـلت أخطاؤه بتمهيد الطريق أمام المصريين للفوز الذي لم يكن في وارد حسابات البعض من لاعبيهم ونقادهم، حتى أن النجم المصري الشهير عبد العزيز عبد الشافي (زيزو) حرص على احتضان كأس البطولة لدى العودة من بغداد إلى القاهرة ورفض أن يشاركه أحد من أعضاء الوفد المصري مهمة حمل الكأس، وهذا ما ذكرته في ذلك الحين مجلة مصرية وأظنها (المصور) !

فعل المنشئ ما يفرضه الواجب من نقد يُعدّد الأسباب ويفصّلها ويضع اللوم على من يستحقه، وقد ذكر عبارات إتهامية كثيرة بحق الحارس ستار خلف، لكنه لم ينسَ أبداً إنسانية هذا النجم الدولي الشهير، ولم يضع بحقّه عبارات التهكم متدنية المستوى، والتي قرأتها بعد الخطأ الفادح المكرور الذي ارتكبه محمد حميد يوم السبت الماضي!

لم يشتم المنشئ ستار خلف، وحاشى أن يفعل وهو الصحفي المهذّب، ولم يطالبه بأن ينهي مسيرته في الملاعب، ولم يرسم له صورة ساخرة على أنه جسر تمرّ من تحته الكرات.. لهذا بقي مقال المنشئ خالداً في ذاكرة من عاش ذلك الحدث المؤلم.. وبقي الكاتب مثلاً أعلى في النقد الذي يتـّسم بالقسوة لكنه لا يشيرالى الاغتيال!

تبقى كلمات أقولها لحارسنا الدولي محمد حميد.. هذه ليست نهاية العالم.. وفي إمكانه أن يتأمّل مرّة وثانية وثالثة ما أقترفت يداه من أجل أن يحرص على التصحيح.. نعم لقد كان الثمن فادحاً لك ولفريقك ولجمهورك، ولكن عليك أن تأخذ العبرة بعد أن تتناسى كل سيول السخرية والشتيمة التي تجرّدت من كل إنسانية!