الروائي المغترب نوزت شمدين لـ (المدى) : الرواية لا تقول الحقيقة وحدها وهي أصلاً غير ملزمة بأداء هذا الدور

Monday 7th of October 2019 08:03:35 PM ,
العدد : 4522
الصفحة : عام ,

حاوره : عامر القيسي

انتقالات البحث عن خطاب تعبيري 

انتقل من مملكة الشعر ومارس المحاماة ثم توغل في عالم الإعلام واستقر أخيراً في محطة الرواية وغواياتها ،

التي يقول عنها بأنها قد استحوذت على صولجان الخطاب الأدبي من مملكة الشعر العراقي .

هل كانت هذه الانتقالات هذه الانتقالات اضطرارية أم البحث عن صيغة لخطاب لم تستطع قوله في المحطات الأولى ؟ يقول شمدين "نظم الشعر وحده غير كافٍ ولم أكن لأصبح شاعراً مهما خربشت في سبيل ذلك، لم أولد شاعراً. بخلاف القصة التي لم أتوقف عن كتابتها ولدي فضلاً عن المنشور منها عدد غير قليل من القصص المنتخبة التي أفكر حالياً بنشرها في مجموعة قصصية جديدة. أما بالنسبة للرواية فقد سبقت تفرغي للصحافة، إذ نشرت أول رواية(نصف قمر)عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد سنة 2002. وبين الواقعي(الصحافة)والمتخيل(الأدب) كانت لدي تجربة لم تعمر في مجال ممارسة المحاماة سوى لثمان سنوات فقط تخصصت فيها بالعمل مشاوراً قانونياً لشركات في القطاع الخاص. هذا الثالوث كان تأثيره كبيراً في مشغلي الروائي ودرعاً منيعاً في عملي الصحفي. فنتج عن الأول مزج الواقع بالخيال في (سقوط سرداب)و (شظايا فيروز)وقصص كثيرة أنجزتها ونشرتها. وفي الثاني منحتني الثقافة القانونية مقدرة على التخلص من مطبات كثيرة كنت سأقع فيها لو كنت جاهلاً في القانون ومنحتني رؤية خاصة وفهماً للكثير من الأحداث والقضايا التي تناولتها خلال ممارستي لمهنة المتاعب.

