لماذا لا يستقر العراق؟

Monday 7th of October 2019 07:39:39 PM ,
العدد : 4521
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. مهندالبراك

تعيش أوساط واسعة على قلق ممض من عدم استقرار الدولة العراقية و المجتمع، و تتوه في أنواع التفسيرات

حتى وصلت أقسام منها بأن الأمور بيد السماء و لجأت الى الإيمان عسى أن يرشدها الى حل . . فيما يلاحظ كثيرون أن الجماهير و بعد مرور ستة عشر عاماً من الحكم الإسلاموي، أخذت تنفر و تبتعد عن القوى الإسلاموية الطائفية بشيعتها و سُنتها، عدا الأوساط التي ارتضت لنفسها أن تعيش على الفتات و الأوساط المستمرة على جهلها .

خاصة و إنه لم يتوضّح الى الآن لماذا مرّ العراق بظروف قلّ مثيلها في العالم، من دكتاتور أرعن أشعل حروباً مدمّرة بتشجيع من دول و قوى عالمية و إقليمية حينها، عارفة بكونه ماضِ بأحلام مريضة بانشاء امبراطورية عظمى بزعامته لايتدمّر فيها إلاّ شعبه . . و الى مشكلة أسلحة الدمار الشامل (التي تهدد العالم) كما صُوّرت حينها و التي لم يُعلن عن مصيرها لحد الآن، بعد أن صارت السبب الرئيس للغزو الاميركي للعراق، و بعدما استخدم الدكتاتور سلاح دمار شامل بحق الشعب الكردي، المكوّن الأصيل من مكوّنات البلاد، السلاح الذي كانت مكوّناته من الدول الكبرى ذاتها و مرّت من أمام عينها و شركاتها، بل و بموافقة منها. و أُعلن عن خطط لبناء شرق أوسط جديد يبدأ من تغيير العراق . . على أساس صراع الأديان و العروق و الطوائف، و على أساس الحريات ! . . و نُفخَ فيها. في سياسة لإعادة تقسيم العالم و (إعادة بنائه) على أساس المصالح، السياسة التي دأبت عليها الإدارة الأميركية أساساً، بدفع من الشركات و الإحتكارات متعددة الجنسية العملاقة، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي و تفكك تحالفاته و انتهاء نشاطاته الضخمة في دعم الشعوب و حركات التحرر في العالم. 

و بالنتيجة لم يحصل العراق إثر كل النضالات القاسية و أنواع تضحيات ابنائه من كل مكوّناته رجالاً و نساءً لإسقاط الدكتاتورية، الاّ على حكم إسلاموي طائفي قائم على أساس محاصصة طائفية و إثنية جامدة تتنازع أطرافها بكل الوسائل، و لم تحصل فيها القوميات الثانية، و الطوائف و العروق الأصغر على حقوقها العادلة، بقدر ما تحقق منها صورياً، و ازدادت أوضاع الجماهير الكادحة ـ التي تتزايد ـ بؤساً و حرماناً، رغم أنواع الإحتجاجات و المطالبات السلمية التي ووجِهت بالرصاص الحي و خراطيم الماء الحار في الصيف القائظ . . 

حكم أرجع البلاد و دولتها و مجتمعها سنيناً الى الوراء و كأنه يحقق ماتوعّد العراق به وزير الخارجية الأميركي الأسبق (جيمس بيكر) في سنوات الحصار الجائر على البلاد " سنُرجع العراق الى زمن ماقبل الكهرباء !! ". 

و يرى مثقفون و رجال علم مستقلون عراقيون و عرب و أمميون، إن ماجرى و يجري في العراق من تدمير و خطط حكم و تعديلات هو جسر أو غطاء لتحقيق اهداف ستراتيجية عظمى لايُكشف عنها الاّ بعد الانتهاء من تنفيذها و تحقيق ثمارها لتلك الشركات العملاقة، و لكن بدأ يتسرب شيئاً من أسباب تلك الخطط . . فالشركات العملاقة تحافظ على سرية معلوماتها و تعاقب بأشد العقوبات منتسبيها إن افشوا أسرارها ذات القيمة الفلكية. 

و يشيرون الى إنه في النصف الثاني من ثمانينيات القرن المنصرم و خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، توصلت برامج البحوث الفضائية و انواع الليزر الفضائي الى، ان العراق بالذات و المنطقة أغنى بكثير مما كان يُتصوّر، فإضافة لكونه يعوم على بحر من النفط العالي الجودة، فإنه يحتوى على مكامن فلكية للغاز، في عصر تحوّل العالم من عصر النفط الى عصر الغاز ، اضافة الى مكامن الذهب و اليورانيوم !! 

و قد يكون الأهم بتقديرهم هو اكتشاف، أن العراق هو احد الدول النادرة (بعد الصين المشهورة عالمياً بها و الكونغو و غيرها . . ) التي تمتلك المعادن النادرة (الأملاح الأرضية) التي تُستخرج من قشرة الأرض، و هي جوهر و روح الصناعة و التطور الحضاري لعالم اليوم . . التي يمكن تصوّر أهميتها حين اوقف الرئيس الاميركي " ترامب " قبل أسابيع قراره بمقاطعة المنتجات الصينية لـ "هواواي "، إثر تهديد الرئيس الصيني " شي جين بينغ " بإيقاف تصدير المعادن النادرة الى الولايات المتحدة الأميركية إن لم يوقف قراره.

و لمعرفة شيء عن المعادن النادرة يمكن مراجعة كتاب "حرب المعادن النادرة: الوجه المخفي للإنتقال الطاقي والرقمي" للكاتب الفرنسي المتخصص " غيوم بيترون " الذي أصدره إثر إيقاف البحرية اليابانية قارب صيد صيني في أيلول 2010، و رفضت إطلاق سراحه بعامليه كما طلبت الحكومة الصينية، فأعلنت الأخيرة إيقافها تصدير المعادن النادرة إلى اليابان عقاباً لها، وهو ما اضطر طوكيو إلى التراجع عن قرارها والانصياع لرغبة بكين، خوفًا من نتائج سلبية قد توقف عمل شركاتها المهمة، مثل سوني وتوشيبا وتويوتا.

و تشير ناسيونال جيوغرافيك الى أن هذه المعادن، يربو عددها على الثلاثين من التيتانيوم، التينتيوم، الزئبق الأحمر، الكوبالت، البلاتين . . وهي المهمة جداً لإنتاج الطاقات البديلة، مثل الهوائية والشمسية ولإنتاج الأجهزة الدقيقة والرقمية الحديثة، مثل الهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية والبطاريات القابلة لإعادة التعبئة وحتى الألياف البصرية. و بدونها لا تكون الهواتف المحمولة صغيرة الحجم، بل بحجم الطابوقة، ولن تكون فيها شاشة تعمل باللمس. ومن دون هذه المعادن أيضاً لا يمكن تسيير قطار بسرعة 500 كم في الساعة، ما يعني أن مستقبل التطور في الكرة الأرضيّة يعتمد عليها، ولذلك يرتفع إنتاجها أكثر فأكثر لسد حاجة السوق العالمية.