الرواية وحدها لاتقول الحقيقة 

ورغم خروجه من مهنة المتاعب أو مهنة البحث على الحقيقة ، إلا أنه شنّ مايفهم بأنه هجوم على الإعلام وقال" غالباً ما يكون سطحيّاً ومسيساً، مع أو ضد"، وعلى المؤرخين شنّ هجوم آخر فقال " منطقتنا نادراً ما أنجبت مؤرخاً حيادياً كتب غير متأثر بجيوب السلاطين أو سيوفهم"..فهل يعتقد شمدين أن الرواية وحدها من تقول الحقيقة وهي النافذة الوحيدة السردية لهذا القول ؟ يقول مدافعها " قُدر لي العمل صحافياً في الموصل التي لم تعرف الهدوء بدءً من سقوط النظام الدكتاتوري والاحتلال الأمريكي، مروراً بما يعرف في الموصل بالسقوط الثاني في 11/11/2004 حين سيطرت عصابات القاعدة على مراكز الشرطة واستولت على الشارع لتعمل فيه قتلاً وتفجيراً يومياً وصولاً إلى إعلان الدولة الاسلامية في العراق سنة 2006 وتضخم مسخها لتصبح خلافة داعش بعد حزيران 2014. طوال تلك الفترة كان غالبية العاملين في حقل التوثيق التأريخي ومازالوا يوثقون للقشور تاركين لب الأحداث في دهاليز الغموض بالنسبة للأجيال المقبلة. تماماً مثلما فعل أئمة الجوامع الذين كانوا معتادين على الـ(فلاش باك)الإيماني متحدثين بذريعة الوعظ عن مواقف وشخصيات ماتت قبل قرون عديدة متخاذلين بذلك عن واجبهم الأساسي كما يدعون هم بتوجيه المجتمع المصاب بشتى الأمراض. وبدلاً من ذلك ساهم كثير منهم وبنحو فاعل في خراب المدينة عندما منحوا ولائهم المعلن أو غير المعلن لداعش. والإعلام لم يكن أفضل حالاً فلا وجود فعلي لمؤسسات إعلامية بالمعنى الدقيق في نينوى لأن العاملة منها مرتبطة بسياسيين، تنتعش إذا بقوا في مناصبهم وتتوقف فور خروجهم منها ليلتحق العاملون فيها بجيش البطالة. هدفها الرئيس تلميع صور أصحابها أو بتشويه صور خصومهم وهذا ما يحدد تسلسل الأخبار فيها ويسير خطاب برامجها وبهذا الشكل كان يجري عملها في وقت كانت ماكنة الإرهاب تحصد أرواح الصحفيين وتجبر الناجين منهم على التخفي وتجنب تناول المواضيع التي تشكل خطراً على حياتهم.وقطعاً فإن الرواية لا تقول الحقيقة وحدها وهي أصلاً غير ملزمة بأداء هذا الدور بنحو كامل، لكنني وجدت إزاء ما قلته أنفاً أن من واجبي تناول قضايا مسكوت عنها وفقاً لرؤيتي الخاصة عبر شخوص ومواقف متخيلة. ومن جملة ما تناولته على سبيل المثال العثور في زمن النظام السابق على قصر آشوري تحت جامع النبي يونس في الموصل وكيف تم ردم الفتحة المؤدية إليها بالكونكريت وقتها وربطتُ ذلك بتفجير تنظيم داعش للجامع ومن ثمة التنقيب تحته وسرقة الآثار من القصر الأشوري. وخلال ذلك طرحت سيرة الجامع الذي يعتقد الناس أنه كان يضم جثمان النبي يونس، في حين أن أغلب المصادر تشير إلى أنها رفات قس مسيحي لأن الجامع كان كنيسة قبل الفتح الأسلامي وقبلها كان معبداً يهودياً. وكذلك في رواية (سقوط سرداب) وهي قصة شاب قضى أكثر من أثنتي عشرة سنة مختبئاً في سرداب البيت خوفاً من أن يلاقي مصير والده الذي اختفى في الحرب العراقية - الإيرانية. كل ما كان في السرداب خيال تام وما في الأعلى وقائع للوضع العام الذي كان أهل الموصل يعيشونه خلال فترة الحصار. كثير من المواقف التي لن نقرأ عنها أبداً في كتب من يدعون بأنهم مؤرخون. 

يعفي نوزت نفسه من تلك التهم حيث كان يدير موقع " باشطابيا " الذي قال عنه هو الصحافة الحرة وأنا رئيس جمهوريتها هنا " ويقول عمّا يعنيه بهذا القول : أعني بأن الموقع غير مرتبط بسياسة مصدرها جيب الممول الذي يكون في الغالب ذو أجندة غايتها تحقيق أهداف ومنافع شخصية أو حزبية. أن يكون الموقع وببساطة لسان حال المواطنين قدر الإمكان ولا يرضخ لأي جهة أياً كانت.

هل هي روايات حرب ؟ 

وصف الكثير من النقاد رواياته بانها روايات حرب ، الى أي مدى يتفق او يختلف مع مثل هذا الطرح ..وهل يعتقد ان هذا المصطلح صح أم خطأ ، هل توجد رواية للحرب واخرى للسلام ؟ يقول نوزت عن هذه التساؤلات : كل ما يعيشه المجتمع العراقي سببته الحروب المتلاحقة. لذا فمن الطبيعي أن يكون لها أو لتداعياتها مساحةً في العمل الأدبي. ثم أنا من جيل بددت الحرب مع إيران طفولتنا وامتصت حرب الكويت والحصار الاقتصادي رحيق شبابنا. لتأتي حرب إسقاط النظام وما تبعها من إرهاب وانعدام للأمن على أحلامنا بعراق لا فساد فيه أو فوهة بندقية تراقب حركاتنا أو تترصد كلماتنا. خزين هائل من المواجع لن تحتويها سوى الرواية وهذا سر انتعاشها في العراق خلال السنوات الأخيرة. ونحن في النهاية لن نكتب إلا عن أشياء نعرفها.

صراع من يحكم من ؟ 

روايته (ديسفيرال ) هل هي رواية الثلاسيميا الذي أصاب الجسد الاجتماعي العراقي ، أم إنها غور في التجليات الانسانية لاصابة الوليد ، هل الوليد الجديد رمز لهذه الاصابة ؟ هل هي صراع بين الموت والحياة ؟ هل هي صراع بين الماضي والحاضر ؟ " يعترف نوزت : نعم، قد يشكل الوليد المصاب بالمرض المزمن المميت رمزاً يمثل الوضع العراقي بعد 2003. احتلال أنجب نظاماً لن يعيش طويلاً بسبب ما فيه من عيوب. كما أنني أشرت من خلال صراع العائلتين في الرواية إلى صراع السلطة المشتعل بين الفريقين السني والشيعي منذ قرون. هكذا هو الأمر إنه صراع من يحكم من أو من الأولى بالحكم. والعراق قد يكون البلد الوحيد على هذا الكوكب الذي يعاني شعبه من ثلاثة صراعات متداخلة (طائفي، قومي، مناطقي) فما أن يخمد بركان أحدها حتى يبدأ الأخر بقذف حممه. نحن نعيش وضعاً شاذاً جداً أصبحت فيه المحاصصة الطائفية والقومية وتقديس شخصياتهما أساساً ومنهجاً قائماً ومتبعاً على حساب العراق كوطن ينبغي أن يعيش فيه الجميع بنحو متساوٍ ويعملوا على حمايته وازدهاره. 

يغرق نوزت روايته (ديسفيرال ) بالمصطلحات العلمية ، بل حتى العنوان الذي لانكتشف إلا ، ربما وسط الرواية ، بانه اسم لعلاج من الثيلاسيميا ، ما الغرض من هذا الاغراق ، حتى أن احد القراء المتابعين لأعماله، قال إنه استنجد بالانترنيت لمعرفة معاني بعض المصطلحات ...؟ : على العكس، يدافع نوزت ،حاولت قدر الإمكان التخلص من المصطلحات الطبية والتي اضطررت لإيرادها بسبب أهميتها شرحتها على لسان الشخوص بإسهاب. قد تعني بسؤالك العنوان تحديداً. سبب تمسكي به حقيقة هو رغبتي في أن يلفت الأنظار إلى قضية المرضى الذين يموتون بصمت في مجتمعات الشرق الأوسط وخصوصا في العراق. فالدواء(ديسفيرال) يرمز إلى معاناة ذوي المرضى ومكابدتهم من أجل الحصول على الدواء باهظ الثمن في ظل تخلي مؤسسات الدولة المعنية عن مسؤولياتها تجاه المرضى وعدم تعاملها بجدية مع المرض، إذ لا توجد مستشفيات متخصصة والعراق ليس عضواً في السجل الدولي للمتبرعين بنخاع العظم. فالمريض بحاجة لينجو من المرض إلى متبرع بنخاع العظم وهي مهمة تشبه البحث على ابرة في كومة قش. وإذا سمحت له العناية الإلهية بالعثور على متبرع فانه يحتاج لإجراء عملية زرع نخاع العظم في إيطالياً على سبيل المثال وبتكلفة تصل الى مئتي الف دولار. علماً أن الغالبية الساحقة من عائلات المرضى فقيرة ومعدمة. فضلاً عن كل ذلك فالعنوان يمثل رسالة للدولة العراقية وكذلك للدول في المنطقة بضرورة تبني إجراء فحص ما قبل الزواج من أجل تجنيب المواليد الجدد الإصابة بهذا المرض اللعين. 

يدخل داعشياً على خط السرد الروائي ليسأل القارىء هو دلالة محايثة لمرض الوليد في البنية الاجتماعية ؟ ما القاسم المشترك لهذ الدخول ؟ يقول : الجماعات المسلحة المتشددة في الموصل والتي اختتمت بداعش أثرت وبنحو مباشر على حياة الناس وفي مختلف الصعد. فقد كانوا يبتزون كل فئات المجتمع تقريباً بمبالغ شهرية. ويخطفون الرافضين ويقتلونهم أو يطلقون سراحهم مقابل فدية وهذه من بين الحقائق التي لن تجدها أيضاً في كتب المؤرخين. 

وحدث أن سلبوا أموالاً كان يجمعها أهالي مرضى من أجل إجراء عمليات لأبنائهم. كما أن عناصر التنظيم حاولوا تجنيد مرضى للقيام بإعمال انتحارية على أساس أن أعمارهم قصيرة بسبب المرض وأنهم يريدون لهم ضمان الجنة فيما لو فجروا أنفسهم وقتلوا بعضاً من الكفار !.